الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعمى الذي رواه الترمذي (1) وغيره.
والمسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا يجوز أن يسأل ما ليس بمستحق، ولكن معقد العز من عرشك هل هو سؤال بمخلوق أو بالخالق؟ فيه نزاع بينهم فلذلك تنازعوا فيه، وأبو يوسف بلغه الأثر فيه أسألك بمعقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة فجوزه لذلك (2) والله أعلم.
(وأما الجواب) عن الحديثين المذكورين فمن وجوه» (3) ثم ذكرها فلتراجع.
[هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأولياء]
هدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والمزارات ودعوى بغض الأنبياء والأولياء: إن ما ادعاه الخصوم بأن الدعوة إذا تمكنت في بلد قامت بهدم القباب والأبنية على القبور والمشاهد والآثار فهذا حق، وهو عين الصواب، ويجب أن تمدح به ولا تذم، لكن الخصوم صوروا ذلك بصورة الباطل، ولبَّسوا على العامة دينهم وروَّجوا هذه الأخبار، وما يزاد عليها من مزاعم وحكايات في معرض التشنيع والاعتراض على هذه الأعمال. والتلبيس على الناس بأن إزالة هذه البدع تعني بغض الأولياء والصالحين وإهانتهم.
مع أن الدعوة السلفية حين قامت بذلك كانت تفعله امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكارًا لهذه البدع والمنكرات والمظاهر الشركية بمقتضى الأدلة الشرعية والتي منها حديث علي رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد في السنة ومسلم في صحيحه وغيرهما: «عن أبي الهياج الأسدي قال: قال علي رضي الله عنه: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» (4) .
وكان من أساليب الخصوم وإمعانهم في تهييج عواطف عامة المسلمين وجهالهم
(1) وقد صحَّ الحديث في ذلك، رواه الترمذي (3578) ، وابن ماجه (13785)، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي، وحسنه الألباني في التوسل.
(2)
والأثر رواه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع (10) إسناده حسن.
(3)
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1، 78) .
(4)
سبق تخريجه.
ضد الدعوة أن زعموا أن أهلها يهينون الأولياء والأموات، ولا يعظمونهم.
وهذا تلبيس فإن كان القصد بتعظيم الأولياء والأموات واحترامهم كما جاء به السنة؛ من زيارتهم والسلام عليهم والدعاء لهم، واحترام قبورهم وعدم إهانتها، ونحو ذلك فهذا ما يدين به أهل السنة ويعملون به، ومنهم الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه.
أما إن قصد بذلك تقديسهم ورفعهم إلى مقام الألوهية والربوبية، وصرف شيء من العبادة لهم، أو اتخاذ البدع والمحدثات حول قبورهم من البناء عليها وإسراجها وتجصيصها، والتبرك بها، واتخاذها مساجد وقبابا ومشاهد، فهذا ونحوه إهانة للأولياء والمؤمنين، ومشاقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ سليمان بن الإمام محمد في ذلك: «وأما تعظيم القبور بمعنى احترامها، فإن كانت للمسلمين فواجب لا يجوز بول ولا تغوط ولا جلوس ووطء عليها لما في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» (1) وفيه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا قد اتكأ على قبر فقال: «لا تؤذوا صاحب القبر» (2) وفيه أيضًا عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر مسلم» (3) .
وأما تعظيمها بمعنى عبادتها فهو أكبر الكبائر عند الخاص والعام، وأصل فتنة عُبَّاد الأصنام كما قاله السلف من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين الذين في قلوبهم وقار لله فيغضبون لأجله ويغارون على توحيده ويقبحون الشرك وأهله ويجاهدون أعداء الله من
(1) رواه مسلم (2250) ، وأبو داود (3229) ، والترمذي (1050) ، والنسائي (2029) .
(2)
هذا الحديث ليس في صحيح مسلم بل رواه الطبراني في الكبير من حديث عمارة بن حزم قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على قبر، فقال:«يا صاحب القبر! انزل من على القبر لا تؤذ صاحب القبر ولا يؤذك» وفي سنده ابن لهيعة وفيه كلام، وقد وُثِّقَ كذا قال في المجمع (3) ،
(3)
الذي في صحيح مسلم (2248) بدون قوله "مسلم" في آخر الحديث، وأبو داود (3228) ، والنسائي (2046) ، وابن ماجه (1566)، لكن روى ابن ماجه (1567) عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إليّ من أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» .
