الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]
المبحث الثاني
منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم المنهج الذي رسمه الملك عبد العزيز مؤسس (المملكة العربية السعودية) يرد الاتهامات والمزاعم التي يثيرها المفترون حول المملكة.
فقد أكد الملك عبد العزيز أن المملكة دولة مسلمة تسير على وفق الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح، ونشر التوحيد والحق والخير والفضيلة.
وتفي بالتزاماتها الإسلامية والعربية والدولية (كما سيأتي بيانه) .
وتحترم العهود والمواثيق الدولية.
وتسهم في ما يحقق الأمن والسلام، والخير للإنسانية جمعاء.
وقد أعلن الملك عبد العزيز هذه المبادئ وأكدها مرات عديدة، وهنا أسوق أنموذجًا من خطاباته وتصريحاته في تأكيد هذا الأصل العظيم، إذ يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم:
«الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وسيد الأولين والآخرين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، إلى من يراه من إخواننا: الحجازيين، والنجديين، واليمانيين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
[التنويه بنعمة الإسلام وكماله]
وبعد: بارك الله فيكم، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وجعلنا وإياكم من صالحي عباده وأوليائه، تفهمون: أن الله سبحانه منَّ علينا بنعمة الإسلام، وأكملها علينا، كما قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3][سورة المائدة، آية: 3] ومن أكبر نعمه علينا: إنزال كتابه العزيز، وإرسال نبيه الكريم.
[الدعوة إلى توحيد الله تعالى] : وخلاصة ذلك، وعمدة ما نزل في كتاب الله، وإرسال رسله الأولين، وخاتمهم سيد المرسلين، هي: الدعوة لعبادة الله وحده لا شريك له؛ وهي: مضمون لا إله إلا الله،
كما أن معناها: «لا إله» نفي «إلا الله» إثبات.
[لوازم شهادة أن لا إله إلا الله] :
وكل من قال لا إله إلا الله، عارفًا لمعناها، عاملًا بمقتضاها، مواليًا لجميع ما أمر الله به، معاديًا لما نهى عنه، من الأفعال والأقوال، فهو من أهل لا إله إلا الله (1) .
ومن قالها، ولم يعرف لمعناها، ولم يعمل بمقتضاها، ولا أحب ما احتوت عليه من الخير، وأبغض ونفى ما نهت عنه من الشر، من الأقوال والأفعال، فليس هو من أهل لا إله إلا الله، فهو كالأنعام، بل هو أضل.
وتعرفون بارك الله فيكم لو أنني أردت أن أتمادى فيما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من الآيات المحكمة، والأحاديث الصحيحة، فيما تثبت من الأعمال الطيبة، وتنكر من الأعمال السيئة، لطال الكلام.
[حقيقة اتباع ما أمر الله به وثمرته] :
والمقصد من ذلك: الفائدة، والاتباع لما أمر الله به، وهو قوله – سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41][سورة الحج، آية: 41] .
[الدين النصيحة معناها] :
وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة» ، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم» (2) وشرح ذلك مفهوم.
[معنى النصيحة لله تعالى] :
وهو أن النصح لله: أن تعبد الله وحده، وتبرأ من سواه، من قول وعمل، وتحب ما أمرك الله به، وتتجنب ما نهاك عنه؛ والنصح لكتاب الله: أن تعمل بمحكمه وتؤمن بمتشابهه.
(1) الدرر السنية (14) .
(2)
رواه مسلم (1) ، وأبو داود (4944) ، والنسائي (2) ، وأحمد (4) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
[معنى النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم] : والنصح لرسوله صلى الله عليه وسلم: أن تجزم أنه أفضل الأولين والآخرين، وأنه الصادق المصدوق، وأنه لا ينطق عن الهوى، وأنه المعصوم، وأنه من لا يحب الله وكتابه ورسوله، أحب من نفسه وماله وولده، فلا آمن بالله، ولا حكم ما جاء في كتاب الله.
[حكم من فرَّق بين القرآن وبين السنة] :
ومن فرق أو شك: أن ما جاء في كتاب الله، يخالف ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخالف كتاب الله، أو أوّل من كتاب الله وسنة رسوله، وكذب على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كفر.
[حكم من أنكر النبوة والشفاعة] :
ومن أنكر شفاعته صلى الله عليه وسلم إذا أذن الله له، ولم يرج ذلك؛ أو قال: نؤمن بكتاب الله، ولا نؤمن بمحمد، فقد كفر.
