المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[المقدمة] مقدمة الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌ ‌[المقدمة] مقدمة الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب

[المقدمة]

مقدمة الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله، ورضي الله عن صحابته الكرام، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك اللهم.

وبعد:

فقد ثبت في الخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي وعد الله وهم كذلك» (1) وبين أنهم يقاتل آخرهم الدجال (2) وينزل فيهم عيسى ابن مريم عليه السلام عند قيام الساعة.

وعُلم يقينًا أن هذه الطائفة هم من كان على منهاج النبوة، فعمل بالسنة ولزم الجماعة وسار على نهج السلف الصالح، وأن هذه الطائفة (أهل السنة والجماعة) لا يحصرهم زمان ولا مكان، لكنهم قد يكثرون في زمان ويقلون في آخر، وقد يكثرون في مكان ويقلون في آخر كذلك.

والمتأمل لحال المسلمين في القرون الأخيرة يجد أن أبرز أنموذج لهذه المسيرة الخيِّرة هي تلكم الدعوة الإصلاحية المباركة، ودعوة التوحيد والسنة، التي قام بها الإمام المجدد (محمد بن عبد الوهاب ت 1206هـ) ، وأيدها الأمير الصالح (محمد بن سعود ت 1179هـ)(رحمهما الله) التي ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في قلب نجد، ثم سائر جزيرة العرب، ثم امتدت آثارها الطيبة إلى كل أقطار العالم الإسلامي، بل إلى كل أرجاء المعمورة. ولا تزال بحمد الله كذلك.

وقد لوحظ، لا سيما مع الأحداث الأخيرة، حروب الخليج، وسقوط الاتحاد السوفييتي وأحداث (11 سبتمبر) بأمريكا وما أعقبه من تداعيات، لوحظ بصورة ملفتة ومريبة انبعاث كثير من المفتريات والأوهام والأساطير حول ما يسمونه:(الوهابية) .

(1) رواه البخاري (3640)(3641) ، ومسلم (1920) .

(2)

رواه أبو داود (1 - 389) ، والحاكم (4) ، وأحمد (4، 437) ، وكذا صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1959) .

ص: 5

وشاعت هذه المفتريات وهذه الأكاذيب حول الدعوة وأتباعها وعلمائها ودولتها (الدولة السعودية) ، وأسهم في ترويجها الحاسدون والمناوئون والكائدون وربما صدقها الجاهلون بحقائق الأمور.

وإن الباحث في حقيقة هذه الدعوة ومفتريات خصومها، وتحفظات بعض ناقديها، والكم الهائل مما قيل في ذلك وكتب، وما حشي في أذهان الناس تجاهها من تنفير وتضليل؛ سيصاب بالذهول والحيرة - لأول وهلة.

لكن ما إن يلج المنصف في عمق القضية فسيجد الأمر أيسر وأبين مما يتصوره، وحين يتجرد من الهوى والعصبية ستنكشف له الحقيقة، وهي: أن هذه الدعوة الإصلاحية الكبرى، إنما تمثل الإسلام الحق، ومنهاج النبوة، وسبيل المؤمنين والسلف الصالح في الجملة.

كما سيظهر له جليًا أن ما يثار حولها وضدها من الشبهات، إنما هو من قبيل الشائعات والمفتريات، والأوهام والخيالات، والبهتان. ومن الزبد الذي يذهب جفاء عند التحاكم إلى القرآن والسنة، والأصول العلمية المعتبرة، والنظر العقلي السليم.

وما أظن حركة من الحركات الإصلاحية واجهت من التحديات، والظلم والبهتان، كما واجهت هذه الدعوة، ومع ذلك علت وانتصرت وآتت ثمارها الطيبة (ولا تزال بحمد الله) في كل مكان.

وما ذلك إلا لأنها قامت على ثوابت الدين الحق (الإسلام) لكن هذه الحقيقة خفيت على كثير من الناس، فكان لا بد من تجليتها.

لذا فقد لزم الإسهام - في هذا المؤلف - (1) في تجلية الحقيقة، ورفع الظلم، ودفع الباطل ورد المفتريات والمزاعم، بالحجة والبرهان، واستجلاء الحقيقة من خلال الواقع وشهادة المنصفين.

