الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (11)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: 11].
* * *
قولُه: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} أي: في المستَقبلِ، لأن المضارعَ إذا دَخلَت عليه نونُ التوكيدِ جعلتْه للمستقْبَلِ، والجملَةُ مؤكَّدَةٌ بثلاثةِ مؤكَدَاتٍ، وهي: القَسَمُ، واللامُ، ونُونُ التوكيد، والمرادُ بالعِلْمِ: الذي أكدَّهُ اللَّه هنا وجعله مستقبلًا: عِلمُ المشاهدةِ والمجازَاةِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى عالمٌ بالمنافِق وبالمؤمِنِ من قَبلِ ذلكَ.
لكنَّ أوَّلًا: إن عِلمَهُ السابقُ علم بأن هذا سيقَعُ، وعِلمُه اللاحقُ عِلم بأنه واقعٌ، هذا الأول.
ثانيًا: عِلْمُه السابقُ لا يترتبُ عليه مجازَاةٌ، إذ لا مجازَاةَ إِلَّا بعدَ الاختبارِ، وعِلمُه اللاحق يتَرتَّبُ عليه مجازاةٌ.
إذنْ: كلما رَأَينا اللَّهَ تعالى عبَّر في القرآنِ عن عِلْمِه بالمستقبل، فإننا نَحْملُه على عِلمِ المشاهَدَةِ والمجازَاةِ، وليس على العِلمِ السابِقِ في الأزلِ؛ لأن العِلمَ السابقَ في الأزَلِ ثابت قبلَ أن يُخلَقَ الناسُ، فَضْلًا عن كونِه قبلَ أن يَعمَلُوا، ولكنَّ العلمَ الذي يترتبُ عليه المجازاةُ والمشاهدةُ ما كان بعدَ ذلك ووَقَع، وقد تقدم ذلك.
قَالَ المُفَسِّر: [{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} بِقُلوبِهِمْ]: يعني: لا بألْسِنَتِهِمْ،
وأما الإيمانُ الذي تقدَّمَ ذِكرُه في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} هذا إيمانٌ باللِّسانِ لا ينْفَعُهُم عندَ اللَّه، صحيحٌ أنه ينْفَعُ في الدنيا، ولهذا لم يَقْتُلِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المنافِقينَ مع عِلمِه بهم، لكنه امتَنَعَ عن ذلك لأن ظاهِرُهم الإسلامَ، ولو أنه قتَلَهم لكان في ذلك وسيلِةٌ إلى أن يُقْتَلَ المسلم بحُجَّةِ أنه منَافِقٌ، مع أن ما في قَلبِهِ لا يعْلمُهُ إِلَّا اللَّه، ولهذا قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَن مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"
(1)
.
والحمدُ للَّه أن هذا هو الشَّرْعُ؛ لأنه لو كانَ الأمرُ خلافَ ذلك لاستطاعَ أيُّ ظالمٍ إذا رأى شخصًا مُتَدَيِّنًا أن يقول: إنه منافِقٌ ومُراءٍ وكافرٌ في الباطنِ، ثم يقْتُله، ولكن من نِعمَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى أن الشَّرع جعلَ الحُكم في هذه الدُّنيا على الظواهِرِ، أما في الآخرة فعَلَى السَّرائرِ.
قَالَ المُفَسِّر: [{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} فَيُجَازِي الفَريقَينِ]: المؤمنُ يجَازِيهِ جزاءَ المؤمِنِ، والمنافقُ يُجازِيه جزاءَ المنافِق، وجزاءُ المنافِق أنه في الدَّرْكِ الأسفلِ مِنَ النار، والعياذُ باللَّهِ، قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145].
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [وَ (اللامُ) فِي الفِعْلينِ لامُ قَسمٍ]: والفِعلانِ هُمَا (ليَعْلَمَنَّ) الأول، والثاني، في قولِهِ تعالى:{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} ، فالجُملة مُؤكَّدَةٌ بثلاثَةِ مؤكِّدَاتٍ.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب التفسير، باب قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} ، رقم (4622)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، رقم (2584).