[وجوب تدبر القرآن والسنة والعمل بهما] :
فإذا فهمنا ذلك، ووقر في قلوبنا، وصحت العقيدة بذلك، فيجب علينا: أن نفكر ونتدبر القرآن، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه مذهب السلف الصالح، ونعمل بما فيه، ونقوم بالواجب، وننكر ما أنكره الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أنكره السلف الصالح.
[الاعتراف بالخطأ فضيلة] :
هذا الذي حملني على هذه النصيحة، هو: ما رأيت في هذا الزمان وأهله، من الفساد، وما اقترفه من الذنوب، كبيرنا وصغيرنا، نستغفر الله ونتوب إليه، وما عليه الحالة اليوم.
[أقسام الناس ومواقفهم تجاه الحق] : فالناس في هذا الزمان قد انقسموا على أقسام شتى:
[1]
منهم العارف بالله، وبكتاب الله، والذين يعتقدون عقيدة السلف الصالح، قصَّروا في العمل، وتركوا النصيحة ولم يقوموا بالواجب.
[2]
وفريق عرف أن الله ربه، والإسلام دينه، ومحمدا صلى الله عليه وسلم نبيه ورسوله، لكنهم لم يعرفوا ما هو الواجب عليهم، في كونهم عرفوا الله وما حق ذلك، ولا عرفوا الإسلام وحقيقته، ولا عرفوا ما أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم وجاهد عليه.
[3]
وآخرون: اتخذوا أديانهم أهواءهم، واتبعوا كل ناعق، فمنهم الملحد - والعياذ بالله - ومنهم المتبع لهواه، ومبتدع للطرق والمضال، التي نهانا الله ورسوله عنها.
[4]
ومنهم من لم يعرف طريق الحق من الضلال، وتمسك بقوله: إنه مسلم؛ ولم يفرِّق بين حق وباطل.
[5]
ومنهم من أحدث له الشيطان من الخيالات والمفاسد ما أضله به وادعى أنها الحياة الجديدة، وأنها الحرية، وأنها المدنية، وعملها بنفسه وجد واجتهد في الدعوة إليها، والإنكار على من خالفها؛ ويقول: ينبغي أن نتقدم قدام ولا نرجع وراء؛ ومعناه في التقدم هو التمدن والحرية والتأخر هو اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومذهب السلف الصالح، والتعصب فيه.
[القيام بواجب النصيحة] :
فبهذه الحال: وجبت علي النصيحة أولًا لكافة المسلمين، وثانيًا لمن ولَاّنا الله – سبحانه وتعالى أمره، فصار من الواجب علينا أن ننصح أنفسنا، وننصح جميع المسلمين.
[الوصية بالكتاب والسنة والجماعة] :
بأن نرجع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونعتصم بحبل الله جميعًا، ولا نتفرق، فيأخذنا الشيطان إلى طرق الضلال.
[التحذير من بطر النعمة] :
وأن نحذر من قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53][سورة الأنفال، آية: 53]، ومعنى قوله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16][سورة الإسراء، آية: 16] .
[التوبة من الذنوب] : فأما الذنوب والمعاصي، فنستغفر الله ونتوب إليه، فما عملنا من خير فهو من الله وبفضله وكرمه؛ ونقول: اللهم ما أصبح بنا من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، وما عملنا من شر فمن أنفسنا والشيطان، ونستغفر الله ونتوب إليه.
والحمد لله الذي لما ابتلى عباده بالمعاصي، وابتلاهم بالامتحان وابتلاهم بكيد الشيطان: منَّ عليهم بالتوبة والاستغفار وذلك من فضله وكرمه.
[سبب ما حصل للمسلمين من الإعراض والفرقة] :
أما الحال السابقة في الناس، فهي من كيد الشيطان، ومن أسباب الذنوب، ومن التفرق في الدين ومقاومته بالطرق والضلالات، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإلا الطريقة واحدة، والمحجة واضحة وهي: ما جاء في معنى لا إله إلا الله المحتوية على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف الصالح.
[الإقرار بمذاهب أهل السنة الأربعة] :
مع أننا لا ننكر ولا نعترض على المذاهب الأربعة، التي أئمتها أئمة حق، ولم يقصدوا إلا الحق، ولا ينطقوا إلا بما يرونه حقًا، وبما ظهر لهم أنه الحق، وإلا فالزلل لم يعصم منه إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
مع أننا ننكر أن تكون المذاهب الأربعة مللًا، أو أن يعتقد أحد في الأئمة ومن تبعهم اجتهادًا غير موافق لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بتضليل أو مخالفة للحق.
