المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

المبحث الثالث: حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة: وليس أصدق في وصف حال نجد وما حولها من أهلها لا سيما العلماء والباحثين الذين عنوا بهذا الأمر، وعلى رأسهم إمام الدعوة الذي أعلن دعوته الإصلاحية من هذا المنطلق - أعني تشخيص الأمراض التي يعيشها المجتمع النجدي وسائر الأمة - فقد وصف الإمام نفسه الواقع الذي يعيشه كثير من المسلمين في نجد وغيرها، وما شاع بينهم من بدع وخرافات ومظالم وجهالات، وكان هذا الواقع هو السبب والباعث لقيام الإمام بدعوته الإصلاحية، وكثيرًا ما كان يخاطب الناس من هذا المنطلق، فقال محاورًا لمخالفيه ومبينًا لهم وجود عظائم المخالفات قال: «منها - وهو أعظمها - عبادة الأصنام عندكم، من بشر وحجر؛ هذا يذبح له؛ وهذا ينذر له؛ وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات؛ وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر؛ وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله!

فإن كنتم تزعمون: أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن، فهذا من العجب؛ فإني لا أعلم أحدًا من أهل العلم يختلف في ذلك، اللهم إلا أن يكون أحد وقع فيما وقع فيه اليهود، من إيمانهم بالجبت والطاغوت؛ وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك، فإن لم تقدروا على الكل، قدرتم على البعض؛ كيف وبعض الذين أنكروا عليّ هذا الأمر، وادَّعوا أنهم من أهل العلم، ملتبسون بالشرك الأكبر، ويدعون إليه، ولو يسمعون إنسانًا يجرد التوحيد، لرموه بالكفر والفسوق؛ ولكن نعوذ بالله من رضى الناس بسخط الله.

ومنها: ما يفعله كثير من أتباع إبليس، وأتباع المنجمين والسحرة والكهان، ممن ينتسب إلى الفقر، وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس، ويشبهون بمعجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل؛ والصد عن سبيل الله، حتى إن بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم: أنه من العلم الموروث عن الأنبياء، من علم الأسماء، وهو من الجبت والطاغوت، ولكن هذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم:«لتتبعن سنن من كان قبلكم» (1) .

(1) رواه البخاري (3456) ، ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 47

ومنها: هذه الحيلة الربوية التي مثل حيلة أصحاب السبت أو أشد، وأنا أدعو من خالفني إلى أحد أربع؛ إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإما إلى إجماع أهل العلم؛ فإن عاند دعوته إلى مباهلة، كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان، والأوزاعي، في مسألة رفع اليدين، وغيرهما من أهل العلم؛ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وسلم» (1) .

وقد شخَّص أحد علماء الدعوة الواقع ووصف حال الأمة أثناء ظهور الدعوة وقبلها في بلدان نجد وكذلك في أكثر البلاد الإسلامية المجاورة، وهو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إذ يقول: «كان أهل عصره ومصره - يعني الإمام محمد - في تلك الأزمان، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد، والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأحاديث الكهان، والطواغيت مقبولة، قد خلعوا ربقة الدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة بغير الله، والتعلق على غير الله، من الأولياء، والصالحين، والأوثان، والأصنام، والشياطين.

وعلماؤهم، ورؤساؤهم على ذلك، وبه راضون، قد أعشتهم العوائد والمألوفات، وحبستهم الشهوات عن الارتفاع إلى طلب الهدى، من النصوص والآيات، يحتجون بما رأوه من الآثار الموضوعات، والحكايات المختلقة، والمنامات، كما يفعله أهل الجاهلية، وكثير منهم يعتقد النفع والضر، في الأحجار، والجمادات، ويتبركون بالآثار، والقبور {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] [سورة الحشر، من الآية: 19]، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] [سورة الأعراف، الآية: 33] .

(1) الدرر السنية (1، 54) .

ص: 48

فأما بلاد نجد: فقد بالغ الشيطان في كيدهم، وكانوا ينتابون قبر زيد بن الخطاب، ويدعونه رغبًا ورهبًا، ويزعمون أنه يقضي لهم الحوائج، وكذلك عند قبر يزعمون أنه قبر ضرار بن الأزور، وذلك كذب ظاهر وبهتان.

