الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه حكمها وما يوجب الردة ويقتضيها وينصون على الشرك، وقد أفرد ابن حجر، هذه المسألة بكتاب سماه: الإعلام بقواطع الإسلام» (1) .
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: «فإن الشيخ محمدًا رحمه الله لم يكفر الناس ابتداء، إلا بعد قيام الحجة والدعوة؛ لأنهم إذ ذاك في زمن فترة، وعدم علم بآثار الرسالة؛ ولذلك قال: لجهلهم وعدم من ينبههم، فأما إذا قامت الحجة فلا مانع من تكفيرهم وإن لم يفهموها» (2) .
[دعوى إتلاف الكتب]
رد دعوى إتلاف الكتب: وفي دفع تهمة إتلاف الكتب التي ليست على مذهبهم، قال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد:«ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلاً، إلاّ ما اشتمل على ما يُوقع الناس في الشرك، كروض الرياحين أو يحصل بسببه خلل في العقائد، كعلم المنطق (3) فإنه قد حرمه جمع من العلماء على أنا لا نفحص عن مثل ذلك، وكالدلائل، إلاّ إن تظاهر به صاحبه معانداً، أتلف عليه وما اتفق لبعض البدو في إتلاف بعض كتب أهل الطائف، إنما صدر منه لجهله، وقد زجر هو وغيره عن مثل ذلك» (4) .
[رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان]
رد دعوى أنهم يكفرون بالذنوب كشرب الدخان: زعم بعض الخصوم وغيرهم أن علماء الدعوة وأتباعها يكفرون بالذنوب والمعاصي كشرب الدخان، والمسكرات وسماع الأغاني، وقد أجاب الشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب عن هذه الفرية قائلاً:
(1) الدرر السنية (3، 21) .
(2)
الدرر السنية (10، 435) .
(3)
علم المنطق المتعلق بالإلهيات والغيبيات ما هو إلا تخرُّصات وخيالات وأوهام ورجم بالغيب، وهذا هو المذموم عند السلف، أما المنطق العلمي الاستقرائي الذي يقوم على الحقائق الرياضية والعلمية التجريبية فليس هو المذموم هنا.
(4)
الدرر السنية (1) .
«وأما البحث عن التنباك، وقولكم: بلغنا أنكم أفتيتم فيه، بأنه من المسكرات اعتمدنا على قولكم فعارض بعض الراحلين من عندكم، فقالوا: من شربه بعدما تاب منه، فقد ارتد وحل دمه وماله.
فالجواب: أن من نسب إلينا القول بهذا، فقد كذب وافترى، بل من قال هذا القول استحق التعزير البليغ الذي يردعه وأمثاله، فإن هذا مُخالف للكتاب والسنة، بل لو تاب منه، ثم عاد إلى شربه لم يحكم بكفره وردته، ولو أصر على ذلك، إذا لم يستحله، والتكفير بالذنوب مذهب الخوارج، الذين مرقوا من الإسلام، واستحلوا دماء المسلمين بالذنوب والمعاصي» (1) .
إلى أن قال: «الأصل الرابع: أن الكفر نوعان، كفر عمل؛ وكفر جحود وعناد، وهو: أن يكفر بما علم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء به من عند الله، جحودًا وعنادًا من أسماء الرب،
(1) الدرر السنية (10 5 - 277) .
(2)
الدرر السنية (1، 479) .
وصفاته، وأفعاله، وأحكامه التي أصلها: توحيده وعبادته وحده لا شريك له، وهذا: مضاد للإيمان من كل وجه. وأما: كفر العمل، فمنه ما يضاد الإيمان، كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وسبه وأما: الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة، فهذا كفر عمل لا كفر اعتقاد وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض» (1) وقوله: «من أتى كاهناً، فصدقه أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» (2) فهذا: من الكفر العملي؛ وليس كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي صلى الله عليه وسلم وسَبّه، وإن كان الكل يطلق عليه الكفر.
وقد سمى الله سبحانه: من عمل ببعض كتابه، وترك العمل ببعضه، مؤمنًا بما عمل به، وكافرًا بما ترك العمل به، قال تعالى:{تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [البقرة: 84] إلى قوله {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85][سورة البقرة، آية: 84 - 85] فأخبر تعالى: أنهم أقروا بميثاقه، الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به، وأخبر: أنهم عصوا أمره، وقتل فريق منهم فريقًا آخرين، وأخرجوهم من ديارهم، وهذا: كفر بما أخذ عليهم، ثم أخبر أنهم يفدون من أُسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أُخذ عليهم في الكتاب، وكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.
فالإيمان العملي: يضاده الكفر العملي؛ والإيمان الاعتقادي: يضاده الكفر الاعتقادي؛ وفي الحديث الصحيح: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (3) ففرق بين سبابه، وقتاله، وجعل أحدهما فسوقاً، لا يكفر به، والآخر كفرًا، ومعلوم: أنه إنما أراد الكفر العملي، لا الاعتقادي، وهذا الكفر: لا يُخرجه من الدائرة الإسلامية، والملة الكلية، كما لم يخرج الزاني، والسارق، والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم الإيمان.
(1) رواه البخاري (1742)(7077)(7078) ، ومسلم (223) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
رواه أبو داود (3904) ، والترمذي (135) ، وابن ماجه (639) ، وأحمد (2، 476) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) .
(3)
رواه البخاري (48، 6044، 7076) ، ومسلم (221) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه) .
وهذا: التفصيل قول الصحابة، الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله، وبالإسلام والكفر، ولوازمهما فلا تُتَلقى هذه المسائل إلا عنهم؛ والمتأخرون: لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين؛ فريق أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار؛ وفريق: جعلوهم مؤمنين، كاملي الإيمان؛ فأولئك غلوا وهؤلاء جفوا، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى، والقول الوسط، الذي هو في المذاهب، كالإسلام في الملل، فها هنا كفر دون كفر، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وظلم دون ظلم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44][سورة المائدة، آية: 44] قال: ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه، رواه عنه سفيان، وعبد الرزاق؛ وفي رواية أخرى: كفر لا ينقل عن الملة؛ وعن عطاء كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق» (1) .
ثم قال: «الأصل الخامس: أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد، أن يسمى مؤمناً، ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر، أن يسمى كافراً، وإن كان ما قام به كفر، كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم، أو من أجزاء الطب، أو من أجزاء الفقه، أن يسمى عالماً، أو طبيباً، أو فقيهاً، وأما الشعبة نفسها فيطلق عليها اسم الكفر، كما في الحديث: «اثنان في أمتي هما بهم كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (2) وحديث: «من حلف بغير الله فقد كفر» (3) ولكنه لا يستحق اسم الكفر على الإطلاق.
فمن عرف هذا: عرف فقه السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، قال ابن مسعود: من كان متأسياً، فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً؛ قوم: اختارهم الله لصحبة نبيه، فاعرفوا لهم حقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم؛ وقد كاد الشيطان بني آدم، بمكيدتين، عظيمتين، لا يبالي بأيهما ظفر؛ أحدهما: الغلو ومجاوزة الحد، والإفراط. والثاني: هو الإعراض، والترك والتفريط» (4) .
(1) الدرر السنية (1 - 482) .
(2)
رواه مسلم (227) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) .
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
الدرر السنية (1، 485) .