الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (28)
* * *
* قالَ اللَّه عز وجل: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28].
* * *
قَال المُفَسِّر رحمه الله: [(و) واذْكُرْ (لُوطًا)]: فيكونُ مَفْعُولًا لفعْلٍ محذوفٍ تقدِيرُهُ: (اذكر)، والأمرُ بذِكْرِ هؤلاءِ الفُضلاءِ مِنَ الأنبياءِ ليس لمجَرَّدِ الثناءِ عليهم وإعلاءِ رُتْبَتِهِمْ بينَ النَّاسِ، بل لهذا الغرضِ ولغرضٍ آخرٍ، وهو الاقتِدَاءُ بهِمْ واتِّبَاعُهم والصبرُ كما صَبروا.
قَال المُفَسِّر رحمه الله: [{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ} بتَحْقِيقِ الهَمْزتَينِ وتَسهيلِ الثانِيَةِ، وإدخالِ ألفٍ بينَهُما على الوَجْهَيْنِ في الموضُوعَينِ]: هذه قراءاتٌ في الآيَةِ، والمؤلِّفُ رحمه الله ذَكَر القِراءاتِ التي في الآيَةِ ولم يُشِرْ إلى القِراءةِ التي في المصْحفِ، وكان ينبَغِي أن يُشيرَ إليها، وقوله رحمه الله:[بتَحْقيقِ الهَمْزَتَيْنِ]، أي: إثباتُ الهمْزتَيْنِ، وقولُهُ:[تَسْهيلُ الثَّانِيةِ]، التَّسْهيلُ: هو النُّطقُ بالهمزَةِ مسهَلَّةً بينَ الهمزةِ والحرْفِ الذي تشَكَّلْت منه، أي: تُنْطق بين الهَمزةِ والياءِ، والإدْخَالُ: هو إدخالُ أَلِفٍ بينَ الهمْزتَيْنِ هكذا "أائنَّكُمْ".
قَال المُفَسِّر رحمه الله: [فِي الموضِعَيْنِ]، الموضعانَ هُما قوله عز وجل:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} ، والثاني قوله تعالى:{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} [النمل: 55].
هذه القِصَّةُ كغَيرِها مِنَ القِصَص تَردُ في القرآنِ الكَريمِ على وُجُوه متَنَوِّعَةٍ، فكيف نجْمعُ بين هذه الوُجوهِ في قصَّةٍ واحِدَةٍ؟
نقول في الجمعِ: إن كان مما يمكن أن يتَكَرَّرُ فإنها تكون قد تكرَّرتْ على الوجهينِ، وإن كان مما لا يُمِكُنُ تكَرُّرِهِ فإن اللَّه تعالى يَحْكِيهَا بالمعنى هذا تارة وبالمعنى هذا تارة.
مثال ذلك: يقولُ اللَّه سبحانه وتعالى في هذه الآيةِ في قصَّةِ لُوط: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} وفي آية أخرى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} النمل: 54]، فَفِي هذه الآية قالَ سبحانه وتعالى:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وفي الآية الأُولَى قال: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} وهذا اختلافٌ، والجمعُ بينها الوجهُ الأَوَّلُ هو تعدُّدُ القولِ، فمرَّةً قال لهم:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} ومرة قال لهم: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} ، وهذا لا إشكالَ فِيهِ.
وكذلك في قصَّةِ فِرعونَ قال سبحانه وتعالى: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34]، وفي سورة الأعراف:{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 109]، والجمعُ بينَ الآيتْينِ أن كلَّهُم قالوا ذلك.
فإذا أمكنَ التَّعَدُّدُ سواءٌ مِنَ القائلِ أو بالقولِ حُمِلَ عليه، فإذا لم يمكن التَّعَدُّدُ يكونُ من بابِ نقْلِهِ بالمعنى، واللَّه سبحانه وتعالى يتكَلَّمُ به في كُلِّ موضِعٍ بما يُناسِبُه وبما تقْتَضِيهِ البلاغَةِ.
قوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} ، اللام في قولِهِ:{لَتَأْتُونَ} لام التَّوكِيدِ، و (تأتون) بمعنى تَجِيئونَ، والاستفهامُ في قولِهِ:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} للإنكارِ والتَّوبِيخِ،
وأكَدَّ هذا الإنكارَ باللامِ.
وقوله: {الْفَاحِشَةَ} اللام هنا للعَهْدِ، أي: الفاحِشَةُ المعلُومَةُ لديكم ودخلت (ال) عليها لعِظَمِها وقُبْحها، وفي بابِ الزِّنَا قالَ اللَّه سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وفي نِكاحِ المحَارِمِ قال سبحانه وتعالى:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22]، فهذه ثلاثةُ تَعْبِيراتٍ، في اللُّواطِ وصَفَهُ اللَّه بالفاحِشَةِ بما نقله عن لُوطٍ، وفي باب الزِّنَا قال:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} ، وفي نِكاحِ المحَارِمِ قال:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} ، إذنْ: نكاحُ المحارِمِ أعظمُ مِنَ الزِّنَا؛ لأنه وُصِفَ بوَصْفين سَيِّئَيْنِ: الفاحِشَةِ والمقْتِ، واللِّواطُ أقبحُ منهما من حيث الوصفِ فإنه الفاحِشَةُ التي تُسْتَفْحَشُ عند جميعِ النَّاسِ.
قَال المُفَسِّر رحمه الله: [{لتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} أيْ: أَدْبَارَ الرِّجالِ]: -أعوذُ باللَّه- أدبارُ الرِّجالِ هذا لا شكَّ أنه فاحِشَةٌ، كلُّ ذِي عَقْلٍ سليمٍ يستَفْحِشُهُ، أما من نَكَسَ اللَّهُ قَلبَهُ فلا تَستَغْرِبْ إذا قال: ليس بفاحشةٍ، كما أن الذين يَعبدُونَ الأصنام يَرَونَ أن ذلك منْقَبَةً وحَسَنَةً، فكذلك الذين يفعلون هذه الفاحِشَةَ يستَحْسِنُونَ هذا الأمر، ومن عجبٍ أن الواحدَ منهم يأتي الذَّكَرَ في حال شَبابِهِ، وهذا المأتي إذا كَبِرَ أتى غيره فيكون فاعلًا ومفعولًا بِهِ.
قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ} .
{مَا} : نافِيَةٌ.
{مِنْ أَحَد} : فاعل (سبَق)، وحرفُ الجرِّ زائدٌ للتَّوكِيدِ، أي: ما سبَقَكُم بها أحدٌ.