المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

المبحث الثالث

استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة حين أردت عرض نتائج الدعوة وآثارها وثمارها الطيبة على جميع المستويات وجدت أن أغلب فصول هذا الكتاب ومباحثه تؤكد على هذه الحقيقة، أعني أنه من خلال بيان غايات الدعوة ومنهجها، وعرض أقوال إمامها وعلمائها ومواقفهم، وعرض شهادات النخبة من العلماء والمفكرين من المسلمين وغير المسلمين، وتزكيتهم لهذه الدعوة، من خلال ذلك وغيره مما ورد في ثنايا الكتاب تتجلى الثمار الطيبة والآثار المباركة للدعوة، لذا اقتصرت في هذا الفصل على ذكر آثار الدعوة مجملة، وذكر نماذج من وصف هذه الآثار من أئمة الدعوة ومن غيرهم.

وأول ذلك وصف أحد علماء الدعوة وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن مذكرا أتباع هذه الدعوة، وما أنعم الله عليهم به في الدين والدنيا:

" وقد من الله عليكم - رحمكم الله - في هذا الزمان الذي غلبت فيه الجهالات، وفشت بين أهله الضلالات، من يجدد لكم أمر هذا الدين، ويدعو إلى ما جاء به الرسول الأمين، من الهدى الواضح المستبين، وهو شيخ الإسلام والمسلمين، ومجدد ما اندرس من معالم الملة والدين، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فبصر الله به من العماية، وهدى بما دعا إليه من الضلالة، وأغنى بما فتح عليكم وعليه من العالة، وحصل من العلم ما يستبعد على أمثالكم في العادة حتى ظهرت المحجة البيضاء، التي كان عليها صدر هذه الأمة وأئمتها في باب توحيد الله، بإثبات صفات كماله، ونعوت جلاله، والإيمان بقدره وحكمه في أفعاله، فإنه قرر ذلك.

وتصدى رحمه الله للرد على من نكب عن هذا السبيل على اختلاف نحلهم وبدعهم، متبعا رحمه الله ما مضى عليه السلف الصالح من أهل الإيمان، وما درج عليه القرون المفضلة بنص الحديث، ولم يلتفت رحمه الله إلى ما عدا ذلك، فوضح معتقد السلف الصالح بعدما سفت عليه السوافي، وذرت عليه الذواري، وندر من يعرفه من أهل القرى والبوادي، إلا ما كان مع العامة من أصل الفطرة، فإنه قد يبقى ولو في زمن الغربة والفترة، وتصدى أيضا للدعوة

ص: 367

إلى ما يقتضيه هذا التوحيد ويستلزمه، وهو وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة، والبراءة من عبادة كل ما عبد من دون الله.

وقد عمت في زمنه البلوى بعبادة الأولياء والصالحين وغيرهم، وفي كل مصر من الأمصار، وبلد من البلدان، وجهة من الجهات، من الآلهة والأنداد لرب العالمين ما لا يحصيه إلا الله على اختلاف معبوداتهم، وتباين اعتقاداتهم، فمنهم من يعبد الكواكب، ويخاطبها بالحوائج، ويبخر لها التبخيرات، ويرى أنها تفيض عليه، أو على العالم، وتقضي لهم الحاجات، وتدفع عنهم البليات.

ومنهم من لا يرى ذلك، ويكفر أهله، ويتبرأ منهم، لكنه قد وقع في عبادة الأنبياء والصالحين، فاعتقد أنه يستغاث بهم في الشدائد والملمات، وأنهم هم الواسطة في إجابة الدعوات، وتفريج الكربات، فتراه يصرف وجهه إليهم، ويسوي بينهم وبين الله في الحب والتعظيم والتوكل والاعتماد والدعاء والاستغاثة، وغير ذلك من أنواع العبادات، وهذا هو دين جاهلية العرب الأميين، كما أن الأول هو دين الصابئة الكنعانيين، وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ".

وقد بلغ الشيطان مراده من أكثر الخلق، وصدق عليهم إبليس ظنه، فاتبعه الأكثرون، وتركوا ما جاءت به الرسل من دين الله الذي ارتضاه لنفسه.

" فأتاح الله بمنه في هذه البلاد النجدية والجهات العربية من أحبار الإسلام وعلمائه الأعلام من يكشف الشبهة، وينصح الأمة، ويدعو إلى محض الحق وصريح الدين، فنافح عن دين الله ودعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنف الكتب والرسائل، وانتصب للرد على كل مبطل، واجتمع له من عصابة الإسلام والإيمان طائفة يأخذون عنه، وينتفعون بعلمه، وينصرون الله ورسوله، حتى ظهر واستنار ما دعا إليه، وعلت كلمة الله، حتى أعشى إشراقها وضوؤها كل مبطل ومماحل، وذل لها كل منافق مجادل.

وحقق الله وعده لأوليائه وجنده، كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51][سورة غافر، آية: 51]، وقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] الآية [سورة النور، آية: 55] ، فزال بحمد الله ما كان بنجد وما يليها

ص: 368

من القباب والمشاهد والمزارات والمغارات وقطع الأشجار التي يتبرك بها العامة، وبعث السعاة لمحو آثار البدع الجاهلية من الأوتار والتعاليق والشركيات.

وألزم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، وسائر الواجبات، وحث من لديه من القضاة والمفتين على تجريد المتابعة لما صح وثبت عن سيد المرسلين، مع الاقتداء في ذلك بأئمة الدين والسلف الصالح المهديين، وينهاهم عن ابتداع قول لم يسبقهم إليه إمام يقتدى به، أو علم يهتدى به.

وأنكر ما كان عليه الناس في تلك البلاد وغيرها من تعظيم الموالد والأعياد الجاهلية التي لم ينزل في تعظيمها سلطان، ولم يرد به حجة شرعية ولا برهان؛ لأن ذلك فيه من مشابهة النصارى الضالين في أعيادهم الزمانية والمكانية، ما هو باطل مردود في شرع سيد المرسلين.

وكذلك أنكر ما أحدثه جهلة المتصوفة وضلال المبتدعة من التدين والتعبد، والمكاء والتصدية والأغاني التي صدهم بها الشيطان عن سماع آيات القرآن، وصاروا بها من أشباه عباد الأوثان الذين قال الله فيهم:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35][سورة الأنفال، آية: 35] ، وكل من عرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تبين له أن هؤلاء من أضل الفرق، وأخبثهم نحلة وطريقة، والغالب على كثير منهم النفاق وكراهة سماع كلام الله ورسوله.

وأنكر رحمه الله ما أحدثته العوام والطغام من اعتقاد البركة والصلاح في أناس من الفجار والطواغيت، الذين يترشحون لتأله العباد بهم، وصرف قلوبهم إليهم باسم الولاية والصلاح، وأن لهم كرامات ومقامات ونحو هذا من الجهالات، فإن هؤلاء من أضر الناس على أديان العامة، وأنكر رحمه الله ما يعتقده العامة في البله والمجاذيب وأشباههم، الذين أحسن أحوال أحدهم أن يرفع عنه القلم، ويلحق بالمجانين.

وأرشد رحمه الله إلى ما دل عليه الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وساق الأدلة الشرعية التي يتميز بها كل فريق، ويعتمدها أهل الإيمان والتحقيق، فإن الله جل ذكره وصف الأبرار ونعتهم بما يمتازون به، ويعرفون بحيث لا يخفى حالهم، ولا يلتبس أمرهم، وكذلك وصف تعالى أولياء الشيطان

ص: 369

من الكفار والفجار، ونعتهم بما لا يخفى معه حالهم، ولا يلتبس أمرهم على من له أدنى نظر في العلم، وحظ من الإيمان.

وكذلك قام بالنكير على أجلاف البوادي وأمراء القرى والنواحي فيما يتجاسرون عليه ويفعلونه من قطع السبيل، وسفك الدماء، ونهب الأموال المعصومة، حتى ظهر العدل واستقر، وفشا الدين واستمر، والتزمه كل من كانت عليه الولاية من البلاد النجدية وغيرها، والحمد لله على ذلك، والتذكير بهذا يدخل فيما امتن الله به على المؤمنين، وذكرهم به من بعث الأنبياء والرسل.

وكل خير حصل في الأرض من ذلك فأصله مأخوذ من الرسل والأنبياء؛ إذ هم الأئمة الدعاة الأمناء وأهل العلم، عليهم البلاغ ونقل ذلك إلى الأمة، فإنهم واسطة في إبلاغ العلم ونقله.

