المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

[المبحث السادس قضايا أخرى]

[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

المبحث السادس

قضايا أخرى مناقشة دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق: ومن أعظم المفتريات التي أشاعها خصوم الدعوة والجاهلون بأصولها ومنهجها وواقعها - اتهام إمامها وأتباعها وولاتها بأنهم خوارج.

وألصقوا فيهم ما ورد من صفات الخوارج ونحوها، كالتكفير بالذنوب، واستحلال الدماء، والتحليق، وأنهم قرن الشيطان، وأتباع مسيلمة وقد ناوؤا هذه الدعوة ودولتها بهذه الدعاية، فأوهموا كثيرًا من المسلمين والجنود التي تقاتل في صفوفهم بأنهم يقاتلون الخوارج الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم.

وهذه الدعوى من إحدى الكُبَر والبهتان العظيم.

فإن الناظر لحقيقة الدعوة في عقيدتها ومنهجها وأحكامها ومعاملاتها وما كتبه علماؤها من المصنفات والرسائل والمحاورات والردود، وما كتبه عنها المنصفون والمحايدون من المسلمين وغير المسلمين يجد الحقيقة بينة جلية في أن الدعوة - إمامها وعلماءها ودولتها وأتباعها بريئون من مذهب الخوارج براءة الذئب من دم يوسف.

فإن من يعيرهم الآخرون (بالوهابية) إنما هم - كما أسلفت - يمثلون أهل السنة والجماعة السلف الصالح، فهم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين وأئمة الدين من الأئمة الأربعة، ومن كان على منهاجهم من العلماء المعتبرين.

فمصادرهم: القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقدوتهم: الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنه والسلف الصالح.

وغايتهم: تحقيق التوحيد ومستلزماته، ونفي الشرك وذرائعه، وإقامة فرائض الدين ونشر الفضائل ومكارم الأخلاق.

وشعارهم: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقبل أن أسوق نبذة من أقوالهم ومواقفهم من بدع الخوارج، أعرض للقارئ مقارنة موجزة بين منهجهم ومناهج الخوارج فمن ذلك: - أن الخوارج (ناصبة) يطعنون في علي رضي الله عنه ولا يَعْتَدُّون بإمامته، وقد خرجوا عليه وعلى جماعة المسلمين. وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة يترضون عن علي رضي الله عنه ويرونه رابع الخلفاء الراشدين، ولا يرون الخروج عليه ولا على غيره من أئمة المسلمين.

ص: 276

- والخوارج يطعنون في كثير من الصحابة كعثمان وعلي ومعاوية وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، وطلحة والزبير رضي الله عنه وغيرهم من خيار الصحابة، وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة يوالون كل الصحابة ويترضون عنهم.

- والخوارج يكفرون أهل الكبائر ويستحلون دماءهم، ويعتقدون خلودهم في النار إذا ماتوا على كبائرهم. وأهل السنة على خلاف ذلك ومنهم أتباع هذه الدعوة.

- والخوارج ينكرون الشفاعة والرؤية الثابتة بالنصوص القطعية، وأهل السنة ومنهم أتباع هذه الدعوة على خلاف ذلك.

- والخوارج سيماهم التحليق، وليس هذا من شعارات أتباع الدعوة ولا من سماتهم، وقد تبرءوا من هذا الشعار كما أسلفت.

وهنا أسوق شيئًا من أقوالهم ومواقفهم من مذهب الخوارج وردهم على من اتهمهم به:

لما سئل أبناء الإمام، محمد بن عبد الوهاب، وحمد بن ناصر بن معمر، هل عندكم: أنه ما يلبث موحد في النار، أم لا؟ (أي كما تزعم الخوارج والمعتزلة) :

فأجابوا: «الذي نعتقده ديناً، ونرضاه لإخواننا المسلمين، مذهباً، أن الله تبارك وتعالى لا يخلد أحدًا فيها من أهل التوحيد، كما تظاهرت عليه الأدلة، من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه من الإيمان ما يزن شعيرة» (1) وفي لفظ «ذرة» ولكنها جاءت مقيدة بالقيود الثقال، كقوله:«من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» (2) وفي رواية «صادقًا من قلبه» انتهى.

وهذا: هو مذهب أهل السنة والجماعة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان، من سلف الأمة وأئمتها، ولا يخالف في ذلك إلا الخوارج، والمعتزلة القائلون بتخليد أهل

(1) رواه البخاري (3340)(3361)(4712) ، ومسلم (194) .

(2)

رواه البخاري (99، 6570) .

ص: 277

الكبائر في النار. والجواب: عن الآيات التي احتجوا بها: تحتاج إلى بسط طويل» (1) .

فالقول بتخليد أهل الكبائر في النار من الأصول المميزة للخوارج وتتفق عليها فرقهم. وردُّ أهل السنة - ومنهم الإمام محمد وأتباعه - على الخوارج في هذه المسألة وغيرها مشهور مستفيض. وبذلك كانوا ينفون تهمة أنهم خوارج.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وأما أهل هذه الدعوة الإسلامية (2) التي أظهرها الله بنجد، وانتشرت واعترف بصحتها كثير من العلماء والعقلاء، وأدحض الله حجة من نازعهم بالشهادة، فهم بحمد الله أبعد الناس عن مشابهة الخوارج وغيرهم من أهل البدع، ودينهم هو الحق، يدعون إلى ما بعث الله به رسله، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وينهون عن دعوة الأموات والغائبين، وطلب الشفاعة منهم» .

وقال: «ولم يكفروا أحدًا من الصحابة رضي الله عنه بل أحبوهم ووالوهم، وأعرضوا عما شجر بينهم، وعلموا أن لهم حسنات عظيمة، يمحو الله بها السيئات، وتضاعف بها الحسنات» (3) .

