الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المال المجتمع من الربا ماذا يفعل به صاحبه إذا تاب
؟
السؤال الأول: فضيلة الشيخ، أفتى بعض المشائخ العصريين أثناء زيارته لأستراليا بأن المال المتجمع من الربا حرام على صاحب المال، حلال لغيره لا سيما المحتاجين، فما مدى صحة هذا القول في الشرع؟
الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اتَّبعه بهداه.
أما بعد.
فكنت أود أن يقال لهذا المفتي، إن لم يقل له {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ذلك؛ لأن هذه الفتوى تتعارض مع بعض النصوص العامة التي تُعْتَبر من الأصول والقواعد الإسلامية، فضلاً عن بعض النصوص الخاصة التي تعتبر فروعاً مفصّلة لتلك القاعدة.
أما القاعدة فأصلها قول ربنا تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
أما النصوص الخاصة والتي على مثلها قامت تلك القاعدة، فمن المعلوم قوله صلى الله عليه وسلم الذي يتعلق بهذا السؤال نفسه:«لُعِن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه» ومن ذلك قوله عليه السلام في الخمر: «لعن الله في الخمرة عشرة» ابتدأ بساقيها ثم تم الرقم بالذين يتعاونون مع الساقي بتحضير هذا الشراب المحرم له بمثل: العصر، والبيع، والشراء، والحمل، ونحو ذلك مما هو منصوص عليه في الحديث.
فإذا قيل بذلك القول الذي سمعته لأول مرة آنفاً أن الربا والذي يسمونه اليوم بغير اسمه فائدة، هي حرام على من الحرام قلت؟
مداخلة: على صاحب المال.
الشيخ: على صاحب المال، وحلال لغيره، فنقول: ما بُنِي على فاسد فهو فاسد؛ لأن القول بهذا الرأي الهزيل، يعني أنه يجوز للمسلم أن يودع ماله في البنك، وبالتالي أن يأخذ الربا ويطعمه غيره.
وحينئذٍ انصبَّت اللعنة عليه من الناحيتين، من الناحية الأولى: أنه أطعم البنك، ومن الناحية الأخرى: استفاد الربا وأطعمها غيره.
فهو إذا صح التعبير ألعن مما لو أكله بنفسه؛ لأن الحديث حينذاك يَنْصَبّ على الآكل والموكل، الموكل لمن؟ للبنك أو أهل البنك.
أما هنا فصار الإيكال إذا صح التعبير له شعبتان وله جانبان، فلذلك فالواقع الذي نشعر به -مع الأسف- في كثير من الفتاوى التي تصدر في العصر الحاضر، إنما هي فتاوى إما أن تكون صادرة بحسن نية، ولكنها صدرت ممن ليس من أهل العلم، من أولئك الذين أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمثالهم حينما قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية الشيخين البخاري ومسلم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، وإنما يَقْبِض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» هذا إذا كان بحسن قصد.
ولكن من الممكن أن يكون هناك أناس يُفْتُون بقصد التضليل، وإخراج المسلمين عن الصراط المستقيم الذي خطه لهم نبينا صلى الله عليه وسلم، بما جاء من البيان والشرح لنصوص الكتاب والسنة.
فالآية التي أشرنا إليها آنفاً كقاعدة من قواعد التعاون مع الآخرين، وهي قول الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] يدل على أن هذا الذي أفتى بهذه الفتوى لا يعبأ بالأحاديث التي تفصّل مثل هذه الآية وتفرّع عنها فروعاً، المسلمون أحوج ما يكونون إليها في كل زمان وفي كل مكان، وبخاصة في زمان الغربة الذي نحن نعيشه في هذه الأيام.
فلذلك: فالقول بإباحة الربا لغير صاحب المال كما جاء في السؤال، هذا يتنافى مع الأصول والفروع معاً.
الذي نراه -والعلم عند الله تبارك وتعالى هو أن الذي ابتُلي بأن يتعامل مع بعض البنوك، ثم تاب إلى الله عز وجل وأناب.
ففي هذه الحالة هو بين أمرين اثنين: إما أن يدع الربا لأهل الربا لأصحاب البنك، وإما أن يأخذه دون أن ينتفع هو به، ثم دون أن ينتفع به شخص بعينه.
هنا يبدأ الجواب الفقهي، خلافاً لذلك القول بناء على ما بيَّنا من أدلة، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]
لذلك فهذا الذي رابى ثم تاب إلى الله تبارك وتعالى، وأُعطي له مع رأس ماله الربا، فلا يجوز له أن يستفيد من الربا؛ لصريح قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].
فهذه الآية صريحة كل الصراحة؛ لأن المرابي إذا تاب إلى الله عز وجل، فإنما يحل له أن يسترجع رأس ماله دون ما ترتب عليه من رباً يسمونه فوائد {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279].
إذا كان الأمر كذلك، فقلنا: إما أن يستلم من البنك رأس المال ورباه، وإما أن يدع الربا للبنك، في كل من الأمرين محظور؛ لأنه إن تركه للبنك استفاد منه البنك، وإن أخذه هو معنى ذلك أنه أخذ ربا.
ولكن إذا قلنا بأنه لا يجوز أن يستفيد هو لذات نفسه بما سبق أن ذكرنا من الأدلة، يبقى الأمر: إما أن يفيد غيره بهذا المال، كما جاء بالنسبة لذلك المفتي، وإما
أن يفيد مشروعاً لا تعود فائدته إلى شخص بعينه، لا بد من أحد أمرين: إما أن يفيد بهذا الربا شخصاً بذاته، وإما أن يصرفه فيما يسمى بلغة الفصحاء بالمرافق العامة.
