المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

وجماعات، وعلماء ورؤساء وأمراء، بل وغوغاء وجهلة.

ومع ذلك كله كانت هذه الدعوة - حين قامت على الحق والعدل - تنتصر وتنتشر، فقد قاوم إمامها وعلماؤها وأتباعها وأمراؤها كل هذه التحديات، بقوة الإيمان واليقين والعلم والحلم، والصبر والثبات.

وإن الواقع ليشهد أن هذه الدعوة - رغم التحديات الكبيرة - كانت تظهر وتعلو وتؤتي ثمارها الطيبة حتى في فترات ضعف السلطة، بل وفي البلاد التي لا توجد فيها لها سلطان ولا قوة حين لا تملك إلا قوة الحجة، وما ذلك إلا لأنها تمثل الإسلام الحق الذي كتب الله له البقاء والظهور إلى قيام الساعة، ولأنها تملك عوامل البقاء والثبات ومقومات القوة والنصر، ولأنها تستمد القوة من نصرها لدين الله دين الحق والعدل، ومن وعد الله تعالى لكل من نصر هذا الدين كما قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40][سورة الحج، آية: 40] .

ولأنها كانت تخاطب العقول السليمة والفطرة المستقيمة، والقلوب الواعية المتجردة من الهوى.

[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وبين خصومها إن انتصار الدعوة وانتشارها وقيام دولتها مهيبة شامخة مع عدم التكافؤ بين إمكاناتها وإمكانات خصومها دليل كافٍ على ما تحمله من الحق والعدل.

لقد تهيأ لخصوم الدعوة والمعارضين لها من الإمكانات والوسائل والقوى، والإغراءات والأسباب المادية، للهجوم على الدعوة ما لا تملك الدعوة منه إلا اليسير سوى القوة المعنوية، لا سيما في أول عهدها.

فكان الخصوم يستعدون دولة كبرى وهي الدولة التركية التي ساندت المناوئين للدعوة في أول الأمر ثم تحولت إلى خصم لدود للدعوة في نهاية المطاف، وأعلنت الخصومة المذهبية والعقدية والسياسية، والحرب العسكرية على الدعوة وأهلها؛ لأن الدولة التركية في آخر عهدها تبنت البدع ودانت بالتصوف والقبورية، وهذا التوجه لا شك أنه معاكس لمنهج الدعوة الإصلاحية التي تقوم على تصحيح العقيدة والعبادة وتحارب التصوف والقبورية.

ص: 149

وكذلك أمراء الحجاز وهم خصومٌ أَلِدَّاء للدعوة وأتباعها كانوا يملكون من الوسائل ما لا تملكه الدعوة في أول عهدها. وكانت دعايتهم المضادة للدعوة تنطلق من مكة التي يؤمها المسلمون من كل مكان.

ومن وراء أولئك وهؤلاء شيوخ الفرق والطرق وأتباعها، وأصحاب المطامع والشهوات والأهواء، وأعداء الإسلام من الكافرين والمنافقين، الذي يرهبونه، ويكيدون للدين وأهله، الذين قال الله فيهم وهو سبحانه العليم الخبير {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118] [سورة آل عمران، الآية: 118] .

فالدولة التركية، وأمراء الأقاليم المجاورة وأصحاب الطرق والفرق، وأعداء الإسلام كانوا كلهم يملكون من القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، ووسائل النشر والإعلام الشيء الكثير، في حين أن الدعوة ودولتها لا تملك من ذلك إلا القليل (كما أسلفت) .

فمن مكة (مثلا) في عهد الأشراف والأتراك كانت تنطلق الشائعات الكاذبة، والمفتريات شفاهًا وبالكتب والرسائل وغيرها ضد الدعوة، إلى كل مكان وبسرعة مذهلة، ثم كانت وسائل الإعلام تنشر هذه المفتريات وكأنها حقائق في كل بقاع الدنيا، وكون هذه الشائعات والمفتريات تصدُر من مكة والمدينة، ومن أشراف، وتؤيدها السلطة التركية، هذه الأمور كافية عند عامة المسلمين البسطاء؛ لأن تُصَدَّق دون مناقشة.

ووسائل الإعلام والنشر خارج العالم الإسلامي كثيرًا ما تعتمد ذلك دون تثبُّت ولا روَّية.

بل كان أمراء الحجاز وأمراء الأحساء ومن شاكلهم حريصين على كل ما يقضي على الدعوة ودولتها الفتية الناشئة في مهدها بما في ذلك استعمال القوة العسكرية، والحرب الإعلامية، واستثارة عواطف الجهلة والغوغاء، وأصحاب المطامع، والمحجوبين عن الحقائق من العلماء والمفكرين وغيرهم.

