الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرع يصفون أحكام الشرع من التكفير والتفسيق والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شعائر الدين وفرائضه: تشددًا وقسوة، وهذا جهل بأحكام الشرع أو تلبيس وتضليل.
وكذلك يمكن القول بأنهم كفّروا بالدليل؛ لكنهم لم يكفروا عموم المسلمين، ولا أكثرهم كما يزعم الخصوم لكنهم كفروا من قام الدليل على كفرهم. ووصفوا الأقوال والأفعال والعقائد الكفرية، أما تكفير الأعيان فهو نادر جدًّا فلم يخرجوا فيه عن نهج النصوص ونهج السلف الصالح من التورع عن تكفير الأعيان، والكف عن ذلك وعدم إطلاق التكفير إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ولذلك كان تكفير الأعيان عندهم قليلاً، بل نادرًا كما أسلفت.
[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]
التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة عند علماء الأمة: ومما ينفي شبهة التكفير عن الإمام محمد بن عبد الوهاب أنه بيَّن القواعد والشروط والموانع في التكفير بما يؤكد أنه على أصول أهل السنة والجماعة ومنهاج السلف الصالح، ومن ذلك.
أولاً: أنه كثير النصح للمسلمين حريص على هدايتهم، والدعاء لهم، والتماس المعاذير لهم (1) .
ثانياً: لا يكفر بالذنوب:
استفاض تأكيده على البراءة من التكفير بالذنوب - كما تفعل الخوارج - كقوله: «ولا أكفر أحدًا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام» (2) .
وقوله في رده على بعض الذين يتهمونه وأتباعه بتكفير المسلمين: «وقولكم إنا نكفر المسلمين. . .، فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين» (3) .
(1) انظر: نماذج من أقواله في استهلال رسائله السابقة واللاحقة وفي أثنائها.
(2)
الدرر السنية (1 «) .
(3)
مؤلفات الشيخ، القسم الخامس (189) .
وقال في رسالته إلى عالم العراق ابن السويدي في سياق ذكر ما أشيع عن الشيخ من البهتان: «ومنها ما ذكرتم: أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني، وأزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، ويا عجبًا كيف يدخل هذا في عقل عاقل. . .» (1) .
ثالثاً: لا يكفر بالعموم:
فقد ثبت نفيه المتكرر وما يتهم به وأتباعه من أنهم يكفرون المسلمين بالعموم وأنهم يكفرون كل من خالفهم، وكل من لم يدخل في مذهبهم! ونحو ذلك من المزاعم.
رابعاً: معاملة الناس على ظواهرهم:
وكان يعامل الناس على ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله، قال في أهل البدع:«وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله تعالى» (3) .
خامساً: لا يحكم على أحد بالكفر بمجرد الموالاة.
سادساً: لا يحكم على أحد بمجرد الظن.
سابعاً: يعذر الجاهل بجهله.
ثامناً: لا يكون التكفير عنده إلا بعد إقامة الحجة والبرهان.
قال مقررًا هذه القواعد: «وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم» (4) .
تاسعاً: لم يكن الإمام وعلماء الدعوة - التزامًا لمنهج السلف الصالح - يطلقون أحكام التكفير
(1) الدرر السنية (1) .
(2)
الدرر السنية (1
) .
(3)
الدرر السنية (1) .
(4)
مؤلفات الشيخ القسم الخامس (25) .
إلا ببينات وبعد التثبت ومعرفة الحال.
وعلى سبيل المثال كان الشيخ الإمام وأتباعه أحيانًا يطلقون على بعض خصومهم الكفر أو الشرك؛ لأنه تثبت لديهم أن هؤلاء الخصوم واقعون في ذلك فعلاً، وقد قامت عليهم الحجة وبانت لهم الدلائل من خلال ما أقامه الشيخ الإمام وتلاميذه وأشهروه في ذلك.
وكانت البوادي والأعراب في نجد وما حولها - وهم كثيرون آنذاك - لا يكادون يفقهون في دين الله شيئاً، ولا يقيم أكثرهم شعائر الإسلام، وكثيرون منهم لا يؤمنون بالبعث ولا يعرفون ذلك، وقد بين الشيخ الإمام هذه المسألة غاية البيان (1) .
كما كانت مظاهر الشرك والبدع ظاهرة عند البادية والحاضرة من خلال ما يمارسه الكثيرون حول الأضرحة والقباب والمشاهد، والأشجار والأحجار، والأشخاص والآثار ونحو ذلك.
وكانت النزعة الصوفية الغالية لها وجود بينهم (وإن كان فيما يظهر ليس بالكثير) ، كمذهب ابن عربي وابن الفارض (2) .