فإنه من الحقائق الثابتة الجليَّة أن هذه الدعوة الإصلاحية إنما هي امتداد للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعون وأئمة الدين من الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل الحديث والفقه وغيرهم.

(1) وهو ملخص عن كتاب بعنوان: (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - حقيقتها ورد الشبهات حولها) مقدم إلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

ص: 6

إذن فهذه الحركة المباركة لم تكن إلا معبرة عن الإسلام نفسه، مستهدفة إحياء ما اعترى تطبيقه من قبل كثير من المسلمين من غشاوة وجهل وإعراض وبدع.

وحيث قد اشتهرت عند غير أهلها، وعند الجاهلين بحقيقتها باسم (الوهابية) فإن هذا الوصف انطلق أولًا من الخصوم، وكانوا يطلقونه على سبيل التنفير واللمز والتعيير، ويزعمون أنه مذهب مبتدع في الإسلام، أو مذهب خامس. وهذا ظلم.

فهي ليست سوى الإسلام والسنة كما جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليها السلف الصالح.

ولم يكن استعمال هذا الوصف مرضيًا ولا شائعًا عند أتباعها، ومع ذلك صار لقب (الوهابية) وتسمية الدعوة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الكثيرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين والمحايدين (تنزلًا) .

بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق (الوهابية) على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان.

إن أتباع هذه الحركة لا يرون صواب هذه التسمية (الوهابية) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام، لاعتبارات مقنعة كثيرة شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية، تتلخص فيما أشرت إليه من أنها تمثل تمامًا الإسلام الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة.

كما ذكرت أن هذه الدعوة وأتباعها ودولتها (الدولة السعودية في مراحلها الثلاث) قد واجهت، ولا تزال تواجه، تحديات كبرى كلها ترتكز على المفتريات والاتهامات، والشائعات والأكاذيب والأساطير التي لا تصمد أمام البحث الشرعي العلمي الأصيل والمتجرد.

وإن كان الناقدون قد يجدون في تجاوزات بعض المنتسبين للدعوة ما يتذرعون به في نقدها، لكن عند التحقيق تزول هذه التهم.

إذ إن الناظر في المفردات الجزئية لكل دعوة أو مبدأ، قد يجد فيها الكثير من الأخطاء والتجاوزات والتصرفات الشاذة والأقوال النادة والأحكام الخاطئة، أو الأمور المشكلة والمشتبهة التي تحتاج إلى تثبت أو تفسير أو تدقيق أو استقراء للوصول إلى حكم علمي تطمئن إليه النفس.

ص: 7

لكن أهل العلم وعقلاء الناس لديهم موازين علمية وعقليَّة وقواعد شرعية يزنون بها الأمور.

ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب تخضع لهذه القاعدة، إذ هي دعوة إسلامية محضة وسلفية خالصة، تسير على منهج السلف الصالح، فمردُّ الخلاف بينها وبين مخالفيها: الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وقد بينت أن ما يتهمها به خصومها من الاتهامات على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: من الكذب الصريح والافتراء والبهتان، وقد ورد ذكر كثير منه في هذا البحث.

النوع الثاني: مما يكون من اللوازم غير اللازمة، أو التلبيس، أو التفسير الخاطئ، ونحو ذلك مما يلتبس فيه الحق بالباطل ويجب رده إلى النصوص والأصول الشرعية والقواعد المعتبرة عند العقلاء، والمنهج الذي عليه الدعوة.

النوع الثالث: أخطاء وتجاوزات وزلات ليست على المنهج الذي عليه الدعوة، أو اجتهادات خاطئة أو مرجوحة، وقد تصدر من أيٍّ من العلماء أو الولاة أو العامة، والمنتسبين للدعوة. وكثير من الشبهات والاتهامات التي يتعلق بها الخصُوم للطعن في الإمام وأتباعه ودعوته من هذا النوع.

وقد عرضت هذا المنهج بشيء من التفصيل في هذا البحث ليكون القاعدة والميزان في تقويم الدعوة، وبيان مدى الظلم والإجحاف الحاصل لها ولأهلها في الاتهامات التي قيلت وذاعت عند الكثيرين، بل ومدى البهتان والكذب من قبل بعض الخصوم الذين ظلموا هذه الدعوة، أو ممن صدقوهم دون تثبت ولا نظر في المنهج والأصول التي عليها المعوَّل في النقد والتقويم، ودون اعتبار للحال والواقع الذي تعيشه الدعوة وأهلها.