[الموقف من الشعارات] :
وهذا غير ما ظهر في هذا الزمان من المدعين بالتجدد، وعلى أنهم شبيبة يقومون بواجب بلادهم وشعبهم، ويجب عليهم التقدم والتمدن والحرية، على غير مفهوم هذه الكلمات.
[بيان حقيقة الشعارات وخطرها على شباب الأمة] :
فهذه النزعة: التي تقود هذه الشبيبة إلى الضلال، هي نزعة شيطان وصدمة للدين وللعرب، ولجميع من تمسك بالسمت ومكارم الأخلاق؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يقول:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (1) .
فما من أمر فيه خير وحفظ للسمت والشرف، سواء أتى من عربي أو عجمي، ولا يخالف الكتاب والسنة: إلا وقد جاء فيما أمر به صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، وزاد عليه بتعليم الخير، كما عمل ذلك مع بعض الوفود الذين وفدوا عليه، وسألهم عن بعض ما هم عليه، وزادهم عليه.
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد (273) ، وابن سعد (1) ، والحاكم (2) ، وأحمد (2) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (45) .
والآن: فأي مسلم يعرف الإسلام، وينتسب وينسب إليه، ويقر ما أقره هؤلاء الغواة، من لزوم الرجوع عن الدين، وإبداله بما رأوه موافقًا للشهوات الدنيئة، التي لا يقرها دين ولا مذهب، ولا تقرها أصحاب مكارم الأخلاق في الجاهلية، ولا صلحاء أي ملَّة تعرف الشرف والعقل، فهو ضال عن طريق الصواب.
[رفض دعوى التمدن الزائفة] :
وغير خاف أنه صار في آخر الزمان دعوة للتمدن، وهي - بلا شك - رقصة من رقصات الشيطان، وذلك قوله:«إنني مسلم» بلا عمل ولا اعتقاد، مع اتباع أقوال الملحدين وأهل الفساد، وارتكاب المحرمات في الأقوال والأفعال، مبررًا عمله في ذلك، بأنه: من أعمال البلاد المتمدِّنة.
[عبادة غير الله هي أقبح الأعمال] : أما الأمر الذي لا يوجد تحت أديم السماء أقبح منه في العقيدة، وفي الوقت نفسه مخالف لكل عقل سليم، وفكر مستقيم، ونقل قويم؛ هو: كون الرجل يدعو ويعبد، أو يرجو ويخاف غير الله الجبار المتكبر رب العباد، القادر على الأولين والآخرين، من المتجبرين أو المتكبرين الذي جعل الجنة رحمة، ووفق لها كل صاحب خير وسعادة؛ والنار عدله ونقمته، وساق لها أهل الشر والنكد والضلالة.
[زيف دعاوى تحرير المرأة] :
وأقبح من ذلك في الأخلاق: ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهن، وترقيتهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الطفل، وتوجيه الناشئة - التي هي فلذة أكبادهن، وأمل المستقبل - إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق.
[وظيفة المرأة الحقيقية] :
ونسين واجباتهن الخلقية، من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل؛ وادعاء: أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا والله ليس هذا التمدن في شرعنا، وعرفنا وعادتنا.
ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام، أو مروءة، أن
يرى زوجته أو أحدًا من عائلته أو المنتسبين للخير في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار.
ولا يقبل السير عليها إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيته؛ فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شمم أن يدافع عنها.
[حفظ الإسلام لحقوق المرأة] :
إننا لا نريد من كلامنا هذا التعسف، والتجبر من أمر الناس، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقًا يتمتعن بها لا توجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدِّنة.
وإذا اتبعنا تعاليمه كما يجب فلا تجد في تقاليدنا الإسلامية وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي، إذا وجهنا المرأة في وظائفها الأساسية، وهذا ما يعترف به كثير من الأوروبيين، من أرباب الحصافة والإنصاف.
[أثر انفلات المرأة على الأمم الأخرى] :
ولقد اجتمعنا بكثير من هؤلاء الأجانب، واجتمع بهم كثير ممن نثق بهم من المسلمين، وسمعناهم يشكون مرَّ الشكوى من تفكك الأخلاق، وتصدع ركن العائلة في بلادهم، من جراء المفاسد.
