الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقدم التاجر للبنك فاتورة البضاعة فيشتريها ثم يشتريها التاجر من البنك بزيادة ربح للبنك
الملقي: أيوه، أنا أقول لك تاني عندي مسألة في هذه البنوك، في أن البنك يقدم إليه فاتورة لبضاعة ثم يدفع البنك قيمة الفاتورة، ويسدد، ثم يسدد الإنسان اللي دفع هذه قيمة البضاعة للبنك زائداً عليها ربح البنك المقدم في ثلاثة شهور.
الشيخ: هذه صورة من صور الربا.
(الهدى والنور / 679/ 49: 03: 00)
حكم شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك
مداخلة: [البنك] اشترى السيارة [بأربعين] ثم باعها لي [بأكثر من] الأربعين، فحكم الزيادة؟
الشيخ: قال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» ربنا عز وجل كما يشير هذا الحديث حرم على اليهود شحوم الحيوانات الذبيحة الحلال، وأشار في القرآن إلى شيء من هذا حينما قال عز وجل:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] فلم يصبر اليهود على حكم الله هذا، فماذا فعلوا؟ أخذوا الشحوم وذوبوها بالحلل الضخمة الكبيرة .. الأوعية، فأوقدوا النار تحتها فأخذت شكلًا غير الشكل الطبيعي، وبظنهم أو بوسوسة الشيطان لهم أن الشحم الآن خرج عن كونه شحمًا محرمًا؛ لأنه أخذ شكلًا آخر، فلعنوا لهذا السبب كما لعنوا لاحتيالهم يوم السبت، فقال عليه الصلاة والسلام تأديبًا لنا نحن معشر المسلمين أن لا نقع فيما احتال فيه اليهود واستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل:«لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها - أي: ذوبوها - وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» .
والإسلام من كماله وتمام نعمة الله على المتمسكين به أنه لا يهتم بالشكليات وإنما يهتم بالمقاصد والآثار، ولعلكم جميعًا تذكرون معي قوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله المحلل والمحلل له» لماذا؟ لأنه استغل ظواهر الشريعة التي تبيح النكاح، وهو لا يقصد النكاح، فقال:«لعن الله المحلل والمحلل له» مع أن بعض العلماء أباحوا نكاح التحليل رغم هذا اللعن الشديد على المحلل والمحلل له، لماذا؟ لأنهم نظروا للشكل فولي المرأة موافق والشهود شهدوا، وكل من المحلل والزوجة المطلقة بالثلاثة هي أيضًا وافقت، ولكنهم جميعًا يعلمون أن المقصود من هذا النكاح ليس هو النكاح الذي أشار الله عز وجل إليه بقوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما لعن المحلل والمحلل له لم ينظر إلى الشكل، وإنما نظر إلى القصد، ما هو القصد؟ تحليل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، ففيه احتيال على حكم الله عز وجل الذي قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] كما نكحت الزوج الأول، يعني: ليسكن إليها، لكن لما كان هذا النكاح لأجل تحليل ما حرم الله عز وجل أبطله الرسول عليه الصلاة والسلام إبطالًا باتًا ولعن المتعاونين على ذلك فقال:«لعن الله المحلل والمحلل له» .
وسمى في بعض الأحاديث الطريفة المحلل: بالتيس المستعار، تيس مستعار؛ لأنه ليس زوجًا، فنحن من هذا الحديث
…
نعلم أن الاحتيال على أحكام الله عز وجل محرم؛ لأنه من شيم اليهود ومن أعمال اليهود، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الاستنان بهم نهيًا عامًا فقال عليه السلام في حديث البخاري:«لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذارع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» .
فهذه الصورة التي أنت سألت عنها لا تشكل على إنسان أبدًا أن المقصود بها: استحلال ما حرم الله عز وجل من الربا؛ لأن كل إنسان يعلم أن هذا الذي هو بحاجة إلى سيارة ثمنها نقدًا بثلاثين ألف، لو جاء إلى غني وقال له: أقرضني ثلاثين
ألف لأشتري هذه السيارة، فقال له: أقرضك ثلاثين ألف لكن بشرط أن توفيها إياي بعد سنة أربعين ألف، لا يشك إنسان بأن هذا ربا.