وقد واجهت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - كسائر الدعوات الإصلاحية - صورًا عديدة من هذا الابتلاء والمواجهة والحرب الظالمة بجميع أنواعها من خصُومها، وما هذا الصراع إلا حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.

كما أن الصراع بين الدعوة وبين خصومها إنما كان صراعًا عقديًا بالدرجة الأولى، ومظاهر الصراع السياسي وغيره جاءت تباعًا؛ لأن الدعوة أعلنت نشر التوحيد والسنة، ومحاربة الشركيات والبدع السائدة، وأعلنت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وتحقيق العدل ورفع الظلم، والعمل بشرع الله في أمور الحياة ونشر العلم، ومحاربة الجهل

ص: 8

والدجل والسحر.

وهذا يتصادم مع مصالح أهل الأهواء والمنتفعين من شيوع البدع والجهل والتخلف.

هذه هي الحقيقة ولا شك.

وكل رسائل الدعوة وكتبها وأعمالها وتعاملاتها تدور على هذا الأصل: العودة للإسلام والسنة، كما هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح، نقية صافية من شوائب الشركيات والبدع والأهواء والجهالات والطرق والفرق، والدجل.

وهذا منبع الخلاف ومنشأ الصراع.

نعم، لقد واجهت هذه الدعوة المباركة: إمامها وعلماؤها وقادتها ودولتها، وأتباعها وأنصارها ومؤيدوها حيثما كانوا - ولا تزال تواجه - أصنافًا من الخصوم، وأنواعًا من التحديات والمفتريات والدعايات المضادة والخصومات بالباطل.

فهي إذن - كأي دعوة وحركة إصلاحية جادة - قد اصطدمت بقوى وتحديات وعقبات كبرى ومكائد عظيمة، وخصوم أقوياء، وأعداء أشداء من ديانات وفرق ومذاهب، ودول وجماعات، وعلماء ورؤساء وأمراء، بل وغوغاء وجهلة.

ومع ذلك كله كانت هذه الدعوة - حين قامت على الحق والعدل - تنتصر وتنتشر، فقد قاوم إمامها وعلماؤها وأتباعها وأمراؤها كل هذه التحديات، بقوة الإيمان واليقين والعلم والحلم، والصبر والثبات.

وإن الواقع ليشهد أن هذه الدعوة - رغم التحديات الكبيرة - كانت تظهر وتعلو وتؤتي ثمارها الطيبة حتى في فترات ضعف السلطة، بل وفي البلاد التي لا توجد فيها لها سلطان ولا قوة حين لا تملك إلا قوة الحجة، وما ذلك إلا لأنها تمثل الإسلام الحق الذي كتب الله له البقاء والظهور إلى قيام الساعة؛ ولأنها تملك عوامل البقاء والثبات ومقومات القوة والنصر؛ ولأنها تستمد القوة من نصرها لدين الله دين الحق والعدل، ومن وعد الله تعالى لكل من نصر هذا الدين كما قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40][سورة الحج، من الآية: 40] .

ولأنها كانت تخاطب العقول السليمة والفطرة المستقيمة، والقلوب الواعية المتجردة من الهوى.

إن من أقوى الوسائل لفصل النزاع بين المختلفين بعد التحاكم إلى الأصول الشرعية

ص: 9

والبراهين العقلية: شهادات الآخرين، وقد شهد لهذه الدعوة المباركة، وإمامها وعلمائها ودولتها وأتباعها كثيرون من أهل العلم والفكر والفضل والإنصاف، من العلماء والأدباء والمفكرين والساسة والدعاة، وغيرهم.

من المؤيدين، والمعارضين، والمحايدين، من المسلمين وغير المسلمين، ومن كل بلاد العالم ومنذ نشأة الدعوة إلى يومنا هذا.

وإن كل الذين شهدوا لهذه الدعوة وإمامها وعلمائها ودولتها وأتباعها، كانوا يستندون في شهادتهم لها إلى البراهين والدلائل القاطعة التي لا يمكن أن يتجاوزها المنصف إلا معترفًا بها، ولا ينكرها إلا مكابر.

