الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الوظيفة في البنك
السائل: شيخنا، ما هو الحكم في الموظفين الذين يعملون في البنوك الآن، مع العلم إذا قلت لهم أنه لا يجوز، يقولون إن هناك بعض العلماء الذين أفتوا بجواز العمل كموظف في البنك وجزاكم الله خيرًا؟
الشيخ: الله المستعان، قبل الجواب مباشرةً على هذا السؤال، أُريد أن أُذَكّر إخواننا عن حقيقة العلم ما هو، هل العلم قال فلان وقال فلان، إن كان العلم كذلك فقد ضاع جماهير المسلمين بين قيل وقال وكثرة السؤال، فما هو العلم؟
العلم كما لا يشك في ذلك عالم بالكتاب والسنة، إنما هو كما قال عز وجل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربنا عز وجل بحق، حينما قال {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] فهذا هو العلم، ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا شك أن أصل هذا العلم هو القرآن الكريم، ولكن القرآن الكريم شاء رَبُّ العالمين أن يخفف عن عباده المؤمنين، بأن جعله كما يقال اليوم دستورا للشريعة الإسلامية، وكَلَّف نَبِيّه عليه الصلاة والسلام بأن يتولى بيان هذا القرآن، وهذا ما جاء التصريح به في نص القرآن حينما قال رب الأنام {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
فالبيان هو سنة الرسول عليه السلام، والمُبَيَّن هوا لقرآن.
ومعنى هذا الكلام -وهذا بإجماع المسلمين قاطبة- أنه لا مجال لأحد أن يُفسر القرآن بغير طريق الرسول عليه السلام، فكل من أراد أن يقدم إلى المسلمين تفسيرًا للقرآن الكريم من عقله من اللغة العربية من اجتهاده من رأيه، فهو خاسر مبين ولا سبيل له إلى أن يُوَفَّق إلى تفسير القرآن إلا بالاعتماد على بيان الرسول عليه السلام،
من يفعل بذلك لم يؤمن بالقرآن، لأن الإيمان بالقرآن يستلزم الإيمان بكل آية، بل وبكل كلمة في هذا القرآن الكريم.
فإذا كان الله يقول مخاطبا الرسول {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] ولا شك أن النبي قد قام بهذا الواجب الذي وكل إليه، ونَفَّذ قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].
هذه حقيقة لا تقبل الجدل، وهي أن الشريعة قرآن وسنة، فمن أعرض عن الأخذ بأحدهما فقد كفر بالآخر، وهناك شيء ثالث من الضروري جدا لكل مسلم أراد أن يكون على بينة من ربه أن يتنبه له، وأن يؤمن به: هذا البيان الذي هو سنة الرسول عليه السلام، هذه السنة التي تنقسم لواقع أمرها إلى ثلاثة أقسام، وهذا أيضا أمر متفق بين العلماء، سنة الرسول عليه السلام قوله وفعله وتقريره، ما هو طريق معرفتنا لهذه السنة، لأقسامها الثلاثة؟ هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك فيمكننا نخلص إلى النتيجة التالية: لا يمكننا أن نفهم القرآن إلا بطريق الرسول عليه السلام وبيانه، لا يمكننا أن نصل إلى معرفة طريق الرسول عليه السلام وبيانه، إلا من طريق معرفة ما كان عليه نقلة هذا القرآن، ونقلة هذا البيان، ألا وهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام.
فإذا فسرنا القرآن بالسنة فهذا واجب كما ذكرت آنفا.
لكن هل يكفي ذلك الجواب؟ لا، هناك شيء آخر قد نص عليه في الكتاب أيضا وفي السنة، وهي اتباع سبيل المؤمنين فيما فسروا من كلام الله وبينوا لنا من سنة رسول الله.
ولذلك قال الله عز وجل في القرآن الكريم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
هنا حقيقة مؤسفة جدًا جدًا جدًا، ألا وهي وإن كنا الآن في زمن نشعر من جهة والحمد لله أن هناك ما يُسمى بالصحوة الإسلامية، لكن هذه الصحوة هي في اعتقادي واعتقاد كل من يعرف حقيقة الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح، يؤمن بأن هذه الصحوة في أول الطريق، لما؛ لأننا منذ أقل من نصف قرن من الزمان، عشنا بين جيل من الناس كنت لا تسمع فيهم قال الله قال رسول الله، وإنما قال أبو حنيفة قال الإمام مالك قال الشافعي قال أحمد، هؤلاء أئمتنا، ولكن ليسوا معصومين كنبينا، وهم الفرع والأصل هو الرسول عليه السلام، الذي دلنا على الله.
أما الآن فهذه [بشرى] عظيمة جدًا، وهي أننا بدأنا منذ بدأ عشرات من السنين نسمع قول: قال الله قال رسول الله هذه صحوة هذه بدء الصحوة.
