الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نحنُ نُخبرُ الناسَ لأجلِ أن يتَهَيَّئوا ويتَرَقَّبوا لذلك، حتى يأتيَ الكُسوفُ وهم مستعدون له، كأنه هلالُ عيد يَخْرُج حتى يخْرُجوا إلى المصَلَّى، وهذا غَلَطٌ.
وأنا أَذْكُرُ، والمتقدِّمُ في السِّنِّ يَذْكُرُ أن الناس كانوا إذا جاءَ الكسوفُ يحصلُ عندهُم مِنَ الخوفِ والانزعاجِ والفَزعِ كما أمرَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام به، الفَزَعُ إلى المسجدِ والبكاءِ، أما الآن -فنسأل اللَّه العافية- تَرَى بعضَ الناس يشاهدُ الكُسوفَ، وعنده آلاتُ لهو تُغَنِّي وما أشبه ذلك؛ المهِمُّ أن هذه الآيات لا ينْتَفِعُ بها إلا المؤمِنُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: بيانُ طُغيانِ قومِ إبراهيمَ عليه السلام، حيث إنه يَدُلَّهُم على الحقِّ ولكون هذا جوابُهُمْ.
الفَائِدةُ الثَّانِية: اختلافُ قومِ إبراهيمَ عليه السلام فيما يَصْنَعونَ به ثم قرَّروا إحراقَهُ، وذلك بناء على الجَمعِ بين هذه الآية وبينَ آيةِ الأنبياء، قال سبحانه وتعالى:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} .
الفَائِدةُ الثَّالِثة: تمامُ قُدْرَةِ اللَّهِ، حيث كانت هذه النَّارُ المحرقِةُ برْدًا وسلامًا على إبراهيم؛ لأن هذا مِن آياتِ اللَّه الدَّالَّةِ على قُدرَتهِ.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: أن كلَّ مَن قامَ للَّه فإنَّ اللَّه يُنَجِّيهِ بمَفَازَتهِ، يعني: يُنْجِيهِ في موضعِ هَلاكِهِ، قال تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} .
الفَائِدةُ الخامِسَةُ: أن اللَّهَ سبحانه وتعالى يُقَدِّرُ مِنَ الأمورِ لإنْجاءِ أوليائهِ ما لا يخْطُرُ بالبالِ، وإلا فمَن يخطُرُ ببالِهِ أن هذه النارَ العَظيمةَ تكون بَرْدًا وسَلامًا؟ ولكنَّ اللَّه سبحانه وتعالى يُقَدِّرُ لأوليائِهِ مِن أسبابِ النَّجاةِ ما لا يخْطُرُ لهم على بالٍ.
الفَائِدةُ السَّادسَةُ: أن الجماداتِ تَعْرِفُ رَبَّها فتَمْتثِلُ لأمرِهِ؛ لأن اللَّه جَلَّ وَعَلَا قالَ لهذه النَّارِ: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} .
الفَائِدةُ السَّابِعة: أن الأسبابَ لا تَفْعَلُ فِعلَها إلا بإرادَةِ اللَّه عز وجل، فالأسبابُ مهما قَوِيَتْ لا تَفعلُ الفِعلَ إلا بإذنِ اللَّه عز وجل، فمعنى أن اللَّهَ تعالى قد يمْنَعُ تأْثِيرَها، فالنارُ سببٌ للإحْراقِ بلا شَكٍّ، وهنا سُلِبتْ هذه السَّبَبيةَ ولم تؤثِّر.
الفَائِدةُ الثَّامِنة: أن الآيات لا ينْتَفِعُ بها إلا المؤمنونَ، لقولِهِ:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وقوله هذا لا ينَافي ما جاءَ في عِدَّةِ آياتٍ كقولِه تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، وكقولِه تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُتَفَكَّرُونَ} وما أشبَه ذلك؛ لأن العَقلَ والتَّفَكُّرَ ونحوهما من مقْتَضَياتِ الإيمانِ، فكلَّما كانَ الإنسانُ أقْوَى إيمانًا كانَ أكثرَ عَقلًا وتفَكُّرًا، والتفكُّرُ أيضًا يدْعُو إلى الإيمانِ، فهُمَا متَلازِمَانِ.
لو قالَ قائلٌ: هل ثبتَ أن أحدَ الصَّحابة نَجَا مِنَ النَّارِ بعدَ إلقائه فيها وكانت آيةً كإبراهيمَ عليه السلام؟
فالجواب: نعم ثبت ذلك، ذكره ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية
(1)
، وقال: إنه ما مِنْ آيةٍ لنبيٍّ سابِقٍ إلا كانت آيةً للنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أو أعظمَ، لكن منها ما جَرى للرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام نفْسِهِ، ومنها ما جَرَى لأمَّته، وما جَرى لأُمَّتِه فإنه من آياتِهِ لأنه يشهدُ بصِحَّةِ الطريقةِ التي هُم عليها، فيكونُ ذلك مِنْ آياتِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام.
(1)
البداية والنهاية (9/ 310).