الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]
حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون (1) وإنه لمن المفيد أن أسوق كلام بعض الشهود من غير النجديين الذين عايشوا هذه الدعوة ودولتها المعاصرة وعلماءها وأهلها عن كثب ومنهم: الأستاذ (حافظ وهبة) إذ يقول تحت عنوان: (ما هي الدعوة الوهابية؟) : «لم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب نبيًّا كما ادعى نِيْبَهر الدانمركي، ولكنه مصلح مجدد داع إلى الرجوع إلى الدين الحق، فليس للشيخ محمد تعاليم خاصة، ولا آراء خاصة وكل ما يطبق في نجد من الفروع هو طبق مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2) وأما في العقائد فهم يتبعون السلف الصالح. ويخالفون من عداهم، وتكاد تكون عقائدهم وعباداتهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة من فروع الدين. وهم يرون فوق ذلك أن ما عليه أكثر المسلمين من العقائد والعبادات لا ينطبق على أساس الدين الإسلامي الصحيح.
وشاهد آخر وهو الدكتور منير العجلاني إذ يقول مجيبًا على التساؤل:
(ما هي صفة الحركة الوهابية؟) «لقد تساءل غير واحد من المؤلفين هذا السؤال، وكانت الأجوبة مختلفة. . . فبعضهم يرى أنها حركة دينية خالصة، تريد الرجوع بالإسلام إلى صفائه الأول، وأنها لذلك كافحت الشرك في كل ألوانه وأنكرت البدع التي أحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعضهم يرى أنها حركة سياسية، غايتها فصل نجد والبلاد العربية عن الخلافة العثمانية، وإقامة حكومة عربية مستقلة، وأن الدين لم يكن إلا وسيلة لتحقيق هذا الغرض.
وآخرون يرونها مزيجًا من الدين والقومية؛ لأنها كافحت في الميادين لتحقيق غايات دينية وقومية، وأَلَّفت حكومة، وأوجدت نظامًا مبنيًا على الإسلام، ضمن الإطار السلفي.
ويقول المستشرق الفرنسي «هنري لاوست» : إن روح الحركة الوهابية ومعناها لم يتحددا في وضوح كامل.
(1) سيأتي الكلام عن الشهادات تفصيلًا في فصل مستقل.
(2)
قد صرح إمام الدعوة وعلماؤها أنهم مع أخذهم بمذهب الإمام أحمد بن حنبل فهم مع الدليل وإن خالف المذهب، ومؤلفاتهم وفتاواهم على هذا إلى اليوم.
يقال حينًا إن الوهابية حركة دينية غايتها إعادة الإسلام إلى صفائه الأول. وتعرف حينًا آخر بأنها حركة تطهير، يغلب عليها التشدد، وترفض - كالبروتستانتية - عقيدة تقديس الأولياء، وتكافحها كفاحًا لا هوادة فيه.
وكل هذا إنما هو محاولة لتعريف الوهابية ببعض صفاتها الثانوية المتفرعة عنها، كما رآها أعداؤها، أو كما أظهرها الغلاة من أتباعها. . .
ولا سبيل إلى فهم الحركة الوهابية وتعريفها تعريفًا صحيحًا، إلا بالرجوع إلى كتاب «السياسة الشرعية» ، لابن تيمية، ومتى فعلنا ذلك استطعنا أن نعرف الوهابية بأنها: حركة إصلاح وتجديد، سياسية ودينية، ترمي إلى إنشاء دولة إسلامية على الأسس التي أوردها ابن تيمية، في كتاب «السياسة الشرعية» .
وحسبنا أن نقرأ المجموعات التي نشرتها الحكومة العربية السعودية باسم: «مجموعة الرسائل والمسائل النجدية» حتى ندرك تمامًا أن الأفكار الوهابية مستمدة من «السياسة الشرعية» و «الحسبة» لابن تيمية، و «السياسة الحكمية» ، لابن القيم الجوزية.
رأينا (1) وعندنا أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عودة إلى الإسلام في أول أمره ومطلع فجره، ومتى قلنا ذلك كفينا أنفسنا عناء الجدل العقيم.
ذلك أن من دعا إلى الإسلام الأول، فإنما يدعو إلى الإسلام كما كان يرى في المدينة، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم في عهود الخلفاء الراشدين» .