أجله، ولكن من خالفهم فما الحيلة. ما لجرح بميت إيلام. ولا لمن خالف هؤلاء احترام. وإن منشأ هذه الفتنة في الإسلام الفتنة في القبور حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبِدَ أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتُّخِذَتْ أوثانًا وبُنيت عليها الهياكل فصارت تُدعى وتُرجى وتُخشى» (1) .
وقال بعد أن ساق جملة من الأحاديث الموضوعة التي يتعلق بها المبتدعة:
ثم ساق الأحاديث الصحيحة الصريحة في الرد على أصحاب بدع القبور والمشاهد والمزارات فقال: «فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (2) وفي رواية لمسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (3) . وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» (4) وعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: «لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة كانت على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر أمته ما صنعوا» متفق عليه (5) قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه:
(1) التوضيح عن توحيد الخلاق ص (208) .
(2)
البخاري رقم (437) ومسلم برقم (1185) .
(3)
مسلم برقم (529) .
(4)
مسلم برقم (532) من حديث جندب بن عبد الله البجلي.
(5)
البخاري برقم (435) ، ومسلم برقم (1187) .
«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا» متفق عليه (1) وروى الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» (2) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» رواه الإمام أحمد وأهل السنن (3) .
وهذا حال من سجد لله عند قبر، فكيف بمن يسجد للقبر نفسه» .
ثم قال: «ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادًا للآخر مناقضًا له بحيث لا يجتمعان أبدًا.
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها.
ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها القبب والمساجد ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله.
ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقادها بالقناديل والسرج فيها.
(1) البخاري برقم (1) ، ومسلم برقم (1184) .
(2)
المسند برقم (1) ، وابن أبي شيبة (3) ، وابن خزيمة (789) ، وابن حبان (340) .
(3)
أخرجه أبو داود (3236) ، والنسائي (1) ، والترمذي (2) طبع شاكر، وابن أبي شيبة (4) ، والحاكم (1) ، والبيهقي (4) ، والطيالسي (1) ، وأحمد (1، 287، 324، 337) من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال: وقال الترمذي: حديث حسن، وأبو صالح هذا مولى أم هانئ بنت أبي طالب واسمه باذان ويقال باذام.
هذا وقد صح الحديث بلفظ: «لعن الله زوارات القبور» .
فقد رواه الترمذي (1) ، وابن ماجه (1576)(4) ، وأحمد (2) من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي حسن صحيح.
والحديث رواه البيهقي (4) من حديث أبي هريرة وبلفظ «أن رسول الله لعن زوارات القبور» .
وله شاهد من حديث حسان عند ابن ماجه (1574) ، والحاكم (1) ، وأحمد (3) بلفظ البيهقي.
ونهى عن اتخاذها أعياداً، وهؤلاء يتخذونها مناسك وأعيادًا يجتمعون لها كاجتماعها للعيد أو أكثر.
ونهى عن العَقْر والذبح لها، وهؤلاء يعقرون عليها وينذرون لها ويدعونها.
وأمر بتسويتها كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي واسمه حيان بن حصين قال: «قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أدع تمثالًا إلا طمسته ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» (1) وفي صحيحه أيضًا عن ثمامة بن شفي الهمداني قال «كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها» (2) وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين فيرفعونها من الأرض كالبيت ويعقدون عليها القباب ويضعون عليها التوابيت ويكسونها كما يُكسى بيت الله الحرام.
ويفعلون عندها الموالد العظام ويجعلون لها السوائب من بهيمة الأنعام.
ويكثر لديها رفع الأصوات والضجيج واختلاط الرجال بالنساء كالحجيج.
ومن ذلك ما يفعله عباد الشيطان عند قبر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث خارج مكة، وخديجة في المُعَلَّى كل سنة ثلاثة أيام مولد يحصل فيه من الضجيج وارتفاع الأصوات والدعاء بالاستغاثات واختلاط النساء مع الرجال في تلك الساحات.