ولذلك صار لشيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ولطائفة من أنصاره من الملك والظهور والنصر بحسب نصيبهم وحظهم من متابعة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والتمسك بدينه، فقهروا جمهور العرب من الشام إلى عمان، ومن الحيرة إلى اليمن، وكلما كان أتباعهم وأنصارهم أقوى تمسكا كانوا أعز وأظهر، وربما نال منهم العدو وحصل عليهم من المصائب ما تقتضيه الذنوب والمخالفة، والخروج عن متابعة نبيهم، وما يعفو الله عنه من ذلك أكثر وأعظم.

والمقصود أن كل خير ونصر وعز وسرور حصل فهو بسبب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقديم أمره في الفروع والأصول، وقد من الله عليكم في هذه الأوقات بما لم يعطه سواكم في غالب البلاد والجهات من النعم الدينية والدنيوية والأمن في الأوطان، فاذكروا الله يذكركم، واشكروا نعمه يزدكم، و {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] [سورة التحريم، آية: 6] بمعرفة الله، ومحبته وطاعته، وتعظيمه وتعليم أصول الدين، والمحافظة على توحيد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وترك الفواحش الباطنة والظاهرة، وسد الوسائل التي توقع في المحذور، وتفضي إلى ارتكاب الآثام والشرور " (1) .

(1) الدرر السنية (1/ 466 - 544) باختصار.

ص: 370

ويقول الشيخ أحمد بن حجر آل أبو طامي تحت عنوان:

" أثر الدعوة في البلاد النجدية ":

" 1 - قضت هذه الدعوة المباركة قضاء تاما على ما كان شائعا في " نجد " من الخرافات، وما كان شائعا من تعظيم القبور والنذر لها، والاعتقاد في بعض الأشجار، وأحيت معالم الشريعة بعد اندثارها.

2 -

إن أهل نجد قد رجعوا إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك والوثنية، كما رجعوا إلى الكتاب والسنة المطهرة، وحكموها في جليل الأمور وحقيرها.

3 -

كانوا متفرقين، لا تجمعهم رابطة، ولا يجمعهم حكم شرعي، ولا قانوني، بل كانوا مختلفين ومتفرقين في المشارب والنزعات، فوحدت هذه الدعوة كلمتهم، وجمعت شملهم، وجعلتهم تحت راية واحدة، وأخضعتهم لسلطان واحد، يسوسهم بكتاب الله المجيد وسنة رسوله.

4 -

كانوا في نهاية من الجهل والغباوة إلى حد أن اعتقدوا في الأشجار والغيران، فنشرت الدعوة فيهم علوم الشريعة المطهرة وآلاتها من التفسير والحديث والتوحيد، والفقه والسير والتواريخ، والنحو، وما إلى ذلك من العلوم.

وأصبحت الدرعية كعبة العلوم والمعارف، يفد إليها طلاب العلوم من سائر النواحي من أرجاء نجد واليمن والحجاز والخليج العربي، وانتشر العلم في جميع الطبقات حتى قال المؤرخون: أصبح الراعي يرعى المواشي في الفيافي ولوح التعليم في عنقه، حتى من قوة انتشار العلم وسريانه ظهر العلماء الراسخون، وألفوا الكتب القيمة في مختلف العلوم، بعد ذلك الجهل العظيم الذي خيم على أرجاء نجد، وتركها تتخبط في دياجير الظلمات والأوهام.

5 -

انتشر الأمن في جميع أرجاء نجد حتى إن الماشي والراكب يمشي المسافات الطويلة، ذات الليالي والأيام، لا يخاف إلا الله، ولو كان عنده من الأموال ما تنوء بحملها عصبة من الرجال.

6 -

لم تكن نجد معروفة لدى الأمم، وكانت حقيرة، وليس لها حساب، ولا ميزان، ولا قيمة، ولم يكن لها ملك، ولا حاكم معروف، ما عدا بعض الأمراء الصغار الذين كانوا يحكمون قرية أو قريتين، فأصبحت نجد ببركة هذه الدعوة مملكة موحدة طار صيتها في الآفاق، ووضعت في صف الأمم.

ص: 371

وكانت الدولة إذ ذاك الدولة العثمانية حسبت لها ألف حساب وحساب، وخافت على سلطتها وسيطرتها من هذه الدولة السعودية المباركة، حتى جرت الجيوش الجرارة لمحاربتها وإماتتها.

7 -

إنه بقي من آثارها هذه الدولة السعودية الحاضرة الممتد سلطانها من الخليج العربي شرقا إلى البحر الأحمر غربا، دولة الكتاب والسنة والتوحيد النقي، دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دولة نشرت العدل والأمن والسلام، دولة عززت من مركز العلم، وقامت بنشره بين جميع أفراد الرعية، وكل من يفد إليها، فأسست المعاهد العلمية والكليات والمدارس، وأنفقت الأموال الطائلة للمدرسين والدارسين، سواء كانوا من الوطنيين أو من غيرهم.

دولة تمثل الصدر الأول والسلف الصالح في أحكامها، وهيمنتها على الأخلاق، وتحكيمها للكتاب والسنة، دولة تسهر على مصالح الرعية، وتعمل لرفاهية الشعب ومحاربة الفقر، ورفع مستوى المعيشة، كما تسهر على راحة الحجاج، وبذل جميع الوسائل لرفاهية الحجاج، وتذليل جميع العقبات أمامهم، وترغيبهم في العودة المرة بعد المرة إلى حج بيت الله الحرام، وزيارة المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.

وبالجملة فهي أحسن الدول العربية في تحكيم الشرع، ونشر الأمن والعدل والعلم، ومحاربة أهل البدع والضلال، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين بالأخلاق، والمنتهكين الحرمات، أيدها الله، ووفقها للخير والنفع العام " (1) .

ثم تحدث عن: " انتشارها في الخارج " قائلا:

" انتشرت دعوة الشيخ في خارج نجد من أجل استيلاء الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1218 هـ، وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يفدون إلى مكة المكرمة، ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، ويستمعون خطبهم ومواعظهم، وإرشاداتهم السديدة، وتوجيهاتهم

(1) الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأحمد بن حجر أبو طامى (74 - 77) ط (2) .

ص: 372

القيمة، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، ونشر الأمن والعدل والإنصاف.

فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد، ويحارب الخرافات الشائعات في بلاده، كما قام بصد القبوريين والداعين إلى تقديس القبور، وبناء القباب عليها، فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان في إفريقيا، وسومطرة في آسيا والهند، كما انتشرت في العراق والشام ومصر والجزائر وجاوة وعمان وفارس، وكان هدف رعاتها في كل مكان تحل به هو محاربة الفساد، والقضاء على البدع والخرافات، وتصحيح العقيدة الدينية " (1) .

ويقول الأستاذ أمين سعيد في وصف الأثر الطيب للدعوة: " وحققت الدعوة لنجد آمالها، وقد بدأت في محيطها أول ما بدأت، فأنشأت لها مجتمعا إسلاميا سليما، يؤمن بالتوحيد، ويعظم شأنه، ويسير على هداه، ولا يدعو مع الله أحدا، ولا يزال هذا حاله، لم يتبدل ولم يتغير منذ عهد الشيخ حتى يومنا هذا، فهو يصدع بالحق ويؤمن به.

وانبثق عن هذا المجتمع دولة عربية كريمة، نشأت في ظل الدعوة وآمنت بها، فكانت أول دولة عربية كبرى يؤسسها العرب في داخل جزيرتهم بعد دولة الخلفاء الراشدين، فاتبعت طريقهم، وترسمت خطاهم، فسادت وشادت ووسعت حدودها، وضمت إليها قطر الحجاز وبلاد عسير وتهامة، ودقت أبواب العراق واكتسحت حدوده، وبلغت مشارف الشام وامتلكت بعض أجزائه، ووضعت يدها على الضفة الغربية للخليج (الخليج العربي) ، وتمتد من المحيط الهندي جنوبا إلى شط العرب شمالا، ولا يقل طولها عن ألف ميل، فزينت راية التوحيد شطآنها، ورفرفت على ربوعها.

وانتشرت الدعوة في بلاد العرب وبلاد الشام، وسرى نورها في أرجائها، فأقبل عليها الكثيرون، وأخذوا بها، وتفاعلوا معها، واستجابوا لها، فكانت الأم الكبرى لهذه النهضات التي تعم بلاد العرب وبلاد المسلمين، وتعم الشعوب العربية والشعوب الإسلامية، فأحيت ميت الهمم، وأيقظت خامد النفوس.