وهم يحذِّرون من الخوارج ومن بدعهم ويعلنون مخالفتهم كما جاء في رسالة الإمام فيصل بن تركي إلى راشد بن عيسى في البحرين كتبها الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن قال: «وأما أهل البدع، فمنهم: الخوارج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتلوه؛ واستباحوا دماء المسلمين، وأموالهم متأولين في ذلك، وأشهر أقوالهم: تكفيرهم بما دون الشرك من الذنوب، فهم: يكفرون أهل الكبائر، والمذنبين من هذه الأمة؛ وقد قاتلهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وصحت فيهم الأحاديث» (4) .

(1) الدرر السنية (1) .

(2)

هي دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.

(3)

الدرر السنية (11 - 537) .

(4)

الدرر السنية (1) .

ص: 278

وقد أنكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على بعض الغلاة المنتسبين للدعوة فقال: «وقد بلغنا: عنكم، نحو من هذا، وخضتم في مسائل من هذا الباب، كالكلام في الموالاة والمعادة، والمصالحة والمكاتبة، وبذل الأموال والهدايا، ونحو ذلك من مقالة أهل الشرك بالله، والضلالات، والحكم بغير ما أنزل الله عند البوادي ونحوهم من الجفاة، لا يتكلم فيها إلا العلماء من ذوي الألباب، ومَن رزق الفهم عن الله، وأوتي الحكمة وفصل الخطاب» (1) .

قال: «وأما: التكفير بهذه الأمور، التي ظننتموها، من مكفرات أهل الإسلام فهذا: مذهب، الحرورية، المارقين الخارجين على علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، ومن معه من الصحابة» (2) .

أما فرية أن سيماهم التحليق كما هي سمة الخوارج: فقد أشاع خصوم الدعوة أن أتباعها يتعبدون بحلق شعر الرأس وأنهم يجعلون ذلك سمة لهم، وأنهم بذلك يكونون من الخوارج الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سيماهم التحليق (3) وهذا من البهتان، فإن أقوالهم وفتاويهم، وحالهم تكذِّب هذا البهتان أما ما ينسب لبعض الجهلة والأعراب في ذلك من التشدد والقتال على هذا، فإن ذلك من الخطأ الذي لا يُقَرّ بل كانوا يؤدبون عليه.

قال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب رادًّا لهذه الفرية: «وأما البحث عن حلق شعر الرأس، وأن بعض البوادي الذين دخلوا في ديننا، قاتلوا من لم يحلق رأسه، وقتلوا بسبب الحلق خاصة، وأن من لم يحلق رأسه صار مرتدًّا؟

فالجواب:

أن هذا كذب وافتراء علينا، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر، فإن الكفر والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال، معلومة عند أهل العلم، وليس عدم الحلق منها، بل ولم نقل: إن الحلق مسنون، فضلاً عن أن يكون واجبًا عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام.

(1) الدرر السنية (1، 469) .

(2)

الدرر السنية (1، 469) .

(3)

رواه مسلم (2472) من حديث سهل بن حنيف.

ص: 279

والذي وردت السنة بالنهي عنه، هو القزع، وهو: حلق بعض الرأس، وترك بعضه، وهذا هو الذي نُهينا عنه ونؤدب فاعله، ولكن الجُهال القادمون إليكم لا يميزون أنواع الكفر والردة، وكثير منهم غرضه نهب الأموال، ونحن لم نأمر أحدًا من الأمراء بقتال من لم يحلق رأسه.

بل نأمرهم بقتال من أشرك بالله، وأبى عن توحيد الله، والتزام شرائع الإسلام وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، فإذا فعلوا خلاف ذلك وبلغنا ذلك من فعلهم لم نُقِرهم على ذلك، بل نبرأ إلى الله من فعلهم، ونؤدبهم على قدر جرائمهم، بحول الله وقوته» (1) .

ويقول عبد الكريم بن فخر الدين: «وأما ما ورد في الخوارج سيماهم التحليق، فلا ينطبق على ما ادعاه فإن ترك الشعر واللّمة سنة عند محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فإن كان صحيحًا يحمل أمره ذلك، فيمن كان جديد الإسلام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألق عنك شعر الكفر» (2)) » (3) .

ويقول الشوكاني لما بلغته بعض المفتريات والشائعات عن الإمام عبد العزيز بن سعود وعن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقاد الخوارج، وما أظن ذلك صحيحاً، فإن صاحب نجد وجميع أتباعه يعملون بما تعلموه من محمد بن عبد الوهاب» (4) .

وخلاصة القول أن السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ومنهم الإمام وأتباعه لا يتعبدون بالتحليق ولا يجعلون شعارًا لهم، ولا يُلزمون -على جهة التعبد- أحدًا بذلك.

أما ما قد يحدث من أن بعضهم يرغب التحليق عادة، أو يأمر غيره به أحيانًا من غير إلزام، ومن غير براء ممن لم يفعل، أو يحلقه ويأمر بحلقه على جهة النظافة، والتخفف من مشقة صيانة الشعر وتعهده بالدهن والغسل والفرق ونحو ذلك، فهذا مما لا نزاع فيه، وليس مما يُثَرَّب فيه على أحد.

(1) الدرر السنية (10 5 - 276) .

(2)

الحق المبين في الرد على اللهابية المبتدعين، ص (44) ، عن دعاوى المناوئين (190) .

(3)

رواه أبوداود (1) ، وأحمد (3) من حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده، وحسنَّه الألباني لشواهده في الإرواء (1) ، وصحيح أبي داود رقم (383) .

(4)

البدر الطالع (526) .

ص: 280