وكذلك عندهم: نخل - فحَّال - ينتابه النساء والرجال، ويفعلون عنده أقبح الفعال؛ والمرأة: إذا تأخر عنها الزواج، تذهب إليه، فتضمه بيدها، وتدعوه برجاء، وتقول: يا فحل الفحول، أريد زوجًا قبل الحول؛ وشجرة عندهم تسمى: الطرفية، أغراهم الشيطان بها، وأوحى إليهم التعلق عليها، وأنها ترجى منها البركة، ويعلقون عليها الخرق، لعل الولد يسلم من السوء.

وفي أسفل: بلدة الدرعية: مغارة في الجبل، يزعمون أنها انفلقت من الجبل لامرأة تسمى: بنت الأمير، أراد بعض الناس أن يظلمها ويضير، فانفلق لها الغار، كانوا يرسلون إلى هذا المكان من اللحم والخبز ما يقتات به جند الشيطان.

وفي بلدتهم: رجل يدَّعي الولاية، يسمى: تاج؛ يتبركون به، ويرجون منه العون، ويرغبون فيما عنده من المدد - بزعمهم - ولديه، فتخافه الحكام والظلمة، ويزعمون أن له تصرفًا، مع أنهم يحكون عنه الحكايات القبيحة الشنيعة التي تدل على انحلاله عن أحكام الملة، وهكذا سائر بلاد نجد، على ما وصفنا، من الإعراض عن دين الله، والجحد لأحكام الشريعة.

ومن العجب: أن هذه الاعتقادات الباطلة والعوائد والطرق قد فشت وعمت، حتى بلاد الحرمين الشريفين! فمن ذلك: ما يفعل عند قبر محجوب، وقبة أبي طالب، فيأتون قبره للاستغاثة عند نزول المصائب، وكانوا له في غاية التعظيم، فلو دخل سارق، أو غاصب، أو ظالم قبر أحدهما، لم يتعرض له أحد، لما يرون له من وجوب التعظيم.

ومن ذلك: ما يفعل عند قبر ميمونة، أم المؤمنين رضي الله عنها في سرف؛ وكذلك عند قبر خديجة رضي الله عنها يفعل عند قبرها ما لا يسوغ السكوت عليه، من مسلم يرجو الله، والدار الآخرة، وفيه: من اختلاط النساء بالرجال وفعل الفواحش والمنكرات وسوء الأفعال ما لا يقرّه أهل الإيمان، وكذلك سائر القبور المعظمة، في بلد الله الحرام: مكة المشرفة.

ص: 49

وفي الطائف، قبر ابن عباس رضي الله عنهما يفعل عنده من الأمور الشركية التي تنكرها قلوب عباد الله المخلصين، وتردها الآيات القرآنية، وما ثبت من النصوص عن سيد المرسلين، منها: وقوف السائل عند القبر، متضرعًا مستغيثًا، مستكينًا، مستعينًا، وصرف خالص المحبة، التي هي محبة العبودية، والنذر، والذبح لمن تحت ذاك المشهد، والبنية.

وأكثر سوقتهم وعامتهم يلهجون بالأسواق: اليوم على الله وعليك يا ابن عباس، فيستمدون منه الرزق، والغوث، وكشف الضر، وذكر محمد بن الحسين النعيمي الزبيدي رحمه الله: أن رجلًا رأى ما يفعل أهل الطائف، من الشعب الشركية، والوظايف، فقال: أهل الطائف لا يعرفون الله، إنما يعرفون ابن عباس، فقال له بعض من يترشح للعلم: معرفتهم لابن عباس كافية؛ لأنه يعرف الله.

فانظر إلى هذا الشرك الوخيم، والغلو، ووازن بينه وبين قوله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] [سورة البقرة، من الآية: 186] وقوله جل ذكره: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18][سورة الجن، آية: 18] وقد «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى، باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد» (1) يعبد الله فيها، فكيف بمن عبد الصالحين، ودعاهم مع الله، والنصوص في ذلك لا تخفى على أهل العلم.

كذلك ما يفعل بالمدينة المشرفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، هو من هذا القبيل، وفي بندر جدة ما قد بلغ من الضلال حده، وهو: القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء؛ وضعه لهم بعض الشياطين.

