الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطاع فأمره بنصرك على هذا الخارجي، فبعث إليه الأمير وأعلمه بالأمر، واستشاره في قتاله، وأن يعلم الناس بعرض ذلك عليهم. قال له سحنون:
غشك من دلّك على هذا، متى كانت القضاة تشاورها الملوك في صلاح سلطاتها؟ ونهض من عنده. وأخباره كثيرة وفضائله غزيرة، ومواقفه في نصرة الحق شهيرة، لا يخشى العزل، ولا يخاف أميرا. ولابي العرب التميمي فيه كتاب خاص اسمه «فضائل سحنون» ولما مات رثته الشعراء منهم عبد الملك الهذلي وعبد الملك بن قطن.
مؤلفاته:
(1)
المدونة وهي المختلطة، والمتداول منها تهذيب البراذعي، سمع أقوال مالك من أبي القاسم، وبعد ذلك هذبها وبوبها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك، وذيل أبوابها بالحديث والآثار إلا كتبا منها متفرقة بقيت على أصل اختلاطها في السماع (باختصار من ترتيب المدارك للقاضي عياض 3/ 472 في ترجمة أسد بن الفرات) وفي الموضع نفسه من المصدر السابق: عليكم بالمدونة فإنها كلام رجل صالح وروايته والمدونة من العلم بمنزلة أم القرآن من القرآن تجزي في الصلاة من غيرها ولا يجزي غيرها عنها. طبعت المدونة في 16 جزءا بالقاهرة سنة 1323 هـ.
(2)
مختصر في المناسك، مفقود.
المصادر والمراجع:
- الاعلام 4/ 125، ترتيب المدارك 3/ 585 - 626، البداية والنهاية لابن كثير 10/ 323، البيان المغرب 1/ 142، حياة الحيوان للدميري (مصر 2356) 2/ 17، الديباج 160 - 166، رياض النفوس للمالكي 1/ 249 - 280، الحلل السندسية 1 ق 1/ 285 - 288 (آخر ترجمة فيه) وأعاد ترجمته في 1 ق 769/ 807/3، طبقات علماء أفريقية للخشني (ط الجزائر 1914) 227 - 236، طبقات علماء أفريقية لأبي العرب التميمي (ط 2/) 184 - 187، طبقات الفقهاء للشيرازي، ص 155 - 156، شجرة النور الزكية 69 - 70، شذرات الذهب 2/ 94، العبر للذهبي 1/ 422 - 23، مرآة الجنان لليافعي 2/ 131 - 32،
المرقية العليا للنباهي 28 - 30، معجم المؤلفين 5/ 224، لسان الميزان 3/ 8، معالم الإيمان (ط 1/) 2/ 49 - 68، مجمل تاريخ الأدب التونسي 52 - 57، النجوم الزاهرة 2/ 303، وفيات الأعيان 2/ 352 - 354، الوفيات لابن قنفذ 26، الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي لمحمد النهلي النيال (تونس 1384/ 1965) 143 - 149.
233 -
ابن سحنون (202 (1) - 256 هـ) (817 - 870 م)
محمد بن سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي القيرواني، المحدث الفقيه المناظر، الإمام.
تفقه بأبيه وكان يقول لمؤدبه: لا تؤدبه إلا بالكلام الطيب والمدح، فليس هو ممن يؤدب بالعنف والضرب، واتركه على بختي فإني أرجو أن يكون إمام وقته وفريد أهل زمانه.
وقال: ما غبنت في ابني محمد إلا أني أخاف أن يكون عمره قصيرا، وقال: ما أشبهه إلا بأشهب، وسمع من ابن أبي حسان، وموسى بن معاوية الصمادحي، وعبد العزيز بن يحيى المدني، وغيرهم. ورحل إلى المشرق فلقي بالمدينة أبا مصعب الزهري، وابن كاسب، وسمع من سلمة ابن شبيب.
