المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فرية منع الحج ونهب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[فرية منع الحج ونهب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

رؤياه إليها لا بد أن يكون له أثر في الخير يظهر» (1) .

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ردًّا على من عيَّر الشيخ بأنه من ديار مسيلمة الكذاب: «ولا يعيب شيخنا بدار مسيلمة إلا من عاب أئمة الهدى ومصابيح الدجى بما سبق في بلادهم من الشرك والكفر المبين، وطرد هذا القول جرأة على النبيين وأكابر المؤمنين، وهذا المعترض كعنز السوء يبحث عن حتفه بظلفه ولا يدري» (2) .

ثم لا ننسى أنه ما في بلد من بلاد المسلمين إلا وخرج فيها متنبئ كذاب، ففي اليمن خرج الأسود العنسي، وفي عمان خرج لقيط الأزدي، وفي شرق جزيرة العرب خرجت سجاح، وفي شمالها ووسطها خرج طليحة الأسدي.

وفي الهند خرج الميرزا غلام أحمد القادياني، وفي فارس خرج البهاء، وفي خراسان سيخرج الدجال الأكبر. . . وهكذا بقية البلاد الإسلامية فهل يُذم المسلمون وتذم ديارهم مطلقًا بهذا؟!

[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

فرية منع الحج ونهب خزائن الحجرة النَّبوية وانتهاك حرمة المقدسات: لما تمكنت الدولة السعودية الأولى من دخول مكة زعم خصوم الدعوة أنها منعت الحج، والحق أن الحج لم يُمنع إنما مُنعت ممارسة المنكرات والبدع كالمحمل ومُنعت البدع والمحدثات الأخرى في الدين كالمزارات والمشاهد والقباب، وأكثر الحجاج جُهَّال أو أهل بدع قد يتعلقون بها، ولما مُنعت هذه البدع من قِبَل الدولة السعودية أكثر من مرة قالوا: مُنِعَ الحجّ؛ لأنها عندهم هي الحج فلا رغبة عندهم لقصد الحج بدون تلكم البدع التي نشأوا عليها، وغُذي هذا الشعور لديهم من قبل علماء السوء والكبراء المنتفعين من هذه الأوضاع البدعية.

والحق: أن الدولة السعودية كلما تمكنت في الحرمين يسرت طرق الحج، وأشاعت الأمن، ووفرت المؤن للحجاج ورفعت المظالم وأسقطت الضرائب، وما أشيع خلاف ذلك فهو من المفتريات والدعايات المغرضة التي لا أصل لها أو من التجاوزات القليلة التي ربما حدثت من مغرضين أو جهلة ونحوهم ممن ليسوا على النهج الذي سلكته الدعوة ودولتها (الدولة السعودية) في منهجها القائم على الشرع والسنة.

(1) مجموعة الرسائل (4) .

(2)

مصباح الظلام (237) .

ص: 287

لقد أشاع خصوم الدعوة أن الوهابيين يمنعون الحجاج من دخول الديار المقدسة وأداء شعائر الحج والعمرة.

وكان لهذه الدعاية المضادة والإشاعات الكاذبة أثره في نفوس المسلمين البعيدين عن رؤية الحقيقة مما جعل كثيرين من الحجاج في أكثر البلاد الإسلامية يُحجمون عن الحج والذهاب إلى مكة والمدينة.

ولكن عندما ندرس هذه القضية بموضوعية، ونتفحص الملابسات العقدية والسياسية والتاريخية وغيرها نتوصل إلى الحقائق التالية:

1 -

أن الدولة السعودية حين حكمت الحجاز في أدوارها الثلاثة وحتى الآن لم تمنع الناس من الحج ولم تضيق عليهم، بل العكس هو الصحيح، فقد قامت بجد وحزم بتأمين السبل وتخفيف المظالم والضرائب التي تُثقل كاهل أهل الحجاز، ووفرت المؤن والخدمات للحجاج بشكل لم يسبق له مثيل في العصور المتأخرة.

2 -

أنه في تلك الأثناء التي انقطع فيها بعض الحجاج عن الحج بسبب الدعاية المغرضة، حج آخرون جماعات (كالمغاربة) وأفرادًا من سائر البلاد الإسلامية وشهدوا بأنهم لم يحصل لهم من المضايقات أو ما يمنع من إقدام الناس على الحج، بل العكس فقد رأوا استتباب الأمن وظهور السنة، واحترام مشاعر الحج وشعائره، ورفع الضرائب. وبهذه الأمور تنقطع مصالح المنتفعين من ظهور البدع ومن سوء الأحوال، وهم الذين أشاعوا أن الدولة السعودية منعت الحج.