(1) الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأحمد أبو طامى (74 - 77) ط (2) .

ص: 373

وضرب الشيخ صاحب الدعوة الوهابية الأمثال على تجرده ونزاهته، وعلى أنه لم يرد من دعوته سوى وجه الله وحده، وإصلاح حال أمته، والنهوض بها، وإنقاذها من ظلمات الجهالة التي كانت تغمرها، وتقيمها وتقعدها، فاعتزل السياسة سنة 1187 بعدما استقرت الدعوة واستقام عودها، وزال كل خطر يهددها، وتضاعف عدد أنصارها المؤمنين بها، وعكف على عبادة ربه، يشكره على نصره وتأييده، وابتعد عن الدنيا وزخارفها، لا يبغي حكما ولا سلطانا ولا مالا ولا نسبا، وظل هذا شأنه يصوم النهار ويقوم الليل عابدا مجتهدا، خالصا لله مخلصا، حتى وافته منيته سنة 1206، فذهب إلى لقاء ربه راضيا مرضيا بما قدم وأسلف.

على أن هذا لا يمنعنا من القول بأن الدعوة الوهابية نفسها لم تلق من عناية علماء نجد وأدبائها وكتابها ما كان يجب أن تلقاه، ولعل مصدر ذلك انزواء نجد في قلب الجزيرة سحابة القرنين الماضيين، وصعوبة الاتصال بها، وقلة وسائل النشر لديها، على أن هذا كله زال الآن، فتيسرت الأسباب، وفتحت الأبواب، وازدهرت رياض العلم، مما نرجو أن يضاعف اهتمامهم، ويشحذ عزائمهم، فسيرة الشيخ محمد من أحفل السير بالعظات، ومن أجدرها بالدرس، لها جوانبها المحددة، ومصادرها الكثيرة، يضاف إلى ذلك كله أن الشيخ خلف ثروة عظيمة وكنوزا حافلة من الكتب والمؤلفات في حاجة إلى إعادة الطبع والترجمة إلى اللغات الأجنبية ليعم نفعها، ويستفيد الناس منها، ويغترفوا من بحر فضلها " (1) .

ثم قال مبينا أثر التمسك بالشريعة الإسلامية في الحياة العامة، وأثر الانصراف عنها:

" إن العقيدة الراسخة عند النجديين - أمرائهم وعلمائهم - أن الله مكنهم في جزيرة العرب، وأن سلطانهم في تلك الجزيرة لإحياء معالم الشريعة، وإظهار دين الله، وجعل سلطان التوحيد في الجزيرة هو السلطان الأول، وإزالة كل أثر من آثار الشرك، ولقد قال الإمام سعود في خطبته بعد دخول مكة سنة 1218 هـ " إنا كنا من أضعف العرب، ولما أراد الله ظهور هذا الدين دعونا إليه، وكل يهزأ بنا ويقاتلنا ".

وكان الملك عبد العزيز رحمه الله في كل مناسبة يشير إلى هذا، ذاكرا فضل الله

(1) هذا هو كتاب سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب (9 - 11) .

ص: 374

عليه وعلى أجداده من قبل، وأن ما وقع على آل سعود في أيامهم الأولى لم يكن إلا عقوبة لهم من الله لتهاونهم في أمر المحافظة على الدين، والانصراف إلى أمور الدنيا، وكذلك جلالة الملك سعود مد الله في عمره.

ولذا فإن المشايخ - من وقت لآخر - ما زالوا يقدمون النصيحة لإمامهم، ويوصونه بالمحافظة على الدين، والأخذ على أيدي المتهاونين به، إذا رأوا شيئا من التراخي والتهاون من ذوي النفوذ والسلطان، ففي أيام الإمام فيصل كان الشيخ عبد الرحمن بن حسن وولده الشيخ عبد اللطيف لا يتوانيان عن النصيحة، ولفت نظر الإمام إلى عماله ورعاياه، وتذكيره بعاقبة التفريط، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (1) .

وسبق ذكر ما قاله الدكتور طه حسين مبينا أثر الدعوة على الحركة الدينية والأدبية والعلمية والفكرية والعقلية وسائر نواحي الحياة (في الفصل السابق)(2) .

ويقول محمد جلال كشك: " إذا كان محمد بن عبد الوهاب من ناحية العقيدة ليس بمبتدع، فهو من الناحية السياسية مجدد ومبتدع ومبدع، ولقد استطاع أن يوقف حركة التاريخ، ويلوي عنق الأحداث التي كانت تدفع العالم الإسلامي دفعا إلى التغريب، فمع الهزيمة الشاملة التي أصابت العالم الإسلامي أمام الغزو الأوربي الذي كاد أن يشبه القدر المحتوم، كان الظن أو اتجاه الأحداث هو خضوع العالم الإسلامي للقانون الحضاري العام، وهو فناء المهزوم بالاندماج في حضارة المنتصر.

فجاء الشيخ من أعماق نجد يعلن أن الإسلام هو الطريق، وأن المشكلة ليست في العقيدة، بل في الانحراف عنها، وأن العودة إلى جوهرها الصافي كفيل بإعطاء المسلمين القدرة على مواجهة التحدي الأوروبي وقهره، صحيح أنه لم يواجه قوة أوروبية بشكل مباشر وشامل، لا هو ولا خلفاؤه، فقد شغلتهم حروبهم مع الرافضين المسلمين والعرب، إلا أن انتصاراتهم على التخلف، وقدرتهم على خلق المحارب الذي يكاد ألا يقهر، عززت حجة

(1) سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب (315) .

(2)

انظر: ص (558) ، والحياة الأدبية (31 - 41) .

ص: 375

الرافضين لمنطق الهزيمة، وأبقت الفرضية مطروحة إلى اليوم، وهي اكتساب القوة المادية بنفس الأسلوب الذي اكتسبها به أجدادنا المسلمون الأوائل.

وتلك هي أهمية الدعوة الوهابية في المرحلتين الأولى في عهد عبد العزيز بن سعود، والثانية في النصف الأول من عهد عبد العزيز، فقد جرت المحاولتان في مناخ الهزيمة الشاملة للعالم الإسلامي، فضربتا المثل على إمكانية النصر بالإسلام، وإمكانية أن يكون الحل الشامل لمشكلة العالم الإسلامي مستمدا ومطابقا للحل الجزئي الذي جرب ونجح في أشد مناطق هذا العالم تخلفا وفقرا في الإمكانيات المادية، وفي نفس الوقت عجزت المحاولتان عن تقديم الحل الشامل والجذري للمشكلة، ومن ثم فقد أبقتا الجدل مستمرا، إذ منعتا التاريخ من أن يحسمه في اتجاه رفض الحل الإسلامي، ولكنهما لم تعطيا أنصار هذا الحل الحجة الحاسمة ولا المنهاج، فقد فشلت التجربتان في إجبار التاريخ على الاستجابة لهذا الاختيار، وما زلنا في نفس الوضع.

فحركة البعث الإسلامي، والجامعة الإسلامية، ودعاة الإصلاح الديني، وانتفاضات المهديين والسنوسيين، ليست كلها إلا استجابة متفاوتة الفهم والوضوح لذلك الجواب الذي طرحه السعوديون: العودة للإسلام تحرر المسلمين من الهزيمة المطبقة، وساعد الحل السعودي على البقاء في الساحة " (1) .

ويقول أيضا في موضع آخر في سياق كشف اعتراف خصوم الدعوة:

" بتلك " الدرة السنية "، بل أثمن الدرر، وهي تحويل البدوي أو الشرقي المتخلف إلى نموذج فريد في تفوقه، ونقطة أخرى تثير إعجاب المراقبين بالإجماع، مهما اختلف موقفهم من التجربة السعودية، وهي الأمن، ومن محاسن الوهابية أنهم أماتوا البدع ومحوها، ومن محاسنهم أنهم أمنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر، خصوصا بين الحرمين الشريفين، ومنعوا غزو الأعراب بعضهم لبعض، وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام كأنهم إخوان

(1) السعوديون والحل الإسلامي (109، 110) .

ص: 376

أولاد رجل واحد، إلى أن عدم الشر في زمان ابن سعود، وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية، وتجد في بعض الأراضي المخصبة هذا بيت عنزي، وبجانبه بيت عتيبي، وبقربه بيت حربي، وكلهم يرتعون كأنهم إخوان، ورأيت لهم عقيدة منظومة يحفظها حتى رعاة غنمهم، منها:

وما الدين إلا أن تقام شعائر

وتأمن سبل بيننا وشعاب

فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنا من أركان الدين ".