فإن فيما قاله أهلها وكتبوه وفعلوه، وفي آثار هذه الدعوة الدينية والدنيوية العلمية والعملية، في العقيدة، والنظام والسياسية، وسائر مناحي الحياة ومناشطها، ما يشهد بالحق ويدحض الشبهات والمزاعم والتخرصات والاتهامات.

علمًا بأن الدعوة ودولتها كانت في مراحلها الأولى لا تملك من وسائل الدعاية والإغراء المادي ما يملكه خصومها كالأتراك وأمراء الأحساء، وأشراف مكة والبلاد المجاورة، وغير المجاورة.

ولو اقتصرنا في الدفاع عن الدعوة ودولتها على أقوال المحايدين وكثير من الخصوم في إنصافها والدفاع عنها لكان ذلك كافيًا في بيان الحقيقة ورد الشبهات، وإقناع من كان قصده الحق والتجرد من الهوى.

أما من كان دافعه الهوى والحسد أو العصبية أو المذهبية أو نحو ذلك من الدوافع الصارفة عن الحق فلا حيلة فيه، كما قال الله تعالى في هذه الأصناف وأمثالهم من أسلافهم:{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام: 4][سورة الأنعام، الآية: 4] .

فإذا كانت أحوال الدعوة، وأقوالها ومؤلفاتها، ومواقفها، وشهادات عقلاء الناس تشهد لها فهل بعد هذا البيان من بيان؟

والشهادات التي شهد بها كثيرون لهذه الدعوة المباركة كانت صادقة وطوعية، ونابعة من الضمير، فلم تكن نتيجة إغراءات ولا تضليل إعلامي، ولا ضغط سياسي، ولا تهديد ووعيد (لا رغبة ولا رهبة) ؛ لأن أتباع الدعوة ورجالها لم يكونوا يملكون شيئًا من ذلك، إلا الحجة والبرهان (الدليل الشرعي والعقلي) لكل من ألقى السمع وهو شهيد. ولذلك جاءت

ص: 10

شهادة المنصفين مفعمة بالصدق والشفافية والحماس البريء، وخالية من أساليب المجاملات وأيٍّ من أشكال التكلف أو دوافع الرغبة أو الرهبة.

وكانوا يستندون إلى المنهج الذي قامت عليه وإلى الواقع الذي تعيشه في مجتمعها، لا سيما من البلاد التي تشملها الدولة السعودية المعاصرة، التي تميزت بحمد الله بصفاء العقيدة وظهور شعائر الدين، واختفاء البدع ومظاهرها.

- وأنها حققت الغايات التي جاء بها الإسلام: من تعبيد الناس لله وحده لا شريك له، وطاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإقامة فرائض الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، وتطبيق الحدود، وتحكيم الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة، وابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة.

- وأنها رفعت المظالم والمكوس، والضرائب التي تثقل كواهل الناس، وسعت إلى تحقيق العدل والأمن، بالتحاكم إلى شرع الله، وتطبيق نظام القضاء بمقتضى الشريعة الإلهية.

- وأنها حررت العقول والنفوس من التعلق بغير الله، من التعلق بالبدع والأوهام، والدجل والشعوذة ونحو ذلك.

- وأنها هي الرائد الأول في أسباب النهضة العلمية والفكرية والأدبية الحديثة في جزيرة العرب وما حولها، وسائر البلاد العربية والإسلامية.

- وأنها تمثل الأنموذج الأسلم لحركات الإصلاح والتحرير الحديثة في العالم الإسلامي، وأنها تمثل الأنموذج الصحيح في الدعوة، في العصر الحديث في تحقيق الدين، وإصلاح الأفراد والمجتمعات، وتخليص الأمة من البدع والأهواء والفرقة ووسائلها، والتقليد والعصبية، والتزام منهج السلف الصالح في الدعوة ووسائله وأهدافه وغاياته.

- كما رأى كثير منهم بأن هذه الدعوة بأصولها ومناهجها وتجاربها هي المؤهلة بأن تنهض بالأمة الإسلامية اليوم، وتعيدها إلى سابق مجدها، وتجمع شملها على الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح.

