الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الدكتور محمد بن سليمان الخضيري: " ومن الأساليب الأخرى التي اتبعتها لهذا الغرض إشاعة منع السعوديين للناس من الحج، والحقيقة كما قررها المؤرخون المنصفون أن الدولة السعودية لم تمنع أحدا أتى إلى الحج على الطريقة الإسلامية المشروعة، أما من يصر على أن يأتي بالبدع مثل: الطبل والزمر وحمل السلاح فالواجب تنبيهه أن ذلك يخالف الإسلام، فإن رضي فقد أعتق نفسه من مخالفة شرع الله، وإن رفض فلا مكان له بين حجاج المسلمين الملتزمين بالعقيدة الإسلامية "(1) .
[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]
دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم: الذين يعيشون ويرتزقون على موارد البدع كثيرون في مكة والمدينة وغيرهما، من سدنة القباب والمشاهد والمزارات، وحجابها وخدامها ومزوريها، وجيرانها والقائمين على أوقافها ومراسمها، وغيرهم كثير من المنتفعين من قيام هذه البدع ومنكراتها، كل هؤلاء تنقطع مواردهم بإزالة هذه البدع والمحدثات، وقد حصل شيء من ذلك عندما قامت الدولة السعودية وأتباع الدعوة السلفية بهدم القباب والمشاهد وإزالة البدع؛ مما تسبب كذلك في امتناع أهل البدع من القدوم للحجاز كما أسلفت، يقول الجبرتي في ذلك:
" ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها، خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم، ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك، وأتوا إلى مصر والشام، ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي، ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين؛ لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من إجراء الأرزاق واتصال الصلات "(2) .
أما دعوى نهب خزائن الحجرة النبوية:
فإنه حينما تمكنت الدولة السعودية الأولى من المدينة أزالت المنكرات والبدع
(1) الدولة السعودية الأولى والدولة العثمانية (353) .
(2)
الجبرتي (3) .
والمحدثات، ومنها ما يفعله الجهلة وأهل البدع من إلقاء النفائس في الحجرة، فأخذها الإمام سعود بن عبد العزيز وعرض أمرها على العلماء، فأفتوه بصرفها في مصالح المسلمين، وهذا مما يجب أن يحمد له، لكن أهل البدع صوروا ذلك على أنه من الكبائر العظيمة.
يقول الجبرتي في ذلك: " ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر، ونقلها وأخذها، فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام ".
ثم قال الجبرتي مبينا أن أصل وجود الذخائر في الحجرة من البدع والخرافات: " وهذه الأشياء أرسلها ووضعها خساف العقول من الأغنياء والملوك والسلاطين الأعاجم وغيرهم، إما حرصا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم أو لنوائب الزمان، فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج إليها، فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء، فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنين والأعوام الكثيرة وهي في الزيادة، فارتدت معنى لا حقيقة، وارتسم في الأذهان حرمة تناولها، وأنها صارت مالا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقها، والنبي عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك، ولم يدخر شيئا من عرض الدنيا في حياته، وقد أعطاه الله الشرف الأعلى، وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب، واختار أن يكون نبيا عبدا، ولم يختر أن يكون نبيا ملكا.
وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال: " «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» "(1) وروى الترمذي بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، أو قال ثلاثا أو نحو ذلك، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» "(2) ثم إن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد [فهو](3) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» "(4)
(1) رواه البخاري رقم (6460) كتاب الرقاق: باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومسلم رقم (7441) كتاب الزهد: باب الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
(2)
رواه الترمذي رقم (2347) وقال: حديث " حسن " على الرغم أن في سنده علي بن يزيد الألهاني، وهو ممن ضعف، لكن تحسين الترمذي للحديث لشواهده.
(3)
كذا في الأصل، ويظهر أنها زائدة.
(4)
رواه مسلم (2482) كتاب الزكاة: باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة.
ومنع بني هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم، والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها " (1) .
ثم قال: " وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية، وإن قال المدخر: أكنزها لنوائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها، قلنا: قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الإفرنج وخلو خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم، فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الإفرنج المسالمين لهم، واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات، والاستيلاء على الأموال بغير حق، حتى أفقروا تجارهم ورعاياهم، ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئا، بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة، ولا ينتفعون به في مهماتهم، فضلا عن إعطائه لمستحقه من المحتاجين، وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد إلا ما يختلسه العبيد الخصيون الذين يقال لهم أغوات الحرم، والفقراء من أولاد الرسول وأهل العلم والمحتاجون وأبناء السبيل يموتون جوعا، وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعون منها إلى أن حضر الوهابي، واستولى على المدينة، وأخذ تلك الذخائر "(2) .
ويكفي السعوديين فخرا أنهم جعلوا هذه الأموال تحت تصرف العلماء، وأنهم صرفوها في مصارفها الشرعية، وقد زعم بعض الخصوم أن أهل نجد حين تولوا بلاد الحرمين انتهكوا حرمات الحرم، وأهانوا أهله، وكل ذلك من البهتان، بل الصحيح عكس ذلك، والعجيب أن غير المسلمين كان بعضهم أكثر إنصافا في ذلك.
يقول الراهب هيوجس: لم يصب المواطنين أي أذى لأجل قداسة الحرم، وبعد أن تولى الإمارة أهل نجد
(1) عجائب الآثار للجبرتي (3، 248) .
(2)
عجائب الآثار للجبرتي (3 - 250) .