الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومع ذلك فإن هذه التبعية الشكلية إنما كانت تهدف إلى مجرد الاعتراف بالسيادة وجلب الضرائب، أو تأمين السبل وتوفير المؤن ونحو ذلك، ولم يكن لها تدخل فعلي في الشؤون الداخلية، فكانت ولايات الإمارة والقضاء، والحسبة، والمرافق تتم من قبل أهل الأقاليم أنفسهم وليس للدولة العثمانية وولاتها فيها حل ولا عقد، وهذا مما يُرد به على الذين توهموا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية خرجوا على الخلافة.
[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]
السمات العامة لنجد إبان ظهور الدعوة: لقد اتسمت البيئة العامة في نجد التي ظهرت فيها دعوة الإمام بسمات خاصة كان لها أكبر الأثر في مسار الدعوة منها:
الوضع الاجتماعي والأمني: غلبة السمة القروية والبدوية عليها، ففي نجد عدد كبير من القرى والواحات، ويقطنها عدد أكبر من القبائل التي تعيش في البادية، وليس بين الحاضرة والبادية وئام، وكان العداء والتنافر سائدًا بينهم؛ لعدم وجود السلطان الذي يجمع الشمل ويحفظ الأمن، ويقيم العدل، كانت العلاقات بين البادية والحاضرة في عداء مستمر وسلب ونهب وقتال غالبًا، بل وكذلك الحال بين قرى الحاضرة نفسها، حيث تسودها المنافرة والتشتت والحروب، وكذلك الحياة بين القبائل البدوية تسودها الفوضى والعصبية والحمية الجاهلية، والقتال والسلب والنهب، وتحكمها الأعراف والعادات الجاهلية.
تبعًا لذلك نرى نجد في عهد قيام الدعوة مشتتة ومقسمة إلى إمارات ومشيخات صغيرة ومتناحرة.
حتى وصل الحال إلى أن القرية الواحدة تتنازعها عدة زعامات! ويكثر بينها التنافر والظلم والجور.
الوضع الديني: كما ساد بينهم - من الناحية الدينية - الجهل والإعراض وشيوع البدع، فكان التصوف البدعي سائدًا، بما فيه التصوف الغالي، كمذهب ابن عربي وابن الفارض، والتصوف حيثما حل حلت الخرافة، وساد الجهل، وانتشرت البدع والخرافات والشركيات وشاعت المنكرات.
وإن كان يوجد - في الحاضرة - شيء من العلم الشرعي والعلماء، وقليل من التعليم (قراءة وكتابة) ، ولكن كانت اهتمامات العلماء مقصورة على الفقه غالبًا، أما عنايتهم بالعقيدة والحديث والتفسير واللغة فهي قليلة، وكما أن جهود العلماء أمام البدع والمنكرات ضعيفة.
وقد بين الشيخ الإمام في إحدى رسائله هذه الأوضاع قائلًا: «وعرفت ما عليه الناس من الجهل والغفلة والإعراض عما خُلِقوا له، وعرفت ما هم عليه من دين الجاهلية، وما معهم من الدين النبوي، وعرفت أنهم بنوا دينهم على ألفاظ وأفعال أدركوا عليها أسلافهم، نشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير» (1) . إلى أن قال: «فانظر يا رجل حالك وحال أهل هذا الزمان، أخذوا دينهم عن آبائهم ودانوا بالعرف والعادة» (2) .
وهذا عن الحاضرة، أما البادية فقد ذكر ابن غنام وغيره، أنهم: لا يعرفون الدين ولا يقيمون شعائره، وكثيرون منهم يجحدون، أو يجهلون الإيمان بالبعث (3) .
(1) مجموعة الرسائل والمسائل (1، 3) .
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل (1) .
(3)
انظر: تاريخ نجد لابن غنام، تحقيق د. ناصر الدين الأسد (1، 144) .