ويبدو أن الشيخ قد اكتشف القانون الحضاري الذي يبدأ بتوفير الأمن، فيقول: إن " تحقيق الأمن يدفع الناس للاشتغال بالزراعة والتجارة وتربية الماشية للتكسب، فإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا ينهبون ولا يسرقون ولا يقتلون "، ثم يلخص لنا اكتشافه:" فكأن المسألة أشبه بالدورية (1) أي: أنه متى وجد الأمان ارتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بمعاشهم الحلال، ومتى اشتغلوا بالمعاش الحلال وجد الأمان ".

أفادكم الله.

وصاحب هذه الشهادة هو الشيخ عثمان بن سند البصري الفيلكاوي، فهو أقرب أن يكون كويتيا، وإن كان يصنف كمؤرخ عراقي، وهو من خصوم الوهابيين، وقد زعم أن هذا الأمن الذي حققه الحكم السعودي " كان دسيسة خدعوا بها العوام "، يبدو أن الدولة العثمانية ووالي البصرة لم يكونا بحاجة إلى دسيسة من هذا النوع " فذهب الأمن، وبطلت المعايش، وتدهور الوطن الإسلامي إلى ما هو معروف ".

وقد انتشى ابن بشر في وصف حالة الأمن في ظل الحكم السعودي حتى قال برعي الذئب مع الغنم، بل بما هو أخطر: ترك الملكية بلا حراسة من الإنسان، فقال:

" فسماها الأعراب سنين الكما؛ لأنهم كموا عليهم عن جميع المظالم الصغار والجسام، فلا يلقى بعضهم في المفازات والمخوفات إلا بالسلام عليكم، وعليكم السلام، والرجل يجلس ويأكل مع قاتل أبيه وأخيه كالإخوان، وزالت سنين الجاهلية، وزال البغي والعدوان، وسيبت الخيل والجياد والبقر وجميع المواشي في الفلوات، فكانت تلقح وتلد وهي

(1) أي: الحلقة المفرغة.

ص: 377

في مواضعها آمنات مطمئنات، وليس عندها من يرعاها ويحميها إلا من يأتيها غبا ويسقيها ".

لقد أثبتت التجربة السعودية في جميع عصورها أنه بتطبيق الشريعة، ولو جزئيا، وفي حدود الإمكانيات المتاحة لكل مجتمع، أي بتطبيق قانون العقوبات، يمكن أن يتحقق أول شرط من شروط المجتمع الإنساني، وهو الأمن الفردي، الأمن على النفس والمال والعرض، بل أول شرط يجب توفره للحديث عن تطور اجتماعي أو حضاري، وهو ما كان الشرق يفتقر إليه، وما كان الغرب يستغله للتشهير بالشرقيين، وتبرير حملاته وغزواته واسترقاقه للشرق بحجة توفير الأمن بين الشعوب المتوحشة الهمجية، وما كانت بعض القطاعات - ولا تزال إلى اليوم - تحمده للاستعمار الأوروبي، فأثبتت الوهابية في تألقها في الدولة الأولى، وفي عهد عبد العزيز، بل حتى في فترات انكماشها، أن الشريعة الإسلامية، بما تخلقه من حس بالعدل في نفوس المؤمنين بها، وما تفرضه من سيادة للقانون بقوة السلطة، يمكن أن تحقق أمنا يفوق قدرة أي مجتمع وأية حضارة عرفها التاريخ، وكتب الغربيين حافلة بالنوادر المدهشة المذهلة للمواطن الأوروبي الأمريكي، ليس في عصرنا هذا حيث اختل الأمن، وتحولت مدن الغرب إلى غابات مفزعة، يخشى السير فيها بعد غروب الشمس، وتزود غرف فنادقها بالسلاسل، بل والأقفال الإلكترونية التي تتغير كل 24 ساعة، بل كان الأمن السعودي مثيرا لدهشة الغربيين حتى في العصر الذي كان يضرب به المثل على قوة الردع الكامنة في عصا رجل الشرطة البريطاني، المحظور عليه - وقتها - حمل السلاح مكتفيا بهيبة أو رعب القانون المتمثل في عصا رجل الشرطة.

حتى في هذا الوقت استطاع السعوديون أن يقولوا: " نظامنا أفضل، ولسنا بحاجة إلى قوانين الغرب وأنظمته، عندنا الحل الأفضل ".

" وقد شهد بوركهارت للوهابيين ضد الأتراك فقال: " وما الوهابية إن شئنا أن نصفها إلا الإسلام في طهارته الأولى، وإذا ما أردنا أن نبين الفرق بين الوهابيين والترك فما علينا إلا أن نحصي الخبائث التي اشتهر بها الترك ".

صدقت!

وقال: " لكي نصف الدين " الوهابي فإن ذلك يعني وصف العقيدة الإسلامية، ولذا فإن علماء القاهرة أعلنوا أنهم لم يجدوا أية هرطقة (بدعة أو خروج عن الدين) في الوهابية، وحتى بعد سقوط الدولة السعودية فإن ظاهرة الانفجار الإسلامي ستظل تجذب المستكشفين، وسيأتي جورج

ص: 378

والين 1845 - 1848 ليقول عن السعوديين: " إنهم لا يدعون أنفسهم وهابيين أبدا، فهذا الوصف استخدمه خصومهم، أما هم فيصفون أنفسهم ببساطة بأنهم " المسلمون أو الموحدون ".

وقال: " إن بعض الكتاب المعاصرين يزعم أن الوهابيين أنشئوا مذهبا خاصا بهم، وهو زعم خاطئ، فالوهابيون مجرد إصلاحيين، يتبعون المذهب الحنبلي ".

" ثم المقيم السياسي في الخليج، بل الذي سيشهد الأيام الأخيرة في حياة فيصل بن تركي، والليدي بلنت (1879 - 1297) التي ستشاهد بقايا الوهابية في جبل شمر وبلاط ابن الرشيد، وسيستمر التدفق حتى شكسبير وفيلبي، وما زال "(1) .

ولم يكن تأثير الدعوة الإصلاحي قاصرا على البلاد التي حكمتها دولة الدعوة، بل تعداه إلى سائر البلاد الإسلامية وبلاد الأقليات المسلمة في كل أنحاء العالم، ومن أكثر البلاد المجاورة تأثرا بالدعوة (اليمن)، وقد عرض الدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش هذا الأمر عرضا جيدا إذ قال:

" ومن الواضح أن الناس في اليمن عندئذ قد طلبوا الاستغاثة من غير الله في مجال معاشهم في البر والبحر (2) ورفعوا الرايات فوق مشاهد الموتى بعبارات الاستجارة بهم من النار (3) وربما غشيت تلك القبور طوائف كثيرة من الناس، قد يضاهي بها لديهم الحجاج في عرفات (4) هذا إلى جانب أن الناس في اليمن قد اعتادوا في بعض الأحيان " السجود للمعتقد " (5) وتخصيص شيء من أموالهم له (6) وكانوا " يوقدون السرج على القبور، ويرحلون بنسائهم (7) " لزياراتها، وقد أنكر عليهم بعض العلماء في اليمن إهمال بيوت الله،

(1) السعوديون والحل الإسلامي (132 - 134) .

(2)

محمد ناصر الخازمي، كتابه السابق (إيقاظ الوسنان) ، ورقة 4، 11، 24.

(3)

حسين بن مهدي النعمي، كتابه السابق، ص (156)[معارج الألباب] .

(4)

معارج الألبابص (161) .

(5)

معارج الألباب ص (160) .

(6)

معارج الألباب ص (192) .

(7)

محمد ناصر الخازمي (إيقاظ الوسنان) ، ورقة 16.

ص: 379

وترك العناية بها في وقت كانت مشاهد الأموات تزدان بالحرير والسجاد الفاخر وغيرها (1) .

