الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع منهجهم في التلقي مصادر الدين ومنهج الاستدلال هو منهج أهل السنة]
[توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم]
المبحث الرابع
أ - منهجهم في التلقي (مصادر الدين ومنهج الاستدلال)
هو منهج أهل السنة يتميز المنهج الذي عليه الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وعامة أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا في مصادر الدين ومنهج التلقي والاستدلال بالأصالة والسلامة والثبات واليقين.
فقد التزموا المنهج الشرعي السليم الذي عليه علماء الأمة من أهل الحديث والفقه والأصول، من سلامة مصادر التلقي ومراعاة قواعد الاستدلال، فهم يعتمدون في تلقي الدين وتقريره والعمل به على الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة (الوحي) .
وإجماع السلف معتبر عندهم؛ لأن الإجماع لا يكون إلا على ما له دليل من الكتاب والسنة، كما يعتمدون أقوال علماء الأمة المعتبرين من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأتباعهم وغيرهم
…
ويعتمدون في الاستدلال على المنهج الشرعي السليم، منهج السلف الصالح، على ما يأتي بيانه في قواعد الاستدلال عندهم.
وهم يستخدمون ما أنعم الله به على عباده من الفطرة النقية والعقل السليم في فهم كلام الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنباط الدلالات والأحكام منهما، والاجتهاد والفقه في دين الله تعالى.
ويستخدمون العقل في التفكر في خلق الله وآلائه ونعمه، والتوصل بذلك إلى عبادة الله تعالى وذكره وشكره بما شرع.
كما يستخدمون العقل وسائر المواهب التي منحها الله للإنسان في الاجتهاديات والعلوم الطبيعية في عمارة الأرض والاستخلاف فيها وبذل الأسباب؛ أسباب الرزق والقوة والعزة والتمكين، وأسباب النجاح والفلاح وسعادة البشرية في الدنيا والآخرة على ما شرعه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكنهم يتجنبون مسالك أهل الأهواء من الفلاسفة والعقلانيين والمتكلمين، ومن سلك سبيلهم من تقديس العقل القاصر المحدود الفاني، المعرض لعوارض النقص وتقديمه على الوحي المعصوم الكامل (كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) .
فالعقل مهما بلغ من الإدراك والتحصيل فإنه تبع للشرع، لا يمكن أن يقدم على الوحي المعصوم ولا أن يحكم فيه.
وهذا المنهج القويم - أعني منهج التلقي والاستدلال على قواعد شرعية مأمونة - يعد من أكبر الفوارق بين أهل السنة وبين مخالفيهم أهل الأهواء والافتراق والابتداع.
ومصادر التلقي تعدُّ أهم ركيزة يبني عليها دين المسلم في العقيدة والأحكام والسلوك ومنهج الحياة كلها؛ لأن التلقي إنما يعنى: تلقي الدين جملة وتفصيلًا وذلك لا يكون إلا عن الله تعالى وما أمر به من التلقي عن رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7][سورة الحشر، آية (7) .] .
وإذا كان مبدأ التلقي عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم (القرآن والسنة) معلومًا بالضرورة عند كل مسلم، ويدعيه المحق والمبطل، والمتبع والمبتدع.
فإن مجرد الدعوى لا تكفي، بل لا بد من تحقيق وبرهان، وعند التحقيق نجد أن السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ومنهم إمام هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، وأتباعها، هم الذين سلمت عندهم مصادر التلقي نقية صافية، وكذلك منهج الاستدلال بخلاف خصومهم أهل البدع والأهواء والافتراق الذين حادوا عن الحق، ولبسوا على الناس، وسلكوا طريق الغواية وسبل الضلالة، حينما أخذوا يستمدون دينهم أو بعض دينهم من المصادر الداخلية، ومن أوهام العقول، ودعاوي العصمة لمن هم دون الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأئمة وغيرهم، من الصالحين والطالحين، والأولياء والأدعياء، وكذلك دعاوي الكشف والذوق ونحو ذلك، مما يفعله كثيرون من أهل الكلام والفلسفة والتصوف والرفض، ومن سلك سبيلهم.
ولذا فإن دعوى الاتباع للكتاب والسنة عند هذه الفئات، دعوى كاذبة وملبسة فهم:(يلبسون الحق بالباطل) .
فكان لزامًا على أهل الحق وأهل العلم أن يبينوا وجه الحق ويكشفوا عن وجه الباطل في هذه المسألة، وهذا ما فعله وقام به إمام الدعوة وعلماؤها وأتباعها، وسائر أهل السنة، ولأن المنهج الحق في التلقي والاستدلال بين واضح بحمد الله لا لبس فيه ولا غموض.