ولم تكن بقية جزيرة العرب، في الحجاز واليمن بأسعد حظًّا من نجد وبواديها بل كان كثيرون منهم يمارسون البدع والشركيات عن عمد وإصرار.
ومع ذلك كله كان الإمام وأتباعه لا يكفرون الأعيان ولا يكفرون العموم إلا بعد التثبت والبيان.
وقد كفانا الشيخ الإمام وعلماء الدعوة مهمة الدفاع عن الحق، ورد المفتريات من الخصوم، وكشف بهتانهم.
فقال الإمام في إحدى رسائله بعدما ذكر أن عقيدته هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وأنه لا يكفر المسلمين:«ولا أكفر أحدًا من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام» (3) .
(1) انظر: ابن غنام (1، 144) .
(2)
انظر: ابن غنام (1، 147) .
(3)
الدرر السنية (1» ) .
ثم قال في الرسالة نفسها مبينًا أن بعض ما قيل عنه صحيح وهو الحق بالدليل: «وأما المسائل الأخرى، وهي: أني أقول لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، وأني أُعَرِّف من يأتيني بمعناها، وأني أُكَفِّر الناذر إذا أراد بنذره التقرب لغير الله، وأخذ النذر لأجل ذلك، وأن الذبح لغير الله كفر، والذبيحة حرام؛ فهذه المسائل حق، وأنا قائل بها؛ ولي عليها دلائل من كلام الله وكلام رسوله، ومن أقوال العلماء المتبعين، كالأئمة الأربعة؛ وإذا سهَّل الله تعالى: بسطت الجواب عليها في رسالة مستقلة، إن شاء الله تعالى» (1) .
ثم قال طالبًا من الذين ترد إليهم تلك الشبهات والأقاويل والمفتريات عنه وعن دعوته: «ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6] » [سورة الحجرات، آية: 6](2) .
وأرسل أحد علماء اليمن (3) الرسالة التالية، يسأله فيها عن حقيقة من يُشاع عنه من المفتريات جاء فيها: «أما بعد: بلغني على ألسن الناس عنك، ممن أصدق علمه وما لا أصدق، والناس اقتسموا فيكم بين قادح ومادح فالذي سرني عنك: الإقامة على الشريعة في آخر هذا الزمان، وفي غربة الإسلام، أنك تدعو به وتقوم أركانه، فوالله الذي لا إله غيره مع ما نحن فيه عند قومنا، ما نقدر على ما تقدر عليه، من بيان الحق، والإعلان بالدعوة.
وأما قول من لا أصدق: أنك تكفر بالعموم، ولا تبغي الصالحين، ولا تعمل بكتب المتأخرين، فأنت: أخبِرْنِي، واصدقني بما أنت عليه، وما تدعو الناس إليه، ليستقر عندنا خبرك ومحبتك؟» (4) .
(1) الدرر السنية (1، 35) .
(2)
الدرر السنية (1، 35) .
(3)
هو: إسماعيل الجراعي.
(4)
الدرر السنية (1) .
فكان جوابه: «أما بعد: فما تسأل عنه، فنحمد الله الذي لا إله غيره، ولا رب لنا سواه، فلنا أسوة، وهم: الرسل، عليهم الصلاة والسلام أجمعين، وأما ما جرى لهم مع قومهم، وما جرى لقومهم معهم، فهم قدوة وأسوة لمن اتبعهم.
فما تسأل عنه، من الاستقامة على الإسلام؟ فالفضل لله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريبًا كما بدأ» (1) .
وأما القول: أنا نُكَفِّر بالعموم؟ فذلك من بهتان الأعداء، الذين يصدون به عن هذا الدين؛ ونقول:{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16][سورة النور، آية: 16] .
وأما الصالحون؟ فهم على صلاحهم رضي الله عنه ولكن نقول: ليس لهم شيء من الدعوة، قال الله:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18][سورة الجن، آية: 18] .
وأما المتأخرون رحمهم الله، فكتبهم عندنا، فنعمل بما وافق النص منها، وما لا يوافق النص، لا نعمل به» (2) .
وسئل الإمام: محمد بن عبد الوهاب، عما يقاتل عليه وعما يكفر الرجل به؟ فأجاب: «وأركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها؛ والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفر إلاّ ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان.
وأيضاً: نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر» (3) .
ثم ذكر أنواع الذي يكفرون بمقتضى الدليل من نصوص الشرع إلى أن قال: «وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على
(1) تقدم تخريجه.
(2)
الدرر السنية (1
) .
(3)
الدرر السنية (1) .
إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر، ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان، الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا: لا نكفر من عبد الصنم، الذي على [قبر] عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] » [سورة النور، آية: 16](1) .