ورغم ذلك وجد من علماء اليمن في القرن الثاني عشر الهجري من يحارب مثل هذه الضلالات، ويتخذ منها موقفا معاديا، ولعل من أشهر أولئك العلماء: الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير (1099 - 1182 هـ) ، والشيخ حسين بن مهدي النعمي (1187 هـ) ، إذ برز موقف الأمير جليا تجاه هذه الأمور المحدثة منذ عام 1161 هـ \ 1748 م حينما أرشد إمام اليمن حينذاك إلى هدم صنم المخا، وألف من أجله رسالة (2) وقد قال فيه صديق بن حسن القنوجي بأن " له صولة في الصدع بالحق، واتباع السنة، وترك البدع "(3) أما النعمي فقد اشتهر برفضه لهذه المعتقدات الباطلة منذ ألف في هذا الجانب وكتب فيه (4) .

وربما كان نشوء هذين الموقفين عند النعمي والأمير بسبب تأثرهما بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وبخاصة إذا أدرك موقف محمد بن إسماعيل الأمير من هذه الدعوة حينما قال:" ما زالت تبلغنا الأخبار من سنة 1160 هـ بأنه ظهر في نجد رجل يدعو إلى اتباع السنة النبوية وينهى عن الابتداع، والاعتقاد في العباد من الأحياء والأموات، وينهى عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمارة على القبور المشاهد والقباب (5) "، كذلك يدل على تأثر حسين بن مهدي النعمي بالدعوة السلفية قوله بأن سبب تأليفه لكتابه معارج الألباب يعود إلى أنه وقف في عام (1177 هـ \ 1763 م) على سؤال حول هدم بعض المشاهد والقباب، وأنه كان من قبل هذا التاريخ قد ألقي إليه كتاب من مكة المكرمة ورد فيه: " أنه وصل إلى هنالك سؤال

(1) حسين مهدي النعمي، كتابه السابق، ص (165) .

(2)

محمد محمد زبارة، نشر العرف، ج2، ص915، انظر: كتاب تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد للأمير نفسه، وقد قال في مقدمة هذا الكتاب:" وبعد فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وجب علي تأليفه لما رأيته وعلمته يقينا من عموم اتخاذ العباد الأنداد في جميع الأمصار والقرى، وجميع البلاد من اليمن والشام ونجد وتهامة وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، أو في الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات. " ورقة 199.

(3)

أبجد العلوم، ص (192) .

(4)

انظر: كتابه معارج الألباب، ورسالته مدارج العبور على مفاسد الأمور.

(5)

إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب، ورقة 393.

ص: 380

في هذه المسألة، وأنه أجاب عليه مفتو الأربعة المذاهب بما يتضمن التشنيع على من دل على هدم القباب والمشاهد (1) "، وربما أوحى قول الأمير من قبل وكذلك النعمي إلى أنهما قد تأثرا بهذه الدعوة، وأنها وافقت ما عندهما كما قال الأمير في شعره.

وإذا كان هذا حال هذين العالمين، ومدى تأثرهما بالدعوة السلفية في القرن الثاني عشر الهجري، فإن من أكثر علماء اليمن تأثرا بمنهج الدعوة السلفية في مجال تطهير الاعتقاد فيما بعد إبراهيم بن محمد الأمير (1141 - 1213 هـ) ، ومحمد بن علي الشوكاني (1173 - 1250 هـ) ، إذ عرف إبراهيم الأمير بمواقفه تجاه القبوريين (2) وكان الشوكاني ينكر على المعتقدين في غير الله أفعالهم، ويرى أنهم قد خالفوا بذلك مقتضى إفراد العبادة لله وحده (3) .

أما الأثر الفعلي لهذه الدعوة السلفية في اليمن فقد ظهر منذ العقد الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، عندما بدأ العلماء يدركون حقيقة هذه الدعوة، وما تدعو إليه من إخلاص التوحيد لله تعالى، بالإضافة إلى ارتياد نفر من علمائها ودعاتها لكثير من بلدان اليمن خلال تلك الفترة، كما أن وفرة الرسائل التي كان يتبادلها العلماء في اليمن وأمثالها في نجد ورجال ألمع (4) قد ساعد على إيجاد أثر فعلي لهذه الدعوة، إذ بدأ الناس في اليمن يلمسون إلحاح علمائها وأمرائها في نشر هذه المبادئ وحقيقتها بتلك الأنحاء.

ولعل من أهم آثار الدعوة السلفية في ميدان تطهير الاعتقاد وذم البدع باليمن اقتناع الأئمة بتلك الأنحاء وعلمائهم بهدم القباب وإزالتها، فقد دلت المصادر على أن الإمام المنصور هدم قبة عابدين المشهورة بصنعاء عام 1220 هـ \ 1807 م (5) وأنه قبل عام 1224 هـ " وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء، وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها، وفي جهة ذمار

(1) معارج الألباب، ص (4، 5) .

(2)

الحسن بن أحمد عاكش، عقود الدرر، ورقم 21.

(3)

أدب الطلب، ص (168)، انظر كذلك: الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد للشوكاني نفسه.

(4)

انظر: مجموع (567) مكتبة الرياض السعودية، ومجموع 186 المكتبة الغربية بجامع صنعاء الكبير، وانظر كذلك: نفحات من عسير ص (85) .

(5)

لطف الله جحاف، كتابه السابق، ورقم 391، (درر نحور العين) .

ص: 381

وما يتصل بها " (1) وكان هذا الأمر فيما يبدو قد شجع إمام اليمن المتوكل فيما بعد، وجعله يفضي إلى علماء اليمن برغبته في هدم القباب وإزالتها، وذلك على إثر وصول نفر من علماء الدعوة السلفية إلى صنعاء عام (1229 هـ \ 1813 م)(2) وقد كان موقف علماء صنعاء عندئذ موجبا لهدم تلك القباب، إذ يبدو أن أثر الدعوة قد وقع في قلوبهم مما جعل الإمام المتوكل حينذاك يباشر هدم معظم القباب المشهورة بصنعاء، ويأمر بإبلاغ أمره بهدم القباب بعامة إلى بقية بلدان اليمن (3) ويؤيد هذا قول عبد الرحمن بن عبد الله الزميلي بأن شيخه القاضي أحمد العنسي ذكر له، وهو يتلقى العلم على يديه بمدينة إب عام (1359 هـ \ 1940 م) أن بمدينتهم تلك آثارا لقباب مهدمة وأماكن محرقة من عهد الإمام سعود بن عبد العزيز (4)(1229 - 1218هـ) ، وإذا صح هذا فإن معظم بلدان اليمن إذن قد أدركت شيئا من أثر الدعوة السلفية، وأن ذلك الأثر قد كان في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري.

وبمثلما أثرت الدعوة السلفية في صنعاء وما حولها أثرت كذلك في تهامة اليمن وفي حضرموت، أما تهامة اليمن فبعد أن تمادى أهلها في تعظيم القبور وأقر علماؤها " ما يحدث من أنواع الشرك بمرأى ومسمع (5) " أصبحت بعد ذلك في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري " صافية عن تلك الأمور التي كان يتلوث بها أهلها، فلا يقدر أحد

(1) محمد بن علي الشوكاني، البدر الطالع، ج2، ص (262، 263) .

(2)

مجهول، حوليات يمانية، ص (7) .

(3)

المصدر نفسه، ص (8)، قال صاحب حوليات يمانية في أخبار عام 1229 هـ: إن جماعة من الدعاة السلفيين وفدوا إلى صنعاء " وخاطبوا المتوكل في خراب القباب المنصوبة على قبور الصالحين والأئمة الهاديين، فجمع الإمام أعيان دولته وعلماء حضرته، وأجاب عليه العلماء بأنه إذا كان العمل بالشريعة حقيقة لا على أنها مداهنة للنجدي وقبول قوله، فهذه القباب ورفع القبور بدعة لا على الوجه المشروع، كما روي عن أمير المؤمنين بهدمها وتسويتها بالأرض، فرجح المتوكل بهدمها وهدمت (الذي) في صنعاء وما حولها: قبة صلاح الدين، وقبة المنصور حسين في الأبهر، وقبة الفليحي، وسدة قبة المهدي العباس التي فيها القبر، وهدمت قبة أحمد بن الحسن في الغراس، وأرسل إلى بقية النواحي بهذا "، ص (7، 8) .

(4)

مقابلة شخصية مع عبد الرحمن بن عبد الله الزميلي (شوحط في 9 هـ) .

(5)

محمد بن علي الشوكاني، أدب الطلب، ص (171، 172) .