المرافق العامة معروف لدى أهل العلم، أنها تعني: كُلَّ مشروع يعود فائدته إلى مجموعة المسلمين، وليس إلى فرد من أفرادهم، مثل مثلاً: جلب ماء كسبيل في مكان ليس فيه ماء، أو تعبيد طريق، أو بناء جسر على نهر أو ما شابه ذلك.
لولا أن الأمر الأول وهو ترك الربا لأهل البنك؛ كان قوة لهم لكان الأولى أن يأخذ رأس ماله كما قال الله عز وجل، .
ولكن هناك قاعدة فقهية يجب على كل طالب علم أن يكون دائماً عل ذكر منها، ألا وهي: إذا وقع المسلم بين مفسدتين فلا بد له من إحداهما، فهو في هذه الحالة يختار المفسدة الصغرى على المفسدة الكبرى، من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر.
الشر الأكبر هنا أن يترك الربا لأهل الربا للبنك، الشر الأصغر أن يصرف هذا المال في المرافق العامة، حيث لا يستفيد منه شخص بعينه كما قال ذلك المشار إليه في السؤال.
بهذا يمكن الرد على إبطال قول ذلك المفتي، ويبقى معالجة هذا الربا بأحد الطريقين إما أن يُترك للبنك، وإما أن يُصرف في المرافق العامة، وهذا شرّه أقل من شر الأمر الأول.
أما أن يضع المسلم ماله في البنك، ثم يزعم أن هذا الربا في الوقت الذي يحرم عليه يفيد به غيره من المسلمين، فهذا نقض للآية السابقة ولما تفرع منها من أحاديث ذكرنا آنفاً بعضها {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
لأن هذا المراد به إذا أودع ماله في البنك وأخذ الربا وأطعمه لفقير، فإنما هو طعام خبيث، وقد سمعتم آنفاً قوله عليه السلام:«إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً» إلى آخره، هذا جواب السؤال الأول.
مداخلة: جزاكم الله خيراً.
وهل من المرافق فضيلة الشيخ بناء المساجد؟
الشيخ: لا.
مداخلة: ولقيت قبولاً في أوساط الجالية بقوله: إما أن نأكله فهذا حرام، وإما أن ندعه للبنك فهذا حرام، وإما أن نحرقه فهذا حرام.
فبقي الأمر الأخير وهو أن نصرفه لفقراء المسلمين، حتى بناء المساجد وحتى طباعة مصاحف، هكذا بالنص هنا.
الشيخ: الله المستعان.
هل يمكن معرفة الشخص أم أن هذه غيبة؟
مداخلة: نعم يمكن معرفته، وهو الشيخ يوسف القرضاوي.
الشيخ: الله المستعان.
مداخلة: وشريط الفيديو موجود.
الشيخ: الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في ظني أن من يفتي بأخذ الربا وإعطائه لفقير من فقراء المسلمين، يجيز إيداع المال في البنك؛ لأنه لو قال كما ينبغي أن يقول به كل فقيه مسلم حقاً، إن هذا الذي ابتُلي شطراً من حياته بأن يودع ماله في البنك الربوي، ثم تاب وأناب إلى الله عز وجل، فأخذ رأس المال ورباه، فأعطى هذا الربا لفقير أو الفقراء، كان الأمر أيسر وأقل ضرراً.
لكني أستشم من هذه الفتوى الإبقاء على التعامل مع البنك في سبيل نفع الفقراء بهذا الربا الذي يحصل من ذلك المال، حينئذ هذا يتناقض مع كل النصوص السابقة.
والآن لا بد لي من أن أذكر حديثاً وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية» فكيف يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً أن يقر التعامل مع الربا، لكن على طريقة اللف والدوران؟ أنا رجل طيب، أنا لا آكل حراماً، لكني أُطعم الحرام! هذا ما يقوله مسلم أبداً.
ولذلك فيجب استئصال شأفة الشر جذرياً، وذلك بأن يقال لكل مسلم لا تتعامل مع البنوك الربوية.
وقولي: ربوية، ليست صفة كاشفة، وإنما هي لبيان الواقع، أقول هذا خشية أن يتبادر إلى بعض الأذهان أن هناك بنوك غير ربوية لا، كلها ربوية، ولكن قد يكون من باب حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
واحد مثلاً من البنوك يأخذ بالمائة خمسة، والآخر يأخذ بالمائة عشرة، وقد يكون الأول لا يضع اللافتة الإسلامية، أن يأخذ ربا أقل من الآخر، والآخر قد وضع اللَّافتة الإسلامية لكنه يأكل الربا أكثر من غيره، ورغم قول لا يجوز الانتفاع لشخص بعينه بهذا الربا إذا تاب صاحبه، أما إذا لم يتب فلا يجوز إطلاقاً.
وليس من المرافق العامة التي يصح صرف المال النجس وهو المال الربوي في المساجد؛ لأنه مما لا شك ولا ريب فيه أن كل مسجد بُنِي على مال.
اكتُسِب بطريق مُحَرِّم، أنه لا يصدق عليه أنه مسجد بني على أساس من التقوى، وإذا كان ولا بد من صرف المال الربوي بعد أن تاب صاحبه فيما يتعلق بالمسجد، فيمكن أن يقال يصرف في المراحيض، هذا ما يمكن.
(الهدى والنور/620/ 22: 39: 00)
(الهدى والنور/620/ 04: 54: 00)
(الهدى والنور /621/ 40: 00: 00)