المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[دعوى الخروج على الخلافة] - إسلامية لا وهابية

[ناصر العقل]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[تمهيد]

- ‌[حال نجد قبل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[المقصود بنجد]

- ‌[حال نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة الأموية]

- ‌[حال نجد في عهد الدولة العباسية]

- ‌[حال نجد في عهد الأتراك]

- ‌[السمات العامة بنجد إبان ظهور الدعوة]

- ‌[حال العالم الإسلامي أثناء قيام الدعوة]

- ‌[ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[إمام الدعوة وأميرها الدعوة ودولتها]

- ‌[الإمام المجدد والدعوة]

- ‌[نشأته وشمائله]

- ‌[ركائز الدعوة]

- ‌[مميزات سيرة الإمام ودعوته]

- ‌[الأمير المؤسس والدولة]

- ‌[أسرته]

- ‌[صفاته وشمائله]

- ‌[مميزات سيرته ودولته]

- ‌[الفصل الأول في حقيقة الحركة الإصلاحية أو ما يسمى الوهابية وبواعثها ما ينفي المزاعم]

- ‌[المبحث الأول حقيقة الحركة الإصلاحية والدولة السعودية الأولى]

- ‌[هي الإسلام على منهج السلف الصالح]

- ‌[تسميتها بالوهابية وبيان الحق في ذلك]

- ‌[الوهابية وأحداث سبتمبر بأمريكا]

- ‌[حقيقة الدعوة كما شهد بها المنصفون]

- ‌[المبحث الثاني بواعث قيام الدعوة وأهدافها الكبرى]

- ‌[تحقيق التوحيد]

- ‌[تنقية مصادر التلقي]

- ‌[نشر السنن وإظهارها ونبذ البدع]

- ‌[القيام بواجبات الدين]

- ‌[تحكيم شرع الله]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[تحقيق الجماعة ونبذ الفرقة]

- ‌[تحقيق الأمن والسلطان]

- ‌[رفع التخلف والبطالة]

- ‌[المبحث الثالث حال نجد وما حولها يقتضي ضرورة قيام الدعوة]

- ‌[المبحث الرابع التكامل في منهج الدعوة والدولة]

- ‌[الفصل الثاني في منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في الدين ما يرد الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الاتهامات والمنهج]

- ‌[المبحث الثاني معالم المنهج عند الإمام وأتباعه وأنهم على منهج السلف الصالح]

- ‌[المبحث الثالث عرض نماذج عن منهجهم في الدين وسلوكهم طريق السلف الصالح وفيه]

- ‌[الأنموذج الأول بيان الإمام لعقيدته ورده على مفتريات الخصوم]

- ‌[الأنموذج الثاني بيان أئمة الدعوة وحكامها من بعده لعقيدتهم والتزامهم بنهج السلف]

- ‌[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]

- ‌[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]

- ‌[المبحث الخامس منهجهم في العقيدة تفصيلًا واقتفاؤهم لعقيدة السلف الصالح]

- ‌[التزامهم منهج الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة]

- ‌[قولهم في الإيمان]

- ‌[عقيدتهم في أسماء الله تعالى وصفاته]

- ‌[دفع فرية التجسيم عنهم]

- ‌[عقيدتهم في القرآن]

- ‌[عقيدتهم في الملائكة والكتب والرسل]

- ‌[عقيدتهم في رسول الله وحقوقه وخصائصه]

- ‌[رد مفتريات الخصوم في أن الإمام وأتباعه ينتقصون من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دفع فرية التلويح بدعوى النبوة عن الإمام محمد بن عبد الوهاب]

- ‌[عقيدتهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عقيدتهم في الصحابة]

- ‌[عقيدتهم في الشفاعة عمومًا]

- ‌[عقيدتهم في اليوم الآخر والجنة والنار والرؤية]

- ‌[عقيدتهم في الرؤية]

- ‌[عقيدتهم في القدر]

- ‌[عقيدتهم في الأولياء وكراماتهم]

- ‌[عقيدتهم في أئمة المسلمين والسمع والطاعة]

- ‌[موقفهم من عموم المسلمين]

- ‌[عقيدتهم في مرتكبي الكبيرة]