ص: 382

منهم يستغيث بغير الله سبحانه أو ينادي ميتا من الأموات " (1) ورغم أن الشوكاني حينما أخبر بذلك لم يذكر سببا مباشرا لتأثرهم غير إعمال السيف فيهم (2) فهل كان ذلك العمل من قبل أمراء الدعوة في تلك الأنحاء (3) أم هو عمل أئمة صنعاء الذين تأثروا بالدعوة من قبل، وباشروا إزالة ما يمس العقيدة وينافي التوحيد في بلدانهم؟ والحق أن لكل من الاحتمالين السابقين أثرا فعالا في دفع تلك المعتقدات ونزعها، وبخاصة إذا أدرك قبول تلك الأجزاء من تهامة اليمن للدعوة السلفية من قبل، وأحيط بجهود أئمة اليمن في سبيل إزالة تلك المنكرات ونبذها.

أما حضرموت فقد ذكرت المصادر أن دعاة هذه الدعوة حينما وفدوا إلى تلك الأنحاء عام 1224 هـ هدموا " القباب، وحطموا التوابيت، ومنعوا الرواتب، واعتقلوا المناصب "(4) وذلك لما وجد عليه الناس بحضرموت من الضلال والجهل العميق، وقد ذكرت بعض المصادر أن أولئك الدعاة السلفيين كانوا يهدمون رءوس القباب (5) إشعارا بخرابها وإقلالا من شأنها (6) وذلك ربما لكثرتها وسعة انتشارها، ولم يكتف أولئك الدعاة في تلك الفترة بهدم القباب فحسب، بل أوجدوا من الدعاة بحضرموت من يبث الدعوة ويدعو إليها (7) وذلك يشير إلى مدى اتساع أثر هذه الدعوة السلفية بحضرموت وما حولها في تلك الفترة في مجال تطهير الاعتقاد ونبذ البدع، ولعل ذلك ما دعا أحد علماء حضرموت أن يقول مشيرا إلى أولئك الدعاة السلفيين:" لو لم يقيض الله أولئك القوم لتلك النهضة لعكف الناس على القبور "(8) .

(1) محمد بن علي الشوكاني، أدب الطلب، ص (171، 172) .

(2)

أدب الطلب، ص (172) .

(3)

يؤكد هذا القول عمل الأمير علي بن مجثل المغيدي عام 1246 هـ، حينما عمد إلى هدم القباب وما إليها بهذه الأنحاء، انظر: في ربوع عسير لمحمد عمر رفيع ص (218) .

(4)

صلاح البكري، في جنوب الجزيرة العربية، ص (141) .

(5)

عبد الله بن محمد السقاف، كتابه السابق، ص (115) .

(6)

فهي لا تجلب نفعا، ولا تدفع ضرا.

(7)

صلاح البكري، كتابه السابق، ص (141) .

(8)

مجلة المنار ج11، مج9، ذو القعدة 1324، ص (827) .

ص: 383

ويبدو أن اهتمام أمراء الدعوة السلفية ودعاتها بهدم القباب وإزالتها في جنوبي الجزيرة العربية، قد عم بلدان اليمن، وأصبح من الأعمال المحببة عند أولئك الدعاة، فقد أثبتت المصادر أن أمراء عسير عندما دخلوا تهامة اليمن عام 1221 هـ باشروا هدم قبة جامع بيت الفقيه (1) كذلك دلت هذه المصادر على رغبة أولئك الأمراء في تطهير المعتقدات وتنقيتها، إذ إنهم ظلوا حريصين على تثقيف الناس وإصلاح معتقداتهم بتلك الأنحاء، فقد عمد الأمير علي بن مجثل المغيدي عام 1247 هـ إلى هدم عدد من المشاهد والمزارات بضواحي مور (2) كما اتضح من بعد ذلك هدم بعض القباب خارج مدينة تعز عام 1250 هـ \ 1834م (3) وكان أثر الدعوة السلفية في مجال البدع الأخرى واضحا من قبل، إذ كان محمد بن إسماعيل الأمير يؤيد قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإحراق كتاب دلائل الخيرات (4) كما برز موقف محمد بن علي الشوكاني من الصوفية وطرقهم حين ذم أفعالهم المبتدعة، وألف فيهم رسالته الموسومة بـ " الصوارم الحداد "(5) وكل ذلك يدل على استمرار أثر هذه الدعوة بتلك النواحي من جزيرة العرب خلال تلك الحقبة.

وربما كان لقضاء الترك والمصريين على أمراء الدعوة السلفية في نجد أثر في إضعاف نشاطها بهذه الجهات، إذ دلت المصادر اليمنية على غبطة نفر من علماء اليمن حيال ذلك المصير، حيث بدأت منذ ذلك الحين تظهر مواقفهم تجاه هدم القباب ونحوها، فقد زعم أحد أولئك العلماء أن الدافع وراء هدمها من قبل السلفيين يكمن في الرغبة " لما فيها من الفضة والذهب "(6) ودلل على ذلك بآيات من القرآن الكريم (7) وكان هذا التعصب والتمادي في الباطل سببا في تعطيل نشاط هذه الدعوة وإضعاف تأثيرها فيما بعد، فالواقع أن إقامة القباب

(1) عبد الله علي مسفر، السراج المنير ص (58) .

(2)

هاشم سعيد النعمي، كتابه السابق، ص (179)[تاريخ عسير] .

(3)

أحمد أحمد النعمي، تاريخه، ورقة 210.

(4)

ديوانه، ورقة 56.

(5)

أدب الطلب، ص (173، 175) .

(6)

مجموع (129) ، المكتبة الغربية بجامع صنعاء، ورقة (138) .

(7)

مجموع (129) ، المكتبة الغربية بجامع صنعاء، ورقة (138) .

ص: 384

على القبور وجعلها مكانًا للعبادة ينافي حقيقة الشريعة الإسلامية (1) بما يجعلها «من علامات الكفر» (2) وأن من استغاث بالصالحين أو دعاهم لكشف ضر أو نحوه فقد أشرك (3) . وذلك ما جعل أثر الدعوة السلفية في اليمن يقل ويضمحل إلى حد كبير، إذ لم يكد هذا الأثر يظهر مرة أخرى بوضوح إلا في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري وما بعده» .

إلى أن قال: «ويبدو أن الأثر الحقيقي لهذه الدعوة السلفية في مجال تطهير الاعتقاد وذم البدع بنواحي اليمن قد كان في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري، ذلك لتبصر أهل اليمن عندئذ في أمور دينهم، واتصال العلماء منهم بغيرهم من علماء نجد، ورغبة طلبة العلم عندهم في الرحيل إلى خارج بلدانهم في سبيل العلم. ولعل ما يُشاهد الآن من انتشار كتب السنة وتدريسها في جامع صنعاء الكبير (4) ووفرة المساجد السلفية بصنعاء (5) يدل بوضوح على أثر هذه الدعوة المحمود.

وقد كان من أثر الدعوة السلفية في اليمن أن وجدت الرغبة الأكيدة لدى كثير من أبناء اليمن في النزوح إلى نجد، وطلب العلم فيها، فقد وفد من أولئك الرجال على سبيل المثال: أحمد بن سنان اليماني (1339هـ) عام 1335هـ في نفر من أهل بلدته قَهْلان (6) إذ بلغ عدد المهاجرين في سبيل العلم من بعد ذلك إلى نجد ما يقارب خمسمائة رجل معظمهم من قبيلة الحداء بمخلاف الكُمَيم، وقد كانت نتائج تلك الرحلات مثمرة ناجحة، إذ استجاب أهلها لتعاليم هذه الدعوة وأصبحت قراها خالية من المشاهد والمزارات، حيث نبذ رجالها المعتقدات الباطلة، وهدموا ما يثير الشبه حول تقديس القبور من القباب ونحوها (7) .

(1) محمد بن عبد الوهاب، كتاب التوحيد، ص (95 - 100) .

(2)

مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1، ص (246) .

(3)

مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج4، ص (48، 49) .

(4)

زيارة علمية إلى صنعاء في عام 1400هـ، 1402هـ.

(5)

مقابلة شخصية مع أحمد محمد زبارة (صنعاء 17 هـ) .

(6)

صالح محمد الغفيلي، «الشيخ محمد بن عبد الوهاب» ، مجلة الجندي المسلم، ع20، ص6، 1399هـ، ص (70) . وقد ذكر محمد بن أحمد بن سنان أن أباه وفد إلى نجد سنة 1325هـ في جملة من أصحابه.

(7)

الشيخ محمد بن عبد الوهاب» ، مجلة الجندي المسلم، ع20، ص (67، 68، 70) .

