الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
287 - الشريف (1284 - 1354 هـ)(1866 - 1934 م)
.
ادريس بن محفوظ ابن الحاج أحمد الشريف البكري، الفقيه، الشاعر، نزحت عائلته من بلدة دلّس بالجزائر فرارا من الاحتلال الفرنسي، وذلك سنة 1262/ 1846، واستوطنت ببنزرت.
ولد بحومة المنزه ببنزرت، وبعد سنة توفي والده فكفله جده الحاج أحمد، ثم عمه الفقيه الحاج محمد الشريف.
حفظ القرآن ببلده ثم التحق بجامع الزيتونة، وجوّد القرآن بقراءة نافع عن الشيخ المقرئ محمد البشير التواتي، وقضى سنوات في التعلم على أعلام منهم: سالم بو حاجب، والعربي الميزوني، وعمر بن الشيخ، وحسين بن حسين، ومحمد النجار، ومحمد الطيب النيفر، ومحمد السماتي، ومحمد بيرم القاضي الحنفي، ومحمد جعيط، ومحمد الصادق الشاهد، ومحمد المكي بن عزوز، ومحمد بن محمود.
وبعد إحرازه على شهادة التطويع سنة 1313/ 1895 بقي سبع سنوات يدرس متطوعا في جامع الزيتونة، ويقضي بقية أوقاته مصححا بالمطبعة الرسمية، ثم رجع إلى بلده بنزرت في سنة 1321/ 1904 ولم يباشر خطة العدالة الممنوحة له ضمن أمر التطويع حيث كان في كفاف من العيش، ولذا فضل أن ينفع بدروسه، وانكب على الدراسة والتأليف إلى أن صدر له أمر التدريس سنة 1910 فصار يقرئ نهارا التلامذة بالجامع الكبير، وليلا عامة الناس بمسجد ابن عبد الرحمن، وبدروسه استفاد خيرة شباب بنزرت، وقد كان الإقبال عليها يزداد من يوم لآخر، وذلك بوصية من زعيم بنزرت الحبيب بوقطفة (1900 - 1943)، قال الأستاذ رشيد الذوادي: «ومما يذكر
عنه إنه كان يلقن الدروس، ويتوجه بنصائحه إلى المواطنين حتى في الطريق العام».
وفي هذا الطور كان مقبلا بشغف على مطالعة مجلة «الفتح» لصاحبها الكاتب الإسلامي محب الدين الخطيب، وجعلها مرجعا لدروسه.
وتقلد بعد التدريس إمامة الصلوات الخمس بالجامع الكبير سنة 1921، ثم تولى خطة الافتاء سنة 1923 إلى أن توفي.
وكانت له مواقف سياسية وقفها في مناسبات عديدة كونت له شهرة واسعة وذكرا جميلا، ومن أشهرها وأعظمها فتواه في عام 1932 في كفر المتجنّس وإنه تبعا لذلك لا يدفن في مقابر المسلمين، وسبب هذه الفتوى أن متجنسا توفي ببنزرت أرادت السلطة دفنه في مقابر المسلمين، فامتنع السكان وقاموا بمظاهرة، وتراجعت السلطة الاستعمارية ودفن هذا المتجنس بمقبرة مسيحية مهجورة.
قال الأستاذ رشيد الذوادي: «وقد سجل فيها (أي الحادثة) المرحوم محمد الحبيب بوقطفة دورا هاما. إذ بالإضافة إلى مقالاته الحماسية الرائعة حول هذا الموضوع في الصحافة التونسية أراد أن يفنّد ما تسعى إليه السلطة الحاكمة آنذاك من إرادة وسعي لمحو آثار الإسلام وطمس معالمه، فتقدم بسؤاله التالي إلى الشيخ إدريس مفتي بنزرت، وطلب منه إيضاح الحق وإنارة العقول، والتصدي لمن باعوا ضمائرهم وأرادوا تضليل هذا الشعب العربي المسلم» .وقد كانت السلطة الاستعمارية جاهدة في نشر التجنيس بين المسلمين إمعانا في سياسة المسخ والذوبان حتى تنام ملء جفونها لا تخشى المطالبة بالحقوق أو الاحتجاج أو قيام المظاهرات تعبيرا عن عدم الرضا بسياستها الملتوية الماكرة المستهينة بحقوق الشعب، ورجال المحكمة الشرعية بالعاصمة وقفوا موقفا متخاذلا ضعيفا هو أقرب إلى تأييد التجنيس خوفا على مناصبهم وأشخاصهم، ولا مجال للرد عليهم، ولكنها كلمة عابرة لتوضيح موقف الشيخ ادريس في هذا الظرف المكفهر، وشجاعته الأدبية
بحيث لم يخش الاستعمار وهو في عنفوان شراسته وبطشه، واستقامة ضميره الديني وخوفه من ربه بحيث لم يداهن ولم يجامل وكفاه مثل هذا شرفا وفخرا وطيب ذكرى.
