الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
258 - السيالة (كان حيا 1270 هـ)(1874 م)
محمود بن محمد ابن الحاج محمد السيالة الصفاقسي «أحد عدول تونس وأعمالها، ومن علماء صفاقس وحكمائها، الشاذلي، القادري «هكذا عرف بنفسه في بعض رسائله، وهو من أحفاد الشيخ علي الأومي للبنت، ولا نعلم من شيوخه الذين تلقى عنهم ببلدة صفاقس سوى الشيخ المؤرخ محمود بن سعيد مقديش وابنه العالم الرياضي محمود مقديش حينما كان مدرسا بصفاقس قبل أن ينتقل إلى تونس، ويحترف التجارة، ويتصل بالوزير أبي المحاسن يوسف صاحب الطابع الذي عينه وكيلا على عشر الزيت وشرائه للدولة، ونالته محنة على يد الوزير شاكير صاحب الطابع، فهاجر إلى المشرق، وتوفي بجدة سنة 1250/ 1835، وقد قرأ عليه الرياضيات والمنطق وعلم الكلام.
هذا غاية ما استطعت أن أجده عن حياته العلمية بصفاقس، ويستروح من رسالة له خاطب بها القاضي المالكي بالحاضرة تشكى أثناءها من بعض خصومه أنه تلقى العلم عن شيوخ جامع الزيتونة بتونس حيث قال فيها:«ثم بلغني أنه يبحث عن أصلي وعلمي، ويبحث عن فرعي وفهمي، فأخبروه بأصلي وعرفوه بنسلي، وقولوا له: قد انتشأ أصله ندرا لجوهر، وحلى بالياقوت والكوثر، ومعارفه في العلوم لا تخفى، ونظامه ونثره لا يجفى، قد روى روايات العطر والزبد، وله اجازات في العلوم من الاكابر بالسند» ، وأكابر العلماء موجودون بتونس إذ ذاك، وبهذا يصح له الافتخار، ولو اقتصر في التلمذة على علماء بلده لم يصح له الافتخار، ولا اقناع خصمه بمكانته العلمية.
ويبدو أنه بعد استكمال معلوماته درس بصفاقس بصفة حرة، وانتصب شيخا مربيا بالطريقة القادرية. وفي 9 رمضان 1242/ 1827 صدر له أمر من حسين باي الثاني في ولايته عدلا موثقا بصفاقس. وكان هو ووالده من مستوري الحال فافتقرا بعد أن لحقتهما مظلمة باعا فيها أملاكهما من منقول وعقار وكان الجو مظلما والعلاقات متوترة بينه وبين قاضي صفاقس الشيخ محمد شيخ روحه وأحد أتباعه من العدول محمد كريشان.
ولم يكن القاضي نقي الماضي، نظيف السيرة نزيها على ما يستفاد من رسالة لصاحب الترجمة وجهها إلى الوزير صاحب الطابع غير مؤرخة جاء فيها «فقد كنت أنا ووالدي نستغني بالله عن الزمان، إلى أن وقعت لنا محنة من بعض أهل الطغيان، فبعنا فيها أثاثنا ودار سكنانا، وبعد وفاة والدي بعت ما بقي من ذلك، خلصت ما بقي علينا من دين، بما يبكي به القلب والعين، ولا بقي علي من بعض مخلفاته إلا بعض رسوم فيها دين على العربان، فطلبت أهلها إلى شريعة النبي العدنان (1) ومكثت أياما أتردد على محكمة هذا القاضي، وهو مشغول بالبيع والشراء، وليس لحكم الشريعة قاضي، والناس على بابه واقفون (2) يتهارجون بالخطاب، ولم يشعر بهم ويرد عليهم الجواب، ففي بعض الأيام وأنا مستند إلى حائط في هذا المقام، إذ بازائي ثلاثة من الرجال يتحدثون على هذه الأحوال، فسمعت بعضهم يقول: إن مال هذا القاضي أصله من مال القائد أحمد السبعي لأن والد هذا القاضي كان وكيله في القبض والدفع، وقال الآخر: وكذلك صار له أيضا من شركة الشيخ المكي من غير ظن عندي ولا شك، وقال الآخر:
كذلك صار له من مال الغربي الغشام، وربطوهم (3) على ذلك الحكام، فبادرت إليهم بالاعلام - واللسان لا يرجع عن الكلام - فقلت لهم: إني أعرف هذا وأعرف شيئا آخر سمعته من خالي العدل محمد الأومي قال
(1) الصواب: العدناني، والحرص على استقامة السجع أسقط ياء النسبة.
(2)
الصواب: واقفين بالنصب على الحال ولا يصح أن يكون نعتا لأن المنعوت معرف بالألف واللام.
(3)
تعبير عامي معناه سجنوهم.
لي: كان رجب رايس (1)، والجيلاني رايس، كل واحد منهما وضع أمانة عند هذا القاضي عن كرات ليدخروها للشدائد والغصرات، فمات الريسان في الجهاد، وبقي هذا المال بيد هذا القاضي ووالده إلى الآن، فسمع هذا القول مني بعض الوشاة، وبلغوه إليه فخلفني حافي بين العراة، ومع ذلك في الخصام يعاكسني، وفي مطالبي يدفعني، ويقطع عني المنافع، وضيّع لي كل حق ساطع، وبقي ديني ودين والدي عند العرب ولا رأيت منه خلاص ولا أمان (2).
وأعلم - يا سيدي - أن لزوجتي زيتونا ببلد حزق (3) فغار (4) علينا هذا القاضي وافتك منا أربعة قراريط وكذلك صاحبه محمد كريشان افتك لنا من ذلك عدة قراريط، وكذلك أصحابهما الطغاة من أهل حزق قد استولوا على عدة قراريط واستغلالاتها».
وهذه المضايقات المستمرة من القاضي والعدل التابع له الجأته إلى الهجرة إلى الحاضرة مباشرا لخطة العدالة نفسها، وقد أشار إلى ذلك في خطبة رسالته «المنافع الحاضرة في النوازل الحادرة» إذ قال:«وقد هتكني بالتهمة قاض جهول، وافترسني بالحيلة عدل ذهول، إذ هو عن تعديل العدالة مكبول، وعن معرفة الحقائق مفصول، فارتحلت إلى مدينة تونس الخضراء لنحتمي بمن يفرج كربتي والغصر (5) فصرت بها كاني طير بلا وكر، وعابر بلا مقر» .
وفي تونس أصبحت له علاقة طيبة مع الشيخ محمد البحري بن عبد
(1) أي رئيس البحرية وكان رؤساء البحرية على جانب من الثراء في ذلك الوقت للاحتياج إليهم في نقل البضائع، وفي القرصنة البحرية.
(2)
الصواب: خلاصا ولا امانا، والحرص على استقامة السجع يضحي بقواعد النحو.
(3)
بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة والقاف المعقودة في آخر من القرى القريبة من جبنيانة.
(4)
صوابه: فأغار.
(5)
كلمة عامية آخرها هاء هكذا «غصرة» وهي بمعنى الشدة والضيق.