3 -

أن الذين أوقفوا مسيرات الحج هم رؤوس القوم وشيوخ البدع، والساسة وقادة قوافل الحج الذين لهم مصالح في استمرار البدع والمظالم والضرائب المصاحبة للحجيج غالباً.

وأعرض شهادة مؤرخ محايد بهذا الصدد وهو الجبرتي؛ إذ قال: «وفي هذه الأيام (1) أيضًا وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين؛ وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الأردب المصري من الأرز خمسمائة ريال والأردب البر ثلثمائة

(1) أو سنة (1221هـ) الجبرتي (3) .

ص: 288

وعشرة، وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك، فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم، والدخول في طاعتهم، وسلوك طريقتهم، وأخذ العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة، وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها، وشرب الأراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة، وبالملازمة على الصلوات في الجماعة، ودفع الزكاة، وترك لبس الحرير والمقصبات، وإبطال المكوس والمظالم، وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى إن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حاله، وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه، ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن، وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري، ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم.

فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها، ويقولون: إن سيد الجميع محتاج إليها، فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر فعاهده (1) على ترك ذلك كله، واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده، واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث، وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات، وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف، وتقبيل الأعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف، والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها، واجتماع أصناف الخلائق، واختلاط النساء بالرجال، وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله.

فعاهده على منع ذلك كله، وعلى هدم القباب المبنية على القبور والأضرحة؛ لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية، وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة وإذعانهم لذلك، فعند ذلك

(1) يقصد أن الشريف غالبا عاهد الإمام سعود بن عبد العزيز.

ص: 289

أمنت السبل، وسلكت الطرق بين مكة والمدينة، وبين مكة وجدة والطائف، وانحلت الأسعار، وكثر وجود المطعومات، وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسمان والأعسال، حتى بيع الأردب من الحنطة بأربع ريالات، واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار، وإذا نوقش في ذلك يقول: هؤلاء مشركون، وأنا آخذ من المشركين، لا من الموحدين (1) " (2) .

إذن فالمشكلة في أن أكثر أهل البدع لا يستغنون في حجهم وعمرتهم وزيارتهم للديار المقدسة عن ممارسة البدع، من زيارة القباب والقبور والمشاهد والآثار والأشجار والأحجار التي يقدسونها، ويتبركون بها بزعمهم.

4 -

فالدعوة والدولة السعودية عملت بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل آثار البدع من هذه القباب والمشاهد والمزارات، وحلق الصوفية وسماعاتها، وإزالة مظاهر الفرقة من تعدد الجماعات في المسجد الحرام وغيره.

وأهل البدع لا يرون للحج معنى ولا قيمة بدون هذه البدع، فلما علموا أنهم سيمنعون منها وأن مشاهدها أزيلت عدلوا عن الحج، وقد شهد المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي أيضا - وهو محايد - كما ذكرت بهذه الحقيقة، وعبر عنها بوضوح قائلا:

" وفيه (3) ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزلة هدية ولم يحج في هذا العام؛ وذلك أنه لما وصل إلى المنزلة المذكورة أرسل الوهابي إلى عبد الله باشا أمير الحاج يقول إنه لا تأت إلا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي، وهو أن يأتي بدون المحمل، وما يصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة، وكل ما كان مخالفا للشرع، فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج، ولم يتركوا مناكيرهم "(4) .

(1) هذه سخرية ولمز للدعوة من الشريف غالب، وقد خذله الله.

(2)

عجائب الآثار للجبرتي (3) .

(3)

يعني أول سنة (1222 هـ) .

(4)

عجائب الآثار للجبرتي (3) .

ص: 290

5 -

وعلى هذا فإن الإمام سعودا لم يمنع أحدا من المسلمين من الحج، إنما منع إهانة البلاد المقدسة بالبدع والمنكرات التي تصحب المحمل وقوافل الحج، إذن فالمشكلة تكمن في أن أكثر المسلمين المتعلقين بالبدع لا يستغنون في حجهم وعمرتهم وزيارتهم للديار المقدسة عن ممارسة البدع، من زيارة القباب والقبور والمشاهد والآثار والأشجار والأحجار التي يقدسونها ويتبركون بها بزعمهم، كما أسلفت.