وكذلك عند قبر عبد الرحمن المحجوب بالدفوف ذوات الصنوج والطبول والبيارق والنحائر داعين مستغيثين به راجينه بذلك ليكون عليهم ناظرًا ولهم حافظًا؛ لأنه المحب المحبوب.
وهكذا عند قبر أبي طالب، وهم يعلمون ظاهر حاله، وما هو عليه قبل الممات فالحكم لعلام الغيوب.
ولو تعلق مظلوم بأستار الكعبة جذبوه من تحتها وفعلوا به ما أرادوا، ولو دخل ظالم بسرقة أو قتل أو نهب مال على قبر أحد هذين الرجلين اللذين الله أعلم بهما من خلقه
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه مسلم (2242) ، والنسائي (2032) .
وهم فقراء إليه لم يقدموا ليأخذوه منه، ولم يقدموا حدود الله عليه، بل عندهم من فعل ذلك فقد تعدى وظلم ومآله إلى الندم، ومن نهى عن فعل ما تقدم وأمر بما أرسل الله به الرسل إلى سائر الأمم والعمل بالأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي هي نص على توحيده خرّجوه وبدّعوه وكفّروه ونسبوه إلينا وإن كان لا يعرفنا.
وما ذنبنا إلا أن أمرنا بما أمر الله به رسله، ونهينا عما نهى الله ورسوله، فبسبب ذلك عادونا وجلبوا بخيلهم ورجالهم ومدافعهم علينا، وعن حج بيت الله الحرام الذي قال الله فيه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25][سورة الحج، آية: 25] صدونا ومنعونا، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم صار شعارنا واتباع سنته علمًا علينا.
فهم بذلك يعابوننا ويوبخوننا ويسبوننا ويجاهدوننا وما ذاك منهم علينا إلا اتباع الأهواء وعموم البلوى والطعن في الدين والعناد في اليقين. {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: 23][سورة الجاثية، آية: 23] ، وهم يفعلون المنكرات ويجعلونها قربات ونتيجتها صدقات زيادة على الشرك الأكبر في تلك المعتقدات.
وذلك كله موجود في حرم الله وغيره من الساحات.
وهل هذا كله إلا لفقد الإسلام وجهله والاستهانة به عند هؤلاء الخاص منهم والعام، حيث جعلوا المنكر دينًا ونتيجة حسنة يقيناً.
ولكن مصيبة فقد الدين تهوِّن ما هو فعل الظالمين المعاندين.
ونهى عن الكتابة عليها كما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبر وأن يُقْعَد عليه وأن يبنى عليه» (1) وروى أبو داود في سننه عن جابر رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى أن تجصص القبور وأن يكتب
(1) تقدم تخريجه.
عليها» قال الترمذي حديث حسن صحيح (1) .
وهؤلاء يتخذون عليها الألواح ويكتبون عليها القرآن والأشعار ويعلقون عليها بيض النعام وقناديل الفضة والرخام، فهؤلاء المعظمون للقبور المتخذونها أعياداً، الموقدون عليها السرج الذين يبنون عليها المساجد والقباب، مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، محادُّون لما جاء به، وأعظم ذلك اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها، وهو من الكبائر.
ومن يزعم أنا نُكَفِّر بمجردها فهو كاذب جائر، إنما نُكَفِّر بالشرك الذي لا يُغْفَر، وهو دعاؤها ورجاؤها والاستغاثة بها وذبح القربان والنذر لها لتدفع سوءًا أو تجلب خيرًا، أو تكون واسطة في ذلك.
نعم نحن نهدم القباب التي على القبور، ونأمر بهدمها كما هدم النبي صلى الله عليه وسلم قبة اللات في الطائف، وأمر علي رضي الله عنه بهدمها وخفض القبور المشرفة مطلقًا وتسويتها، وقد أمر به وفعله الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون.
