الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (65)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
* * *
قوله: {فَإِذَا رَكِبُوا} الضمِيرُ يعودُ على المشْرِكِينَ، يعني: سَلْ هؤلاءِ عن آلهَتِهِمْ هل هُمْ يَرْجِعونَ إليها عندَ الشَّدائدِ أم يَعْتَرِفُونَ بأنه لا يُفرِّج الكربَ والشدَّةَ إلا اللَّهُ؟
الجوابُ الثَّانِي: فهم معتَرِفُونَ بأن أصنَامَهُم لا تَنْفَعُهُم، واعتَرفُوا فيما تقَدَّمَ منَ الآياتِ بأن الذي خلقَ السمواتِ والأرض هو اللَّه سبحانه وتعالى، وأن الذي يُنزِّل مِنَ السماءِ مَاءً هو اللَّه جَلَّ وَعَلَا، وأن الَّذِي سَخَّرَ الشَّمسَ والقمَرَ هو اللَّه جَلَّ وَعَلَا، وأن الذي يَدْفَعُ الضُرَّ هو اللَّه جَلَّ وَعَلَا كما في هذه الآيَةِ.
قوله: {الْفُلْكِ} السُّفُن أو السفينة؛ لأنه لفْظٌ صالِحٌ للجَمْعِ والمفْردِ، قال سبحانه وتعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22]، فالفُلْكُ هنا مُفْرَدٌ.
قوله: {دَعَوُا} : الفعلُ أصْلُهُ (دعا) فحُذِفَتِ الألِفُ وبقِيَتِ الفتْحةُ دَليلًا عليه، و (الواو) ضميرٌ في محلِّ رفعٍ، حُرِّكَتْ بالضَّمِّ لالتقاءِ الساكنين، سكونُ الواوُ وسكون (ال) في لفظِ الجلالةِ، وإن كانتِ القاعِدَةُ أن تُحذَفَ الواوُ، وقد تَقَدَّمَ قولُ
ابنِ مالك رحمه الله في الكافية:
إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكسِرْ مَا سَبَقْ
…
وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًا فَحَذْفُهُ اسْتَحَقْ
لكنَّ حذْفَ الواوِ هنا غيرُ ممكنٍ؛ لأننا لو حَذَفْنَا الواوَ استَلْزمَ ذلك إرجاعُ ألِفِ الفِعْلِ، وهذا يؤَدِّي إلى أنه لا يكونُ لدَينا دَليلٌ على الضَّمير، فصارَ وجودُ الضمير لا بُدَّ منه، وحُرِّكَ بالضمِّ لأنه يجَانِسُ الواو، ولأن ظُهورَ الفتحةِ على الواوِ ثقيلٌ جدًا، والضَّمة أقربُ لمجانَسَتِهَا الواو، وهذا كثير في القرآنِ.
قوله: {دَعَوُا اللَّهَ} دعاءُ مسألَةٍ.
وقوله: {مُخْلِصِينَ} الإخلاصُ: تَنْقِيَةُ الشيءِ عما يَشُوبُهُ، فمعنى {مُخْلِصِينَ لَهُ} أي: لا يجْعَلُونَ مع هذا الدعاءِ دعاءً لشيءٍ مِنَ الأصنامِ.
قَال المُفَسِّر رحمه الله: [{لَهُ الدِّينَ} أي: الدُّعاءُ]: لأن الدُّعاءَ عِبادَةٌ فهو مِنَ الدِّينِ؛ لأن الإنسان حين يدْعُو رَبَّهُ متَعَبِّدًا يَشْعُرُ بأنه سيُثَابُ على هذا فيكون من الدِّينِ، ولهذا قالَ:{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
قوله رحمه الله: [لَا يَدْعُونَ مَعهُ غَيْرَهُ] لأنهم في شِدَّةٍ لا يكْشِفُهَا إلا اللَّهُ، وهم بذلك معْتَرِفُونَ ومضَطَرُّونَ؛ لأن الواحدَ منهم في هذه الحالِ لا يُمكِنُ أن يَدْعُو صَنَمًا؛ لأنه يعْلمُ أن الصَّنَمَ لا ينْفَعُه، فلا يَدْعُونَ إلا اللَّه، وهذه حُجَّةٌ رابِعَةٌ عليهم:
الحُجَّةُ الأُولَى: خَلْقُ السمواتِ والأرضِ.
الحُجَّةُ الثانيةُ: تَسْخِيرُ الشمسِ والقمرِ.
الحُجَّةُ الثالثةُ: إنزالُ الماءِ مِنَ السماءِ وإحياءِ الأرْضِ.