الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التلبيس واتباع المتشابه كما قال الله سبحانه عنهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7][سورة آل عمران، آية: 7] . وعليه فلا نتوقع أن يكون الحق الذي يقول به أهل السنة عند أهل البدع مقبولا. ولا نتوقع أن يكون النهج الذي عليه أهل السنة عند أهل البدع مرضيا. إلا من وفقه الله للتجرد للحق، (فليس كل أهل البدع يتعمدون الباطل لكنهم قد يجهلون الحق) .
أو من كان عليه الأمر ملتبسًا وهو يريد الحق أصلا، فقد يرجع للحق إذا انكشف له الأمر.
أو من كان ضحية التضليل ودعاية السوء فتكشف له الحقيقة بعد البيان.
أو من كان محايدًا يميل إلى العدل والإنصاف فينظر في دعاوى الطرفين. حتى يتبين له وجه الحق.
إذًا فليس من شرط تحقيق الحق تسليم الخصم وإقراره به. ولكن معذرة إلى ربكم ولعلهم يرجعون.
[كشف العوار]
[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]
3 -
كشف العوار: مما لا شك فيه أنه بظهور الحق ينكشف الباطل، وبطلوع الشمس تنجلي ظلمات الليل، وبشيوع العلم يرتفع الجهل، وبإحياء السنن تموت البدع.
وهذا ما حصل فعلًا عندما قامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، فقد كشفت عوار أهل البدع والأهواء والافتراق، وأظهرت جهلهم وزيفهم، حين قامت على الدليل - القرآن والسنة - واعتمدت منهج السلف الصالح، ونشرت العلم والسنة، وحاربت الشركيات والبدع والخرافة والجهل، ولذلك تداعوا عليها من كل مكان وأجلبوا عليها بخيلهم ورجلهم ولا يزالون، لكنها لا تزال ولن تزال - بحول الله وقوته - ظاهرة بالحق منصورة تحقيقًا لوعد الله تعالى وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم «لا تزال طائفة في أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (1) .
(1) تقدم تخريجه.
* دعوة إلى الإنصاف والموضوعية: وإنا لندعو أولئك الذين يروجون هذه الاتهامات والدعاوى، والذين ينصرونها إلى التروي والإنصاف والموضوعية، ومن القواعد والأسس العلمية والموضوعية، والقواعد الجلية التي ندعو إليها كل من يريد أن يحاكم هذه الدعوة وأهلها أو يقومها ويسددها، أو ينظر في حقيقة مقالات خصومها فيها ودعاواهم حولها إلى:
1 -
رد ما اختلف فيه خصوم الدعوة من المسلمين معها ومع أهلها إلى القاعدة المجمع عليها عند المسلمين وهي قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59][سورة النساء، آية: 59] أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالمنهج العلمي المعتبر عند مجتهدي الأمة، وهذا هو المنهج الذي سلكه إمام الدعوة وعلماؤها، فكانوا يعتمدون الدليل من القرآن والسنة وآثار سلف الأمة وأقوال علمائها كما سأبينه في مناقشة دعاوى الخصوم تفصيلا.
2 -
أن يكون الحكم عليها من خلال منهجها المعلن، قولًا وعملًا واعتقادا. من خلال منهج أئمتها وعلمائها ومؤلفاتهم ورسائلهم، وأقوالهم ومعاملاتهم التي عليها جملتهم.
3 -
أن لا يحكم عليها من أقوال خصومها دون تثبت؛ لأن الدعوة لها كيان وواقع ماثل للعيان في علمائها وأتباعها ودولتها ومجتمعها، وآثارها العلمية والعملية، مما يستدعى وجوب التثبت مما ينسبه إليها الآخرون من أقوال وأفعال ومواقف، فإن أكثره عند التحقيق لا يثبت، وما ثبت له وجه من الحق والعُذر.