- وأوضحت أن من أكبر الردود على المفترين على هذه الدعوة وأتباعها ودولتها تلكم الثمار الطيبة والآثار الحسنة للدعوة حين قامت على أسس الدين الحق، وقواعد الملة الحنيفية واعتمدت على الوحي المعصوم (كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) وسلكت سبيل المؤمنين - السلف الصالح أهل السنة والجماعة - فأعلنت راية التوحيد ورسخته في القلوب وأزالت مظاهر الشرك والبدعة، وحكمت بشرع الله تعالى: شاع بذلك الأمن والعدل والألفة، وانتشر العلم، واختفت

ص: 11

مظاهر الظلم والشتات والجهل والبدعة والخرافة.

- لقد كانت لهذه الدعوة المباركة آثار عظيمة وكبيرة غيرت معالم التاريخ، وعدلت مسار الحياة في الأمة الإسلامية كلها في جميع نواحي الحياة: الدينية والعلمية والسياسية والاجتماعية وغيرها.

ولم يقتصر أثرها الطيب على جزيرة العرب (ونجد بخاصة) ، التي ارتفعت في ربوعها راية التوحيد خفاقة وعلت فيها معالم السنة، وزالت آثار البدعة والفرقة والجهل، وساد فيها الأمن والوفاق.

بل تجاوز أثرها إلى بقية أقاليم الجزيرة العربية وإلى سائر أقطار المسلمين، فقام علماء ومصلحون، وقامت دعوات وحركات تسير على نهج هذه الدعوة السلفية النقية الصافية، في الحجاز وعسير واليمن والشام والعراق ومصر، والمغرب والسودان وكثير من البلاد الأفريقية، وفي باكستان وأفغانستان، والهند البنغال وجاوه، وسومطرة، وسائر الجزر الإندونيسية وغيرها.

وكان من أبرز ثمار هذه الدعوة قيام دولة إسلامية قوية مهيبة احتلت موقعًا مرموقًا بين دول العالم كله، والعالم الإسلامي بخاصة هي (دولة آل سعود) منذ أن ناصر مؤسسها محمد بن سعود إمام الدعوة وآزره على إعلاء كلمة الله. فقد كتب الله لها التمكين، وأعلنت التوحيد وحكمت بشرع الله تعالى، ومع ما تعرضت له هذه الدعوة والدولة من تحديات كبيرة، وخصوم أشداء إلا أنها كانت تنتصر في النهاية.

لقد تعرضت الدعوة والدولة (السعودية) في مراحلها الأولى لضربات موجعة لكنها كانت - حين قامت على التوحيد والدين والعدل والسنة - لا تلبث أن تنهض قوية فتية لأنها كانت تسكن القلوب، وقد ذاق الناس في حكمها طعم الإيمان، والأمن، والعلم والاجتماع.

ولا يزال الأنموذج الحي للدعوة ودولتها قائمًا - بحمد الله - تحتله هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) التي أرسى قواعدها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - على الأسس المتينة: التوحيد والشرع والعلم، وبناء دولة حديثة، تجمع بين الأصالة في تحكيم شرع الله وحمايته والدعوة إليه وتعظيم شعائره وخدمة مشاعره، وبين المعاصرة بالأخذ بأسباب القوة والنهضة والرقي، من غير إخلال بالدين والفضيلة.

ونسأل الله لهذه الدعوة وهذه الدولة المزيد من التمكين والنصر والتوفيق في سبيل

ص: 12

الإسلام، وأن يجمع بها كلمة المسلمين على الحق والسنة.

إن هذه الآثار الطيبة والثمار اليانعة الممتدة طيلة قرنين ونصف، هي الرد العملي والعلمي، الشرعي والمنطقي، والواقعي على مفتريات الخصوم، ففي الحال ما يغني عن المقال، لكن حين عميت أبصار أهل الأهواء وبصائرهم عن إدراك الحقيقة والاعتراف بها، وحين حجبت الحقائق عن الجاهلين كان لا بد من تجلية الحقيقة، والله المستعان.

ولا يزال كثيرون من الذين يجهلون الحقيقة عن المملكة أو يتجاهلونها، أو الذين يلمزونها أو يحسدونها يصفونها بأنها (دولة الوهابية) على سبيل اللمز والطعن.