طيب! لكن الآن الصورة تتغير كما قلت أنت آنفًا: هذا الغني يقول لك: أنت اذهب وخذ السيارة وأنا أدفع ثمنها عنك، تعطيني أنت الثمن أربعين ألف، ما الفرق بين هذا وهذا؟ لا فرق أبدًا سوى اللف والدوران والاحتيال على ما حرم الله، بل نحن نقول: لو أن صاحب الشركة قال لك: هذه السيارة نقدًا بثلاثين ألف، وبالتقسيط أربعين ألف، وأخذ منك أربعين ألفًا فالعشرة آلاف ربا بالنسبة إليه، فبالأولى والأحرى بالنسبة للصورة التي أنت ذكرتها ثم أنا دندنت حولها.
وهذه من المشاكل التي تقع في العصر الحاضر بناءً على فتاوى لبعض العلماء قديمًا وحديثًا يعتمدون على نصوص عامة: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] صدق الله أحل الله البيع، لكن هناك بيوع نهى الشارع الحكيم عنها، فيجب أن نقف عند نهيه عنها، من ذلك: نهى بيعتين في بيعة، وقد فسر راوي الحديث هذا النهي وهو سماك بن حرب كما في مسند الإمام أحمد قيل لسماك: ما نهى عن بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول: أبيعك هذا بكذا نقدًا وبكذا وكذا نسيئة، فزاد مقابل النسيئة ولو فلسًا .. ولو درهمًا.
فهذه الزيادة باطلة، أبطها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر، وهو بلفظ:«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا» فالزيادة ربا، صرح بها الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولذلك هذه المعاملة التي يتعامل بها كثير
…
من الكفار الذين وصفهم رب العالمين في القرآن بأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فأخذنا نحن هذه المعاملة دون أن نفكر هل هي تتوافق مع الأخلاق الإسلامية بعامة، وهل تتفق مع بعض النصوص من الأحاديث النبوية بخاصة؟ الإسلام يحض المسلمين على أن يتعاونوا على الخير، ويحضهم بصورة خاصة على القرض الحسن، حتى جعل قرض درهمين
يساوي صدقة درهم .. قرض دينارين يساوي صدقة دينار .. قرض مائتي دينار يساوي كما لو تصدقت بمائة دينار.
فالتجار المسلمون اليوم لو كانوا واقفين عند الأحكام الشرعية من جهة وكانوا عارفين أو مؤمنين حقًا بمثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3] لكان كسبهم الأخروي وكسبهم الدنيوي أكثر من أولئك الذين لا يتقون الله عز وجل، الذين يستحلون الربا ببيع التقسيط.
نحن لو أخذنا هذه المعاملة بالميزان الاقتصادي فذكرنا رجلين تاجرين كبيرين، أحدهما يبيع بسعر النقد لا يزيد عليه قرشًا ولو باع بالتقسيط، والآخر يبيع بسعرين: سعر التقسيط أكثر من سعر النقد، ترى! ماذا يحكم أهل الاقتصاد الآن بغض النظر عن السعر، لننظر أن العاقبة للمتقين، ماذا يقول أهل الاقتصاد، أي الرجلين يكون أربح من حيث المادة، آلذي يبيع بسعر واحد هو السعر النقدي، أم الذي يبيع بسعر النقد وسعر التقسيط زائد على سعر النقد .. من الناحية الاقتصادية أيهما أربح، ماذا تقولون؟
مداخلة: [الأول] هذا
…
الشيخ: والزبائن تكثر، إذًا: إذا كان هذا هو شأن من يبيع بسعر النقد، أنفع له في العاجلة، فما الذي يحمل المسلمين على أن يقلدوا الغربيين في بهذا البيع؟ هو الجشع القائم على غير إعمال الفكر، وإعمال العلم فهو يتوهم أن بهذه الزيادة التي يزيدها هي أربح له من أن يقتصر على سعر النقد، بينما الحقيقة العكس هو الواقع ولكن الأمر يحتاج إلى شيء من الصبر والأناة حتى يشتهر هذا الإنسان بأنه يبيع فعلًا بسعر واحد وهو سعر النقد، وأقول: بسعر واحد وفعلًا سعر النقد؛ لأن بعض الناس مع الأسف بلغنا في بعض البلاد العربية أنه احتالوا أيضًا:
فسنوا بيع شيء واحد بسعرين هذا نهى عنه الرسول عليه السلام، فماذا فعلا؟ جعلا السعر واحدًا، لكن هو سعر ماذا؟ الزيادة.
