الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث السادس قضايا أخرى]
[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]
المبحث السادس
قضايا أخرى مناقشة دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق: ومن أعظم المفتريات التي أشاعها خصوم الدعوة والجاهلون بأصولها ومنهجها وواقعها - اتهام إمامها وأتباعها وولاتها بأنهم خوارج.
وألصقوا فيهم ما ورد من صفات الخوارج ونحوها، كالتكفير بالذنوب، واستحلال الدماء، والتحليق، وأنهم قرن الشيطان، وأتباع مسيلمة وقد ناوؤا هذه الدعوة ودولتها بهذه الدعاية، فأوهموا كثيرًا من المسلمين والجنود التي تقاتل في صفوفهم بأنهم يقاتلون الخوارج الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم.
وهذه الدعوى من إحدى الكُبَر والبهتان العظيم.
فإن الناظر لحقيقة الدعوة في عقيدتها ومنهجها وأحكامها ومعاملاتها وما كتبه علماؤها من المصنفات والرسائل والمحاورات والردود، وما كتبه عنها المنصفون والمحايدون من المسلمين وغير المسلمين يجد الحقيقة بينة جلية في أن الدعوة - إمامها وعلماءها ودولتها وأتباعها بريئون من مذهب الخوارج براءة الذئب من دم يوسف.
فإن من يعيرهم الآخرون (بالوهابية) إنما هم - كما أسلفت - يمثلون أهل السنة والجماعة السلف الصالح، فهم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين من الأئمة الأربعة، ومن كان على منهاجهم من العلماء المعتبرين.
فمصادرهم: القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقدوتهم: الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنه والسلف الصالح.
وغايتهم: تحقيق التوحيد ومستلزماته، ونفي الشرك وذرائعه، وإقامة فرائض الدين ونشر الفضائل ومكارم الأخلاق.
وشعارهم: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقبل أن أسوق نبذة من أقوالهم ومواقفهم من بدع الخوارج، أعرض للقارئ مقارنة موجزة بين منهجهم ومناهج الخوارج فمن ذلك: - أن الخوارج (ناصبة) يطعنون في علي رضي الله عنه ولا يَعْتَدُّون بإمامته، وقد خرجوا عليه وعلى جماعة المسلمين. وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة يترضون عن علي رضي الله عنه ويرونه رابع الخلفاء الراشدين، ولا يرون الخروج عليه ولا على غيره من أئمة المسلمين.
- والخوارج يطعنون في كثير من الصحابة كعثمان وعلي ومعاوية وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وطلحة والزبير رضي الله عنه وغيرهم من خيار الصحابة، وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة يوالون كل الصحابة ويترضون عنهم.
- والخوارج يكفرون أهل الكبائر ويستحلون دماءهم، ويعتقدون خلودهم في النار إذا ماتوا على كبائرهم. وأهل السنة على خلاف ذلك ومنهم أتباع هذه الدعوة.
- والخوارج ينكرون الشفاعة والرؤية الثابتة بالنصوص القطعية، وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة على خلاف ذلك.
- والخوارج سيماهم التحليق، وليس هذا من شعارات أتباع الدعوة ولا من سماتهم، وقد تبرءوا من هذا الشعار كما أسلفت.
وهنا أسوق شيئًا من أقوالهم ومواقفهم من مذهب الخوارج وردهم على من اتهمهم به:
لما سئل أبناء الإمام، محمد بن عبد الوهاب، وحمد بن ناصر بن معمر، هل عندكم: أنه ما يلبث موحد في النار، أم لا؟ (أي كما تزعم الخوارج والمعتزلة) :
فأجابوا: «الذي نعتقده ديناً، ونرضاه لإخواننا المسلمين، مذهباً، أن الله تبارك وتعالى لا يخلد أحدًا فيها من أهل التوحيد، كما تظاهرت عليه الأدلة، من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الإيمان ما يزن شعيرة» (1) وفي لفظ «ذرة» ولكنها جاءت مقيدة بالقيود الثقال، كقوله:«من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» (2) وفي رواية «صادقًا من قلبه» انتهى.
وهذا: هو مذهب أهل السنة والجماعة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان، من سلف الأمة وأئمتها، ولا يخالف في ذلك إلا الخوارج، والمعتزلة القائلون بتخليد أهل
(1) رواه البخاري (3340)(3361)(4712) ، ومسلم (194) .
(2)
رواه البخاري (99، 6570) .
الكبائر في النار. والجواب: عن الآيات التي احتجوا بها: تحتاج إلى بسط طويل» (1) .
فالقول بتخليد أهل الكبائر في النار من الأصول المميزة للخوارج وتتفق عليها فرقهم. وردُّ أهل السنة - ومنهم الإمام محمد وأتباعه - على الخوارج في هذه المسألة وغيرها مشهور مستفيض. وبذلك كانوا ينفون تهمة أنهم خوارج.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وأما أهل هذه الدعوة الإسلامية (2) التي أظهرها الله بنجد، وانتشرت واعترف بصحتها كثير من العلماء والعقلاء، وأدحض الله حجة من نازعهم بالشهادة، فهم بحمد الله أبعد الناس عن مشابهة الخوارج وغيرهم من أهل البدع، ودينهم هو الحق، يدعون إلى ما بعث الله به رسله، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وينهون عن دعوة الأموات والغائبين، وطلب الشفاعة منهم» .