قال الخشني: «وكان في مذهب مالك من الحفاظ المتقدمين، وفي غير ذلك من المذاهب من المناظرين المتصرفين. وكان كثير الوضع للكتب، غزير التأليف، يحكى أنه لما تصفح محمد بن عبد الحكم كتابه وكتاب ابن عبدوس قال في كتاب ابن عبدوس: هذا كتاب رجل أتى بعلم مالك على وجهه أو كما قال، وقال في كتاب ابن سحنون: هذا كتاب رجل سبح في العلم سبحا. وكان كريما في نفسه سمحا بما في يديه جوادا بماله وجاهه كان يصل من قصده بعشرات من الدنانير، وكان يكتب لمن يعنى به إلى الكور فيعطي الاموال الجسيمة. وهذا عنه مستفيض عند أهل القيروان، وكان
(1) قال الخشني، وكان مولده على رأس المائتين.
وجيها في العامة، مقدّما عند الملوك، حسن العناية، نهّاضا بالأثقال، واسع الحيلة جيد النظر عند الحوادث والملمات».
وكان قد عني بسليمان بن عمران حتى استكتبه أبوه، ثم ولاه قضاء باجة، فلما مات سحنون، وولي سليمان بن عمران قضاء القيروان مكانه، أساء صحبة محمد بن سحنون، وفسدت الحال بينهما إلى أن وجه إليه سليمان فأتاه في خلق من اتباعه فأغلظ سليمان في القول، ومن جملة ما قال له:«ما أحوجك إلى من يمضغك قطن قلنسوتك هذه» ولم يجسر عليه بمكروه وانصرف. وكان سليمان يلقيه ويؤذيه بالقول، ثم تفاقم الأمر بينه وبين سليمان بن عمران القاضي حتى توارى ابن سحنون خوفا على نفسه فكتب أثناء تواريه إلى الأمير محمد بن الأغلب ما كتب عثمان بن عفان إلى علي بن أبي طالب متمثلا ببيت شاس بن نهار:
فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي
…
وإلا تداركني ولمّا أمزّق
فقال الأمير بن الأغلب: ومن يمزقه مزّق الله جلده، ثم رفع يد سليمان عنه، وامّنه منه، فرد سليمان غضبه على أصحاب ابن سحنون، فأخذ فرات بن محمد العبدي فضربه بالسياط. وبينما محمد بن سحنون يمشي يوما لقيه صاحب الصلاة بالقيروان المعروف بابن أبي الحواجب - وكان من أعدائه - فأومأ إلى أذنه فأمكنه ابن سحنون منها، فقال له سرا:
يا زاني، يا ابن الزانية، فأجابه ابن سحنون جهرا: نقضي حاجتك إن شاء الله، وأوهم من حضره أنه سأله حاجة، وسار ابن أبي الحواجب فأخبر سليمان بن عمران بما كان من قوله وبما كان من جواب ابن سحنون، فقال
له: إن كان الأمر على ما وصفت فتحفّظ، وركب ابن سحنون من يومه إلى أحمد بن محمد الحضرمي فسأله أن يزيّن للأمير تولية ابن طالب التميمي على الصلاة، فأجابه الأمير إليه، فخرج الحضرمي بذلك إلى ابن سحنون فسأله كتم ذلك إلى وقت الخطبة من يوم الجمعة، وأرسل ابن سحنون في طلب ابن طالب فأعلمه بذلك وقال له: تهيأ فإذا رأيت ابن أبي الحواجب قد خرج من المقصورة فقم أنت بين يديه وأرق المنبر وأخطب، فلما كان يوم الجمعة هجّر ابن أبي الحواجب إلى الجامع فنزل في المقصورة وأتى ابن طالب فركع إلى جانب ابن سحنون، وسليمان بن عمران عند المنبر، فلما خرج ابن أبي الحواجب من المقصورة وهي حجرة قبلي الجامع، ورفع رجله إلى درجة المنبر صعد ابن طالب على المنبر وقد تقلّد السيف، ومدّ القيم يده إلى ثوب ابن أبي الحواجب فجذبه وكان سليمان بن عمران جالسا وقد نعس حينئذ فما راعه إلا صوت ابن طالب، فعلت سليمان بن عمران كآبة وتهلّل وجه ابن سحنون، واستمر ابن طالب في خطبته وتمت الصلاة، وانصرف سليمان إلى منزله وجمع شيوخ القيروان وأمرهم أن يسيروا إلى الأمير ليزكوا عنده ابن أبي الحواجب ويسألوه رده إلى الصلاة فبلغ الخبر ابن سحنون، فوجه إلى الحضرمي فأعلمه بالأمر، فلما أطل القوم على القصر أرسل إليهم الحضرمي أما تستحيون أن تسألوا الأمير أن يحط ابن عمه ومن أراد التنويه به وأن يشرّف صاحبكم انصرفوا فإنا لم نسألكم عن تزكية ولا عن جرحة، فانصرف القوم، فكانت تلك أول نكبة سليمان بن عمران، ثم لم تزل أمور ابن طالب تنمي وتزيد إلى أن عزل سليمان بن عمران، وولي ابن طالب قضاء أفريقية مكانه.