- ‌[عقيدتهم في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[قولهم في الاجتهاد والتقليد]

- ‌[موقفهم من البدع وأهلها]

- ‌[الفصل الثالث أهم المزاعم والاتهامات التي أثارها الخصوم ضد الدعوة وإمامها]

- ‌[المبحث الأول تمهيد]

- ‌[حقيقة الصراع بين الدعوة وخصومها]

- ‌[عدم التكافؤ المادي بين الدعوة وخصومها]

- ‌[حقيقة المفتريات والاتهامات ضد الدعوة]

- ‌[المبحث الثاني أبرز المفتريات والتهم التي رميت بها الدعوة إجمالاً]

- ‌[وصفهم بالوهابية]

- ‌[رميهم بالتجسيم]

- ‌[بهتانهم بالتنقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اتهامهم بالتشدد]

- ‌[اتهامهم بالتكفير والقتال]

- ‌[دعوى معارضة علماء المسلمين لهم]

- ‌[دعوى مخالفة أكثرية المسلمين وأنهم مذهب خامس]

- ‌[دعوى تحريم التبرك والتوسل والشفاعة مطلقا]

- ‌[المبحث الثالث لماذا هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[الحسد والخوف على السلطان والمصالح]

- ‌[اختلاف المناهج والمشارب]

- ‌[كشف العوار]

- ‌[دعوة إلى الإنصاف والموضوعية]

- ‌[وقفة تأمل ومراجعة]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من المفتريات والاتهامات]

- ‌[الأنموذج الأول والتعليق عليه]

- ‌[جواب الإمام وابنه عبد الله على هذه المفتريات ونحوها]

- ‌[الأنموذج الثاني والتعليق عليه]

- ‌[وقفة حول هذه المفتريات والاتهامات]

- ‌[المبحث الخامس القضايا الكبرى التي أثيرت حول الدعوة ومناقشتها]

- ‌[أولا قضية التوحيد والسنة والشرك والبدعة وما يتفرع عنها وفيها]

- ‌[أنها القضية الكبرى]

- ‌[جهود الإمام في بيان هذه الحقيقة ورد الاتهامات]

- ‌[سير أتباعه على هذا المنهاج]

- ‌[الشفاعة والتوسُل والتبرك ودعوى منعها]

- ‌[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]

- ‌[ثانيا مسألة التكفير والتشدد والقتال وما يلحق بها]

- ‌[حقائق لا بد من ذكرها]

- ‌[مسألة التشدد وحقيقتها]

- ‌[بطلان دعوى أن الدعوة الوهابية مصدر العنف]

- ‌[وقفة مع شبهة]

- ‌[موقف الإمام وأتباعه من دعوى التكفير وقتال المسلمين]

- ‌[التزام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه لقواعد التكفير المعتبرة]

- ‌[دعوى إتلاف الكتب]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]

- ‌[رد دعوى أنهم يكفرون من لم يوافقهم]

- ‌[رد دعوى التشدد]

- ‌[مسألة القتال]

- ‌[المبحث السادس قضايا أخرى]

- ‌[دعوى أنهم خوارج وأن سيماهم التحليق]

- ‌[دعوى أن منشأ الدعوة نجد هي قرن الشيطان]

- ‌[لمزهم أنهم من بلاد مسيلمة الكذاب]

- ‌[فرية منع الحج ونهْب خزائن الحجرة النبوية وانتهاك حرمة المقدسات]

- ‌[دعوى التضييق على أهل الحرمين في أرزاقهم]

- ‌[دعوى أن دعوة الإمام مذهب خامس]

- ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

- ‌[الفصل الرابع شهادات الناس للدعوة قديما وحديثا]

- ‌[المبحث الأول وقفة مع الشهادات]

- ‌[المبحث الثاني سرد لأسماء بعض الشهود من العلماء والمفكرين والباحثين العرب المسلمين وغير المسلمين]

- ‌[المبحث الثالث نماذج من شهادات المسلمين من العرب وغيرهم]

- ‌[المبحث الرابع نماذج من شهادات غير المسلمين]

- ‌[المبحث الخامس استطلاع آراء نخبة من طلاب العلم والخريجين من شتى بلاد العالم]

- ‌[الفصل الخامس في آثار الدعوة ما يرد على الخصوم]