وهم يحذِّرون من الخوارج ومن بدعهم ويعلنون مخالفتهم كما جاء في رسالة الإمام فيصل بن تركي إلى راشد بن عيسى في البحرين كتبها الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن قال: «وأما أهل البدع، فمنهم: الخوارج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتلوه؛ واستباحوا دماء المسلمين، وأموالهم متأولين في ذلك، وأشهر أقوالهم: تكفيرهم بما دون الشرك من الذنوب، فهم: يكفرون أهل الكبائر، والمذنبين من هذه الأمة؛ وقد قاتلهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصحت فيهم الأحاديث» (4) .
(1) الدرر السنية (1) .
(2)
هي دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.
(3)
الدرر السنية (11 - 537) .
(4)
الدرر السنية (1) .
وقد أنكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على بعض الغلاة المنتسبين للدعوة فقال: «وقد بلغنا: عنكم، نحو من هذا، وخضتم في مسائل من هذا الباب، كالكلام في الموالاة والمعادة، والمصالحة والمكاتبة، وبذل الأموال والهدايا، ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك بالله، والضلالات، والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم من الجفاة، لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب، ومَن رزق الفهم عن الله، وأوتي الحكمة وفصل الخطاب» (1) .
أما فرية أن سيماهم التحليق كما هي سمة الخوارج: فقد أشاع خصوم الدعوة أن أتباعها يتعبدون بحلق شعر الرأس وأنهم يجعلون ذلك سمة لهم، وأنهم بذلك يكونون من الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سيماهم التحليق (3) وهذا من البهتان، فإن أقوالهم وفتاويهم، وحالهم تكذِّب هذا البهتان أما ما ينسب لبعض الجهلة والأعراب في ذلك من التشدد والقتال على هذا، فإن ذلك من الخطأ الذي لا يُقَرّ بل كانوا يؤدبون عليه.
قال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب رادًّا لهذه الفرية: «وأما البحث عن حلق شعر الرأس، وأن بعض البوادي الذين دخلوا في ديننا، قاتلوا من لم يحلق رأسه، وقتلوا بسبب الحلق خاصة، وأن من لم يحلق رأسه صار مرتدًّا؟
فالجواب:
أن هذا كذب وافتراء علينا، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، فإن الكفر والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال، معلومة عند أهل العلم، وليس عدم الحلق منها، بل ولم نقل: إن الحلق مسنون، فضلاً عن أن يكون واجبًا عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام.
(1) الدرر السنية (1، 469) .
(2)
الدرر السنية (1، 469) .
(3)
رواه مسلم (2472) من حديث سهل بن حنيف.
والذي وردت السنة بالنهي عنه، هو القزع، وهو: حلق بعض الرأس، وترك بعضه، وهذا هو الذي نُهينا عنه ونؤدب فاعله، ولكن الجُهال القادمون إليكم لا يميزون أنواع الكفر والردة، وكثير منهم غرضه نهب الأموال، ونحن لم نأمر أحدًا من الأمراء بقتال من لم يحلق رأسه.
بل نأمرهم بقتال من أشرك بالله، وأبى عن توحيد الله، والتزام شرائع الإسلام وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، فإذا فعلوا خلاف ذلك وبلغنا ذلك من فعلهم لم نُقِرهم على ذلك، بل نبرأ إلى الله من فعلهم، ونؤدبهم على قدر جرائمهم، بحول الله وقوته» (1) .
ويقول عبد الكريم بن فخر الدين: «وأما ما ورد في الخوارج سيماهم التحليق، فلا ينطبق على ما ادعاه فإن ترك الشعر واللّمة سنة عند محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فإن كان صحيحًا يحمل أمره ذلك، فيمن كان جديد الإسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألق عنك شعر الكفر» (2)) » (3) .
ويقول الشوكاني لما بلغته بعض المفتريات والشائعات عن الإمام عبد العزيز بن سعود وعن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقاد الخوارج، وما أظن ذلك صحيحاً، فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من محمد بن عبد الوهاب» (4) .
وخلاصة القول أن السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ومنهم الإمام وأتباعه لا يتعبدون بالتحليق ولا يجعلون شعارًا لهم، ولا يُلزمون -على جهة التعبد- أحدًا بذلك.
أما ما قد يحدث من أن بعضهم يرغب التحليق عادة، أو يأمر غيره به أحيانًا من غير إلزام، ومن غير براء ممن لم يفعل، أو يحلقه ويأمر بحلقه على جهة النظافة، والتخفف من مشقة صيانة الشعر وتعهده بالدهن والغسل والفرق ونحو ذلك، فهذا مما لا نزاع فيه، وليس مما يُثَرَّب فيه على أحد.
(1) الدرر السنية (10 5 - 276) .
(2)
الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين، ص (44) ، عن دعاوى المناوئين (190) .
(3)
رواه أبوداود (1) ، وأحمد (3) من حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده، وحسنَّه الألباني لشواهده في الإرواء (1) ، وصحيح أبي داود رقم (383) .
(4)
البدر الطالع (526) .