الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح) وأنه شعب يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وأنه يجوز الاستثناء في الإيمان.
يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (1) .
[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]
عقيدتهم في الله تعالى وأسمائه وصفاته. إن عقيدة من يسميهم الخصوم (الوهابية) في أسماء الله وصفاته وأفعاله وغيرها، هي: عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأهل الحديث وسائر أئمة الدين المعتبرين.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، مبينًا أن عقيدتهم هي العقيدة التي كان عليها علماء السلف: «وهي أنا نقرأ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها ونكل معناها مع اعتقاد حقائقها - إلى الله تعالى - فإن مالكًا - وهو من أجل علماء السلف - لما سئل عن الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5][سورة طه، آية: 5] ، قال الاستواء معلوم
(1) الدرر السنية (1) .
(2)
الدرر السنية (1 - 30) ، ومؤلفات الشيخ الإمام - القسم الخامس ص (8) .
والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة» (1) .
وقد بين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب مذهب السلف الصالح في كتابه (جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية) قائلا: «مذهب السلف الصالح رحمهم الله: إثبات الصفات وإجراؤها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وعلى هذا مضى السلف كلهم، ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرج بنا عن المقصود في هذا الجواب، فمن كان قصده الحق وإظهار الصواب اكتفى بما قدمناه» (2) .
ولما سئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر، عن آيات الصفات الواردة في الكتاب، كقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5][سورة طه، آية: 5]، وكذلك قوله:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39][سورة طه، آية: 39]، وقوله:{أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46][سورة طه، آية: 46] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64][سورة المائدة، آية: 64]، وقوله:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75][سورة ص، آية: 75]، وقوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22][سورة الفجر، آية: 22]، وقوله:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67][سورة الزمر، آية: 67] ، وغير ذلك في القرآن.
ومن السنة قوله: «قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن» (3) وكذلك النفس، وقوله:«إن ربكم ليضحك» (4) وقوله: «حتى يضع رجله فيها فتقول قط قط» (5) وغير ذلك مما لا يحصره هذا القرطاس، وعلى ما تحملون هذه الآيات وهذه الأحاديث؟
(1) الدرر السنية (1) .
(2)
انظر: جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية، ضمن كتاب: في عقائد الإسلام، ص (100 - 101) .
(3)
أخرجه مسلم بلفظ آخر برقم (2654) ، وأحمد في المسند برقم (6566)، وانظر: تعليق المحققين للمسند (11) ، ورواه الترمذي برقم (3522)، وقال: حديث حسن.
(4)
أخرجه مسلم، برقم (890)، ولفظه:«يضحك الله إلى رجلين. . .» الحديث، وأحمد في المسند برقم (8224) وغيرهم، انظر هامش المسند (13) .
(5)
رواه البخاري، برقم (4850) ، ومسلم برقم (2846) .
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في كتابه (تنبيه النبيه والغبي في الرد على المدراسي والحلبي) عن معتقد السلف الصالح في هذا الباب، ردًا على من رماهم بالتشبيه:
«وسئل الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر - رحمه الله تعالى -: وما قولكم أدام الله النفع بعلومكم، في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك، مثل قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] [سورة الفتح، آية: 10] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن» (3) إلى غير ذلك مما ظاهره يوهم التشبيه؛ فأفيدونا عن اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في ذلك؟ وكيف مذهبه؟ ومذهبكم من بعده؟ هل تمرون ما ورد من ذلك على ظاهره، مع التنزيه؟ أم تؤولون؟ ابسطوا الكلام على ذلك، وأجيبوا جوابًا شافياً، تغنموا أجرًا وافيًا» (4) .
(1) الدرر السنية (3 - 14) .
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
سبق تخريجه قريبًا.
(4)
الدرر السنية (3) .
فأجاب بما نصه: «الحمد لله رب العالمين، قولنا في آيات الصفات والأحاديث الواردة في ذلك، ما قاله الله ورسوله، وما قاله سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، وغيرهم من علماء المسلمين، فنصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل بل نؤمن بأنه الله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11][سورة الشورى، آية: 11] ، فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نلحد في أسماء الله وآياته، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه، رضي الله عنه عما يقول الظالمون علوًا كبيراً؛ فهو سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، بل يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تكييف ولا تمثيل خلافًا للمشبهة، ومن غير تحريف ولا تعطيل خلافًا للمعطلة.