- ‌[المبحث الأول كلمة حول آثار الدعوة الإصلاحية وثمارها إجمالا]

- ‌[المبحث الثاني أبرز الآثار المباركة والثمار الطيبة للدعوة تفصيلا]

- ‌[تحقيق العبودية لله تعالى وحده]

- ‌[نشر السنن ومحاربة البدع]

- ‌[التزام نهج السلف الصالح وإظهاره]

- ‌[تحرير مصادر الدين]

- ‌[تحرير منهج الاستدلال]

- ‌[نشر العلم ومحاربة الجهل]

- ‌[الإسهام في النهضة العلمية الحديثة]

- ‌[إظهار شعائر الدين والفضائل وحمايتها]

- ‌[إقامة دولة مسلمة ومجتمع مسلم]

- ‌[تحقيق الجماعة الشرعية والطاعة]

- ‌[تثبيت الأمن]

- ‌[تحرير العقول والقلوب والنفوس]

- ‌[تحكيم شرع الله حتى كان الدين كله لله]

- ‌[إقامة الحجة على الناس]

- ‌[إلغاء مظاهر الجاهلية وأعمالها]

- ‌[المبحث الثالث استعراض بعض النقول والشهادات عن آثار الدعوة]

- ‌[الفصل السادس المملكة العربية السعودية كيان قائم ينفي الاتهامات]

- ‌[المبحث الأول المملكة ودعوى الوهابية]

- ‌[المبحث الثاني منهج الملك عبد العزيز يرد الاتهامات والمزاعم]

- ‌[المبحث الثالث نظام المملكة إسلامي شامل لا يرتبط بمذهب]

- ‌[المبحث الرابع التزامات المملكة الدولية تنفي المزاعم]

- ‌[المبحث الخامس يعيبون أحكام الإسلام ثم ينسبونها للمملكة وللوهابية]

- ‌[المملكة والعمل بشرع الله وحدوده]

- ‌[قطع يد السارق]

- ‌[قتل المفسدين]

- ‌[قتل المرتد]

- ‌[منع دخول غير المسلمين إلى مكة والمدينة]

- ‌[قضايا المرأة وحقوقها في المملكة العربية السعودية]

- ‌[المبحث السادس المملكة تحارب الفساد في الأرض]

- ‌[المبحث السابع المملكة العربية السعودية وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[ملحق عن نتائج الاستبانة حول الدعوة]

الفصل: ‌[دعوى الخروج على الخلافة]

ثم قال مبينا السبب في إثارة هذه المفتريات من قبل خصوم الدعوة: " ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جدا، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله "(1) .

[دعوى الخروج على الخلافة]

دعوى الخروج على الخلافة: إن الدارس لحال نجد يلحظ أنها منذ القرن الثالث الهجري كانت تتنازعها سلطات مختلفة فصلتها عن التبعية المباشرة لدولة الخلافة العباسية ثم العثمانية، فمنذ سنة (251 هـ) تقريبا استقلت دولة بني الأخيضر (شيعية زيدية) بالحجاز عن الخلافة العباسية، وضمت إليها نجدا واليمامة، ثم خضعت نجد واليمامة لنفوذ القرامطة الباطنية إلى منتصف القرن الخامس الهجري.

وبعدها بقيت هذه الديار مهملة تتنازع عليها الدويلات، وفيها زعامات ورئاسات محلية إلى أن جاء الأتراك إلى الأحساء واليمن والحجاز، فكانت نجد تحت إشراف الولاة الأتراك في الأحساء أو الحجاز، وفي كل الأحوال كان هذا الإشراف غير مباشر، بل هو إلى الشكلي والرمزي أقرب منه إلى الفعلي، ومع ذلك فقد انقطع هذا الإشراف كلية حين استقل زعيم بني خالد براك بن غرير بالأحساء منذ عام (1080 هـ) .

وحين بدأ الإمام بدعوته المباركة قبيل منتصف القرن الثاني عشر كانت نجد كلها (ومنها اليمامة) تحكمها إمارات ومشيخات صغيرة متنازعة، ليست لها تبعية لآخرين إلا التبعية الرمزية لحاكم الأحساء - وهو مستقل عن الخلافة عمليا -، وكان كل أمير وشيخ في نجد يشعر بالاستقلالية المطلقة.