[اعتراف عقلاء الأمم بالحقيقة] :
وهم يقدِّرون لنا تمسكنا بديننا وتقاليدنا، وما جاء به نبينا من التعاليم العالية، التي تقود البشرية إلى طريق الهدى، وساحل السلام، ويودُّون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه، التي يتشاءمون منها، وتنذر ملكهم بالخراب والدمار، والحروب الجائرة.
وهؤلاء نوابغ كتُّابهم ومفكِّريهم، قد علموا حقَّ العلم هذه الهوة الساحقة التي أمامهم، المنقادون لها بحكم الحالة الراهنة، وهم لا يفتئون في تنبيه شعوبهم، بالكتب والنشرات، والجرائد، على عدم الاندفاع في هذه الطريق التي يعتقدونها سبب الدمار، وسبب الخراب.
[الإنكار على مدَّعي الرقي] : إنني لأعجب أكبر العجب ممن يدعي النور والعلم، وحب الرقي من هذه الشبيبة، التي ترى بأعينها، وتلمس بأيديها ما نوهنا به من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم، ثم لا ترعوي عن ذلك، وتتبارى في طغيانها، وتستمر في عمل كل أمر يخالف
تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية العربية، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيفي، الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهدى لنا، ولسائر البشر.
فالواجب: على كل مسلم وعربي فخور بدينه، معتز بعربيته أن لا يخالف مبادئه الدينية وما أمره الله تعالى بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه.
[بيان حقيقة التمدن والرقي] :
فالرقي الحقيقي هو: بصدق العزيمة والعمل الصحيح، والسير على الأخلاق الكريمة، والانصراف عن الرذيلة، وكل ما من شأنه أن يمس الدين، والسمت العربي والمروءة، وليس بالتقليد الأعمى، وأن يتبع طرائق آبائه وأجداده، الذين أتوا بأعاظم الأمور، باتباعهم أوامر الشريعة التي تحت عبادة الله وحده، وإخلاص النية في العمل.
وأن يعرف حق المعرفة معنى ربه ومعنى الإسلام وعظمته، ومعنى ما جاء به نبينا ذلك البطل الكريم العظيم صلى الله عليه وسلم من التعاليم القيمة التي تسعد الإنسان في الدارين؛ وتعلمه: أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن يقوم أود عائلته، ويصلح من شأنها، ويتذوق ثمرة عمله الشريف؛ فإذا عمل هذا فقد قام بواجبه وخدم وطنه وبلاده.
[عزم الملك عبد العزيز على القيام بحق الدين والأمة] :
إني أرى من واجبي بصفتي مسلمًا، وبحسب عربيتي، وإخلاصي لأبناء قومي أن أقوم بهذه النصائح لمن ولاني المولى أمرهم، مقتديًا في عملي هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي أرجو أن أكون تبعًا له في أقوالي وأعمالي، وفي محياي ومماتي، صابرًا على ما تقوله الناس، من الانتقادات، غير مبال لها، ولا وجل منها، كما قيل:
إذا كان الذي بيني وبين الله عامر
…
فعسى الذي بيني وبين الناس خراب
وذلك: لأجل إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه، وإسعاد من ولاني المولى أمرهم، راجيًا أن نكون ممن قال فيهم صلوات الله وسلامه عليه:«لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وهم على ذلك» (1) .
(1) رواه البخاري (3640)(3641) ، ومسلم (1920) .
وإني على ثقة تامة: بأن يرى كل صاحب إنصاف، أن واجبي يدعوني لأن أوجِّه هذه النصائح لشعبي المحبوب، ولكل مسلم.
[الأصول التي يلتزمها الملك عبد العزيز] :
[1]
لأني مسلم، محافظ على إسلاميته.
[2]
عربي غيور على عربيته.
[3]
متبع لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
[4]
مقتد بمذهب السلف الصالح، رضوان الله عليهم.
[5]
حريص على كل ما في تقاليدنا العربية، من مكارم الأخلاق.
[6]
آمر بما أمر به الإسلام، ناهٍ عما نهى عنه الإسلام.
[7]
غير منتصر لآبائي وأجدادي، أو لنعرة جاهلية، أو لمذهب من المذاهب غير الكتاب والسنة.
[8]
وإني بحول الله وقوته: سأثابر على هذه الدعوة المباركة، وأرجو المولى أن ينفع بها، فما كان فيها من الصواب فمن الله، وما كان من الخطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله من ذلك.
[9]
كما أنني أعاهد الله: بأنني سأقوم - إن شاء الله - بما أوجبه الله وأن أسعى بإلزام من أطاعني بما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأساعد على ذلك.
