الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: أن الرِّزْقَ بيدِ اللَّه عز وجل، فإن كان كذلِكَ فهو الذي يَطْلُبُ منه الرِّزقَ.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أن إثباتِ القَدَرِ لا يَعْنِي الكفَّ عنِ الأسبابِ، ففي هذه الآية بَيَّن اللَّهُ أن بسطَ الرِّزْقِ وتقديرَه بِيَدِهِ، وفي آيةٍ أُخْرَى يقولُ عز وجل:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]، لم يقل: نَامُوا عَلَى الفُرَشِ ويأتِيكُمْ الرِّزْقَ، بل قالَ:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} .
فالقَدَرُ لا يُنافِي فِعلَ الأسبابِ؛ لأنه قد يكونُ مُقَدَّرًا عليك بهذا السبب، كما أن دُخولَ الجنَّةِ والنجاةِ مِنَ النَّارِ له سببٌ وهو العملُ، فإذا لم تَعْمَلْ لم يحصلْ لك الفوزُ بالجنَّة والنَّجاةِ مِنَ النارِ.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: إثباتُ كمالِ التَّصَرُّفِ للَّهِ عز وجل لقولِهِ: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} ، وقال تعالى في آيةٍ أُخْرَى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]، فهو سبحانه وتعالى له التَّصَرُّفُ المطْلَقُ في مخلوقَاتِهِ.
الفَائِدةُ الرَّابِعة: إثباتُ المشَيئَةِ، لقولِهِ:{لِمَنْ يَشَاءُ} فمَشِيئَةُ اللَّه جَلَّ وَعَلَا تَتَعَلَّقُ بما يحبُّه وبما يَكْرَهُهُ، والمسلمون مجمعونَ على قولهم:"ما شَاءُ اللَّهُ كانَ وما لم يشأ لم يَكُنْ".
وأما إرادَتُهُ سبحانه وتعالى فَفِيهَا تَفْصِيلٌ، فإرادتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَتَعَلَّقُ بما يحبُّهُ جَلَّ وَعَلَا، وإرادَتُهُ الكَوْنِيَّةُ تتَعَلَّقُ بما يُحِبُّه وما لا يُحِبُّهُ سبحانه وتعالى.
الفَائِدةُ الخامِسة: إثباتُ عِلمِ اللَّه عز وجل، لقوله:{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وأنه عامٌّ في كلِّ شيءٍ، فيشْمَلُ الصغيرَ والكبيرَ، ويشْمَلُ ما يتَعَلَّقُ بفعْلِهِ وما يتعلق بفعلِ عِبادِهِ، وإذا كان يَعْلَمُ فِعْل عبادِهِ لزم أن يكونَ مُقَدَّرًا له؛ لأنه إذا كانَ عالمًا به فإنه لا يمْكِنُ أن يقَعَ خلافُ مَعْلُومِهِ، وحينئذٍ يكون مقَدَّرًا له، وقد قال الشافعي رحمه الله في المعْتزلَةِ والقَدَرِيَّةِ:"جَادِلوهُمْ بالعِلْمِ، فإن أنكْرُوه كَفَروا وإن أقَرُّوا بِه خُصِمُوا"
(1)
. وهذا صحيحٌ، وهذه الحُجَّةُ قائمةٌ وقَيِّمَةٌ.
الفَائِدةُ السَّادسَة: فَضْلُ اللَّه عز وجل بالرِّزْقِ سواء كان مَقْدُورًا أو مَبْسُوطًا، ولا نقول:(مُقَدَّرًا) بل الصواب: (مقدورًا) لأنه اسم مفعول من فعل ثلاثي لا رُبَاعِيِّ.
* * *
(1)
انظر: جامع العلوم والحكم (1/ 27)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/ 302)، ومجموع الفتاوى (23/ 349).