حج ابن سحنون سنة 235/ 946، ونزل في مصر على أبي رجاء ابن أشهب بن عبد العزيز، فقصده علماء مصر ووجوههم يسلمون عليه، وابن المزني أطال الجلوس معه ليخلو به فلما خرج أبو رجاء سأله عنه فقال:
لم أر - والله - أعلم منه ولا أحدّ ذهنا على حداثة سنه.
وذكر أن رجلا من أصحابه دخل حماما بمصر عليه رجل يهودي فتناظر
معه فغلبه اليهودي لقلة معرفته فلما حج محمد بن سحنون سبقه الرجل وأنشب المناظرة مع اليهودي حتى حانت الصلاة فصلى ابن سحنون الظهر، ثم رجع معه إلى المناظرة حتى كانت العصر فصلاها ثم كذلك المغرب ثم إلى العشاء، ثم إلى الفجر، وقد اجتمع الناس وشاع الخبر بمصر الفقيه المغربي يناظر اليهودي، فلما كانت صلاة الفجر انقطع اليهودي وتبين له الحق وأسلم، فكبّر الناس وعلت أصواتهم، فخرج ابن سحنون وهو يمسح العرق عن وجهه وقال لصاحبه: لا جزاك الله خيرا كادت تجري على يديك فتنة عظيمة تناظر يهوديا وأنت بضعف، فإن ظهر عليك اليهودي لضعفك افتتن من قدّر الله فتنته أو كما قال.
مذهبه في الايمان.
كان لا يستثني في مسألة الايمان أي لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكان يقول: أنا مؤمن عند الله، وغالب ابن عبدوس وغيره، وكان ابن عبدوس وأصحابه وأهل مصر ينكرون ذلك عليه وعلى من يقوله وينسبون قائله إلى الارجاء. وكان ابن سحنون يقول: المرء يعلم اعتقاده فكيف يعتقد الايمان ثم يشك فيه؟ وبقي هو وأصحابه بعده بينهم وبين أصحاب ابن عبدوس وغيرهم في المسألة تنازع ومجادلات وكانوا يسمون من خالفهم الشكوكية لاستثنائهم. قال القاضي عياض: والمسألة قد كثر الخوض فيها وكلام الائمة عليها، والحقيقة فيها أنه خلاف في الألفاظ لا حقيقة، فمن التفت إلى مغيّب الحال والخاتمة وما سبق به القدر قال بالاستثناء ومن التفت إلى حال نفسه وصحة معتقده في وقته لم يقل به.
توفي بالساحل ونقل جثمانه إلى القيروان، وصلّى عليه الأمير ابراهيم ابن أحمد بن أحمد بن الأغلب وضرب على قبره قبة، وضربت الأقبية حول قبره وأقام الناس فيها شهورا كثيرة حتى قامت الأسواق والبيع والشراء حول