الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]
دعوى أن منشأ الدعوة قرن الشيطان:
مما أثاره خصوم الدعوة من أهل الأهواء والبدع والافتراق دعوى أن نجد هي قرن الشيطان استنادًا للحديث الذي ورد فيه أن نجد والمشرق قرن الشيطان.
مع أن العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة السلف وغيرهم من أهل اللغة والمعاجم ذكروا أن المقصود بالمشرق ونجد في الحديث هي نجد العراق.
وبيَّنوا كذلك أن الذم ليس لكل من سكن نجدًا والمشرق.
كما لا يلزم من ذم مكان الذم المطلق في كل الأحوال والأزمنة.
والعراق نفسه وهو الذي ورد فيه الذم، لا يعني ذلك أنه لا خير فيه مطلقاً، ولا أن أهله مذمومون، وأن ما خرج منه من العلم والصلاح والخير مردود، إنما تخرج منه الفتن أكثر من غير، من قِبَل أهل الأهواء والفساد لا أهل الصلاح فكثيرون من أهل العراق هم من أئمة الإسلام وقادته، وعلمائه وخرج منه خير كثير للإسلام والمسلمين في دينهم ودنياهم.
وخرجت من العراق دعوات إصلاحية كبرى ودعاة مهتدون كالإمام أبي حنيفة والإمام أحمد.
فهل نَرُدّ مذهب كل من هذين الإمامين وأمثالهما لمجرد أنها صدرت من موطن الفتن وقرن الشيطان.
فخبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا وأمثاله لا يتضمن رد الحق الذي يأتي من جهة ما ورد شيء من أحوالها.
وكذلك نجد وسط شبه الجزيرة - لو فرضنا جدلًا أنها مَعْنية بالحديث - فلا يعني ذلك أنها لا يصدر عنها ولا عن أهلها خير ولا صلاح، وأنها لا تنصر التوحيد والسنة، فمكة والمدينة وهما أفضل البقاع لم تسلم من ظهور الشركيات والبدع، حول القباب والأضرحة والمزارات والمشاهد التي أزالتها الدولة السعودية المباركة، فهل يجوز أن يكون مناط الذم لنجد ظهور التوحيد والسنة فيها؟ وهل يكون مناط المدح لمكة والمدينة - آنذاك - ظهور البدع والمنكرات فيها؟ لا يقول ذلك عاقل فضلًا عن المؤمن.
وهذا كله على سبيل التنزُّل في الحوار.
ونرجع إلى تقرير أن نجد المقصودة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تلك هي نجد العراق، وهي المقصودة بالمشرق بالنسبة للمدينة النبوية.
وقد بيّن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أن المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث هو العراق فقال: «إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: «وأشار إلى العراق» قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية الشام ونواحيها فهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وقال الداودي: إن نجدًا من ناحية العراق، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، ويشهد له ما في مسلم عن ابن عمر قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومئ بيده إلى المشرق» (1) فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر المراد بالإشارة الحسية وقد جاء صريحًا في «المعجم الكبير» (2) . للطبراني النص على أنها العراق. وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد. . .» (3) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن كذلك مبينًا أن الذم لا يلزم أن يقع على المحل إنما على الحال: «الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت في ذم نجد كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في شامنا» قالوا وفي نجدنا
(1) رواه مسلم (7297) .
(2)
رقم (13422) بلفظ "عراقنا" بدلًا من "نجدنا"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات
(3)
منهاج التأسيس والتقديس في الرد على ابن جرجيس، ص (62)، قال الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في ذلك:«ولا يعني ذلك ذم علماء العراق. . . لما ورد من أحاديث في شأن بلادهم، يقول الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام، ص (236) : «ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها، وأكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة أهل الجرح والتعديل أكثرهم من أهل العراق» .
وانظر: رسالة أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان، ص (43) ، ودعاوى المناوئين (186) .
قال: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان» (1) . . . قيل أنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق، والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها، وكمقتل الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة، وقتال بني أمية لمصعب وقتله، وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.
وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس» (2) .
ويرد الشيخ عبد اللطيف كذلك على من طعن في نجد اليمامة؛ لأنها - على حد زعمه - بلد نجدة الحروري والقرمطي، فيقول:«كون نجدة الحروري والقرمطي من هذه البلاد، كلام كذب وزور على عادته، فإن نجدة ابتلي ببدعته ومروقه بالعراق، وبما استقر وهي وطنه، وأيضًا فقد ثبت أنه تاب لما ناظره ابن عباس، والقرمطي بلاده القطيف والخط، وليس من حدود اليمامة، بل ولا من حدود نجد. ثم لو فُرض أنه من نجد، ومن اليمامة ومن بلدة الشيخ أيّ ضرر في ذلك؟ وهل عاب الله ورسوله أحدًا من المسلمين أو غيرهم ببلده ووطنه، وكونه فارسيًّا أو زنجيًا أو مصريًّا من بلاد فرعون، ومحل كفره وسلطته؟ وعكرمة بن أبي جهل من أفاضل الصحابة، وأبوه فرعون هذه الأمة» (3) .
وقال الشيخ السهسواني في كتاب «صيانة الإنسان» عند ذكره الروايات في شأن نجد قرن الشيطان، وساق أقوال العلماء في ذلك، ومرادهم بنجد هاهنا، ثم قال:
(1) رواه البخاري (7094) ، والترمذي (3953) ، وابن حبان (7301) ، وأحمد (5987) ، واللفظ له.
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل (4) .
(3)
مصباح الظلام ص (295) .
ثم قال: «ومجرد وقوع الفتنة لا يستلزم ذم كل من يسكنه، بدليل ما رواه الشيخان عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال: « «هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا قال: «فإني لأرى الفتن تقع من خلال بيتكم كوقع المطر» » (1)(2) .
ثم ذكر السهسواني الروايات التي تثبت أن العراق هو المراد في أحاديث الفتن في نجد، وأنه المشرق بالنسبة للمدينة المنورة (3) .
ويقول محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق- والتي هي في الحقيقة نجد قرن الشيطان -: «ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبليّة، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزيّة، فأهل الحروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه
(1) رواه البخاري رقم (1878) كتاب فضائل المدينة: باب آطام المدينة، ومسلم رقم (7245) كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب نزول الفتن كمواقع القطر.
(2)
صيانة الإنسان، ص (491) .
(3)
المرجع السابق، ص (492) .
للحسن البصري وتواترت النقل به. . . إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في الإمام وسائر الأئمة ومسبّة أكابر الصحابة. . .، كل هذا معروف مستفيض» (1) .
ويرد الشيخ ابن سحمان على من وصف أهل نجد بأنهم من ذرية مسيلمة الكذّاب، وبين أن العراق هي موطن الفتن؛ لأنها مشرق المدينة وليست اليمامة، يقول:«وآباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم كانوا على جاهلية، وشرك، وعبادة للأصنام والأحجار وغيرها. ولا يتوجه عيب أحد منهم بأسلافه وقد يُخرج الله من أصلاب المشركين، والكفّار من هو من خواص أوليائه وأصفيائه. . .» (2) .
ويوضح الشيخ حمود التويجري في كتابه «إيضاح المحجة» : «أن الروايات الواردة في طلوع قرن الشيطان في المشرق كلها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد صرح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق فبطل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية» (4) .
ويقول الشيخ ناصر الدين الألباني في تعليقه على حديث «اللهم بارك لنا في شامنا. . .» بعد أن ساق طرقه ومروياته: «فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من نجد في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما هو العراق، وبذلك فسّره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني وتجد كلامهما في ذلك في شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري
(1) غاية الأماني في الرد على النبهاني (2) باختصار. عن دعاوى المناوئين (189) .
(2)
الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد (87) .
(3)
المرجع السابق (97)، وانظر: دعاوى المناوئين (189) .
(4)
إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة (132) باختصار، وانظر: دعاوى المناوئين (191) .