لكننا نُريد أن نسمع شيئًا ثالثًا ألا وهو قال الله قال رسول الله قال السلف الصالح.
بدون القول الثالث والأخير، لا يُمكن أبدا لعالم مؤمن حقا بما جاء في الكتاب والسنة، لا يمكنه أبدا أن يكون على هدىً من ربه في تفسيره لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا لجأ إلى تلقي ذلك عن أصحاب الرسول وسلك سبيل المؤمنين الأولين {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} ما قال الله رأسا {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} وإنما عطف على مشاققة الرسول فقال:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هل قال الله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} عبثا! حاشا لله عز وجل.
إذًا لماذا هذه الجملة، أليس كان يكفي أن يقول الله «ومن يشاقق الرسول نوله ما تولى» ولو من بعد ما تبين له الهدى، كان يكفي لو أردنا الاعتماد فقط على الكتاب والسنة.
لكن الله عز وجل لحكمة جلية ظاهرة قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} .
والرسول صلى الله عليه وسلم حينما يعظ أصحابه يلفت نظرهم ويدندن على مسامعهم مرارًا وتكرارًا أن يأخذوا بسنته وسنة أصحابه.
ما قال عليه السلام حينما وصف الفرقة الناجية أنها التي تكون على ما كان عليه الرسول فقط، وإنما عطف «ما أنا عليه وأصحابي» ما أنا عليه وأصحابي.
كذلك في حديث العرباض بن سارية وهو معروف، ولا حاجة بي أن أسوقه بتمامه، وإنما الشاهد منه «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» .
السر في هذا أنهم هم النَقَلة الأَمَنة الذين نقلوا لنا تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لنصوص الكتاب وألفاظ أحاديثه.
خذوا مثلا بعض الآيات القرآنية، ومن أهمها ما يتعلق ببعض الحدود الشرعية، قال تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38].
السارق لغةً لا أحد يستطيع وهو عابد، أن يشهد ما معنى السارق وأن أيَّ إنسان سرق شيئا مهما كان هذا الشيء يسيرًا وقليلاً جدًا فهو سارق، كذلك اليد {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أيضا اليد معروفة، لكن السارق كما هو معروف، لكن له عدة صور يسرق الإبرة يسرق البيضة يسرق الدجاجة يسرق إلى ما لا نهاية له، كل هذا السرقات بكل أنواعها يقال للسارق سارق، فكل سارق تقطع يده.
الجواب: لا، من أين لنا من القرآن أطلق قال:{وَالسَّارِقُ} لا، من بيان الرسول عليه السلام، حيث قال:«لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا» لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا.
إذًا: من سرق ما هو أقل من ربع دينار، لا يجوز قطع يده، يكون بغيا وظلما عليه إذا ما قطع يده، هذا واضح.
لكن الذي يحتاج إلى أكثر من هذا التوضيح: أن الله حينما قال: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} نجد اليد تُطلق في بعض المرات فيراد بها الذراع إلى المرفقين، ونجد أحيانا اليد تطلق فيراد بها الكفين فقط، فيا تُرى حينما قال الله عز وجل في هذا الآية:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ما هي اليد المقصود هنا، لغة سواء قطعت يد السارق من
عند الرسغ أو من عند المرفق أو من عند الكتف، كل ذلك يد، وكُلّ من طبق نص هذا القرآن في أيّ وجه من هذه الوجوه الثلاثة: الكف، أو الذراع، أو اليد، كلها عند التفسير لغة طبق النص القرآني يد {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} لكن هل هذا شُرِعَ؟
الجواب: لا، من أين من تطبيق الرسول لهذا النص القرآني أي حينما قطع يد السارق لم يقطعها من عند الكتف ولا من عند المرفق وإنما من عند الرسغ، من أين عرفنا هذا؟ من الصحابة، من هؤلاء النقلة الأمنة، هم الذين إذًا نقلوا إلينا هذا الإسلام بكل تفاصيله التي أشرنا إليها ولو بكلمة مجملة.
لذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في شعره العلمي.
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا، ولا جحد الصفات ونفيها حذراً من التعطيل والتشبيه
إذًا العلم ما هو؟ قال الله قال رسول الله قال أصحاب رسول الله.
هذا الذي أردت أن أؤكد على مسامعكم تردادًا دائما، مع الكتاب والسنة الصحابة، هذا إلى الآن قليل من الناس من ينتبه لهذه الضميمة التي أشار إليها ربنا في الآية السابقة.
فسبيل المؤمنين في مثالنا والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا، في مثالنا سبيل المؤمنين: قطع يد السارق من عند الرسغ، وليس من عند المرفق، وليس من عند الكتف.