قال الشافعي في الأم ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى على القبور (2) . ويؤيد الهدم قوله: «ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» ، وحديث جابر المتقدم ذكره الذي في صحيح مسلم؛ ولأنها أسست على معصية لنهيه، فبناءٌ أُسِّس على معصيته ومخالفته بناء غير محترم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعا، وأولى من هدم مسجد الضرار المأمور بهدمه شرعاً؛ إذ المفسدة هنا أعظم حماية للتوحيد.
وأما هذه الكبائر فقد صرح الفقهاء من أصحاب مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم من الصحابة والتابعين على تحريمها، وأنها بدعة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، قال أبو محمد المقدسي: لو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله؛ ولأن فيه تضييعًا للمال في غير فائدة، وإفراطًا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام، هذا وبيوت الله ظلمات لا يوقد فيها نور، بل يرون أن الفضل عليها في ذلك القبور، وقد آل الأمر بهؤلاء المعتقدين تعظيم القبور تعظيم عبادة للاحترام في الصدور إلى أن شرعوا لها حجًّا ووضعوا له وقتًا
(1) رواه أبوداود (32205)(3226) ، والترمذي (1052) وزاد «أن توطأ» .
(2)
انظر: كتاب الأم (1) .
وجعلوه أضعاف حج بيت الله الحرام سبعاً.
هذا قبر ابن علي الذي في مرباط في بلاد اليمن قد شاع عند الخاص منهم والعام أن زيارته والتبتل إليه في رجب تعدل سبع حجات (1) .
وكذا الزيلعي الذي في اللحية قد شاع عندهم وذاع أن من مات فيها ودفن حوله في تلك البلاد أنه في لحيته ليس عليه حساب ولا عذاب.
وكذا قبر العيدروس الذي في عدن.
وكذا قبر الشاذلي في المخا؛ فإن أهل البر والبحر ليس لهم لهجة في الشدة والرخاء إلا بذكره زاعمين أنهم في أمانه وتحت نظره، وأنه يُغيث من دعاه في الشدة نائيًا كان، أو قريبًا في البر أو في البحر.
حتى صنَّف بعض غلاتهم في ذلك كتابًا سماه «مناسك حج مشاهد الأبرار لمن عني إليهم من المقيمين والزوّار» ، وصنف بعضهم كتابًا سماه «روضة الأبرار في دعوة الأولياء الأخيار عند الشدائد المدلهمة الغزار» ، ولا يخفى أن هذا بعينه مفارق دين الإسلام والدخول في عبادة الأصنام.
ومن نظر منصفًا بإخلاص إلى هذا التباين العظيم في هؤلاء المعتقدين من الناس عن الدين القويم والصراط المستقيم ماز وفرّق بين ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده من النهي عما تقدم ذكره في القبور والاعتقاد وجاهد عليه وبين ما شرعه هؤلاء وقصدوه واعتقدوا فيه ودعوه ودعوا إليه، وحينئذ يحق أنَّا إنما ندعو إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور، ويحقق تلك المفاسد الناشئة من خبث العقائد التي يعجز العادّون عن حصرها، وتشمئز قلوب العارفين لذكرها.
فمنها: تعظيمها الموقع في الافتتان بها من العكوف عليها والمجاورة عندها وتعليق الستور، والألواح وبيض النعام وقناديل الفضة والرخام عليها، وسدنتها وعبادها يرجحون المجاورة عندها على المجاورة عند البيت والمسجد الحرام، ويرون أن سدانتها أفضل من خدمة المساجد، والويل عندهم لِقَيِّمِهَا ليلة يطفأ القنديل المعلق عليها.
(1) وهذا من الكذب والافتراء على الله وعلى رسوله.
ومنها: بذل النذور لها ولسدنتها لجلب الخير، ودفع الشرور.
ومنها: اعتقاد المشركين فيها أن بها يُكشف البلاء، ويُنصر على الأعداء، وينزل غيث السماء، وتُفرج الكروب، وتُقضى الحوائج، ويُنصر المظلوم، ويُجار الخائف، ويأمن الحوادث، إلى غير ذلك من الشرك الأكبر الذي يُفعل عندها.
ومنها: الدخول في اللعنة، لعنة الله ورسوله باتخاذ المساجد عليها وإيقاد السُّرُج والقناديل فيها ووقفه عليها.
ومنها: اجتماع الرجال مع النساء واختلاطهم وضجيجهم ودعاؤهم إياهم.