وكانت هذه الإمارات والولايات المستقلة في نجد ضعيفة، وأهل الحل والعقد في كل بلدة هم الذين ينظمون شئونهم الداخلية، وعلاقاتهم الخارجية في الحرب والسلم، وفي القضاء والحسبة، وإن كان قد يوجد في نفوس بعض الناس شيء من الولاء الرمزي للخلافة كالدعاء للسلطان في المنابر ونحو ذلك.

(1) الدرر السنية (1) .

ص: 298

وكانت الدولة التركية لا ترى نجدا وأهلها شيئا يستحق الاهتمام، ولذلك لما قسمت البلاد الإسلامية التي تحت نفوذها إلى ولايات (إيالات) لم يكن لنجد أي ذكر، ثم لما قامت الدعوة وفي أول عهدها لم تأبه بها الدولة العثمانية، مع العلم أن خصوم الدعوة كانوا يراسلون دولة الخلافة ويستعدونها عليها، ويشوهون سمعتها لديها، وقد بلغ تشويه صورة الدعوة لدى الدولة العثمانية أقصى ما يمكن تصوره من الكذب والبهتان والاستعداء عن طريق الرسائل والتقارير الرسمية وغير الرسمية، والبعوث وسائر الوسائل التي لا تملك الدعوة معشارها.

والمتأمل لكلام الإمام في هذه المسألة يدرك أنه لم يتقصد الخروج على الخلافة، ولا معارضتها، بل كان يرى أن ما يقوم به من الدعوة أمر واجب شرعا لا علاقة له برضى الخلافة، وأنه لم يفتت على الخلافة في ذلك، وأن أمير بلده (العيينة) وحاكمها (ابن معمر) ثم ابن سعود في (الدرعية) كان يعاونه ويؤيده وهو واليه وأميره المباشر، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن الإمام يعتقد بأصول أهل السنة والجماعة في وجوب طاعة الإمام بالمعروف، وأنه لا يجوز الخروج عليه برا كان أو فاجرا، وقد قرر هذا الأصل وبينه في رسائل مؤلفاته، وذكرنا طرفا منه في هذا الكتاب.

ثم إن الدولة التركية آنذاك في عهد الإمام وإلى أن سقطت كانت واقعة تحت طائلة البدع والتصوف، فكانت تتبنى البدع، وتؤيد الطرق الصوفية، وتنشرها وتحميها، وتسخر لها الإمكانات والإدارات والأوقاف، ويتسابق ولاتها وأمراؤها إلى ذلك.

فأسهمت في ترسيخ بدع الأضرحة والقباب والمزارات والمشاهد البدعية، ووقع خلفاؤها المتأخرون تحت تأثير شيوخ الطرق البدعية، فانصرفت قلوبهم لغير الله، فانهزمت نفوسهم، وانحرفت عقيدتهم، واتجهت إلى طلب النفع ودفع الضر من غير الله، وأصيبت عباداتهم وأعمالهم بداء التصوف، وأصدق مثال على ذلك الرسالة التي وجدت حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم من الخليفة العثماني سليم يتضرع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من دون الله وفيها:" من عبيدك السلطان سليم وبعد، يا رسول الله قد نالنا الضر، ونزل بنا من المكروه ما لا نقدر على دفعه، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن، نسألك النصر عليهم، والعون عليهم، وأن تكسرهم عنا. . . "(1) إلخ من العبارات الشركية

(1) الدرر السنية (1) .

ص: 299

الصريحة التي تضاد دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتي هي أعظم سبب لاستيلاء عباد الصليب على بلاد المسلمين، فهو يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسأله النصر والعون من دون الله، وهذا هو السبب الأول في هوان الدولة التركية وسقوطها، بل وهوان المسلمين عموما، ومع ذلك فإن الإمام وأتباعه لم يعلنوا الخروج على الخلافة، ولم يواجهوها ابتداء بأي شيء يدل على الخروج، ولما صارت لهم دولة وكيان وسلطان لم يعلنوا الخروج على الدولة العثمانية كذلك، لكنهم تعرضوا لعدوان مسلح وبكل الوسائل، ومتكرر من المجاورين لهم من أمراء الأحساء والحجاز ونجران وغيرهم، فكان من المشروع والطبيعي أن يصدوا العدوان بالجيوش والقتال.