وقال فيما يُنسب إليه من التكفير، مبينًا أنه لا يُكَفِّر إلا بمقتضى الدليل: «وأما التكفير: فأنا أكفِّر من عرف دليل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعدما عرف، سبَّه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة - ولله الحمد - ليسوا كذلك.
وأما القتال: فلم نقاتل أحدًا إلاّ دون النفس، والحرمة؛ فإنا نقاتل على سبيل المقابلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] [سورة الشورى، آية: 40] وكذلك من جاهر بسبِّ دين الرسول، بعدما عرفه، والسلام» (2) .
وهو هنا نفى الكفر عن أكثر الأمة بصريح العبارة، وهذا يُبطل دعوى الخصوم أنه يكفر المسلمين أو أكثرهم.
وقال الإمام في رده لمزاعم بعضهم: «وكذلك تمويهه على الطغام: بأن ابن عبد الوهاب، يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نُشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا، بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان، وأي مكان.
وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته، بعدما نبين له الحجة، على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسَّنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه، دون هذه المشاهد، التي يُشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها، وسعى في إزالتها، والله
(1) الدرر السنية (1 - 104) .
(2)
الدرر السنية (1) .
المستعان، والسلام» (1) .
وفي رده على فرية الخصوم في زعمهم بأن الشيخ وأتباعه يكفِّرون بالذنوب كما يفعل الخوارج قال: «والمسألة الأخرى: يذكر لنا من أعداء الإسلام، من يذكر أنا نكفر بالذنوب، مثل التتن، وشرب الخمر، والزنا أو غير ذلك من كبائر الذنوب؛ فنبرأ إلى الله من هذه المقالة، بل الذي نحن نقول: الذنوب فيها الحدود، ومعلقة بالمشيئة، إن شاء الله عفا، وإن شاء عذب عليها.
وأما الذي نكفر به: فالشرك بالله، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48][سورة النساء، آية: 48]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ - بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65 - 66][سورة الزمر، آية: 65 - 66]، وقال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72][سورة المائدة، آية: 72] .
ونكفر أيضاً: المستهزئين بالدين، مثل ما قال الله في الصحابي، الذي غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66][سورة التوبة، آية: 6 5 - 66] وغيرهم مثل ما حكى الله تعالى: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] وفي الآية الأخرى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140][سورة النساء، آية: 140] » (2) .
وقال كذلك في رسالة له إلى عامة المسلمين:
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الوهاب: إلى من يصل إليه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) الدرر السنية (10) .
(2)
الدرر السنية (10، 130) .
وبعد: ما ذكر لكم عني: أني أكفر بالعموم، فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم: إني أقول من تبع دين الله ورسوله، وهو ساكن في بلده، أنه ما يكفيه حتى يجيء عندي، فهذا أيضًا من البهتان، إنما المراد اتباع دين الله ورسوله، في أي أرض كانت.
ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله، ثم عاداه وصد الناس عنه؛ وكذلك من عبد الأوثان، بعدما عرف أنها دين المشركين، وزيَّنه للناس، فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء، إلا رجل معاند، أو جاهل، والله أعلم والسلام» .
وسئل أبناء الشيخ وحمد بن ناصر بن معمر: هل تعتقدون كفر أهل الأرض على الإطلاق؟ أم لا؟ فأجابوا: «الذي نعتقده ديناً، ونرضاه لإخواننا مذهباً، أن من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وقامت عليه الحجة، فإنه يكفر بذلك، ولو ادَّعى الإسلام، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء» (1) .
وقال الإمام -أيضًا-: في رده على (خصم الدعوة) : سليمان بن سحيم، مبينًا أنه لا يكفِّر إلا حسب الأدلة الشرعية، وآثار السلف الصالح:«وأما المسألة الثالثة، وهي من أكبر تلبيسك الذي تُلبِّس به على العوام: «أن أهل العلم قالوا: لا يجوز تكفير المسلم بالذنب» وهذا حق، ولكن ليس هذا ما نحن فيه، وذلك أن الخوارج يكفِّرون من زنى، أو من سرق، أو سفك الدم، بل كل كبيرة إذا فعلها المسلم كفر. وأما أهل السنة فمذهبهم أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك؛ ونحن ما كفّرنا الطواغيت وأتباعهم إلا بالشرك» (2) .
ويقول الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «ونحن نقول فيمن مات: تلك أمة قد خلت؛ ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا للحق، ووضحت له المحجة، وقامت عليه الحجة، وأصر مستكبرًا معانداً، كغالب من نقاتلهم اليوم، يصرون على ذلك
(1) الدرر السنية (10) .
