الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لله، ولا يخاف خوف الله إلا من الله، فمن جعل من هذا شيئًا لغير الله فنقول: هذا الشرك بالله، الذي قال الله فيه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48][سورة النساء، آية: 48] والكفار الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم: يقرون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، النافع الضار، المدبر لجميع الأمور، واقرأ قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [يونس: 31][سورة يونس، آية: 31] قُلْ مَنْ {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 88 - 89][سورة المؤمنون، آية: 88 - 89] وأخبر الله عن الكفار: أنهم يخلصون لله الدين أوقات الشدائد، واذكر قوله سبحانه:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65][سورة العنكبوت، آية: 65] والآية الأخرى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32][سورة لقمان، آية: 32] وبين الله غاية الكفار، ومطلبهم أنهم يطلبون الشفع (1) واقرأ أول سورة الزمر، تراه سبحانه بيَّن دين الإسلام، وبين دين الكفار ومطلبهم، الآيات في هذا من القرآن: ما تحصى ولا تعد» (2) .
ثم ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[سير أتباعه على هذا المنهاج]
[وسار أتباعه على هذا المنهاج في بيان حقيقة الدعوة والدفاع عنها] : ومن ذلك قول الشيخ عبد الله بن الإمام محمد: «وهذا الدين الذي ندعو إليه، قد ظهر أمره وشاع وذاع، وملأ الأسماع، من مدة طويلة، وأكثر الناس بدّعونا، وخرّجونا، وعادونا عنده، وقاتلونا، واستحلوا دماءنا وأموالنا، ولم يكن لنا ذنب سوى تجريد التوحيد، والنهي عن دعوة غير الله والاستغاثة بغيره، وما أحدث من البدع والمنكرات، حتى غلبوا وقُهِروا، فعند ذلك أذعنوا وأقروا بعد الإنكار» (3) .
(1) كذا في المطبوعة وهي بمعنى: الشفاعة.
(2)
الدرر السنية (1، 60) .
(3)
الدرر السنية (1) .
وقال الشيخ: حمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن أحد أحفاد الإمام بعد الافتتاحية:
«من محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، إلى من يراه من أهل القرى، ورؤساء القبائل، من أهل اليمن، وعسير، وتهامة، وشهران، وبني شهر، وقحطان، وغامد، وزهران، وكافة أهل الحجاز، وغيرهم هدانا الله وإياهم لدين الإسلام، وجعلنا وإياهم من أتباع سيد الأنام، آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . ثم قال: «وصار بعض الناس: يسمع بنا معاشر الوهابية (1) ولا يعرف حقيقة ما نحن عليه، وينسب إلينا، ويضيف إلى ديننا السفاسف، والأباطيل، تنفيرًا للناس عن قبول هذا الدين، وصدًّا لهم عن توحيد رب العالمين، فأوجب لنا: تسويد هذه العجالة، بيانًا لما نعتقده وندين الله به وندعو إليه ونجاهد الناس عليه.
فاعلموا - أن حقيقة ما نحن عليه، وما ندعو إليه ونجاهد على التزامه، والعمل به - أنَّا ندعو إلى دين الإسلام، والتزام أركانه، وأحكامه، الذي أصله وأساسه: شهادة أن لا إله إلا الله، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وهذه العبادة مبنية على أصلين: كمال الحب لله، مع كمال الخضوع، والذل له والعبادة لها أنواع كثيرة؛ فمن أنواعها: الدعاء وهو من أجلّ أنواع العبادة، وسماه عبادة، في عدة مواضع من كتابه، كما قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60][سورة غافر، آية: 60] . ونظائر هذا في القرآن كثير؛ وفي الحديث: «الدعاء مخ العبادة» (2) .
فنقول: لا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاث في الشدائد، وجلب الفوائد إلا به، ولا يذبح
(1) لم يكن من عادة علماء الدعوة، وأتباعها الإقرار بإطلاق (الوهابية) على هذه الدعوة السلفية؛ لأنها كانت من الخصوم على سبيل اللمز والسب ولعل الشيخ هنا ذكرها على سبيل التنزل، ولشهرة هذا الاصطلاح حتى صار يطلق من المؤيد والمعارض.
(2)
رواه الترمذي (3371) عن أنس رضي الله عنه بهذا اللفظ، وفيه الوليد بن مسلم وهو مدلس وقد عنعن وفيه أيضًا ابن لهيعة، وكان قد اختلط وضُعِّف. قال الترمذي:«حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة» ، ولكن قد ثبت الحديث بلفظ «الدعاء هو العبادة» رواه الترمذي (3370) ، وأحمد (2) ، وابن ماجه (3829) ، وابن حبان (1) ، والحاكم (1) وصححه، والبخاري في الأدب المفرد (712) من حديث النعمان بن بشير، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3401) .
القربان إلا له، ولا يُنذر إلا له، ولا يخاف خوف السر إلا منه وحده، ولا يُتوكل إلا عليه ولا يستعان ولا يستعاذ إلا به، وليس لأحد من الخلق شيء من ذلك لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الأولياء، ولا الصالحين ولا غيرهم فلله حق، لا يكون لغيره، وحقه تعالى: إفراده بجميع أنواع العبادة، فلا تأله القلوب محبة وإجلالاً وتعظيمًا وخوفًا ورجاء، إلا الله فهذه هي الحكمة الشرعية الدينية والأمر المقصود في إيجاد البرية» .
وبعد أن شرح هذا المبدأ، واستدل له من القرآن والسنة قال: «ومن كان له معرفة بما بعث الله به رسوله، علم: أن ما يفعل عند القبور، من دعاء أصحابها والاستغاثة بهم، والعكوف عند ضرائحهم والسجود لهم، والنذر لهم أعظم وأكبر من فعل الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، وأقبح وأشنع من قول الذين قالوا اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.
قال بعض العلماء المحققين، -رحمه الله تعالى-: فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة، لتعليق الأسلحة والعكوف عليها اتخاذ إله، مع أنهم لا يعبدونها ولا يسألونها فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء به، ودعائه والدعاء عنده؟ فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر، لو كان أهل الشرك والبدع يعلمون؟ انتهى.
ولقد حمى النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وسد الذرائع، التي تُفضي إلى الشرك والتنديد، فقال فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم:«اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (1) ونهى عن إيقاد السرج عليها، فقال صلى الله عليه وسلم:«لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج» (2) ونهى: أن تُتخذ عيدًا، ونهى عن البناء عليها، وأمر بتسويتها بالأرض، كما روى مسلم في صحيحه، عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع
(1) رواه مالك: كتاب الصلاة، باب الصلاة (261) .
(2)
رواه الترمذي (320) ، وأحمد (2030، 2603، 2986، 3118) ، وأبو داود (3236) ، والنسائي (2405) .
والحديث صححه الألباني بدون لفظة «السرج» راجع: أحكام الجنائز.