وحين حدثت المواجهة الفعلية بين دولة الدعوة (الدولة السعودية الأولى) وبين أشراف مكة بعد وفاة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206) ، فلم تكن هذه المواجهة تقصد الخروج على الخلافة، إنما كانت لصد عدوان أشراف مكة وغيرهم في هجومهم المسلح مرات عديدة على الدولة السعودية ورعاياها والأقاليم التابعة لها.

ولرفع الظلم الذي تعرض له النجديون من منعهم من الحج سنين طويلة، وتعرضهم لصنوف العدوان، وما يستتبع ذلك من إزالة مظاهر الشرك والبدع ونشر التوحيد والعدل والأمن الذي هو هدف شرعي للدعوة، فزحفت جيوش الدعوة إلى الحجاز حتى دخلت مكة سلما بلا حرب.

فكان دخول مكة من قبل الأمير سعود بن عبد العزيز سنة (1218 هـ) صلحا بغير قتال، بل بأمان لأهل مكة، وبإقرار شريف مكة (عبد المعين) على إمارة مكة بعدما هرب منها الشريف (غالب) إلى جدة، وإقرار قاضيها المعين من الدولة العثمانية.

وقد أرسل الأمير سعود إلى السلطان سليم، واعترف له بلقب السلطان وأخبره بما حدث من هدم أشباه الوثنية، وإلغاء الضرائب، ونشر التوحيد والسنة والأمن والعدل.

وطلب منه أن يمنع " والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور، فإن ذلك ليس من الدين في شيء "(1) ولم يمنعهم من الحج كما يزعم الخصوم.

(1) انظر: إعادة ترتيب الخلافة (مقالات) لعجيل النشمي - الحلقة (55) مجلة المجتمع عدد (522) ص (37 - 39) .

ص: 300

ولما توفي الأمير سعود بن عبد العزيز وتولى ابنه عبد الله بن سعود أكد للخليفة العثماني أنه يعلن الولاء للسلطان، لكن الشريف غالب كان يحول بين السلطان وبين تأكيد هذه الحقيقة، فقد ثبت أنه يزور رسائل ومكاتبات باسم الأمير السعودي تتضمن خلاف الواقع، بل ثبت أن أباه " سعود بن عبد العزيز كان يرسل رسائل للخليفة فيها النصح والولاء، وكان الشريف غالب يمنع وصولها.

ولما شعرت الدولة التركية بالخطر على سلطانها، لا سيما حين دخلت الدولة السعودية الحجاز وهيمنت على الأمور بجدارة، وأزالت مظاهر البدع والشركيات، ونشرت الأمن، ثارت ثائرة الأتراك وولاتهم في مصر والشام والعراق وغيرها.

ومن ثم حدثت المواجهة مع الأتراك وأتباعهم، وصارت الدولة التركية تحارب الدعوة علنا في سبيل نصرة البدع والمحدثات والمظاهر الشركية، وقصدت القضاء على دولة التوحيد والسنة، وحشدت كل ما تملك لذلك، فأرسلت إبراهيم باشا لهذا الغرض العدواني حتى قضى على الدولة السعودية الأولى ظاهرا، لكنها في الحقيقة بقيت حية في قلوب الناس وعواطفهم، ولذلك نهضت سريعا مرة أخرى.

وفي هذه الحال كان هذا مبررا كافيا لبعض علماء الدعوة - بعد وفاة الإمام - أن يعدوا ذلك نوعا من المحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والصد عن دينه، الذي قد يكون كفرا، وعليه فإن الإمام محمد بن عبد الوهاب لم يكن ينزع إلى الخروج على الدولة التركية أصلا، ولم يستبح القتال إلى أن كان القتال ضرورة.

وكذلك حين قامت الدولة السعودية الثالثة - الحالية حرسها الله - على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كانت الأمور سائرة على هذا الأصل، فقد أعلن الملك عبد العزيز أنه مقر لدولة الخلافة، ناصح لها، فقد أكد ولاءه للدولة العلية في رسالته للسلطان عبد الحميد المؤرخة في 1/9\1322 هـ، وقد أقرت الدولة العلية للملك عبد العزيز بسلطته على ما تحت يده (1) وبذلك تنتفي الشبهة ويزول الإشكال.

