الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن فقد ثبت أنهم لم يبدءوا القتال ولم يقاتلوا ابتداء إنما بدأ القتالَ خصومُهم.
ثم إنه من الطبيعي أن اختيار منهج القوة والحزم والقتال عند الضرورة هو الحل الأمثل في كثير من الأحوال ومنها الحال التي وصلت إليها الدعوة مع خصومها.
ونظرًا لقوة الباطل والهوى وتمكنه من قلوب كثير من الناس وحياتهم لم تقبل نفوسهم الحق ولم تذعن لأهله.
كما أن الناظر لحال كثيرين من الذين أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها تشنيعًا على الدعوة وأتباعها في شبهة التكفير يجد العجب من تحيُّزهم ضد السنة وأهلها في هذه المسألة (وغيرها) وإغفالهم لأهل البدع الخُلَّص الذين يكفِّرون خيار الأمة؛ فيكفِّرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهات المؤمنين، ويكفِّرون السلف الصالح.
بل إن أكثر مزاعم التكفير والتشدد التي ألصقت بالدعوة وإمامها حدثت من أولئك الذين يكفّرون خيار الأمة ويستنقصونهم، ومن أشياعهم الذين يشاركونهم في بدع المقابرية والقباب والمشاهد والمزارات البدعية، والطرق الصوفية والموالد والأذكار المحدثة، ومن المعلوم لدى كل باحث ومحقق: أن أصل هذه البدع ومنشأها كان من مكفِّرة الصحابة والسلف الصالح، فأين العدل والإنصاف والتحقيق الذي يدَّعونه؟ ، وأين الغيرة على الحق والدين وعلى الأولياء والصالحين التي يزعمونها؟ وهم يهينون الصالحين ببدعهم. وأين النُّصح للمسلمين الذي يتظاهرون به؟! وهم يروجون البدع وينصرونها.
[مسألة التشدد وحقيقتها]
وكذلك مسألة التشدد:
فالتشدد الذي يدعي بعضهم أنه من سمات الدعوة وأهلها ليس تشددًا مذمومًا حسب المعايير الشرعية والعلمية. بل هو إن وقع أحيانًا فهو نوع من الحزم والصلابة في الحق وهو ما تقتضيه البيئة والظروف، والحاجة والمصلحة في عهدهم، فهو المناسب للبيئة البدوية والقروية التي يعيشها المجتمع النجدي، وما عليه العرب في سجيتهم التي تتسم بالصراحة والصرامة والإباء، فالحزم هنا هو الحل المناسب والأمثل أمام تمرد الأعراب والجهال والسفهاء، وتجاه قوة الشر، والخصوم، وأمام قوة الباطل وأهله وتمكنهم، والإسلام كما أنه دين الحق والرحمة واليسر فهو كذلك لا يلغي مبدأ الحزم والصرامة في تثبيت الحق ورد
الباطل، فالوضع المتردي من كل الجوانب اقتضى هذا المنهج الحازم أحيانًا لا سيما في جزيرة العرب التي هي درع الإسلام ولما تتميز به من خصائص دينية وبيئية وقبلية.
وكذلك دعوى إلزام الناس بمذهبهم دعوى زائفة، فلم يعرف عن الإمام وأتباعه ولا عن أحد من حكام هذه الدعوة المباركة أنه قال للناس كونوا حنابلة أو شافعية أو غير ذلك؛ لكنهم عملوا ما هو مشروع من تحكيم شرع الله وإظهار شعائر الدين، وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود.
والجدير بالذكر أن كثيرين من أهل الأهواء والبدع والجهلة بأحكام الشرع يصفون أحكام الشرع من التكفير والتفسيق وتطبيق الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة شعائر الدين وفرائضه - تشددًا وقسوة وعنفاً، والأمر ليس كذلك.