وكذلك مشهد العلوي، بالغوا في تعظيمه، وخوفه، ورجائه؛ وقد جرى لبعض التجار أنه انكسر بمال عظيم لأهل الهند، وغيرهم، وذلك في سنة عشر ومائتين وألف؛ فهرب إلى مشهد العلوي مستجيرًا، ولائذًا به، مستغيثًا؛ فتركه أرباب الأموال، ولم يجاسر أحد من الرؤساء والحكام على هتك ذاك المشهد، واجتمع طائفة من المعروفين، واتفقوا على تنجيمه في مدة سنين، فنعوذ بالله من تلاعب الفجرة والشياطين.

وأما بلاد: مصر، وصعيدها، وفيومها، وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية،

(1) رواه مسلم برقم (530) ، أحمد برقم (8788)، وقال المحققون:«إسناده صحيح على شرط الشيخين» .

ص: 50

والعبادات الوثنية، والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، لا سيما عند مشهد: أحمد البدوي، وأمثاله من المعبودين، فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم، ما لم ينقل مثله عن أحد من الفراعنة، والنماردة.

وبعضهم يقول: يتصرف في الكون سبعة؛ وبعضهم يقول: أربعة؛ وبعضهم يقول: قطب يرجعون إليه، وكثير منهم يرى الأمر شورى بين عدد ينتسبون إليه؛ فتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5] [سورة الكهف، من الآية: 5]

وقد استباحوا عند تلك المشاهد من المنكرات، والفواحش، والمفاسد ما لا يمكن حصره، واعتمدوا في ذلك من الحكايات، والخرافات ما لا يصدر عمن له أدنى مسكة أو حظ من المعقولات، فضلًا عن النصوص.

كذلك ما يفعل في بلدان: اليمن، جار على تلك الطريق والسنن؛ ففي: صنعاء، وبرع، والمخا، وغيرها من تلك البلاد ما يتنزه العاقل عن ذكره.

وفي حضرموت، والشجر، وعدن، ويافع، ما تستك عن ذكره المسامع، يقول قائلهم: شيء لله يا عيدروس! شيء لله يا محيي النفوس! .

وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان ما لا يخفى على أهل العلم، كذلك رئيسهم المسمى بالسيد، لقد أتوا من طاعته، وتعظيمه، والغلو فيه بما أفضى بهم إلى مفارقة الملة والإسلام، إلى عبادة الأوثان والأصنام {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] [سورة التوبة، الآية: 31]

وكذلك، حلب، ودمشق، وسائر بلاد الشام، فيها من تلك المشاهد، والنصب، وهي تقارب ما ذكرنا من الكفريات، والتلطخ بتلك الوثنية الشركية.

وكذلك: الموصل، وبلاد الأكراد، ظهر فيها من أصناف الشرك، والفجور، والفساد؛ وفي العراق: من ذلك بحرة المحيط، وعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنًا، بل ربًا مدبرًا، وأعادوا به المجوسية، وأحيوا به معاهد اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية.

ص: 51

وكذلك: مشهد العباس، ومشهد علي، ومشهد أبي حنيفة، ومعروف الكرخي، والشيخ عبد القادر؛ فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد، رافضتهم، وسنيتهم؛ لم يعرفوا ما وجب عليهم، من حق الله الفرد، الصمد، الواحد» .

ثم قال: «وهذه الحوادث والكفريات والبدع، قد أنكرها أهل العلم والإيمان، واشتد نكيرهم، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان؛ ولكن لما كانت الغلبة للجهال، انتقضت عرى الدين، وساعدهم على ذلك من قل حظه ونصيبه من الرؤساء، والحكام، والمنتسبين من الجهّال، فاتبعتهم العامة والجمهور ولم يشعروا بما هم عليه من المخالفة، والمباينة لدين الله، الذي اصطفاه لخاصته وأوليائه» (1) .