فمن فعل خلاف هذا فقد شاقق الرسول واتبع غير سبيل المؤمنين.
فالآن كان السؤال أن بعض العلماء، وهذا بحث طويل جدا، لكن ما أريد أن أُضَيِّع الجلسة في هذا البحث؛ لأننا في صدد جمع بعض الأسئلة، كان السؤال آنفا: أن بعض العلماء يقولون بأنه يجوز التوظف في البنوك الربوية، تُرى هل هؤلاء العلماء الذين يشير إليهم السائل، أولا: قالوا، قال الله قال رسول الله، دعونا من الضميمة الثالثة التي لا بد منها، هل قالوا قال الله قال رسول الله؟ الجواب لا، لأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تولى بيان القرآن، قال خلاف ما يقول هؤلاء الذين جاء في السؤال أنهم من العلماء، ماذا قال الله؟ قال الله عز وجل {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] فمن يشك، لا أقول: من يشك من أهل العلم، بل ولا أقول من يشك من طلبة العلم، بل هل هناك مسلم ذي عقل، يشك بأن الذي يعمل موظفا في البنك، هو يعين البنك على أكل أموال الناس بالباطل، وعلى أكل ما حرم الله، لا أظن أحدًا يشك في هذه الحقيقة، وإلا لم يكن في قدرته أن يفهم معنى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
التعاون على الإثم غير ارتكاب الإثم مباشرة، يعرفها لا أقول أهل العلم بل طلاب العلم المبتدئين.
إليكم الآن من بيان الرسول عليه الصلاة والسلام، المتعلق بمثل هذه الآية {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
أكل الربا لا شك فيه عند أحد المسلمين إطلاقا، أنه من الكبائر، وأن شرب الخمر أو إدمانه أنه من المحرمات، إن لم يكن أيضا من الكبائر، فالذي يأكل الربا فهو وقع في الكبيرة الذي يشرب الخمر كذلك.
تُرَى لو لم يكن هناك التعاون على المنكر، هل استطعتم أن تجدوا مرابيا يأكل أموال الناس بطريق الربا؟ لا، هل كنتم تجدون شاربًا للخمر، إذا لم يكن هناك متعاونون على المنكر؟ الجواب لا، والدليل من السنة أن تبين القرآن «لعن الله في الخمرة عشرة» يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله في الخمرة عشرة» فأول ما ذكر عليه السلام «شاربها» شاربها ثم عطف على ذلك بقية العشرة قال: «ساقيها» ومستقيها، وعاصرها ومعتصرها، وبايعها، وشاريها وحاملها، والمحمول إليه.
كل هؤلاء لم يشربوا الخمر، لكنهم هم السبب في وجود شارب الخمر، لو لم يكن مثلا بائع العنب لمن يعصرها خمرا لم يوجد خمر في الدنيا، إذًا {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] يُلعن شرعا الذي لا يشرب الخمر ما دام أنه يعين شارب الخمر أن يهيئ الأسباب ليتمكن من شرب الخمر.
هذا حديث متفق عند علماء المسلمين على صحته، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طُرُق عديدة صحيحة.
الحديث الثاني: وهو في صلب الموضوع «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» .
فهل يتصور عالم يقول لا بأس أن يكون المسلم موظفا في البنك المرابي ولا يكسب الربا، ورسول الله يقول «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» هذا ليس عالما، قد يكون عالما من باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
لا أتصور رجلا مؤمنا بالله حقا، وعالما بالكتاب والسنة حقا، ومع ذلك فهو يقول ويفتي بتلك الفتوى الجائرة: أنه يجوز للمسلم أن يكون موظفا في البنك.
الآن طرحنا السؤال التالي مرارا وتكرارا، وكان الجواب واحد بالإجماع، لا أقول: الآن هؤلاء الموظفين، وإنما أقول: هؤلاء الأغنياء الذين هم ليسوا عُمالا في البنك، ولكنهم أودعوا أموالهم في البنك، لو أنهم أجمعوا جميعهم على أن يسحبوا رؤوس أموالهم من أكبر بنك من البنوك الربوية هذه، ماذا يصيب البنك؟ بالإجماع ستقولون: الإفلاس.
إذًا من الذي أوجد البنك؟ هؤلاء الذين يطعمون الربا، هم قد يقولوا: نحن نودع ونضع أموالنا في البنك محافظةً عليها، ولا نأكل الربا، يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا، كلا ثم كلا؛ بدليل أنهم لو سحبوا هذه الأموال لأفلست البنوك.
إذًا: هؤلاء الذين يودعون أموالهم في البنوك، هم سبب وجود آكلي الربا.
إذًا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: «لعن الله آكل الربا وموكله» فإذا كان يلتعن شرعا من كان خارج البنك، بسبب أنه هو سبب وجود هذا البنك.