فمذهبنا مذهب السلف إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وهو اعتقاد المشائخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة رضي الله عنه فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوز القرآن، والحديث، وهكذا مذهب سائرهم، كما سننقل عباراتهم بألفاظ إن شاء الله تعالى.
ومذهب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - هو ما ذهب إليه هؤلاء الأئمة المذكورون، فإنه يصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوز القرآن والحديث، ويتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، الذين هم أعلم هذه الأمة بهذا الشأن نفيًا وإثباتاً، وهم أشد تعظيمًا لله، وتنزيهًا له عما لا يليق بجلاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه (1) .
(1) الدرر السنية (3 - 55) ، والفواكه العذاب ص (41 - 50) .
وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة: وما قرره الإمام عبد الوهاب وسائر أئمة الدعوة هو مذهب كافة السلف والأئمة الأربعة وإليك البيان:
قول الإمام مالك: فعن جعفر بن عبد الله، قال:«كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فما وجد مالك شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج» (1) .
قول الإمام الشافعي: وكذلك الإمام الشافعي قال: «نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه كما نفاه عن نفسه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] [سورة الشورى، آية: 11] » (2) .
يقول: وقد سئل عن صفات الله عز وجل وما يؤمن به، فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته، لا يسع أحدًا من خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل به، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول به، فيما روي عنه العدل.
فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله، وأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر معذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرَّويَّة والفكر.
ونحو ذلك إخبار الله سبحانه إيانا، أنه سميعٌ بصير، وأن له يدان، يقول:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64][سورة المائدة، آية: 64] ،
(1) أخرجه أبونعيم في الحلية (6 «5 - 326) ، والصابوني في عقيدة السلف الصالح أصحاب الحديث، ص (17 - 18) ، من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك وابن عبد البر في التمهيد (7) ، من طريق عبد الله بن نافع عن مالك والبيهقي في الأسماء والصفات ص (408)، من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ بن حجر في الفتح (13 - 407) : إسناده جيد، وصححه الذهبي في العلو ص (103)، وانظر: اعتقاد أئمة السلف للخميس ص (27 - 28) .
(2)
سير أعلام النبلاء للذهبي (20) .
وأن له يميناً، بقوله:{وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67][سورة الزمر، آية: 67] ، وأن له وجهاً، بقوله:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88][سورة القصص، آية: 88] وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27][سورة الرحمن، آية: 27]، وأن له قدمًا لقوله صلى الله عليه وسلم:» حتى يضع الرب فيها قدمه « (1) يعني جهنم، وأنه يضحك من عبده المؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله:» إنه لقي الله وهو يضحك إليه « (2) وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك (3) وأنه ليس بأعور لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذُكر الدجال، فقال:» إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور « (4) وإن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر (5) وأن له إصبعًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:» ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل « (6) فإن هذه المعاني التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما لا يدرك حقيقة ذلك بالفكر والرَّويِّة.
ولا نكفر بالجهل بها أحدًا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، وإن كان الوارد بذلك خبرًا يقوم بالفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة بما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه تعالى، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] » [سورة الشورى، آية: 11](7) .
(1) انظر: صحيح البخاري (8) ، ومسلم (4) وغيرهم.
(2)
انظر: صحيح البخاري (6) ، ومسلم (1504) .
(3)
بهذا اللفظ ورد في عدة أحاديث لا تخلوا من مقال، انظر: العرش ح (85) ، والصفات للداراقطني ح (74) ، وأما أحاديث النزول فمتواترة.
(4)
انظر: صحيح البخاري (13) ، ومسلم (1) .
(5)
الحديث مروي عن جمع من الصحابة، فرواه البخاري (8) ، ومسلم (2) من حديث أبي سعيد الخدري.
(6)
صحيح مسلم (2654) .
(7)
اعتقاد الشافعي، لأبي الحسن الهكاري ص (20 - 21)، بتحقيق الدكتور: عبد الله بن صالح البراك (والهوامش له) .