6 -

كما أن الدولة السعودية لما مكنها الله تعالى من حكم إمارة مكة منعت بدعة المحمل، وما يصاحبها من بدع ومنكرات لا تليق، وتتنافى مع تعظيم شعائر الله والمشاعر المقدسة، وأهل البدع أصروا على اصطحاب المحمل وهم قادمون من عدد من البلاد الإسلامية المجاورة وغير المجاورة أو لا يحجون، فانقطع كثير منهم عن الحج لهذا السبب.

وقد ذكر الجبرتي مرة أخرى - وهو مؤرخ محايد - ذلك، وبين أن ابن سعود لم يمنع الحج لكنه منع البدع، قال في حوادث سنة (1223 هـ) :" ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي (1) الناس عن الحج، والحال ليس كذلك، فإنه لم يمنع أحدا يأتي الحج على الطريق المشروعة، وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة، وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله، ولم يتعرض لهم أحد بشيء "(2) .

يقول الدكتور عجيل النشمي:

" والحق الذي ينبغي أن يكشف أن الأمير سعودا لم يمنع أحدا من حج بيت الله الحرام، وكل ما حدث من ذلك إنما هي ملابسات اقتضتها الظروف السياسية والعسكرية، وكان لها ما يبررها فعلا، ولنثبت ذلك بتتبع هذا المنع كما أوردته ثقات المصادر "، ثم ذكر ذلك وقال:

" ويلاحظ هنا أنه منذ أن دخل سعود مكة في حجته الرابعة عام (1222 هـ) لم يحج

(1) يقصد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد.

(2)

عجائب الآثار للجبرتي (3) .

ص: 291

أحد من عواصم البلاد الإسلامية الكبيرة من إستانبول أو الشام أو مصر أو العراق، والتعبير بأنه لم يحج أحد يشير إلى أنه لم ترسل تلك الدولة حملات الحج الرسمية المعتادة، وظل هذا الإحجام عن أداء فريضة الحج حتى (1226 هـ) وهي السنة التي جهزت فيها دولة الخلافة محمد علي باشا لحرب الحركة الوهابية، وهذا يعني أن خمس سنوات مرت دون أن يحج أحد من تلك الأقطار.

وليس هناك ما يشير إلى أن الأمير سعودا هو الذي حظر على تلك العواصم من أن تحج، بل إن السبل في أيامه كانت أكثر أمنا من أي وقت مضى، وليس شرط الأمان الذي كان يأخذه أهالي المغرب كما ذكرنا شرطا أو بندا على الحج يمنع تلك الأقطار من الحج، فإن الذي يحتاجه - على ما نرجح - هم الحجاج الشراذم أو الجماعات الصغيرة، فإعطاؤه الأمان حينئذ زيادة في تمكينها من أداء الحج والعودة سالمة عبر تلك المسافات الشاسعة التي كان مرورها فيه قبل ذلك يحمل المخاطر الجسام، فالأمان والحال هذه ميزة لا قيد.

بل إن الأمير سعودا نفسه تعرض لهذه القضية لحساسيتها - وهذا من بعد نظره - فذكرها في رسالته إلى السلطان سليم، وبين أنه سيمنع الحاج القادم من الشام أو مصر إذا كان مصطحبا مظاهر الإخلال بمشاعر الحج وحرمتها، من اصطحاب الطبول والمزامير وما أشبهها، وعلل ذلك بأنه ليس من الدين في شيء، ولم يقل إنه سيمنعهم لمجرد المنع.

وهذا تلمسه ساطعا جليا في رسالته - آنفة الذكر - حين قال موجها الخطاب إلى السلطان سليم: " فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور، فإن ذلك ليس من الدين من شيء ".

إلا أن النتيجة التي انبنت على هذا الإحجام عن الحج طوال هذه المدة أن انبنى في أذهان الناس عموما في شتى الأقطار نوع عداء للحركة الوهابية، نابع من أنها هي التي منعت الحج، وأن سبله تحوطها المخاطر الذي تتحمل مسئوليتها الحركة الوهابية، ولقد نجح - كما يبدو - استغلال هذا الواقع لتشويه وتجسيم عداء الأمير سعود أو الحركة الوهابية ككل لدولة الخلافة، ولقد قام بهذا الدور الشريف غالب وغيره فيما كان يرسل من رسائل إلى دولة الخلافة يوهمها بأن الأمير سعودا يمنع حجاج الأستانة أو غيرها، بل إن الشريف غالبا كان يزور الرسائل على لسان الأمير سعود، ويضمنها مثل تلك المعاني، كما سنكشفه فيما بعد " (1) .

(1) إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (مقالة) الحلقة (53) مجلة المجتمع عدد (517) ص (37 - 39) .

ص: 292