يقول الدكتور عبد الله الصالح العثيمين تحت عنوان: «موقف القوى المحيطة بنجد من الدولة السعودية الأولى» : «كان متوقعًا أن تهتم جهات متعددة بالتطورات

ص: 150

السريعة التي حدثت في نجد إثر ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقيام الدولة السعودية على أساسها، وكان أهم تلك الجهات أشراف مكة وزعماء بني خالد، وكان زعماء بني خالد أكثر التصاقًا بالأحداث الجارية في نجد؛ لأنهم أقرب جغرافيًا إلى مركز تلك الأحداث من أشراف مكة، ولأن نفوذهم في إقليم العارض الذي انطلق منه دعوة الشيخ محمد كان أقوى من نفوذ أولئك الأشراف؛ بل كان النفوذ الوحيد الموجود حينذاك» .

«لقد اتخذ أشراف مكة موقفًا عدائيًا من دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية على حدٍّ سواء منذ البداية. فقد سجن أحد أولئك الأشراف الحجاج التابعين للدولة السعودية سنة (1162هـ)(1) .

وأصدر قاضي الشرع في تلك البلدة المقدسة فتوى بتكفير الشيخ محمد وأتباعه (2) . ولذلك مُنِعوا من أداء الحج سنوات طويلة (3) . وكم كانت فرحة الشيخ عظيمة عندما تلقى رسالة من الشريف أحمد بن سعيد عام (1185هـ) ، طالبًا منه بعث عالم نجدي لشرح الدعوة التي نادى بها. وقد أرسل إليه الشيخ تلميذه عبد العزيز الحُصيِّن. وبعث معه رسالة تنبئ عبارتها بما كان يختلج في نفسه من مشاعر طيّبة تجاه ذلك الشريف، وما كان يملأ جوانحه من آمال في مناصرته لدعوة الحق. قال الشيخ:

«بسم الله الرحمن الرحيم. المعروض لديك، أدام الله فضل نِعَمه عليك، حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد - أعزَّه الله في الدارين، وأعزَّ به دين جدِّه سيِّد الثقلين - أن الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمَّل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها. وهذا هو

(1) ابن بشر، ج1، ص (37)(العثيمين) .

(2)

أحمد بن زيني دحلان، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، القاهرة، 1305هـ، ص (227 - 228)(العثيمين) .

(3)

وهذا مما يعكس الفرية التي زعمها خصوم الدعوة باتهام الإمام محمد وأتباعه بالتكفير والقتال، فإن خصوم الدعوة هم الذين كفروا إمامها وأتباعه ومنعوهم من حقهم المشروع في أداء فريضة الحج ونشر الدعوة، بل وبدؤهم بالعدوان والقتال والتحريض.

ص: 151

الواجب على ولاة الأمور

فلا بدَّ من الإيمان به - أي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بد من نصرته لا يكفي أحدهما عن الآخر. وأحقُّ الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم، وشرَّفهم على أهل الأرض. وأحقُّ أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم» (1) .

على أن هذه الرسالة اللطيفة لم تُجن منها الثمار المرجوَّة. ذلك أن الشريف أحمد نفسه لم يبق في الحكم أكثر من سنة (2) . فتلاشى ما دار في ذهن الشيخ من أمل، واستمر منع أنصاره من أداء الحج. ومع مرور الأيام لم يكتف أشراف مكة بذلك المنع؛ بل بدءوا بمهاجمة الأراضي النجدية التابعة للدولة السعودية عام (1205هـ م)(3) . وكانت النتيجة أن انتصر السعوديون في نهاية المطاف على أولئك الأشراف حتى دخلت الحجاز تحت حكمهم (4) .

ولم يكن موقف زعماء بني خالد من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والدولة السعودية أقلَّ عداوة من موقف أشراف مكة» (5) .

إن الدعوة لم تكن تملك (في مراحلها الأولى) من وسائل الإغراء ما يملكه خصومها من المال والجاه والمنافع المادية، وبهارج الدنيا وزينتها ما يرغب الناس فيها، ويجذب النفعيين والغوغاء، وأصحاب المطامع إليها، لكنها بالمقابل كانت تملك الجاذبية الفطرية، جاذبية الإيمان والتوحيد، والحق والبرهان والعقل السليم، والدين القويم. وتلكم والله مقومات السعادة الحقيقية التي تنشدها البشرية، والتي من تذوقها تشبث بها، وبذل أغلى ما يملك فداءً لها.

وهذه الجاذبية الساحرة هي السر الذي جعل من تأثر بهذه الدعوة (بالإسلام الحق) يتميز بالقوة والثبات والتضحية في سبيل الله.

(1) ابن غنَّام، ج2 ص (80 - 81)(العثيمين) .

(2)

السباعي، ج2، ص (85)(العثيمين) .

(3)

دحلان، ص (261) ؛ ابن غنَّام، ج2، ص (144 - 150) ؛ ابن بشر، ج1، ص (108 - 109)(العثيمين) .

(4)

لمعرفة تفصيلات الغزوات المتبادلة بين الطرفين يمكن الرجوع إلى عبد الله العثيمين، تاريخ المملكة. . .، ج1، ص (126 - 135)(العثيمين) .

(5)

العلاقات بين الدولة السعودية الأولى والكويت للدكتور/ عبد الله الصالح العثيمين، ص (55 - 57) ، ط2، 1411هـ (مع الهوامش) .

ص: 152