فالآن ننتقل إلى الصورة التي لها علاقة مباشرةً بالسؤال: هؤلاء المتعاملين مع البنوك لا يزالون يودعون أموالهم في البنوك.
لو فرضنا أن هؤلاء الموظفين في البنك تابوا وأنابوا إلى الله عز وجل، لا أقول حينما سمعوا فتوى ذلك الشيخ اختلاف فتوى ذلك العالم، وإنما أقول حينما سمعوا حديثي الرسول عليه السلام، أولا: الحديث المتعلق بهم «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» ثم الحديث «لُعِن في الخمرة عشرة» .
سمعوا هذين الحديثين فأنابوا إلى الله وتابوا وانسحبوا، ماذا يصير في البنك يتعطل بلا شك.
إذًا: التعاون على المنكر نص في القرآن الكريم، ومبدأ إسلامي عظيم جدًا، لا يجوز لمسلم أن يعين مسلما على منكر، فضلا عن أن يعين كافرًا على منكر.
ومن مشاكل البنوك التي تسمى اليوم مع الأسف الشديد بغير اسمها البنوك الإسلامية، لو كان هناك بنوك إسلامية فرؤوس أموالها مودعة في البنوك الكافرة في أوروبا في سويسرا في .... الخ.
ولذلك فمن أي جانب أتيت للنظر في التعامل مع هذه البنوك، ولو كانت عليها اسم بنك إسلامي، فستجده مُحَرَّم لا يجوز التعامل به، ولو كان فقط يودع ماله للمحافظة عليه وهذا في الحقيقة بحث طويل وطويل جدا، لكن حسبي الآن أنني ذَكَّرت السائل مباشرة والحاضرين: بأن الذي يفتي بأن المسلم يجوز له أن يكون موظفا في البنك والبنك يتعامل بالربا، أن هذا جحد أو تجاهل الآية القرآنية {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ثم بعض الأحاديث النبوية التي تُبَيِّن أن التعاون على المنكر منكر، أردت أن أختم الجواب في هذا، ثم خطر في بالي حديث كنت أود ألاّ أطيل الكلام بذكره أيضا، لولا أني اعلم أن أكثر المسلمين أيضا غافلين، هم غافلون عن ارتباط هذا الحديث بالآية السابقة:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} هذا من جهة ثم إنهم يخالفونه في أنفسهم أو في ذويهم في عادتهم، أعني بذلك قوله عليه الصلاة والسلام «لعن الله النامصات والمتنمصات» .
المتنمصات خَلّينا الأولى بالتعبير السوري المنتوفات، يعني المرأة تنتف مثلا حاجبيها، لكن هي ما تستطيع أن تنتف حاجبيها، في نَتَّافة هي التي تنتف لها حاجبها.
ماذا تعمل هذه لولاها، ما كانت المنتوفة، يعني أنتم تنظروا كيف أن هذا المثال مُكَمِّل أو من تمام الأمثلة الكثيرة جدا التي تفسر {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] «لعن الله النامصات» يعني المزينات، خَلِّينا نقول الكلمة هذه نامصات «والمتنمصات» يعني الزبونة، والواشمات والمستوشمات، الوشم معروف خاصة في بعض [الدول] تلاقي ليس النساء بل الرجال أيضا، تلاقي هذا الحيوان الذي هو في صورة الإنسان، راسم في عروقه وفي جلده الذي أحسن الله خلقه جعله بشرًا سويًا مُصَوِّر صورة أسد وحامل سيفًا بماذا؟ بالوشم.
طيب، هذا من الذي صوَّره، الواشم، طيب، مستوشم أي طالب الوشم من غيره، لو لم يكن الواشم ما كان المستوشم.
فانظروا كيف أن الرسول عليه السلام يُريد أن يجعل المجتمع الإسلامي، مجتمعا متعاونا على المعروف متناهيا عن المنكر «لعن الله النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والفالجات والمتفلجات» هذه ما شفناها ونرجو ألَاّ نشوفها، لكن نشوف ما هو أشر منه، الظاهر كان قديما يُزَيِّن الشيطان لبعض النسوة أن يُغيرن من خلق الله الحسن الجميل.
فكما تعلمون أن الله عز وجل خلق في فم كل إنسان كاللؤلؤ المرصوص، فلا يعجبها خلق الله، فتذهب عند الفالجة يعني مُزَيّنة حلاّقة تأخذ مبردًا دقيقًا فتوسع بين السن والسن، فيحلوا لها أن يظهر سن من أسنانها بعيدًا عن جانبي السِّنين المحيطين به، فيعجبها أن يظهر لها ناب كناب الكلب مثلا، هذا خير عندها من أن تكون أسنانها كما خلقها الله عز وجل، هذا هو الفلج وتلك هي الفالجات والمتفلجات.