(2)
تاريخ نجد لابن غنام (2، 130) .
الإشراك، ويمتنعون من فعل الواجبات، ويتظاهرون بأفعال الكبائر المحرمات، وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته من هذه حاله، ورضاه به ولتكثير سواد من ذكر، والتأليب معه فله حينئذ حكمه في قتاله، ونعتذر عمن مضى: بأنهم مخطئون معذورون؛ لعدم عصمتهم من الخطأ والإجماع في ذلك ممنوع قطعًا» (1) .
إلى أن قال: «ونحن كذلك: لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمة، ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة، والتآليف فيها وإن كان مخطئًا في هذه المسألة أو غيرها، كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في الدر المنظم، ولا ننكر سعة علمه ولهذا نعتني بكتبه كشرح الأربعين، والزواجر وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل؛ لأنه من جملة علماء المسلمين.
هذا ما نحن عليه، مخاطبين من له عقل وعلم، وهو متصف بالإنصاف، خال عن الميل إلى التعصب والاعتساف، ينظر إلى ما يقال، لا إلى من قال» (2) .
وقال الإمام سعود بن عبد العزيز في رسالته إلى سليمان باشا والي العراق: «فنقول: نحن بحمد الله، لا نكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب، وإنما نكفر لهم، بما نص الله ورسوله، وأجمع عليه علماء الأمة المحمدية، الذين هم لسان صدق في الأمة: أنه كفر كالشرك في عبادة الله غيره، من دعاء ونذر، وذبح وكبغض الدين وأهله، والاستهزاء به، وأما الذنوب كالزنا والسرقة وقتل النفس، وشرب الخمر والظلم، ونحو ذلك فلا نكفر من فعله، إذا كان مؤمنًا بالله ورسوله إلا من فعله مستحلاً له فما كان من ذلك فيه حد شرعي أقمناه على من فعله وإلا عزرنا الفاعل بما يردعه، وأمثاله عن ارتكاب المحرمات.
وقد: جرت المعاصي والكبائر، في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم يكفروا بها، وهذا مما رد به أهل السنة والجماعة، على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يحكمون بتخليده في النار، وإن لم يسموه كافراً، ويقولون: ننزله منزلة بين المنزلتين، فلا نسميه كافرًا ولا مؤمناً، بل فاسقًا وينكرون شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ويقولون: لا يخرج من النار أحد دخلها بشفاعة ولا غيرها.
(1) الدرر السنية (1، 235) .
(2)
الدرر السنية (1) .
ونحن: بحمد الله برآء من هذين المذهبين، مذهب الخوارج والمعتزلة، ونثبت شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين، ولكنها: لا تكون إلا لأهل التوحيد خاصة، ولا تكون إلا بإذن الله، كما قال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28][سورة الأنبياء، آية: 28] وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255][سورة البقرة، آية: 255] » (1) .
وللشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن كلام مفصَّل يرد تهمة التكفير عن إمام الدعوة وأتباعها، في رسالته لبعض المتشددين ينكر عليهم هذا المسلك الخطير (التكفير) ويتبرأ من هذا المنهج: قال: «وقد رأيت: سنة أربع وستين (2) رجلين من أشباهكم، المارقين بالأحساء قد اعتزلا الجمعة، والجماعة وكفَّرا مَن في تلك البلاد من المسلمين، وحجتهم من جنس حجتكم يقولون: أهل الأحساء يجالسون ابن فيروز، ويخالطونه هو وأمثاله ممن لم يكفر بالطاغوت ولم يصرح بتكفير جده، الذي رد دعوة الشيخ محمد ولم يقبلها وعاداها.
قالا: ومن لم يصرح بكفره فهو كافر بالله، لم يكفر بالطاغوت ومن جالسه فهو مثله؛ ورتبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالتين ما يترتب على الردة الصريحة من الأحكام حتى تركوا رد السلام، فرفع إلي أمرهم، فأحضرتهم وتهددتهم وأغلظت لهم القول؛ فزعموا أولاً: أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن رسائله عندهم فكشفت شبهتهم وأدحضت ضلالتهم بما حضرني في المجلس.
وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، وأنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله، من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسوله، أو بشيء منها، بعد قيام الحجة، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبَد الصالحين، ودعاهم مع الله، وجعلهم أندادًا له، فيما يستحقه على خلقه، من العبادات والإلهية، وهذا مجمع عليه أهل العلم والإيمان، وكل طائفة من أهل المذاهب المقلدة، يفردون هذه المسألة بباب عظيم، يذكرون
(1) الدرر السنية (1 - 308) .
(2)
يقصد سنة (1264هـ) .