المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

دعوى أن منشأ الدعوة قرن الشيطان:

مما أثاره خصوم الدعوة من أهل الأهواء والبدع والافتراق دعوى أن نجد هي قرن الشيطان استنادًا للحديث الذي ورد فيه أن نجد والمشرق قرن الشيطان.

مع أن العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة السلف وغيرهم من أهل اللغة والمعاجم ذكروا أن المقصود بالمشرق ونجد في الحديث هي نجد العراق.

وبيَّنوا كذلك أن الذم ليس لكل من سكن نجدًا والمشرق.

كما لا يلزم من ذم مكان الذم المطلق في كل الأحوال والأزمنة.

والعراق نفسه وهو الذي ورد فيه الذم، لا يعني ذلك أنه لا خير فيه مطلقاً، ولا أن أهله مذمومون، وأن ما خرج منه من العلم والصلاح والخير مردود، إنما تخرج منه الفتن أكثر من غير، من قِبَل أهل الأهواء والفساد لا أهل الصلاح فكثيرون من أهل العراق هم من أئمة الإسلام وقادته، وعلمائه وخرج منه خير كثير للإسلام والمسلمين في دينهم ودنياهم.

وخرجت من العراق دعوات إصلاحية كبرى ودعاة مهتدون كالإمام أبي حنيفة والإمام أحمد.

فهل نَرُدّ مذهب كل من هذين الإمامين وأمثالهما لمجرد أنها صدرت من موطن الفتن وقرن الشيطان.

فخبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا وأمثاله لا يتضمن رد الحق الذي يأتي من جهة ما ورد شيء من أحوالها.

وكذلك نجد وسط شبه الجزيرة - لو فرضنا جدلًا أنها مَعْنية بالحديث - فلا يعني ذلك أنها لا يصدر عنها ولا عن أهلها خير ولا صلاح، وأنها لا تنصر التوحيد والسنة، فمكة والمدينة وهما أفضل البقاع لم تسلم من ظهور الشركيات والبدع، حول القباب والأضرحة والمزارات والمشاهد التي أزالتها الدولة السعودية المباركة، فهل يجوز أن يكون مناط الذم لنجد ظهور التوحيد والسنة فيها؟ وهل يكون مناط المدح لمكة والمدينة - آنذاك - ظهور البدع والمنكرات فيها؟ لا يقول ذلك عاقل فضلًا عن المؤمن.

وهذا كله على سبيل التنزُّل في الحوار.

ونرجع إلى تقرير أن نجد المقصودة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تلك هي نجد العراق، وهي المقصودة بالمشرق بالنسبة للمدينة النبوية.

ص: 281

وقد بيّن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن أن المراد بالمشرق ونجد الذي ورد ذمه في الحديث هو العراق فقال: «إن المراد بالمشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله هو العراق؛ لأنه يحاذي المدينة من جهة الشرق، يوضحه أن في بعض طرق هذا الحديث: «وأشار إلى العراق» قال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة، كان نجده بادية الشام ونواحيها فهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وقال الداودي: إن نجدًا من ناحية العراق، ذكر هذا الحافظ ابن حجر، ويشهد له ما في مسلم عن ابن عمر قال: يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«أن الفتنة تجيء من هاهنا، وأومئ بيده إلى المشرق» (1) فظهر أن هذا الحديث خاص لأهل العراق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر المراد بالإشارة الحسية وقد جاء صريحًا في «المعجم الكبير» (2) . للطبراني النص على أنها العراق. وقول ابن عمر وأهل اللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد. . .» (3) .

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن كذلك مبينًا أن الذم لا يلزم أن يقع على المحل إنما على الحال: «الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل، والأحاديث التي وردت في ذم نجد كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في يمننا. اللهم بارك لنا في شامنا» قالوا وفي نجدنا

(1) رواه مسلم (7297) .

(2)

رقم (13422) بلفظ "عراقنا" بدلًا من "نجدنا"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3) رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات

(3)

منهاج التأسيس والتقديس في الرد على ابن جرجيس، ص (62)، قال الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في ذلك:«ولا يعني ذلك ذم علماء العراق. . . لما ورد من أحاديث في شأن بلادهم، يقول الشيخ عبد اللطيف في مصباح الظلام، ص (236) : «ولا يقول مسلم بذم علماء العراق لما ورد فيها، وأكابر أهل الحديث وفقهاء الأمة أهل الجرح والتعديل أكثرهم من أهل العراق» .

وانظر: رسالة أكمل البيان في شرح حديث نجد قرن الشيطان، ص (43) ، ودعاوى المناوئين (186) .

ص: 282

قال: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان» (1) . . . قيل أنه أراد نجد العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق، والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العراق من الملاحم والفتن، ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له اطلاع على السير والتاريخ، كخروج الخوارج بها، وكمقتل الحسين، وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة، وقتال بني أمية لمصعب وقتله، وما جرى في ولاية الحجاج بن يوسف من القتال، وسفك الدماء وغير ذلك مما يطول عده.

وعلى كل حال فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل. وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محل طاعة في زمن آخر، وبالعكس» (2) .