ص: 385

كذلك نجم عن أثر هذه الدعوة السلفية في اليمن أن أقبل الناس في بلدان مختلفة بتلك الأنحاء على تطهير معتقداتهم، والتخلص مما علق بأذهانهم من شوائب الشرك والاعتقاد في غير الله، فقد سعى صالح بن حسين أبو حيدر في أوائل النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري إلى نهي الناس عن التبرك ببعض القبور بهمدان، والاعتقاد فيها، كما أن رجالًا من غيل همدان نفسه قد خلعوا التابوت الذي كان موجودًا بمسجد عبيد ببلدتهم، إذ فتن الناس به من أهل همدان وغيرها، وكانوا ينادونه يا عبيدة (1) ونحوه، وتلك الأعمال دون شك من آثار الدعوة السلفية باليمن في مجال تطهير الاعتقاد ونبذ البدع، إذ إن بروز هذا الجانب في نشاط الدعوة السلفية بتلك الأنحاء يدل على اهتمام دعاتها والقائمين عليها بدفع هذا الباطل من أن يمس العقيدة ووحدانية الله، مما أوجد أثرًا حقيقيًّا في بقية أنواع البدع الأخرى (2) التي بدأ الناس في اليمن يهذبون أنفسهم من درنها ويتخلصون من شيوعها في مجتمعاتهم.

ومما تقدم يتجلى أثر هذه الدعوة السلفية في هذه المجتمعات الواسعة من جنوبي الجزيرة العربية. وذلك على الرغم من وفرة الاتجاهات الدينية وتعدد المعتقدات الباطلة في غير الله، فقد تفاوتت أزمان ذلك التأثير ومراحله، إذ بدأ منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجري، ثم انحسر مده السياسي والديني فلم يبق أثره إلا في عسير وما حولها، وما لبث أن عاد مرة أخرى في غضون القرن الرابع عشر الهجري، حيث جدد الملك عبد العزيز آل سعود أمر هذه الدعوة، ودعا إلى نبذ ما يخالفها في القول والعمل، مما جعل فائدتها تعم أرجاء الجزيرة العربية، وتؤثر في مدارك الناس، فقد تخلوا عما ألفوه من البدع والمعتقدات الباطلة من قبل، وأخذوا في العمل بالكتاب والسنة "بدلًا من الأعراف والعادات وتحكيم الأشخاص"(3) » (4) .

وعن أثر الدعوة في العالم الإسلامي يقول الدكتور محمد كامل ضاهر:

(1) مقابلة شخصية مع يحيى أحمد صالح أبو حيدر (الرياض في 18 هـ) .

(2)

مثل الرجبية وغيرها.

(3)

عطية محمد سالم، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأثرها، ص (30) .

(4)

أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الفكر والأدب بجنوبي الجزيرة العربية للدكتور عبد الله بن محمد أبو داهش 88 - 96 (مع الهوامش بتصرف يسير) .

ص: 386

«لم يقتصر أثر الدعوة الوهابية على الحركة الإصلاحية في مصر، بل تعداه إلى كثير من المثقفين المسلمين في أقطار إسلامية أخرى كسوريا والعراق والمغرب العربي واليمن والهند. وقد احتل بعض هؤلاء مراكز كبرى في حقل التعليم الإسلامي في حلب ودمشق وطرابلس والقدس والهند.

كانت مواسم الحج السنوية فرصًا ثمينة يتحينها الوهابيون لشرح أفكارهم للحجاج المسلمين القادمين إلى مكة من مشارق الأرض ومغاربها، وتبادل الآراء معهم في الدين والدنيا. واستطاعوا بهذه الوسيلة إقناع بعض الشخصيات الإسلامية بأفكارهم، وترتب على ذلك قيام حركات إصلاحية إسلامية خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متأثرة إلى حد كبير بمبادئ الدعوة الوهابية وأفكارها.

ففي اليمن، كان الإمام الزيدي محمد بن عبد الله الشوكاني الصنعاني (1172 - 1250هـ 1758 - 1834م) معاصرًا للشيخ محمد بن عبد الوهاب ويدعو مثله إلى محاربة البدع والخرافات، والثورة على التقليد والدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، والرجوع في العقائد إلى مذهب أهل السلف، وفهم الصفات الإلهية المذكورة في القرآن على ظاهرها، وترك التأويل والتحريف فيها. وكتب في ذلك رسالة بعنوان:«التحف بمذهب السلف» .

«يبدو أن الإمام الشوكاني كان على اطلاع واسع بمبادئ الدعوة الوهابية وتعاليمها؛ لأن أفكاره إنما تعبر تعبيرًا يكاد يكون حرفيًّا عن تعاليم هذه الدعوة. ويتضح ذلك في القصيدة الطويلة التي رثى فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما بلغه نبأ وفاته وبيَّن فيها مدى احترامه له وتفجعه عليه. ولا يذكر المؤرخون شيئًا عن أي لقاء تم بين الإمامين» .

أثر الدعوة في مسلمي الهند: تحتل الهند مكانًا مميزًا في دراسة نمو الأفكار الدينية وتفاعلها نظرًا لتعدد أجناس سكانها ومعتقداتهم المختلفة.

وجد الوهابيون في هذا المجتمع تربة خصبة لبث أفكارهم بين المسلمين والهنود الذين تتفشى بينهم صور شتى من البدع والخرافات المأخوذة عن طقوس وعقائد الديانات الهندية الأخرى. وقد وصلت التعاليم الوهابية إلى تلك البلاد عن طريق زعيم إسلامي هندي يدعى

ص: 387

السيد أحمد بن عرفان البرلوي (1786 - 1831م) الذي وفد إلى الحج في أوائل القرن التاسع عشر واعتنق خلاله الأفكار الوهابية. ولما عاد إلى بلاده أصبح من أكبر دعاة هذه الأفكار، وقام بنشرها في البنجاب، وأنشأ دولة وهابية فيها، وامتد سلطانه حتى هدد شمال الهند حيث تقطن طائفة السيخ.

كان السيد أحمد البرلوي ذا حمية شديدة في الدين، فعمل على تطهير الإسلام من أدران الشرك التي شوهته تشويهًا صارخًا، مثل عبادة الأولياء وما يتصل بها من التقاليد الخرافية الوثنية، ونادى بإعادة الحياة الإسلامية إلى بساطتها الأولى كما كانت أيام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. ثم قام بحملة دينية واسعة النطاق بين الهنود لترغيبهم في اعتناق الإسلام. توفي سنة 1831 خلال حملته على طائفة السيخ في شمال الهند، لكن أفكاره الدينية ظلت قوية الأثر بين المسلمين الهنود، وتابع تلاميذه حركته الإصلاحية، فأنتجوا أدبًا دينيًا ضخمًا، كتبوه باللغة الأوردية ليضمنوا نشر تعاليمهم بين الشعب، كما آثر أتباعه الاشتغال بالنشاط التجاري وعدم الالتحاق بالوظائف الحكومية تحت حكم الإنجليز.

أثر الدعوة في بلاد الشام والعراق: كان للدعوة الوهابية أنصار كثيرون بين علماء بلاد الشام في بداية هذا القرن، ومن أشهرهم الشيخ جمال الدين القاسمي الذي قاضته الحكومة التركية بتهمة العمل على نشر مبادئ الدعوة الوهابية وإذاعتها بين الناس. وهناك أيضًا المشايخ: عبد الرزاق البيطار، وطاهر الجزائري، ومحمد كامل القصاب، وحسين الجسر، وعبد القادر المغربي، والأمير شكيب أرسلان الذين درسوا تعاليم الدعوة الوهابية وقدروها تقديرًا كبيرًا، إذ وجدوا فيها صورة عن تعاليم الإسلام الحقيقية، فعملوا على نشر مبادئها في سوريا.

وفي العراق عرف عن الألوسيين: أبو الثناء شهاب الدين محمود الألوسي (1802 - 1853)، ومحمود شكري الألوسي (1856 - 1924) تأثرهما الشديد بمبادئ الدعوة الوهابية وأفكارها. ويبدو ذلك واضحًا في كتاب الأول:«روح المعاني» الذي دعا فيه إلى اتباع أهل السلف في مسائل العقيدة وتنقية الإسلام مما علق به من الشوائب، وإنكار التوسل لغير الله أو التشفع بأهل القبور.