ومنها: جعل المنكرات قربات.
ومنها: إيذاء أصحابها بما يفعله المشركون بقبورهم، فإنهم يؤذيهم ما يُفعل عند قبورهم ويكرهونه غاية الكراهة، كما أن المسيح يكره ما تفعله النصارى عند قبره إذا وجد في الأرض، وما يعتقدونه في قلوبهم من الإفراط والتفريط في الحب، وكذلك غيره من الأنبياء والأولياء والمشايخ يؤذيهم ما يفعله المعتقدون أشباه النصارى وأشكالهم عند قبورهم، ويوم القيامة يتبرءون منهم كما قال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ - قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 17 - 18][سورة الفرقان، آية: 17، 18] قال الله للمشركين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19][سورة الفرقان، آية: 19]، وقال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ - قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 40 - 41][سورة سبأ، آية: 40، 41] .
ومنها: مشابهة اليهود والنصارى في اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها.
ومنها: محادة الله ورسوله ومناقضة ما شرعه فيها.
ومنها: التعب والنصب بالبناء والتشييد ووضع الأبواب ونقشها والجدران والاعتقاد، والتعظيم مع الوزر الكثير والإثم العظيم.
ومنها: إن هذا الاعتقاد يؤول إلى حبط العمل والخسران.
ومنها: إماتة السنن وإحياء البدع.
ومنها: جعل البدعة واجبًا وسنة، والواجب والمسنون بدعة وإثماً، وهم في ذلك لا يعون ولا يتذكرون، بل لمن خالفهم فيه ونهاهم عنه يبدّعون ويخرّجون ويكفّرون.
ومنها: تفضيلها على خير البقاع وأحبها إلى الله، فإن عباد القبور يقصدونها مع التعظيم والاحترام والخشوع ورقة القلب والعكوف بالهمة والعزم على الموتى بما لا يفعلون في المساجد ربع عشره ويحصل لهم فيها نظيره ولا قريب من مثيله.
ومنها: أن ذلك تضمن عمارة القبب والمشاهد وتنويرها وتعطيل المساجد من بيوت الله وعدم توقيرها، ودين الله الذي بعث به رسله وأنزل كتبه بضد ذلك كله.
ومنها: أن الذي شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم عند زيارة القبور إنما هو تذكار الآخرة والإحسان إلى المزور بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار له وسؤاله العافية للزائر وله، فيكون الزائر محسنًا إلى الميت وإلى نفسه حتى لو كان نبيًا أو وليًّا، فالدعاء له مطلوب وهو إليه محبوب، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله له الوسيلة والفضيلة وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده وذلك له محقق ولكن تنويهًا بذكره ورفعًا لقدره وليعود ثواب الدعاء إلى الداعي، والكامل يقبل الكمال، فقلب هؤلاء المشركون الأمر وعكسوا الدين، وكانوا من الفريقين المغضوب عليهم والضالين بقصدهم زيارة الشرك الأموات يدعونهم ويدعون بهم. . .» (1) .
ولذلك لما وصلت جيوش الدعوة إلى كربلاء هدمت القبة المبتدعة والمشهد على قبر الحسين، وهي من أكبر الفتن المضلِّة التي تعمل تحت ستار حب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عن الحسين وهو منها براء. وقد حدثت هذه القبة بعد القرون الفاضلة، أحدثها أهل البدع، فكان هدمها نصرًا للإسلام والسنة وتكريمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، وتكريم لسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تؤذيه القبة والمشهد وما يقع حولها من البدع والشركيات والمنكرات.
يقول الدكتور محمد بن سليمان الخضيري:
«وللحقيقة نقول: إن الدولة السعودية قامت بهدم القبة الموضوعة على قبر الحسين؛ لأن ذلك يتنافى مع العقيدة الإسلامية أولاً، وبالتالي فهو يتنافى مع مبادئ الدعوة الإصلاحية السلفية. وقد سبق أن بيّنا مراسلات حكّام الدولة السعودية مع ولاة العراق في النهي عن أمثال هذه البدع،
(1) التوضيح عن توحيد الخلاق ص (214 - 220) .