4 -
يجب أن تكون النظرة في الحكم على الدعوة شاملة من جميع الزوايا والجوانب في الاعتقاد والقول والعمل والتعامل. لا من زاوية واحدة، ولا من تصرفات وأعمال ومواقف شاذة أو فردية، أو زلات عارضة، فإن العبرة بالأصول والمنهج، لا بالمفردات والجزئيات.
5 -
أن لا يحكم عليها بلوازم الأقوال والأفعال إلا حين تلتزمها، أو يثبت أن ذلك من منهجها بدليل قاطع.
6 -
يجب النظر في دفاعها عن الحق الذي تعلنه، فقد دافعت الدعوة عن مبادئها؛ إمامها ودولتها وعلماؤها وأتباعها ومؤيدوها، والمنصفون من العلماء وغيرهم، كلهم تصدوا للدفاع بالدليل والحجة والبرهان.
7 -
كما أن شهادات الآخرين لها بشتى أصنافهم - من المسلمين أو غيرهم - معتبرة وهي كثيرة
ومتنوعة من المسلمين وغير المسلمين، ومن مختلف الطوائف والشعوب، من علماء ومفكرين وأدباء وسياسيين ونحوهم.
8 -
ثم إنه ليس كل خلاف بين المتنازعين كأهل الدعوة وخصومهم - أو غيرهم - يكون معتبرًا ويعتد به شرعًا وعقلا. إنما العبرة بالموازين والقواعد الشرعية المستمدة من الأدلة الشرعية، (الوحي المعصوم) ، وبالبراهين العقلية المتفق عليها عند العقلاء.
وهذا لا يمكن أن يكون عند المسلمين إلا بالرجوع إلى الكتاب وصحيح السنة على نهج السلف الصالح في التلقي والاستدلال، وفي العلم والعمل.
9 -
يجب على الناقد والناظر في حقيقة هذه الدعوة أن يضع بعين الاعتبار أنها واجهت في الأمة أمراضًا مزمنة، ومعضلات كبرى، وأدواء مستعصية تحتاج في إصلاحها إلى دعوة قوية، وهمم عالية، ومنهج شامل، وتغير جذري (هو تجديد السنة وإحياء ما أهمل منها، وحرب البدع ومظاهرها) .
إن الدعوة واجهت قوى بدعية كبرى استشرت في جسم الأمة كالتصوف، والرفض، والتجهم، والمقابرية، والفرق المفترفة، والفلسفات، والشعوبية، والقبلية، والتقاليد والأعراف الموضوعة، والأطماع والشهوات والشبهات، والإعراض عن الدين، فمن هنا كانت ردود الأفعال والتحديات والمفتريات كبيرة كذلك.
10 -
كما ينبغي للباحث المنصف أن يضع في اعتباره كذلك، أن الدعوة تعرضت لمظالم كبرى. أولها الكذب والبهتان، والاستعداء الظالم، والإعلام المرجف، ثم المحاصرة الدينية والاقتصادية والسياسية من قبل الخصوم المجاورين والبعيدين. إلى أن وصل الحال إلى منع اتباعها من الحج ومنعهم بالقوة من إبلاغ الدعوة وإظهار شعائر الدين والتوحيد وقتل دعاتهم وحبسهم وطردهم، بل وصل الأمر إلى تجييش الجيوش لقتالهم في دارهم وبلادهم الأولى (نجد) .
11 -
أن أكثر ما رميت به الدعوة من خصومها والجاهلين بحقيقها من المفتريات، هي عند التحقيق العلمي المتجرد بريئة منه.
وحين نجد أنها بريئة منه؛ بالمقابل نجد أن هؤلاء الخصوم الذين بهتوها هم الواقعون بما افتروه على الدعوة، فهم كما يقال في المثل (رمتني بدائها وانسلت) .
فالتكفير والتشدد والقتال، وتنقص حق الرسول صلى الله عليه وسلم وإهانة الأولياء، والنصب والرفض، والتجسيم، والعدوان والظلم، والكذب والبهتان، والاستعداء والتضليل،