مداخلة:
…
الشيخ: لا، بالتقسيط، بمعنى: إذا فرضنا مثل هذا التاجر كان له زبائن نصفهم يشترون عنده بالتقسيط، ونصفهم يشترون منه بالنقد فهو كان يظلم نصف زبائنه، أما الآن فيظلم الزبائن كلهم؛ لأنه وحد السعر، ليس هذا هو المقصود، المقصود: توحيد السعر على أساس سعر النقد، وحينئذٍ يظهر لكم الفائدة الآجلة التي أشرنا إليها آنفًا؛ لأن هذا الرجل الذي يبيع بسعر واحد فهو كما لو أقرض ذاك الإنسان قرضًا حسنًا، كم مثلًا .. قلنا نحن في المثال السابق: نقدًا ثلاثين وتقسيطًا بأربعين، كأنه نصف العشرة خمسة آلاف .. كأنه تصدق بخمسة آلاف؛ لأنه أقرضه عشرة، فنصف الخمسة فالتاجر الآن كما يقولون عندنا في بلاد الشام: لو اتقى الله عز وجل وباع بسعر واحد هو سعر النقد فهو كالمنشار: على الطالع والنازل يأكل أجرًا عاجلًا وأجرًا آجلًا .. لكن القضية تحتاج إلى شيء من التقوى ومن الصبر والأناة.
أنا أضرب لكم مثلًا بشخصي وأنا رجل والحمد لله كنت مستورًا ولا أزال: كنت ساعتيًا أصلح الساعات، أبيع بسعر واحد سعر النقد، ومع ذلك ففي حدود رأس مالي كنت أصبر لما أبيع الواحد من الساعات، أذهب اشتري بديلها أقنع
…
بالنقد، إذا وثقت بالشاري بالدين بعته فربحت ولو بعد لأي الذي سأربحه نقدًا وأخذت أجرًا من الله عز وجل، لما ذكرنا بأن الذي يقرض قرضًا حسنًا يكون له كما لو تصدق بنصف ذلك، وهذا جاء في أحاديث صحيحة.
والحمد لله ربنا ما أحوجنا إلى إنسان إطلاقًا، وكنا بفضل الله الزبائن يتواردون علينا بحيث في شهر رمضان حيث الناس يحتاجون إلى الساعات أضع الساعات أمامي صفًا، فيأتي الرجل، أقول: ما عندي استطاعة أن أصلح الساعة، لماذا؟ انظر هذه الساعات ثلاثين ساعة .. أربعين ساعة، كل واحد آخذ موعد، فيستغني عن أن يأخذ الساعة إلى ساعاتي آخر ولو قلت له: تعال بعد رمضان .. بعد رمضان ما عاد هو بحاجة إلى الساعة في رمضان، لكن الثقة في المعاملة - هنا الشاهد - يجعل الناس يتوافدون إلى هذا الصادق في المعاملة مع الناس، لكن الجشع هو الذي ضر وما نفع.
فالشاهد: أن بيع التقسيط من التجار أنا أنصحهم دينًا ودنيا أن يعدلوا عنه، إذا كان وضع في ميزانية التجارة خاصته أن يربح مثلًا بالمائة عشرة .. في المائة خمسة عشر .. في المائة عشرين، هذا يختلف من نوع التجارة، هناك أشياء تباع بكثرة .. هناك أشياء تباع بقلة، المهم: إذا وضع في ميزانيته أن يربح في المائة مثلًا عشرة، فليبع بنفس المائة عشرة سواء بالنقد أو بالتقسيط، ذلك خير له وأطهر.
(فتاوى جدة (28) /00: 19: 44)