ص: 388

أما محمود شكري الألوسي فكان مصلحًا دينيًا سلفيًا «جمع بين مبادئ الدعوة الوهابية في الرجوع إلى القرآن والسنة ومحاربة البدع الدينية والطرق الصوفية من ناحية، وبين مبادئ النهضة العلمية العربية الحديثة في الاهتمام بالعلوم غير الدينية مثل التاريخ والفلك من ناحية أخرى. من مؤلفاته «تاريخ نجد» الذي تناول فيه تاريخ نجد المعاصر وسيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

أثر الدعوة الوهابية في المغرب العربي والسودان: وعن طريق الحج أيضًا انتقلت أفكار الدعوة الوهابية إلى المغرب العربي. إذ حملها إليه السيد محمد بن علي السنوسي (1787 - 1859) بعد عودته من مكة إلى وطنه الجزائر متأثرًا بتعاليمها، وأخذ ينشرها بين أبناء بلده. وبعد ذلك انتقل إلى برقة بليبيا حيث أسس طريقة دينية خاصة، فيها الكثير من الأفكار الوهابية، مثل ضرورة الرجوع إلى بساطة الإسلام الأولى التي كان عليها الرسول وصحابته، وتنقية العقيدة من البدع والخرافات التي شوهتها. ولكن تأثر السنوسية بالمفاهيم الصوفية بعد ذلك أبعدها عن فلك التعاليم الوهابية وأهدافها.

وتتفق الدعوتان أيضًا في الأخذ بالاجتهاد ومحاربة البدع بجميع صورها. وتختلفان في أن الحركة الوهابية لجأت إلى الجهاد لنشر تعاليمها وهداية الناس إلى أفكارها، بينما سلكت الحركة السنوسية الطريق الصوفي. وقد أعجب بمبادئ الدعوة أيضًا سلطان مراكش سيدي محمد بن عبد الله الذي كان يقول: إنني مالكي المذهب وهابي المبدأ (1) . كما تأثر بها صاحب الدعوة المهدية في السودان محمد بن أحمد بن السيد عبد الله (1885م) كما نجد أثرها الواضح في مؤلفات المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي.

أثر الدعوة في الحياة الأدبية للجزيرة العربية: اعتنق سكان الجزيرة العربية أفكار الدعوة الوهابية وتشددوا فيها، بعد أن زرعت فيهم بعض الثقافة، رغم أميتهم، لكنها كانت ثقافة دينية محورها تعاليم الدعوة، وأفكار ابن تيمية ومذهب أحمد بن حنبل. واستطاعت تعاليم هذه الدعوة أن تدفع الناس إلى حل قضاياهم عن طريق الشرع والقضاء بدلًا من وسائل العنف والعادات القبلية. كما استطاعت أن تقضي على حياة التشرد والترحال في البادية، وتغل أيدي

(1) انظر كتاب: CH. A. Julien: Histoire de I، Afrique du nord payot - paris 1966. P:243.

ص: 389

اللصوص والمجرمين الذين كانوا يعيثون فسادًا في مختلف مناطق الجزيرة. ثم شجعت البدو على الاستقرار في مناطق زراعية بعد أن هيأت لهم المنازل ووسائل العيش الكريم. وقد ربطت الدعوة الوهابية أتباعها بالله مباشرة، وعلمتهم ألا يرهبوا أحدًا سواه، وطردت من عقولهم صور الجن والخرافات والأوهام، ومنعتهم من الوقوف المذل أمام الأحجار والقبور والأشجار للتوسل والاستغاثة، وعودتهم ألا يطلبوا ذلك إلا من الله وحده. . .

لم تقتصر آثار الدعوة على هذه المسائل فقط، بل كان لها أثر كبير في الحركة الفكرية في الجزيرة العربية خلال القرن الثامن عشر. ففي مراحلها الأولى ظهر بعض الشعراء والمؤرخين الذين اعتنقوا مبادئها، وأخذوا يدافعون عنها ويهاجمون خصومها. وكان في طليعة هؤلاء من المؤرخين عثمان بن بشر، وحسين بن غنام مؤرخا الدعوة المشهوران» (1) .

وبعد: فإن هذه الثمار الطيبة والنتائج المباركة قد ملأت سمع العالم وبصره ودان بها الموافق، واعترف بها المخالف، وإن جحدها المعاند والحاسد فلا يضرها ذلك. وهي بحد ذاتها الرد والجواب العلمي والعملي، والمنطقي والواقعي على سائر الشبهات والمفتريات، والدعاوى والاتهامات التي قيلت حول الدعوة، وإمامها وعلمائها ودولتها (الدولة السعودية في كل مراحلها) وأتباعها ومؤيديها.

فإنها بحمد الله الشجرة الطيبة التي قالت الحق، وعملت بالحق، ودعت إلى الحق، وأثمرت الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟

تنبيه:

أثر الدعوة على الدعوات التي عاصرتها، والتي جاءت بعدها إلى اليوم أثر مؤكد لا شك فيه ويتفاوت في درجته قوة وضعفًا، ومطابقة ومخالفة بحسب نوع التأثر والتأثير، واختلاف العوامل المؤثرة.

والذي يظهر لي أن هناك من الدعوات من يسير على المنهج في العموم كبعض أهل الحديث، وأنصار السنة في مصر والسودان.

(1) الدعوة الوهابيَّة وأثرها في الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد كامل ضاهر 199 - 205 باختصار.

ص: 390

وبعض الجماعات السلفية المعتدلة في سائر العالم الإسلامي اليوم. وغالبًا نجد هذه الفئات تُعَيَّرُ من قِبَلِ أهل البدع والأهواء بأنها وهابية ولا شك أن هذه تزكية غالية لمن كان على المنهج السلفي الحق.

لكن هناك من بالغ في تأثير الدعوة على بعض الأشخاص أو بعض الحركات الإصلاحية.

كالمهدية في السودان، والسنوسية في شمال أفريقية، وحركة عثمان بن فودي، وحركة محمد عبده، وبعض الحركات الإصلاحية في الهند.

إلى حد أن اعتبرها بعضهم مطابقة تمامًا أو على الأغلب لدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.

والحق أنه لم تكن هناك دعوة تحمل المنهج نفسه تمامًا عقيدة وعملًا، إنما تأثرت أكثر الدعوات في بعض المبادئ العامة مثل نزعة الإصلاح العام، ونبذ المنكرات والتحرير من التقليد والعصبية والمذهبية. والنزوع إلى تطبيق الشريعة والحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد (1) أما الخاصية الكبرى لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهي: الدعوة إلى التوحيد والعقيدة السلفية النقية الصافية، ونبذ الشركيات والبدع ومحاربتها بجد وحزم، فإن الذين حملوا هذه الرسالة بهذا المستوى من الدعاة والحركات قليل. والله أعلم.

تقريب المخالفين للحق:

من الآثار العامة الطيبة لهذه الدعوة المباركة أنها جرَّت بعض المخالفين إلى الاقتراب من مناهج الحق قليلًا أو كثيرًا بحسب الأحوال. ومن ذلك أنها لفتت أنظارهم إلى أهمية الاستدلال بالنصوص الشرعية وآثار السلف الصالح والتحاكم إليها، وترك بعض الانحرافات في التلقي والاستدلال، كالاعتماد على ما ليس بدليل كالكشف والذوق، والوجد، والرؤى

(1) ناقش هذه المسألة: الدكتور صالح بن عبد الله العبود في كتابه (عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية)(2) .

وانظر: دعاوى المناوئين للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (24) .

ص: 391

والأحلام، والخوارق، ودعوى العصمة للرجال. والاستدلال بالحكايات والأحاديث الموضوعة والضعيفة فإن أكثر الفرق والأشخاص الذين يعولون على هذه الأوهام صار بعضهم يقلل من هذا المسلك، ويستحي منه.

كما جرتهم الدعوة إلى ترك التعصب والتقليد الأعمى للمذاهب والأشخاص وعلقتهم بالعلم الشرعي، والاهتمام بالسنن، وبالبحث والتأليف والاستنباط.

إن المخالفين من الفرق والأفراد والمذاهب والطرق وإن لم يستجب كثير منهم إلى الحق والسنة، بل بعضهم زاد عتوًّا وغلوًّا وإصرارًا على الباطل. إلا أنه صار كثير منهم لديه الاستعداد للحوار الجاد وخففوا من غلوهم، وصححوا بعض عقائدهم ومناهجهم، أو عدَّلوها، وهذا ولا شك تخفيف للشر، وذلك من مطالب الدين وغايات الدعوة المرحلية {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ - إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 - 119] [سورة هود، الآيتان: 118، 119] .

ص: 392