الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى العَامِّي وتقول: ما دليلُ الإرادة عقلًا؟ ما أَدْرَكَ هذا، ولو تقول له: إنزالُ المطرِ بعدَ الجدْبِ حتى تَخْصِبَ الأرضُ، ورِزْقُ اللَّه المال للفقيرِ فيُصْبِحُ غَنِيًّا بعد الفقر؛ على ماذا يدل؟ لأجاب العامي: يدلُّ على أن اللَّه رَحِيمٌ، فدلالَةُ الواقع الذي لا يُحْصَى مِن نِعِمَ اللَّه على رَحمةِ اللَّه أبلغُ من دَلالة التَّخْصِيص على الإرادة، ومع ذلك يَزْعُمونَ أنهم أهلُ العقلِ.
وأما قولهم: إن الرحمةَ معناها اللِّينُ والرِّقَّةُ، واللَّه سبحانه وتعالى منزه عن ذلك.
فالجواب عن هذا مِنْ ثلاثَةِ أوْجُهٍ:
الوجهُ الأولُ: نقول: هذا لازِمٌ؛ لكن في رَحْمَةِ المخلوقِ ورَحْمَةُ الخالق غيرُ رَحْمَةِ المخلوقِ.
الوجه الثاني: أن الرِّقَّةَ واللِّينَ ثابِتَةٌ للَّه عز وجل، واللِّينُ للغَيْرِ لإيصالِ الإحسانِ إليه ليس بصِفَةِ نَقْصٍ.
الوجه الثالثُ: أن الرَّحْمَةَ ليست هي الرِّقَّةُ واللِّينُ، فقد يَرْحَمُ الملِكُ فَقِيرًا من أفرادِ رَعِيَّتِهِ ويعْطِفُ عليه وهو باقٍ على عِزَّتِهِ ومُلْكِهِ، ولا ينْحَطُّ عنْ رُتْبَةِ القُوَّةِ والحَزْمِ.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: حِكْمَةُ اللَّه سبحانه وتعالى في إنزالِ المطَرِ منَ السماءِ.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أنه لا يَقْدِرُ على إنزالِ المطرِ منَ السماء إلا اللَّه عز وجل.
الفَائِدةُ الثَّالِثةُ: عَجْزُ هؤلاء الذين أعْطاهُم اللَّه تعالى مِنَ الصَّنائعِ أن يُنْزلُوا المطرَ منَ السماء؛ لأن هذا خاصٌّ باللَّهِ عز وجل.
الفَائِدةُ الرَّابِعةُ: قُدرةُ اللَّهِ سبحانه وتعالى على إحياءِ الموْتَى، لقولِهِ:{فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} .
الفَائِدةُ الخامِسَةُ: أن الجمادَ يوصَفُ بالحياةِ وبالموتِ.
الفَائِدةُ السَّادسَةُ: قياس الغائبِ على الشَّاهِدِ، الغائبُ هو البعث وإحياءُ الناسِ بعد الموتِ، والشاهِدُ هو إحياءُ الأرض بعدَ مَوْتِهَا.
الفَائِدةُ السَّابِعة: اعتبارُ القِياسِ الصحيحِ خِلافًا لمن أنْكَرَهُ أو غَلا فِيه؛ لأن الناس انْقَسَمُوا فيه إلى قسمين: منهم مَنْ غَلا، ومنهم من أنْكَرَهُ، يعني: منهم من أنكرَ القِياسَ مُطْلَقًا كابنِ حزْمٍ رحمه الله، ومع ذلك يَقيسُ أحيانًا، ومنهم من غَلا فيه وتجاوزَ الحدَّ حتى بلغ بهم أن يَقيسُوا صِفاتِ الخالقِ بصِفَاتِ المخلوق كالمشبِّهَةِ.
الفَائِدةُ الثَّامِنة: حسنُ مناظَرَةِ القُرآنِ ومجادَلَتِه، وأن مناظَراتِه ومجادَلاتِهِ تكونُ ملْزِمَةً، وجهُ ذلك: أن إقْرارَهم بتَوحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ مُلْزِمٌ لهم أن يقرُّوا بتوحيدِ الألوهية وكمالِ صِفاتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
الفَائِدةُ التَّاسِعة: وجوبُ إعلانِ الثَّناءِ والحمدِ للَّه سبحانه وتعالى أمامَ المشْرِكينَ، لقوله:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} .
الفَائِدةُ الْعاشِرَةُ: إقرارُ المشْرِكينَ بما يختَصُّ به اللَّهُ سبحانه وتعالى من القُدرةِ، هو في الحقيقةِ كمالُ للَّه عز وجل، ولهذا أمَرَ نَبِيَّهُ أن يُثْنِيَ عليه بالحمدِ، وأن يصِفَهُ بالحمدِ بعدَ إقْرارِهِمْ، كما فَي قوله تعالى:{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .
الفَائِدةُ الحَادِيةَ عشْرَةَ: أن أكثرَ هؤلاءِ المشْرِكينَ سُفهاءُ، وأن أكْثَرَهُمْ غيرُ عقلاءِ؛ لأنهم لو كانُوا عقلاءُ لعَرَفُوا اللازمَ ومَلْزُوماتِه وأقَرُّوا به، لقوله عز وجل:
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} .
الفَائِدةُ الثانيةَ عشرةَ: أن الأشاعِرَةَ ونَحْوهُم فيما ذَهَبُوا إليه من إثباتِ بعضِ الصِّفَاتِ وإنكارِ بَعْضِها؛ ليس عندهُمْ مَعْقولٌ؛ لأنهم يُنكِرُون ما يُقِرُّونَ بمثله أو دُونَه، وتقدَّم أن كلَّ من أقرَّ بشيءٍ مِنْ صفاتِ اللَّه تعالى وأفعالِهِ وأنْكَرَ آخر؛ فهو دَليلٌ على قِلَّةِ عَقلِهِ، وليس المرادُ بالعَقْلِ هنا عقلُ الجنونِ، بل عقْلُ الرَّشَدِ والهِدَايَةِ، وكذلك ليس عند هؤلاءِ الأشاعِرَةِ أثرٌ منقولٌ.
* * *