الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (7)
* * *
* قال اللَّه عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)} [العنكبوت: 7].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} بَعَمَلِ الصَّالحاتِ، {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ} بمعنى: حَسَن، ونصبُهُ بنزعِ الخافِضِ (الباء) {الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهُو: الصَّالِحَاتُ] اهـ.
قوُلهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هذا في مقابِلِ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا} .
والإيمانُ كما تقَرَّرَ كثيرًا هو التَّصديقُ مَع القَبولِ والإذعانِ، وليس مجردَّ التَّصديقِ، وقولُه:{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هذا في أعْمالِ الجوارحِ، فالإيمانُ في القَلبِ، وعَمَلُ الصالحاتِ في الجوارِحِ، والعملُ يتناولُ الفِعلَ والقَولَ، وعلى هذا ليس قَسِيمًا للقولِ كما يظنُّ بعضُ الناسِ، فيقول: قولٌ وعَمَلٌ، بل إن قسيمَ القولِ هو الفِعلُ، أما العملُ فإنه يشمَلُ القولَ ويشملُ الفِعلَ أيضًا.
فعَملُ الصالحاتِ إذن: يتنَاولُ الأفعال، مثلَ الرُّكوعِ، والسُّجودِ، والصلاةِ، والقيامِ والقُعودِ فيها، ويتناولُ الأقوال، كقِراءةِ القرآنِ، والتَّسبيحِ، والتَّحميدِ، وغيرِ ذلكَ.
وقولُه عز وجل: {الصَّالِحَاتِ} : يَعنِي: الأعمالَ الصالحاتِ، فهِي صِفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ، تَقدِيرُهُ: الأعمالُ الصَّالحاتُ، والعملَ الصالحُ هو الَّذي جمعَ الإخْلاصَ والمتابَعَةَ؛ فالإخلاصُ يعْني: أن تَقْصدَ بعملِكَ وجْهَ اللَّهِ سبحانه وتعالى والدارَ الآخِرَةَ، والمتابعةُ: أن تكونَ في ذلِك مُتَّبعًا للنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وضِدُّ الأوَّلِ الإشراكُ، وضِدُّ الثانِي البِدعَةُ، فلا تكونُ مُشْركًا ولا مُبتَدِعًا.
قولُهُ: {لَنُكَفِّرَنَ} : الجُملةُ جوابٌ لقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، تقدِيرُهُ: واللَّهِ لنُكفِّرنَّ، فهي إذْنَ مؤكَّدَةٌ بثلاثةِ مؤكِّدَاتٍ: القَسمِ، واللَّامِ، والنُّون.
وقولُهُ: {لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} : التَّكفِيرُ بمَعْنى السَّتْر، ومنه الكُفُرَّى: وهي القِشْرةُ التي تَستُرُ طَلْعَ النَّخلةِ، فمَعْنى:{لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي: نَسْتُرهَا، والمراد بالسَّتْر لازِمُهُ، وهو العَفْو.
بماذا نُكَفِّرُ عنْهُمْ سيِّئاتِهِمْ؟
الجواب: بإيمانِهِمْ وعَملِهِمُ الصَّالحِ؛ لأن الإيمانَ يهدِمُ ما قَبلَهُ، والعَمَلُ يقولُ اللَّهُ سبحانه وتعالى فيه:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، فالتَّكْفيرُ مأخوذٌ مِنَ التَّغْطِيَةِ، وتغْطِيةُ السَّيئاتِ معنَاهَا: إزَالتُهَا وعَدَمُ المؤاخذَةِ عليها.
وقوله: [{لَنُكَفِّرَنَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} بِعَمَلِ الصَّالحَاتِ]: فأعْمالهُمْ الصَّالحةُ تكون مكفِّرةً للسيِّئاتِ، قال النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:"الصَّلَواتُ الخَمْسُ، وَالجُمْعَةُ إِلَى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَينهنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"
(1)
، وقالَ صلى الله عليه وسلم:
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، رقم (233).
"الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كفَّارَةٌ لمَا بَينَهُمَا"
(1)
، فالأعمالُ الصَّالحةُ تكونُ بمنزلَةِ الغُلافِ على الأعمالِ السَّيِّئةِ، حتى لا يَظهَرَ لها أثَرٌ.
وقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} : الجزاءُ بمَعنَى المكافَأةِ عَلَى الشيءِ، وقولُه:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} هذه الجُملةُ أيضًا مؤكَّدَةٌ بثلاثَةِ مُؤكِّدَاتٍ، وهي: القَسمُ، واللَّامُ، والنُّونُ.
وقولُهُ: [{أَحْسَنَ} بمعنى حَسَن]، وكأَنَّه فَرَّ من إشكالٍ قَدْ يُورَدُ، وهو: أن الآيةَ تَدُلُّ على أنهم يُجْزَونَ أحسنَ الذي كانوا يعْملونَ، فأينَ جَزاءُ الحَسَنِ؟ لأن العَملَ الصالحَ حسَنٌ وأحسَنْ، فإذا كَانتِ الآيَةُ:{أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} فمعنى ذلك أن الحَسَنَ لا يُجَازَون عليه، فلهذا أوَّلَ المُفَسِّر {أَحْسَنَ} بمعنى: حَسَن، أي: حسَنُ ما كانوا يعمَلُونَ.
ولكن نَحْنُ نَرى أنه لا حاجَةَ إلى التَّأْويلِ، وأن ما دَلَّتْ عليه الآيَةُ أَوْلى مما قدَّرهُ المُفَسِّر، وهو أنَّ اللَّه يقولُ: لنَجْزِينَّهم أحسنَ جزاءٍ، وأحسنُ جزاءٍ بيَّنَهُ اللَّه تعالى في قَولِهِ:{مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]، فهذا الجزَاءُ أحسنُ جزاءٍ؛ لأن الجزاءَ غايتُهُ أن يكونَ مِثْلما فَعَل الفاعِلُ، لكن هنا يجازَى بأحسنَ وأعْظمَ، وعلى هذا فيكونُ (أحسنَ) ليس مَنْصوبًا كما قال المُفَسِّر:[بِنَزْعِ الخَافِضِ البَاءِ]، بل هو مفعولٌ ثانٍ لقوله:(نَجْزِي)، والمفعولُ الأوَّلُ هو الهاء. والنون في قولِهِ:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ} للتَّوكيدِ،
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب وجوب العمرة وفضلها، رقم (1683)؛ ومسلم: كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، رقم (1349).