الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امتنعت من شريعة، من شرائع الإسلام الظاهرة، تقاتل حتى يكون الدين كله لله، كالمحاربين وأولى؛ انتهى؛ وما ذكرناه عن العلماء؛ من أنهم يسمون البلدة التي أهلها يهود، أو نصارى، دار إسلام، يذكرون ذلك في باب اللقيط وغيره» (1) .
[رد دعوى التشدد]
رد دعوى التشدد: وفي مسألة التشدد فإنهم كما أسلفت ليسوا كذلك لكنهم كانوا يلتزمون أحكام الإسلام، ويسيرون مع الدليل الشرعي في ذلك، وقد يسمي المتساهلون ذلك تشدداً.
يقول الأستاذ حافظ وهبة في ذلك: «والنجديون يحرصون أشد الحرص على تنفيذ أحكام الشريعة في تحريم لبس الحرير للرجال وتحليهم بالذهب، كما يحرمون التدخين، ويجلدون المدخن أربعين جلدة. ومما لا شك فيه: أن حكومتهم الأولى كانت أصرم في هذا من الحكومة الحالية.
ولقد كانت مسألة الدخان من المسائل التي دار البحث فيها بين الحكومة المصرية والحكومة السعودية سنة 1926م، ومال مفتي مصر فيها إلى الكراهة، كما أنه أورد رأي فريق من العلماء ممن يرى التحريم.
لقد روى بَالْجَرِيف في رحلته إلى نجد سنة 1862م أنه سمع من بعض النجديين: أنهم يرون أن شرب الدخان أشد لديهم من الخمر والزنا وبعض المحرمات المنصوص عليها، ولا شك أن هذه الرواية قد سمعها من جاهل. فقد سمعت شيئًا قريبًا من هذا من بعض النجديين المقيمين بالكويت، ولكنهم لم يكونوا من العلماء. ولا يعبرون على رأي علماء نجد الذين يعدون مثل هذا القول جرأة على الدين.
إن علماء نجد - وإن أجمعوا على تحريم الدخان (2) - فلم أسمع أحدًا منهم يقول مثل هذا
(1) الدرر السنية (9، 255) .
(2)
لم يعد الجزم بتحريم الدخان خاصًّا بعلماء نجد لا سيما بعد ما ثبت ضرره البالغ حتى تكاد تتفق جميع الأمم المسلمة وغير المسلمة على تحريمه ومنعه.
القول، كما أني لم أقف على شيء مثل هذا فيما كتبه متقدموهم أو متأخروهم.
وعلماء نجد يحرمون التصوير ويكرهون الموسيقى، ولا يقبلون أي تأويل في ذلك» .
وقال: تحت عنوان: (ما يُنسب إلى النجديين وهم أبرياء منه) .
«لا شك أن الحرب النجدية المصرية في القرن الماضي وما أعقب ذلك من خلاف بين آل سعود والأتراك قد صحبه كثير من الدعايات السيئة ضد النجديين. وكثير من الأشياء التي نسبت إليهم مكذوبة.
1 -
لقد نُسب إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والآخذين بدعوته كراهية النبي صلى الله عليه وسلم، والحطّ من شأنه وشأن سائر الأنبياء والأولياء الصالحين.
لقد نُسب هذا إلى الإمام ابن تيمية وإلى تلاميذه، كما لا يزال يُنسب إلى كثير من العقلاء والمصلحين في الهند وغيرها حتى ممن ليست لهم أي صلة بنجد وأهلها.
إن منشأ هذه النسبة: هو أن النجديين استنادًا إلى حديث «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (1) يرون أن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يعملها أحد من الصحابة أو التابعين. ولم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق ابن تيمية وابن عبد الوهاب طوائف كثيرة من العلماء المتقدمين بهذا الرأي.
2 -
إن النجديين يمنعون استقبال قبر الرسول صلى الله عليه وسلم عند الدعاء، كما يمنعون السجود عند قبره وقبر غيره، ويمنعون التمسح والتمرغ عند القبر، كما يمنعون كل ما من شأنه الاستغاثة أو الطلب مما شاع عمله عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الصالحين في مصر وبغداد والهند وكثير من الأمصار.
3 -
هدم القباب والأبنية المقامة على القبور وإبطالهم لسائر الأوقاف التي رصدت على القبور والأضرحة.
4 -
إنكارهم على البوصيري قوله في البردة:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
…
سواك عند حلول الحادث العمم
وقوله:
ومن علومك علم اللوح والقلم
(1) تقدم تخريجه.
وقوله:
إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي
…
فضلًا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن هذا القول مجازفة وغلو، وفيه مخالفة صريحة لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة؛ وهم - فوق هذا - يعتقدون أن من اعتقد هذا على ظاهره فهو مشرك كافر.
فاتهمهم خصومهم بكراهية النبي. ونسبوا إليهم أقوالًا هم أبرياء منها، نسبوا إليهم القول بأن العصا خير من النبي، إلى غير ذلك من التُّهَم الباطلة. ولقد سمعت في نجد أن حكاية نجد الشمالية أثناء خصومتهم مع آل سعود كانوا يكتبون إلى الأتراك أن آل سعود اتخذوا راية شعارها: لا إله إلا الله مَحَدّ رسول (بحذف ميم محمد) أي لا أحد رسول الله، وهذا كله تنفير للأتراك من خصومهم، وهم يعلمون حق العلم أن هذا كذب.
ولقد حضر إلى مكة أثناء الحرب الحجازية النجدية في سنة 1925م بعض أفاضل السنغاليين وَتِطْوَان، وكانوا أثناء حديثهم يبكون لشدة تأثرهم؛ لقد أخبرونا أنهم سمعوا في الإسكندرية أشياء كثيرة تنسب إلى النجديين، لم يجدوا لها أثرًا في الحجاز، لقد سمعوا من بعض الناس: أن الوهابيين هدموا الكعبة؛ لأنها حجر، وسمعوا أنهم في الأذان يقولون:«أشهد أن لا إله إلا الله» فقط ولا يقولون: «أشهد أن محمدًا رسول الله» .
إن النجديين أحرص الناس على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يكرهون الغلو، ويقاومون البدع مهما كان نوعها، ومهما كان الدافع لها، ويقولون: إن المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم هي الاهتداء بهدى الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، أما الابتداع وتعطيل الشريعة وتقديم الأهواء فهو كراهة لا محبة. وفي القرآن الكريم:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31][سورة آل عمران، آية: 31] .
ومما ينسب إلى أهل نجد: تكفيرهم من عداهم؛ وهو بلا شك تزوير من خصومهم، وإن وقعت بعض أشياء من بعض جفاة الأعراب والجهال فليس من الإنصاف أن ينسب ذلك إلى أهل نجد.
أما الشيخ ابن عبد الوهاب وتلاميذه: فإنهم لا يكفرون من صحت ديانته، واشتهر صلاحه، وحسنت سيرته، وإن أخطأ في بعض المسائل. ولكنهم يكفرون من بلغته دعوة الحق ووضحت له الحجة وقامت عليه وأصر مستكبراً، هذا في الأفراد» (1) .
(1) جزيرة العرب في القرن العشرين لحافظ وهبة (312 - 314) .