فقد اجتهدت في هذا الفصل في بيان القواعد التي اعتمدها أهل السنة والجماعة، من علماء هذه الدعوة ومن سبقهم من علماء الأمة ومجتهديها على مقتضى الكتاب والسنة
ونهج السلف الصالح - في تلقي الدين والعمل به.
والكشف عن مناهج المخالفين وسبلهم المعوجة الخارجة عن السنة في هذا الموضوع، التي هي سبل الشيطان ومسالك البدعة والضلالة - نسأل الله السلامة - ليحذر منها من وفقه الله وهداه، وتقوم بها الحجة على المكابر والمعاند.
وإن من سمات هذه الدعوة وعلمائها وأتباعها - بحمد الله - الحرص على التفقه في دين الله، والتأصيل الشرعي والتزام السنة والجماعة - من مقل ومكثر - والرجوع إلى أهل العلم، والتزام أصول الدين، وإعلان شعائره في كل مكان.
وهذه سمات تبشر بخير فالرجوع إلى مصادر الدين النقية الصافية، ومناهج السلف في العقيدة والتلقي والاستدلال والتعامل والأحكام - هو وحده - الطريق الذي فيه السلامة والضمانة في تحصيل ما وعد الله به المسلمين من النصر والرفعة والتمكين والاجتماع.
فالعقيدة السليمة وهي التي تجمع المسلمين، والشريعة الإلهية وهي التي تحكمهم - لا يمكن استمدادها إلا من مصادرها النَّقيَّة الصافية (القرآن والسنة) وعلى نهج سليم وهو نهج السلف الصالح وهو:(سبيل المؤمنين) وهذا ما تميزت به هذه الدعوة الإصلاحية المباركة التي يسمونها (الوهابية) عن سائر الدعوات الإصلاحية الحديثة، وهذا من أسباب قوتها وتأثيرها وانتشارها.
أما المصادر الدخيلة في الدين والمناهج المعوجة في الاستدلال التي عليها خصوم الدعوة وخصوم السنة (أهل الأهواء والبدع والافتراق) فلن يكون فيها إلا الفرقة والشتات والتنازع والذلة والهوان، كما هو مبين في النصوص الشرعية ويصدقه الواقع - وكما بينه إمام الدعوة وعلماؤها.
وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك
…
» الحديث (1) .
وقد أصَّل أهل السنة والجماعة - ومنهم إمام الدعوة وعلماؤها - هذا المنهج الشرعي القويم في التلقي ومنهج الاستدلال بقواعد علمية منهجية متينة، وموازين شرعية استمدوها من القرآن والسنة ونهج السلف الصالح.
(1) أخرجه الإمام أحمد برقم (17142) وقال المحقق «صحيح بطرقه وشواهده» (28) ، وابن أبي عاصم في السنة برقم (33) .
وهذا الأصل العظيم هو ما قرره الإمام محمد بن عبد الوهاب واتباعه بقوة ووضوح ودعا إليه كل المخالفين، واستعد للمباهلة عليه فقال:«وأنا أدعو من خالفني إما إلى كتاب الله، وإما إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإما إلى إجماع أهل العلم. فإن عاند دعوته إلى المباهلة كما دعا إليها ابن عباس في بعض مسائل الفرائض، وكما دعا إليها سفيان والأوزاعي في مسألة رفع اليدين وغيرهما من أهل العلم» (1) .
وقال في رسالته لرئيس بادية الشام، فاضل آل مزيد: «وأنا أذكر لك أمرين قبل أن أذكر لك صفة الدين:
الأمر الأول: أني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأقول لهم: الكتب عندكم انظروا فيها ولا تأخذوا من كلامي شيئاً! لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه ولو خالفه أكثر الناس» (2) .
ثم قال ناصحاً: «واعلم أنه لا ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم» (3) .
وقال بعد أن ذكر أدلة التوحيد من القرآن: «فهذا كلام الله، والذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصانا به» (4) .
ثم قال بعد أن بين اعتراض الخصوم على دعوته له للتوحيد: «هذا كلامهم وهذا كلامي أسنده عن الله ورسوله، وهذا هو الذي بيني وبينكم، فإن ذكر عني شيء غير هذا فهو كذب وبهتان» (5) .
وقد جعلوا اتباع الدليل من دينهم وعقيدتهم، فقد سئل ابنا الإمام حسين، وعبد الله، عن عقيدة الشيخ في العمل وفي العبادة؟
فأجابا: «عقيدة الشيخ - رحمه الله تعالى - التي يدين الله بها، هي: عقيدتنا، وديننا الذي ندين الله به؛ وهو: عقيدة سلف الأمة وأئمتها، من الصحابة، والتابعين لهم
(1) الدرر السنية (1/ 55) .