وقبل الدخول في رد هذا اللمز في آخر هذا المؤلف - إن شاء الله - ينبغي أن أؤكد أن وصف هذه الدعوة بالوهابية يعد تزكية لا تقدر بثمن؛ لأن الوهابية التي يعيرونها بها يقصدون بها دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، والتي هي في الحقيقة: الإسلام والسنة وسبيل السلف الصالح، والتزام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما الوهابية على الوصف الذي افتراه الخصوم، والتي تعني (بزعمهم) مذهبًا خامسًا، أو فئة خارجة عن السنة والجماعة، أو التي تعني عند أهل الأهواء والبدع والافتراق وأتباعهم من الغوغاء:(بغض النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء. . .) أو نحو ذلك من المفتريات التي سيأتي ذكرها والرد عليها، فهذه المفتريات لا تعدو أن تكون أكاذيب وأوهامًا في خيالات القوم وعقولهم، أو شائعات صدقوها دون تثبت.

وقد ذكرت أن كل الذين أطلقوا هذه المفتريات والبهتان والذين صدقوا هذه الشائعات ليس عندهم من الدليل والبرهان ما يثبت شيئًا من مزاعمهم، بل المنصف والباحث عن الحقيقة يجد الأمر خلاف ما يفترون.

فها هي المملكة العربية السعودية (حكومة وشعبًا) كيان شامخ ملأ سمع العالم وبصره، ظاهرة بكيانها الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، والدولي وجميع أحوالها وإصداراتها العلمية والإعلامية والأدبية والثقافية، والفكرية وغير ذلك كله (إلا ما شذَّ) ينفي هذه المزاعم؛ إذن فالمثالب التي ينسبونها لما يسمونه (الوهابية) ودولتها وأتباعها لا حقيقة لها.

ولا يعني ذلك أننا نزكي أنفسنا مطلقًا، فإن عمل البشر مهما بلغ لا بد أن يعتريه النقص والتقصير والخلل والخطأ، والناقد بصير.

ص: 13

بل يجب أن نعترف أنه حصل في بلادنا ومجتمعنا كثير من التحولات السلبية في كل مناحي الحياة، وأُصبنا بأدواء الأمم في بعض الأمور، لكن مع ذلك لا تزال الأصول والثوابت والمسلمات قائمة ومتينة ومعتبرة بحمد الله.

والحق: أن الأمة الإسلامية، مع ما اعتراها من كثرة البدع والأهواء والجهل والإعراض والفرقة والشتات، إلا أنها لا تزال فيها بقايا خير، وولاء للإسلام، وهذا التصور الحق هو الذي دفع هذه الدعوة المباركة إلى السعي الجاد واستنهاض نزعة الخير في الأمة.

ولذلك لو أن الأمة الإسلامية سلمت من تضليل الخصوم، ودعايات السوء التي حالت بينها وبين التعرف على طبيعة الحق الذي يحمله منهج هذه الدعوة التي يعيرونها بـ (الوهابية) لاستجاب كثير من المسلمين لداعي الحق، وكان للمسلمين شأن آخر من العزة والقوة والاجتماع والهيبة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

هذا. . . وقد حرصت خلال هذا البحث كله أن أركِّز على التأصيل وبيان المنهج الذي سارت عليه الدعوة وأتباعها ودولتها، وتوثيق ذلك من كتبهم وأقوالهم ومواقفهم، والواقع العلمي، والعملي الذي يعيشونه ويعتمدونه؛ لأن هذا أجدى في كشف الحقيقة، وأبلغ في رد الشبهات وكشف الزيوف والمفتريات عليهم. ولذا آثرت الإقلال من المجادلات والتمادي في النقاش، وأحسب أن هذا أبلغ في البيان وأقرب للإقناع، وأجمع للشمل، والله حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

ونسأل الله تعالى أن ينصر الحق وأهله، وأن يخذل الباطل وأهله، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، وما فيه خيرهم وعزهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، وأن يقيهم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلى الله وسلم وبارك على خير الخلق أجمعين نبينا وحبيبنا محمد وآله، وارض عن صحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضل الله ورحمته آمين.

كتبه

ناصر بن عبد الكريم العقل

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة

بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

ص: 14