المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (59) * * * * قالَ اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ صَبَرُوا - تفسير العثيمين: العنكبوت

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآيات (1 - 3)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12، 13)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (14)

- ‌الآية (15)

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (17)

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (23)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌(الآية: 34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36 - 37)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (46)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (49)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (50)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (52)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيات (53 - 55)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (56)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (57)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (58)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (59)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (60)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (61)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (62)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (63)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (64)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (65)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (66)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (67)

- ‌الآية (68)

- ‌الآية (69)

الفصل: ‌ ‌الآية (59) * * * * قالَ اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ صَبَرُوا

‌الآية (59)

* * *

* قالَ اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت: 59].

* * *

إعراب: {الَّذِينَ صَبَرُوا} فيه ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:

الوجهُ الأوَّلُ: أن يكونَ خَبَرًا لمبتدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: همُ الَّذين صَبَرُوا.

الوجه الثاني: أن يكونَ نَعْتًا مَقْطُوعًا فيكونُ مَنْصُوبًا على المدْحِ، يعني: أمْدَحُ الذين صَبَرُوا.

الوجه الثالثُ: أن يكونَ صِفَةً للعَامِلينَ فيكونُ نَعْتًا مَوْصُولًا.

قَال المُفَسِّر رحمه الله: [{الَّذِينَ صَبَرُوا} أيْ: عَلَى أَذَى المشْرِكِينَ والهِجْرَةِ لإظهارِ الدِّينِ]: صبَرُوا على أمْرَيْنِ: على أَذَى المشْرِكِينَ، وعلى الهجْرَةِ لإظهارِ الدِّينِ؛ لأن في كِلَيْهَما مَشَقَّةٌ على النُّفوسِ، فهم صَبَرُوا على أَذَى المشركين المتَنوِّعِ بالقولِ وبالفِعْلِ، كما يقال: حربُ الأعْصابِ والمضَايقاتِ النَّفْسِيَّةِ، وصبَرُوا كذلك على الهجرةِ مِنْ بلادِهِمْ التي سَكَنُوهَا وأقاموا فيها إلى بلاد أخرى يكونون فيها غُرباءُ، كل هذا لا شك أن فيه مَشَقَّةٌ على النُّفوسِ.

وإنما خصَّ المُفَسِّر الصَّبرَ بهذينِ الأمْرَيْنِ لتَعْيِينِ السِّياقِ لهما، إذ إن السياقَ كُلَّهُ في مسألةِ الهجْرَةِ، ولو قيلَ بالعُمومِ لكانَ أَوْلَى، أَيْ:{الَّذِينَ صَبَرُوا} على كُلِّ ما أُمِرُوا بالصَّبْرِ عليه، فهم صَبروا على أقسامِ الصَّبْرِ الثلاثةِ: صَبَرُوا على طاعةِ اللَّهِ،

ص: 353

ومجاهَدَةِ النَّفْسِ على فعلها وإتمْامِهَا وإتقَانِهَا، وصَبَرُوا على المعصيةِ بحَبْسِ النَّفْس عن فعلها، وصَبَرُوا على أقْدارِ اللَّه فحَبَسُوا أنْفُسَهُم عن التَّسَخُّطِ على القَدَرِ. فإن مقاماتِ المصابِ بأَذَى أربعةٌ.

وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ} متَعَلِّقٌ بـ {يَتَوَكَّلُونَ} ، وقدَّمَ الجارَّ والمجْرُورَ على عامِلِهِ لإفادَةِ الحصْرِ.

والتوَكُلُّ معناه: الاعتمادُ، وعرَّفَهُ بعْضُهم بقَولِهِ: صِدْقُ الاعتمادِ على اللَّه في جلبِ المنَافِعِ ودَفْعِ المضارِّ مع الثِّقَةِ به سبحانه وتعالى.

وقوله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ} أي: لا يتَوَكَّلُونَ على غيرِهِ.

واعلم أن التَّوَكُّلَ ينْقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقْسامٍ:

الأولُ: توَكُلُّ عبادَةٍ مَقْرُونٌ بالخَشْيَةِ والمحَبَّةِ والتعظيمِ، وتفويضِ الأمر تَفْوِيضًا كاملًا إلى المعتَمَدِ عليه، وهذا النوعُ لا يجوزُ إلا للَّه عز وجل.

الثاني: توكُّلُ اعتمادٍ بلا عبادة، بمعنى أن الإنسان يَعْتَمِدُ على غَيْرِهِ، لكنَّه اعتمادٌ لا يَشْعُرُ معه بأنه متَذَلِّلٌ وخاشٍ له ورَاغِبٌ إليه، وهذا القِسْمُ إذا كان على ما يمكن الاعتمادُ عليه فهو شَرْكٌ أصْغَرُ، وإن كان على ما لا يُمْكِنُ الاعتمادُ عليه فهو شِرْكٌ أكبْرُ، يعني: إذا كان على ميِّتٍ أو غائبٍ لا يمكنك أن تعْتَمِدَ عليه فيكون شِرْكًا أكبرَ؛ لأنه ليس لذلك معنى إلا أن تَعْتَقِدَ أن هذا المعتَمَدَ عليه متَصَرِّفٌ في الكُونِ بغير مباشَرَةٍ، وهذا يحْصُلُ لكثيرٍ مِنَ المشْركِينَ الذين يعْتَمِدُون على الأمواتِ والأولياءِ وإن كانوا بَعِيدِينَ.