نص السؤال:
هل يغسل ويصلى على المتجنس إذا مات وهل يدفن في مقابر المسلمين أم لا؟
فأجاب المترجم على هذا السؤال بما يلي:
جاء في «أحكام غسل الميت والصلاة عليه في أقرب المسالك» للعلامة سيدي أحمد الدردير وحاشية الشيخ سيدي أحمد الصاوي عليه حيث قال:
وحرما أي الغسل والصلاة على الكافر وإن صغيرا ارتد لأن ردة الصغير معتبرة قبلها المحشي المذكور بقوله: حيث كان يميز وإلا فلا تعتبر ردته بالإجماع وأما الدفن في مقبرة المسلمين فإنه مثل الصلاة والغسل إلا إذا اختلط بالمسلمين ولم يتميز منهم فإنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقبرة المسلمين، وكذا المتجنس لا يرث المسلم ولا يورث لقول صاحب الرحبية:
في رق وقتل واختلاف دين
…
فافهم فليس الشك كاليقين
فإن قيل لا علاقة بين الدين والجنسية؟
والجواب أن المتجنس لم يقصد خصوص الجنسية من انه عربي أو افرنجي وإنما دعواه أن تجري عليه أحكام الجنس الذي دخل فيه ونبذه لجنسيته ودينه وعدم إجراء الأحكام الشرعية عليه التي كان متمسكا بها وتجري عليه غيرها برضا منه وحينئذ لا دين له.
فإن قيل هل تقبل توبة المتجنس؟ انظر: «أقرب المسالك» باب ما جاء في الردة وأحكامها وغيره من كتب الدين، وانظر في تفسير قوله تعالى:
وإنما افتيت بذلك لقوله تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.}
وقوله تعالى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيّايَ فَاتَّقُونِ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الآية وقوله صلى الله عليه وسلم: «من سئل على علم نافع فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من نار» انتهى من ادريس بن محفوظ الشريف في رمضان 1351 الموافق 31 ديسمبر سنة 1932.
قال الأستاذ رشيد الذوادي: «وبهذه الفتوى ارتفع نجم الشيخ ادريس عاليا وقد تعزز جانبه بوقوف الشعب بجانبه، وقد ذاع صيت هذه الفتوى وعلقت عليها حتى الصحف العربية في الشرقين الأوسط والأقصى» .وكانت هذه الفتوى غذاء لنفوس الشعب خارج مدينة بنزرت في أنحاء الجمهورية وبعثت فيهم ثباتا وتصميما في مقاومة فتنة التجنيس.
وكان له ذوق فني ومعرفة بطبوع الألحان الموسيقية، وله الفضل الأكبر في نجاح الفنان البنزرتي معلم الرشيدية خميس ترنان، فقد كان يصحح له القصائد ويختار له جيدها، ويستمع له وينشطه.
وفي السنوات الأخيرة من حياته دفعه دينه ووطنيته للتشهير بانعقاد المؤتمر الأفخارستي بتونس من القساوسة والرهبان المسيحيين بتأييد من السلطة الاستعمارية، وخاب ظنهم في إعادة السكان إلى حضيرة المسيحية كما كانت في عهد الرومان، وكان انعقاد هذا المؤتمر المتحدي الفاشل فيما بين 11 - 17 ماي 1930.
وله شعر اتباعي تقليدي في الأغراض المطروقة في الشعر العربي كالمدح والرثاء والهجاء والوطنية، وله قصائد عديدة في ابطال الإسلام كعمر وعلي وخالد بن الوليد وأبي زمعة البلوي، وصلاح الدين الأيوبي لبعث النخوة والثقة في النفوس، وهذا الحنين إلى الماضي المشرق مبعثه حاضر غائم مظلم الأفق يثير اليأس في النفوس إن لم تستنجد بالماضي وتستلهم منه