وأما ما يوجد من تجاوزات واجتهادات خاطئة في التعجل في الحكم على الناس بالكفر فليست من المنهج كما أسلفت ثم كثيرًا مما قيل عن الدعوة وأتباعها ومما اتهموه به من التكفير إنما هو من اللوازم، ليس قولهم الصريح، - ولازم المذهب ليس بلازم - كما هو مقرر في القاعدة الأصولية كما لا ننسى أن كثيرًا من الناقدين والخصوم يعدون الأصول المشروعة التي عملها الإمام وأتباعه كالحزم والقوة عند مقتضاها وكإقامة الحدود وإلزام الناس بالفرائض ونشر العلم الشرعي الضروري إلزامًا غير مشروع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الحسبة) : من التشدد والتكفير، وهي في الحقيقة متطلبات الدين ومسلماته التي لا يمكن أن يحيد عنها المسلم التقي المتمسك بدينه، فإن الأعمال التي نفر منها أهل الأهواء، والجاهلون والمعرضون عن الدين والتي نفذها إمام الدعوة بموجب الشرع «مثل رجم الزانية وهدم القباب والأبنية على القبور» ونحو ذلك من الأعمال المشروعة أثارت في نفوس أهل الفسق والفجور وأهل البدع الرعب، والخوف على شهواتهم ومصالحهم، فأجلبوا على الدعوة وإمامها وحكامها بخيلهم ورجلهم وزعموا أن هذه الأعمال الشرعية من التشدد والعنف.
وليس الأمر كذلك بل هو مما أوجبه الشرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله لمصالح العباد.
كما أنه من المقرر شرعًا أن قتال المخالفين أسلوب من أساليب الجهاد يلجأ إليه بشروطه عند استنفاذ الوسائل الأخرى.
وقد ذكرنا قبلُ أنه قد يحدث من بعض الأعراب وصغار طلاب العلم والجهلة من الأتباع تكفير أو تشدُّد أو قتال غير مشروع لكنه غير محسوب على المنهج، وكان إمام الدعوة وعلماؤها وحكامها يتبرءون من هذه التصرفات ويؤدبون من يفعلها.
- ونجد أنه في حين أن الشيخ وأتباعه لا يكفرون إلا بدليل -وهو المذهب الحق مذهب السلف- نجد خصومهم أهل الأهواء والبدع يكفرونهم بلا بينات! ولا يتورعون عن إطلاق الكفر والخروج والعبارات الشنيعة على إمام الدعوة وأتباعها كما فعل صاحب (خلاصة الكلام) حين أطلق عليهم وصف (الكفار والخوارج)(1) .
كما في وصفهم بأنهم: «ضحكة ومسخرة كحمر مستنفرة فرت من قسورة» و «تطاير شررهم» وأنهم «يفسدون عقائد علماء الحرمين ويدخلون عليهم الكذب والمين» ووصفهم بـ «الملاحدة الأنذال» وأنهم «لا يدينون إلا بدين الزنادقة» ووصف الإمام محمد بن عبد الوهاب بـ «الخبيث» و «خلف أولادًا أخبث منه» وأن مشايخه «يتفرسون فيه الإلحاد والضلال» وأن «والده كان يتفرس فيه الإلحاد» وأنه «يضمر في نفسه دعوى النبوة» وبأنه «المغرور» واتهام الإمام وأتباعه بأنهم «خوارج» وأنه «من عَقِب ذي الخويصرة» وقالوا عنه «هذا الخارجي» .
وأن عقيدتهم «مشتملة على كثير من المكفرات» وسماها أحدهم «العقيدة الزائفة» و «إفساد عقائدهم» ، وأن «فتنتهم من أعظم الفتن» (2) .
ونحو ذلك مما كان يُشَنِّع به الخصوم على الدعوة وإمامها وأهلها مما هم منه أبرياء في حين أن أكثر هؤلاء الخصوم كانوا يحمون الشركيات والبدع ويدافعون عنها ويقاتلون على ذلك.
والخلاصة:
أنه قد تعرضتْ الدعوة وأهلها ودولتها - الدولة السعودية في جميع مراحلها - لمظالم كبرى من خصومها استوجبت ضرورة الدفاع وحماية الحدود والحقوق والأموال والأنفس والأعراض.
(1) انظر هذه العبارات وأمثالها في خلاصة الكلام ص (227 - 237) .
(2)
انظر هذه العبارات وأمثالها في خلاصة الكلام ص (227 - 237) .