إلى أن قال: «وحركة محمد بن عبد الوهاب هي حركة تجديد وتطهير: تجديد وإحياء لما أهمله المسلمون من أمور الإسلام وأوامره، وتطهير للإسلام مما أدخلوه عليه من الشركيات والبدع!
ولم تكن دعوة محمد بن عبد الوهاب دعوة «فيلسوف» معتزل في غرفته، ولكنها كانت دعوة زعيم مصلح، يكافح دون عقيدته، ويعمل لها بلسانه ويده، وبكل قلبه، وبكل عقله، وبكل جهده.
(1) لا يزال الحديث للعجلاني.
إن دعوة محمد بن عبد الوهاب ليست «نظرية» أو كتابًا ألفه ليقرأه الناس، ولكنها منهاج رسمه، وقام وراءه يدعو إلى العمل به، بالموعظة أولًا، ثم بالقوة. . . قوة دولة الإسلام التي قامت على أساس الشرع وحده.
فمنهاج الشيخ ليس إصلاحًا دينيًا خالصًا، بالمعنى الذي يفهمه الأوروبيون اليوم؛ لأنهم يفرقون بين الدين والدنيا، ويجعلون الدين صلة خاصة بين العبد وخالقه، لا يُحمل الناس على اتباعه بالقوة، ثم هم يفرقون بين الدين (أو الشرع) وبين القانون، ويقولون إن الدولة تلزم الأفراد بالقانون الذي تضعه هي لهم، ولكنها لا تلزمهم بالشرع، بل قد يخالف قانونها الشرع! .
إن الإسلام وحدة، دين ودنيا، ودعوة الشيخ لذلك، دعوة جامعة للأمور الدينية والسياسية» (1) .
ويقول الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم: «يطلق بعض الكتاب على «الدعوة السلفية» اسم «المذهب» ، كما يطلق عليها البعض الآخر اسم «الوهابية» ، والحقيقة أن استعمال هذين الوصفين للدعوة غير دقيق، فهي ليست بمذهب جديد في الإسلام، حتى يصح إطلاق لفظ المذهب عليها، بل إن صاحب الدعوة نفسه كان حريصًا على أن يؤكد للناس أنه لا يدعوهم إلى مذهب جديد في الإسلام، وذكر في رسائله قائلًا:«فإني لم آت بجهالة، بل أقولها، ولله الحمد والمنة وبه القوة إنني هداني ربي إلى الصراط المستقيم، دينا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا، وما كان من المشركين، ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو غيره. . . بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم» (2) .
«أما وصف الدعوة بالوهابية، فقد أطلقه عليها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حتى يبرهنوا للناس أن مبادئه التي يدعو إليها بدعة جديدة خارجة على مبادئ الإسلام، بل إن أعداء الدعوة من الترك، ومن جاراهم غالوا في ذلك ووصفوا أتباع الدعوة بالروافض والخوارج،
(1) تاريخ البلاد العربية السعودية (1 - 242) .
(2)
من رسالة الإمام إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف. انظر: الدرر السنية (1) ، وقد وقع بعض النقص في نقل الدكتور عبد الرحيم وأكملته من الدرر السنية.
حتى إن الوثائق الرسمية المتبادلة بين محمد علي والباب العالي تنعت الأمير السعودي الذي يعمل على نشر مبادئ الدعوة السلفية باسم «الخارجي» (1)(2) .
ويقول محمد جلال كشك: «ودعوة التوحيد التي نادى بها الشيخ (3) تقبلها العلماء في شتى بلدان العالم الإسلامي، أو قل: لم يستطع أحد منهم أن يرفضها، بل على العكس ركز خصومها على اتهامها بأنه «لا جديد فيها» واهتموا بمناقشة الشكليات، وافتراء الاتهامات، بينما أعلن أكثر من عالم وفقيه أو حتى مستشرق انطباقها على مبادئ الإسلام الصحيحة.
كذلك ذهب ابن بشر إلى أن الشريف غالب وافق على أفكار الشيخ لولا أن الحاشية حذرته بأن الوهابيين إنما يريدون ملكه وليس ضميره، «فارتعش قلبه وطار» .
ومحمد بن عبد الوهاب، اهتم اهتمامًا كبيرًا، هو وورثته من بعده، بتأكيد أنه لا جديد في دعوته، وأنه لم يأت بمذهب خامس، وهذا صحيح بالطبع، وإن كان الحرص على نفي تهمة المذهب الخامس «أمر مبالغ فيه؛ لأن المذاهب في حد ذاتها، ليست أديانًا منزلة، وإنما هي اجتهادات وهم رجال ونحن رجال» .