إلى أن قال عن الإمام محمد بن عبد الوهاب: «وتصدى رحمه الله: للرد على من نكب عن هذا السبيل، واتبع سبيل التحريف والتعطيل على اختلاف نحلهم وبدعهم وتشعب مقالتهم وطرقهم، متبعًا رحمه الله ما مضى عليه السلف الصالح، من أهل العلم والإيمان، وما درج عليه القرون المفضلة بنص الحديث، ولم يلتفت رحمه الله إلى ما عدا ذلك، من قياس فلسفي، أو تعطيل جهمي، أو إلحاد حلولي، أو اتحادي، أو تأويل معتزلي، أو أشعري، فوضح معتقد السلف الصالح، بعدما سفت عليه السوافي، وذرت عليه الذواري، وندر من يعرفه من أهل القرى والبوادي، إلا ما كان مع العامة من أصل الفطرة، فإنه قد يبقى ولو في زمن الغربة والفترة، وتصدى أيضًا: للدعوة إلى ما يقتضيه هذا التوحيد ويستلزمه، وهو: وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأنداد والآلهة والبراءة من عبادة كل ما عبد من دون الله» (2) .

وكذلك: قام بالنكير على أجلاف البوادي وأمراء القرى والنواحي، فيما يتجاسرون عليه، ويعفونه من قطع السبيل، وسفك الدماء، ونهب الأموال المعصومة، حتى ظهر العدل واستقر، وفشا الدين واستمر، والتزمه كل من كانت عليه الولاية، من البلاد النجدية، وغيرها، والحمد لله على ذلك؛ والتذكير بهذا يدخل فيما امتن الله به على

(1) الدرر السنية (1، 387)(بتصرف واختصار يسير) .

(2)

الدرر السنة (1، 455) .

ص: 52

المؤمنين، وذكرهم به من بعث الأنبياء والرسل» (1) .

ويقول الشيخ إسماعيل الدهلوي في كتابه رسالة التوحيد في وصف حال المسلمين عمومًا وفي الهند بخاصة تحت عنوان: «استفحال فتنة الشرك والجهالة في الناس» يقول: «اعلم أن الشرك قد شاع في الناس في هذا الزمان وانتشر، وأصبح التوحيد الخالص غريبًا، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث» (2) .

ثم قال تحت عنوان «مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة» : «ومن المشاهد اليوم أن كثيرًا من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء، والأئمة والشهداء، والملائكة، والجنيات عند الشدائد، فينادونها، ويصرخون بأسمائها، ويسألون عنها قضاء الحاجات، وتحقيق المطالب، وينذرون لها، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم، وتقضي مآربهم، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعًا في رد البلاء، فيسمي بعضهم ابنه بعبد النبي» (3) .

وبالجملة: فإن هذا الواقع المتردي وهذه الأسباب وغيرها كانت من الدوافع الطبيعية التي هي من سنن الله، والدوافع الشرعية استجابة لأمر الله، وقد استدعت (بالضرورة) قيام دعوة إصلاحية شاملة تقوم على تجديد الدين بإحياء ما اندرس منه، وبإصلاح أحوال الأمة في سائر نواحي الحياة في العقيدة والعبادة والعلم والسلطة والاقتصاد والاجتماع، وجماع ذلك كله (إخلاص العبادة لله وحده) والعمل بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

فقامت هذه الدعوة الإصلاحية المباركة تحقيقًا لوعد الله تعالى بتجديد الدين، ونصر المؤمنين، وبقاء طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة.

ومن المعلوم والبدهي أن هذه الغاية العظمى لا يمكن أن تظهر في أرض الواقع، ويكون بها الإصلاح المشروع المنشود إلا بالعلم والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(1) الدرر السنة (1) باختصار.

(2)

رسالة التوحيد ص (25) .

(3)

رسالة التوحيد ص (25، 26) .

ص: 53

والكفاح، والجهاد والقتال والسلطان (الدولة) . وسائر الوسائل المشروعة، والتي هي من ضروريات قيام أي مبدأ وكيان في كل أمة وكل مكان وزمان.

والكيان الذي يقوم على المنهج الرباني، وميراث الأنبياء، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسبيل السلف الصالح هو الأولى والأحق بأن يبرز ويظهر، ويتحقق به للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعاء الأمل الذي تنشده في تحصيل السعادة ونشر العدل بشرع الله الحكيم الخبير.

ص: 54