أما إذا كان يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وهو يُمْكِنُ أن يكونَ سَبَبًا في جَلْبِ المنفعةِ أو دفْعِ

ص: 354

المضَرَّةِ، لكنه مُعْتَمِدٌ عليه على أنه أعْلى مِنْهُ، فإن هذا نوعٌ مِنَ الشِّرْكِ الأصغرِ، مثل اعتمادِ كثيرٍ من الناسِ الآن على رَواتِبِ الدَّولَةِ وما أشبه ذلك، فكونك تَعْتَمِدُ على الدولة على أنها مصدرُ رِزْقِكَ، فإن هذا نوعٌ مِنَ الشركِ الأصغر لأن الدولَةَ ليستْ إلا مجردَ سَببٍ، ولهذا من كان على هذا الحالِ تَجِدُه يُرَاعي المُتَوكَّل عليه ويخَافُه وربما يَتْرُكُ ما أَوْجَبَ اللَّه عليه مُراعَاة لَهُ ومُدَاهَنَةً، أو يَفْعَلُ ما حرَّمَ اللَّه عليه منْ أجْلِهِ.

أما القِسْمُ الثالثُ: فهو الاعتمادُ على الغَيْرِ لا على سَبيلِ الخشْيَةِ والخوفِ والرَّغْبَةِ ولا على سَبيلِ أنه يَشْعُرُ أنه أعْلى مِنْهُ، بل على سَبيلِ أنك أنْتَ الَّذِي فوقَهُ وأنت الذي تُدَبِّرُهُ فتَعْزِلُ وتُنَصِّبُ، فهذا جائز ولا حرجَ فيه، وقد وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يَبْعَثُ السعاةَ تَوْكيلًا لهم على مَا يُرِيدُ، فهذا لا بأسَ بِهِ.

وهذا القِسْمُ يحصُلُ عن طريقِ الوِكَالَةِ، فعِنْدَمَا أُوَكِّلُ إنسانًا أن يَشْتَرِيَ لي شَيئًا أو يَبِيعَ لي شَيئًا وما أشْبَه ذَلِكَ، فأنا معتَمِدٌ عليه في هذا الأمرِ، لكن ليس على سَبيلِ الاحْتِياجِ إليه وأنه أعْلَى مِنِّي، بل على العَكْسِ؛ على سبيل الاعتقادِ بأنِّي أعْلَى منه، لا سِيَّما إذا كان بِعِوَضٍ، وأن الأمرَ إليَّ بشَأْنِهِ إن شئت عَزَلَتُ وإن شئت نَصبت.

وقد أجمعَ العلماء على جوازِ التَّوكِيلِ بالبَيْعِ والشِّراءِ وغير مما تَدْخُلُ فيه الوِكالَةُ، والمراد من قوله تعالى:{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} القِسْمُ الأوَّلُ والثاني بنَوْعَيْهِ، فإنهم لا يعْتَمِدُونَ على أحدٍ سِوَى اللَّه عز وجل في جَلْبِ المنَافِعِ ودَفْعِ المضَارِّ.

واعلم أن التَّوَكُّلَ أحدُ شَقَّي الدِّينِ، فإن الدين مُكَوَّنٌ منْ أمْرَيْنِ: من عِبَادَةٍ واسْتِعَانَةٍ، كما قال سبحانه وتعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وقال تعالى:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وهذا كثيرٌ في القُرآنِ؛ لأن العبادةَ

ص: 355

لا تَكُونُ إلا بفعلٍ مِنَ العَبْدِ وبمَعُونَةٍ مِنَ اللَّه سبحانه وتعالى، ويجبُ على المرءِ عِنْدَما يتَعَبَّدُ للَّه أن يكونَ مُعْتَمِدًا على ربِّهِ؛ لأن اللَّه لو وَكَلَهُ إلى نفْسِهِ لوكَلَه إلى ضَعْفٍ وعَجْزٍ وعَوْرَةٍ، فلا يستَطِيعُ أن يقومَ بما أوْجَبَ اللَّه عليه.

قوله: [{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فيَرْزُقُهم مِنْ حيثُ لا يَحْتَسِبُونَ]: هذه الجملةُ من المُفَسِّر رحمه الله لا تُناسِبُ التَّوَكُّلَ؛ لأن الذي يُنَاسبُ التوكُّلَ أن يقول: فيكونُ حَسْبُهُم، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أما الرِّزْقُ من حيثُ لا يَشْعُرُ فيُنَاسِبُه التَّقْوَى لقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، وفرْقٌ بينَ الأمْرَينِ، لكنَّ المُفَسِّر رحمه الله أتى بهذه الجُملةِ توطِئةً لما بعدها، وهو قوله سبحانه وتعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ، وإلا فبالنظَرِ إلى الآيةِ المفَسَّرَةِ لا يناسِبُها هذا القولُ.

لو قال قائل: التوَكُّل ينَاسِبُه الرِّزْقُ؛ لأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَما يَرْزُقُ الطَّيْرُ. . . " الحديث

(1)

، فكيفَ الجوابُ عن هذا؟

فالجواب: معْنَى الحديثِ لو تَوَكَّلْتُمْ علَى اللَّه في طَلَبِ الرِّزْقِ، لكِنَّ التَّوَكُّلَ المطْلَقَ هو أن يكونَ اللَّهُ حَسْبَهُ، فيقول: حَسْبُنَا اللَّهُ ونَعْم الوكيلُ.

فهل اللَّه سبحانه وتعالى يكونُ وَكِيلًا ومُوَكِّلًا؟

الجواب: نعم يكون اللَّه وكيلًا، وهذا كَثيرٌ في القُرآنِ، وقال تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 3]، ومثلها قوله تعالى:{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39].

(1)

أخرجه الترمذي: كتاب الزهد، باب في التوكل على اللَّه، رقم (2344)؛ وابن ماجه: كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، رقم (4164)؛ وأحمد (1/ 30)(205) عن عمر بن الخطاب.

ص: 356