على أي حال فقد قامت في نجد دولة ذات سيادة مستقلة وكيان شرعي في بلد

(1) انظر: إعادة ترتيب أوراق الخلافة (مقالات) للنشمي الحلقة (60) مجلة المجتمع العدد (527) ، ص (38، 39) .

ص: 301

ليس للخلافة عليه سلطان فعلي، يقول الإمام في ذلك:" والأمر الثاني: أن هذا الأمر الذي أنكروا علي، وأبغضوني وعادوني من أجله، إذا سألوا عنه كل عالم في الشام واليمن أو غيرهم يقول: هذا هو الحق، وهو دين الله ورسوله، ولكن ما أقدر أظهره في مكاني لأجل أن الدولة (العثمانية) ما يرضون، وابن عبد الوهاب أظهره لأن الحاكم في بلده ما أنكره، بل لما عرف الحق اتبعه، هذا كلام العلماء، وأظنه وصلك كلامهم "(1) .

فنجد أنه هنا ربط المسألة بحاكم بلده، ويبين ذلك قوله:" والذي يصدق كلامي هذا أن العالم ما يقدر يظهره، حتى من علماء الشام من يقول: هذا هو الحق، ولكن لا يظهره إلا من يحارب الدولة "(2) وفي هذا دلالة على أنه يرى أنه في حل مما كان يخشاه بعض علماء الشام حين اعترفوا أن ما جاء به حق، لكنهم كانوا في بلد للدولة العثمانية عليه سلطان مباشر، وليس عندهم حاكم تمتنع به الدعوة.

وبالجملة فإن الدعوة كانت ترعى حق الدولة العثمانية إلى أن بدأ العدوان من الولاة التابعين للدولة العثمانية في الأحساء والحجاز، وإلى أن تورطت الدولة العثمانية في الانحياز مع خصوم الدعوة، وأعلنت حماية الشركيات والبدع بالقوة، وقد ناقش الدكتور عجيل النشمي هذه المسألة مناقشة وافية ومستفيضة، أقتطف منها ما يلي:

" لم تكن بلاد نجد والجزيرة العربية - موطن نشأة الحركة الوهابية - أسعد حالا من بقية البلاد الإسلامية خصوصا في القرن الثامن عشر، حين ضعفت دولة الخلافة الإسلامية، وانشغلت بأوضاعها الداخلية ومشاكلها عن كثير من البلاد الإسلامية، الأمر الذي أضعف سلطتها في تلك البقاع، وقعد بها دون ملاحقة ما يدور فيها من خلافات ومشاكل، وأدت إلى كثير من الحروب الطاحنة.

ولعل من سوء حظ بلاد نجد وعلى الخصوص أنها لم تلق العناية الكافية، بل لم تلق

(1) الدرر السنية (1) .

(2)

الدرر السنية (1) .

ص: 302

أي عناية من الدولة العثمانية، فإقليم نجد لم يخضع للدولة العثمانية، أو بمعنى أصح لم تسع الدولة العثمانية لإخضاعه إخضاعا تاما، فلم يظهر ضمن قائمة التقسيمات الإدارية التي وضعت في أوائل القرن السابع عشر، وظل معمولا بها حتى القرن التاسع عشر، فلم يشهد الإقليم ولاة عثمانيين يأتون إليه، ولا حماية تركية تجوب خلال دياره ".

وموقف الدولة العثمانية لا غبار عليه إذا أخذنا بالاعتبار ضعف الدولة عموما، وعدم أهمية بلاد نجد بشكل عام إذا قيست بأقطار أخرى أكثر أهمية منها، ولذلك حرصت دولة الخلافة أن تكون لها صوت مع أطراف نجد، وعلى الخصوص في الأحساء والحجاز، والأحساء لموقعها الإستراتيجي العسكري، والحجاز لموقعها الديني في ضمها لأقدس البقاع وقبلة المسلمين ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فهو ملتقى المسلمين في حجهم أو عمرتهم.