[10]
كما أني سأمنع كل من يخالف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومذهب السلف الصالح، بيدي وقلبي ولساني، على قدر الاستطاعة.
وأسأل الله التوفيق والعناية والتيسير لي ولإخواني المسلمين، عامتهم وخاصتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم، سنة 1356هـ» (1) .
إن النهج الذي سلكه الملك عبد العزيز في تأسيس هذه الدولة المباركة والذي هو امتداد لدعوة الإسلام على مدى التاريخ عامة، ولدعوة الإسلام التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ونصرها الإمام المؤسس محمد بن سعود وأبناؤه وأحفاده، ونهجته الدولة السعودية في كل مراحلها.
(1) الدرر السنية (14 - 408) .
إن هذا النهج كان ولا يزال هو الحل العملي والواقعي لمشكلات الأمة الإسلامية وأخطرها البدع، والتفرق، والجهل، والتخلف، والتبعية والذلة.
لقد استطاعت المملكة بتوفيق الله ثم بجهود مؤسسها الملك عبد العزيز وأبنائه وعلماء البلاد وأبنائها المخلصين أن تتجاوز هذه المشكلات، بالتمسك بالدين، والاعتصام بحبل الله الكتاب والسنة) وإظهار شعائر الدين.
وكل المنصفين يعترفون بهذه الحقيقة، يقول الأستاذ محمد جلال كشك:
«عبد العزيز وحده، بدا ظاهرة مخالفة لقوانين التاريخ. . وحده كان يطرح الحل الإسلامي، وينتصر. . وحده كان يرفع شعارات اعتقد البعض أنها أصبحت في ذمة التاريخ، وفقدت مفعولها، فإذا بها في معسكر عبد العزيز تفعل الأعاجيب، وتثبت أنها وحدها التي استطاعت أن تحقق إنجازًا هو الذي بقي، بينما تلاشت أوهام وأحلام الذين تخلوا عن الإسلام في مطلع القرن العشرين بأمل النجاة من الاسترقاق الأوروبي، أو تحقيق التقدم المادي.
تحت راية عبد العزيز التي تحمل شعار التوحيد الإسلامي رأى الناس جيشًا، إن لم يكن جيش الصحابة، فهو يحاول جهده أن يعيد سيرتهم، وينتصر! بينما الهزيمة على كل الجبهات. ها هو زعيم استطاع هو وقومه أن يغيروا ما بأنفسهم، فغير الله ما بهم وسلطهم على من لا يخشون الله. . . وهذا يعني أن «الحل الإسلامي» ممكن، بل وفعال. . وقد أشار حافظ وهبة في رسالته التي بعث بها إلى عبد العزيز، إلى الآمال التي أطلقها سلطان نجد في صدور المسلمين:«كم يكون سروري وسرور قومي إذا سمعنا أن الإمام ابن سعود نهض نهضة جديدة بالإسلام وبالعرب فأرجعهم إلى سابق مجدهم. إن العالم الإسلامي يحتاج إلى زعيم مصلح، يرشده إلى نهج الحق، وإن المسلمين الأحرار، وإن كانوا قلة اليوم فسيكونون قوة غدًا. لقد خاب أمل المسلمين في الأتراك، كما خاب أملهم في شريف مكة، فلعل المسلمين يجدون في عظمتكم ما يحقق أملهم» (1) .
وكيف لا يحرك عبد العزيز أشجان المسلمين، ويثير آمالهم، وهم يسمعون الأساطير عن سلوك جنده وقضاته، ويسمعونه يتحدث متجهًا إلى مكة بعد «الفتح» فيقول: «إني مسافر إلى مكة، لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم والمغارم التي أرهقت كاهل العباد، إني
(1) السعوديون والحل الإسلامي (28، 29) .
مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة، وتأييدها، فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع، الذي يجب أن تطأطأ له جميع الرؤوس» .
وهو يدعو إلى تطهير السلوك والمفاهيم، والأخذ بالمدنية، ويواجه المسلمين بأن العيب فيهم:«من المسائل التي يجب أن نعمل بها، وتعد في طليعة خدمة الدين الحنيف، هي تطهير الإسلام من الأدران والخرافات التي علقت بالدين وهو منها بريء، وإنما ألصقها به أناس نفعيون يبتغون من وراء ذلك النفع المادي» .
«إن المسلمين متفرقون اليوم طرائق بسبب إهمالهم العمل بكتاب الله وسنة رسوله» (1) .
(1) السعوديون والحل الإسلامي (28، 29) .