(2)
الرسائل الشخصية (32) .
(3)
الرسائل الشخصية (33) .
(4)
الرسائل الشخصية (33) .
(5)
الرسائل الشخصية (33) .
بإحسان؛ وهو: اتباع ما دل عليه الدليل من كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض أقوال العلماء على ذلك؛ فما وافق كتاب الله وسنة رسوله قبلناه وأفتينا به، وما خالف ذلك رددناه على قائله.
وهذا: هو الأصل الذي أوصانا الله به في كتابه، حيث قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59][سورة النساء، آي: 59] أجمع المفسرون على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، وأن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته، والأدلة على هذا الأصل كثيرة في الكتاب والسنة، ليس هذا موضع بسطها» (1) .
ب - توقيرهم للعلماء واحترامهم لهم: من نهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة احترام علماء الأمة وأقوالهم من أهل السنة والاستقامة، وسؤالهم والرجوع إليهم كما أمر الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43][سورة النحل، آية: 43] وتوقيرهم، لكن ليس لأحد منهم عصمة فقد يزل العالم فلا يتبع على زلته، ولا ينقص من قدره.
وهذا المنهج القويم هو الذي سلكه إمام الدعوة وأتباعه وكثيرًا ما يعوَّل عليه، وكانوا - كما هو مسطور في كتبهم وآثارهم - يعتمدون كتب العلماء من أهل الحديث والتفسير والفقه والأصول والعقيدة واللغة، ويعتدون بما أجمع عليها العلماء، ويحترمون الموافق والمخالف في الاجتهاديات.
وقد أكد هذا الأصل الإمام وأتباعه، وذلك لمَّا لجَّت القضية بينه وبين خصومه من أهل البدع والأهواء والذين قد ينتسب بعضهم إلى مذاهب العلماء المتبوعة، فصار يحاكمهم (بعد الكتاب والسنة) إلى قول العلماء المعتبرين.
إذ قال عن بعض خصومه: «وهكذا هؤلاء، لما ذكرت لهم، ما ذكره الله ورسوله، وما
(1) الدرر السنية (1) .
ذكره أهل العلم، من جميع الطوائف، من الأمر بإخلاص الدين لله، والنهي عن مشابهة أهل الكتاب من قبلنا، في اتخاذ الأحبار، والرهبان، أربابًا من دون الله، قالوا لنا: تنقصتم الأنبياء، والصالحين، والأولياء؛ والله تعالى ناصر لدينه، ولو كره المشركون.
وها أنا أذكر مستندي في ذلك، من كلام أهل العلم، من جميع الطوائف، فرحم الله من تدبرها بعين البصيرة، ثم نصر الله، ورسوله، وكتابه، ودينه؛ ولم تأخذه في ذلك لومة لائم» (1) .
ثم ساق أقوال العلماء من أئمة المذاهب الأربعة الحنابلة، والحنفية، والشافعية، والمالكية (2) .
وقال في محاجته لمخالفيه حينما دعا إلى توحيد الله تعالى والنهي عن الشرك، وأنكروا عليه فقال:«قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي، بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، كل: أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم، الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك، نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله، وذكرت كل ما قالوا، بعدما صرحت الدعوة عند القبور، والنذر لها، فعرفوا ذلك، وتحققوه، فلم يزدهم إلا نفورًا» (3) .
وقال مبينًا موقفه من علماء الأمة، الأئمة الأربعة وغيرهم: «وأما ما ذكرتم: من حقيقة الاجتهاد، فنحن مقلدون الكتاب والسنة، وصالح
(1) الدرر السنية (2
) .
(2)
انظر: الدرر السنية (2
) .
(3)
الدرر السنية (1، 82) .
(4)
الدرر السنية (1) .
سلف الأمة، وما عليه الاعتماد، من أقوال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل، رحمهم الله تعالى» (1) .
ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: «ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله، بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا: تفسير ابن جرير، ومختصره لابن كثير الشافعي، وكذا البغوي، والبيضاوي، والخازن، والحداد، والجلالين، وغيرهم. وعلى فهم الحديث، بشروح الأئمة المبرزين: كالعسقلاني، والقسطلاني، على البخاري، والنووي على مسلم، والمناوي على الجامع الصغير.
ونحرص على كتب الحديث، خصوصاً: الأمهات الست، وشروحها؛ ونعتني بسائر الكتب، في سائر الفنون، أصولاً، وفروعاً، وقواعد، وسيراً، ونحواً، وصرفاً، وجميع علوم الأمة» (2) .
(1) الدرر السنية (1) .
(2)
الدرر السنية (1) .