لقد ظل هذا الحرص على نفي شبه المذهبية الجديدة يلازم رجال الحركة في المسجد والدولة، إلى حد اتقاء كلمة «الوهابية» والإصرار على أن «محمد بن عبد الوهاب» ليس أكثر من تلميذ أو فقيه من فقهاء المذهب الحنبلي «المعترف» به، فلماذا انفرد هو بذلك الأثر الذي أحدثه، وبتلك القدرة على تفجير طاقات غيرت تاريخ المنطقة؟» .
«فهو لا يدعو «إلى مذهب صوفي، أو فقيه، أو متكلم، أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم» ، «أدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أوصى بها أول أمته وآخرهم، وأرجو أني لا أرد الحق إذا أتاني بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه. إن أتانا منكم كلمة من الحق، لأقبلنها على الرأس والعين ولأضربن الجدار بكل ما خالفها» .
(1) من الباب العالي إلى محمد علي، دفتر (1) معية تركي، ص (4) ، وثيقة (2) يناير (1808م) ، ذي الحجة (1222هـ)(د. عبد الرحيم) .
(2)
الدولة السعودية الأولى للدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم (1
، 41) .
(3)
يعني الإمام محمد بن عبد الوهاب.
لا شك أنه كان أكثر تقدمية وانفتاحًا من المتكلم عن شيوخ مكة، بل وأكثر قربًا لروح الإسلام في الحوار المشهور بين علماء الوهابية وعلماء مكة. فقد قال الشيخ الحنفي المذهب: أنا لا أقبل إلا ما قاله إمامي أبو حنيفة لأنني مقلد له فيما قاله، ولا أقبل أن تقول لي: قال رسول الله أو قال ذو الجلالة؛ لأن أبا حنيفة أعلم مني ومنك بقولهما» .
وهكذا نرى أننا نظلم الشيخ ونظلم دعوته، بل نظلم السلفية والسلفيين عندما نتحدث عنهم بالمفهوم السوقي الشائع» .
«لم يحس أحد في القاهرة ولا مكة ولا حتى الأستانة بسقوط بخارى وسمرقند والقوقاز، مع أنها أعرق في تاريخ الإسلام وحضارتها من بلجراد وسالونيك والأستانة ذاتها، وشعوبها مسلمة مائة بالمائة منذ القرن الأول الهجري. . . ولكن هذه العواصم تنبهت مذعورة على مدفعية الأساطيل الأوروبية عند الشواطئ العربية. . . وبدأ الحديث عن «انقلاب المطبوع» والبحث عن تفسير لظاهرة انتصار الكفار على المؤمنين أو اختلال الناموس كما قالوا! .
«وطرح السؤال بعنف: ما العمل؟ كيف نواجه هذا التحدي؟ وكانت أول إجابة طرحت في العالم العربي، وما زالت آثارها حية إلى اليوم، هي المنهج السعودي، الذي طرحه «محمد بن عبد الوهاب» وتبناه «محمد بن سعود» وهو «لا ينتصر آخر هذا الدين إلا بما انتصر به أوله»
فاجأ ابن عبد الوهاب الجميع بإعلان أنه لا خطأ في الناموس. . . لا خطأ في قوانين الكون، فالكفار لم يهزموا المؤمنين، بل هزموا كفارًا عادوا للشرك فخسروا الدين والدنيا!» .
«فإن مظاهر الوثنية كانت قد تفشت في أنحاء العالم الإسلامي، ليس فقط في الاعتقاد بالمشايخ والأولياء، وأصحاب الطرق، بل حتى في الاعتقاد ببركة أحجار وأشجار،
وكان في مصر شجرة اسمها «أم الشعور» يتبرك بها العامة ويعتقدون بوجود روح داخلها، وكان العامة يعلقون قطعة من ثيابهم، أو ثياب غرمائهم في مسامير بوابة المتولي، طلبًا للمعاونة أو التنكيل بالخصوم. كما كان العامة في مصر يوجهون شكاويهم كتابة للإمام الشافعي المتوفى قبل أكثر من عشرة قرون! ويعتقدون أنه يقرأها، ويقضي فيها. . . فهو «قاضي الشريعة» كما يلقبه العامة في مصر» (1) .
(1) السعوديون والحل الإسلامي لمحمد جلال كشك (87 - 108) باختصار.