وكانت نجد عبارة عن دويلات أو إمارات صغيرة، يستقل بكل إمارة أسرة أو قبيلة، وكانت العلاقات بين تلك الإمارات تقوم على حب السيطرة وانتهاز الفرص لتوسيع رقعة الإمارة، فكانت الثارات والحروب مستمرة مستعرة بينهم، وكانت أشهر تلك الأسر النجدية أسرة آل سعود في الدرعية، وآل زامل في الخرج، وآل معمر في العيينة، وأسرة دهام بن دواس في الرياض.

وتتبع كل أسرة أو بلد عدة من القرى، وكانت النزاعات والحروب تثور أيضا بين تلك القرى والبلدة ذاتها، وهذا الوضع السياسي ابتداء بموقف الدولة العثمانية، وانتهاء بالدويلات النجدية القبلية، سبب بلا شك ظهور قطاع الطرق، واضطراب الحياة، وانتشار الفوضى والظلم، ولم يسلم من الفتك حتى الوعاظ والعلماء، بل لم يكن نصيبهم إلا الإهانة والقتل " (1) .

ويقول الدكتور عجيل جاسم النشمي في مقالته: (دولة الخلافة والحركة الوهابية) :

" ولم يكن أحد من المسلمين الغيارى الواعين يرى أن علاج دولة الخلافة بإعلان الحرب عليها وتقطيع أوصالها ".

(1) إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (الوهابية أولى الحركات الإسلامية) الحلقة (30) ص (46) مجلة المجتمع العدد (491) .

ص: 303

" فما هو موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب أول حركة إسلامية معاصرة لمرحلة السقوط؟ هل كان يرى عداءها والخروج عليها؟ هل كان مجتهدا مخطئا، أم كان يرى بقاءها، وقام بحركته لإسنادها وتجديد وجهها، وإعادتها إلى صفاء العقيدة وسلامتها؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذه الحلقة والحلقات القادمة "(1) .

ثم قال: " بعد الاستقصاء نستطيع القول باطمئنان إن كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس فيها تصريح بموقف عدائي ضد دولة الخلافة، وغاية ما يمكن أن يقع عليه نظر الباحث تلميحات في هذا الخصوص لا ترقى إلى تكوين رأي معاد لدولة الخلافة "(2) ثم ذكر الأدلة على ذلك وقال: " وهكذا كانت سياسة الشيخ وموقفه تجاه بلاد الحجاز مكة والمدينة طوال حياته، ولم يؤثر عنه تحريض واستعداء أو دعوة لحربها أو الاستيلاء عليها؛ لشعوره أن ذلك الفعل قد يفسر على أنه خروج على دولة الخلافة، وكان يكفيه بإزائها الوعظ وتوصيل الدعوة وإنكار المنكر. . "(3) .

وقال: " وهكذا كانت مواقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب العملية في القتال ونشر الدعوة، وبالقوة على البلدان المجاورة داخل الجزيرة، فلم يكن يقصد حرب دولة الخلافة، فلم يتطاول على بلاد الحجاز إطلاقا، وظلت سياسته على هذا طوال حياته "(4) .

قلت (5) وكذلك بعد وفاته سارت الدعوة ودولتها على هذا المنهاج، إلى أن تتابع عليهم العدوان المسلح من قبل أمراء الحجاز، وغزوهم في ديارهم وقاتلوهم، ومنعوهم حقهم المشروع، وهو أداء فريضة الحج، واستعدوا عليهم الأتراك وغيرهم، بل شنوا عليهم حملة إعلامية نكراء في سائر بلاد المسلمين، فكان لا بد مما ليس منه بد.

(1) إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (الوهابية أولى الحركات الإسلامية) الحلقة (44) ص (42) العدد (506) .

(2)

إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (الوهابية أولى الحركات الإسلامية) الحلقة (44) ص (43) العدد (506) .

(3)

إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (الوهابية أولى الحركات الإسلامية) الحلقة (47) ، ص (39) العدد (510) .

(4)

إعادة ترتيب أوراق سقوط الخلافة (دولة الخلافة والحركة الوهابية) للدكتور عجيل النشمي الحلقة (47) ، العدد (510) .

(5)

الكلام للباحث.

ص: 304