ويرد الشيخ عبد اللطيف كذلك على من طعن في نجد اليمامة؛ لأنها - على حد زعمه - بلد نجدة الحروري والقرمطي، فيقول:«كون نجدة الحروري والقرمطي من هذه البلاد، كلام كذب وزور على عادته، فإن نجدة ابتلي ببدعته ومروقه بالعراق، وبما استقر وهي وطنه، وأيضًا فقد ثبت أنه تاب لما ناظره ابن عباس، والقرمطي بلاده القطيف والخط، وليس من حدود اليمامة، بل ولا من حدود نجد. ثم لو فُرض أنه من نجد، ومن اليمامة ومن بلدة الشيخ أيّ ضرر في ذلك؟ وهل عاب الله ورسوله أحدًا من المسلمين أو غيرهم ببلده ووطنه، وكونه فارسيًّا أو زنجيًا أو مصريًّا من بلاد فرعون، ومحل كفره وسلطته؟ وعكرمة بن أبي جهل من أفاضل الصحابة، وأبوه فرعون هذه الأمة» (3) .

وقال الشيخ السهسواني في كتاب «صيانة الإنسان» عند ذكره الروايات في شأن نجد قرن الشيطان، وساق أقوال العلماء في ذلك، ومرادهم بنجد هاهنا، ثم قال:

(1) رواه البخاري (7094) ، والترمذي (3953) ، وابن حبان (7301) ، وأحمد (5987) ، واللفظ له.

(2)

مجموعة الرسائل والمسائل (4) .

(3)

مصباح الظلام ص (295) .

ص: 283

«ولا يخفى عليك أن لفظًا من ألفاظ هذا الحديث، لا يقتضي أن كل من يولد في المشرق يكون مصداقًا لهذا الحديث حتى يثبت ما ادعاه المؤلف» .

ثم قال: «ومجرد وقوع الفتنة لا يستلزم ذم كل من يسكنه، بدليل ما رواه الشيخان عن أسامة بن زيد قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة، فقال: « «هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا قال: «فإني لأرى الفتن تقع من خلال بيتكم كوقع المطر» » (1)(2) .

وذكر المؤلف أحاديث أخرى، ثم قال:«وهذه الأحاديث وغيرها مما ورد في هذا الباب دالة على وقوع الفتن في المدينة النبوية، فلو كان وقوع الفتن في موضع مستلزمًا لذم ساكنيه لزم ذم سكان المدينة كلهم أجمعين، وهذا لا يقول به أحد، على أن مكة والمدينة كانتا في زمن موضع الشرك والكفر، وأي فتنة أكبر منهما؟ بل وما من بلدٍ أو قريةٍ إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمان موضع الفتنة، فكيف يجترئ مؤمن على ذم جميع مسلمي الدنيا؟ وإنما مناط ذم شخص معين كونه مصدرًا للفتن من الكفر والشرك والبدع» .

ثم ذكر السهسواني الروايات التي تثبت أن العراق هو المراد في أحاديث الفتن في نجد، وأنه المشرق بالنسبة للمدينة المنورة (3) .

ويقول محمود شكري الآلوسي عن بلده العراق- والتي هي في الحقيقة نجد قرن الشيطان -: «ولا بدع فبلاد العراق معدن كل محنة وبليّة، ولم يزل أهل الإسلام منها في رزية بعد رزيّة، فأهل الحروراء وما جرى منهم على الإسلام لا يخفى، وفتنة الجهمية الذين أخرجهم كثير من السلف من الإسلام إنما خرجت ونبغت بالعراق، والمعتزلة وما قالوه

(1) رواه البخاري رقم (1878) كتاب فضائل المدينة: باب آطام المدينة، ومسلم رقم (7245) كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب نزول الفتن كمواقع القطر.

(2)

صيانة الإنسان، ص (491) .

(3)

المرجع السابق، ص (492) .

ص: 284

للحسن البصري وتواترت النقل به. . . إنما نبغوا وظهروا بالبصرة، ثم الرافضة والشيعة وما حصل فيهم من الغلو في أهل البيت، والقول الشنيع في الإمام وسائر الأئمة ومسبّة أكابر الصحابة. . .، كل هذا معروف مستفيض» (1) .

ويرد الشيخ ابن سحمان على من وصف أهل نجد بأنهم من ذرية مسيلمة الكذّاب، وبين أن العراق هي موطن الفتن؛ لأنها مشرق المدينة وليست اليمامة، يقول:«وآباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم كانوا على جاهلية، وشرك، وعبادة للأصنام والأحجار وغيرها. ولا يتوجه عيب أحد منهم بأسلافه وقد يُخرج الله من أصلاب المشركين، والكفّار من هو من خواص أوليائه وأصفيائه. . .» (2) .

ويقول: «وقد كان بلد الشيخ اليمامة، ولم تكن اليمامة مشرق المدينة، بل مشرق المدينة العراق ونواحيه، فاليمامة ليست مشرق المدينة، ولا هي وسط المشرق بين المدينة والعراق، بل اليمامة شرق مكة المشرفة. . .» (3) .

ويوضح الشيخ حمود التويجري في كتابه «إيضاح المحجة» : «أن الروايات الواردة في طلوع قرن الشيطان في المشرق كلها عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد صرح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق فبطل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية» (4) .

ويقول الشيخ ناصر الدين الألباني في تعليقه على حديث «اللهم بارك لنا في شامنا. . .» بعد أن ساق طرقه ومروياته: «فيستفاد من مجموع طرق الحديث أن المراد من نجد في رواية البخاري ليس هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وإنما هو العراق، وبذلك فسّره الإمام الخطابي والحافظ ابن حجر العسقلاني وتجد كلامهما في ذلك في شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري

(1) غاية الأماني في الرد على النبهاني (2) باختصار. عن دعاوى المناوئين (189) .

(2)

الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد (87) .

(3)

المرجع السابق (97)، وانظر: دعاوى المناوئين (189) .

(4)

إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة (132) باختصار، وانظر: دعاوى المناوئين (191) .

ص: 285