المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المال المجتمع من الربا ماذا يفعل به صاحبه إذا تاب - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ١٤

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌التعامل مع جهات فيها منكرات

- ‌هل يجوز للخطاط أن يصمم لافتات للمحلات التي فيها منكرات

- ‌هل يجوز لمن يعمل في عمل حلال أن يصنع شيئا لمكان فيه منكرات

- ‌الاستثمار

- ‌استثمار أموال الزكاة لصالح الفقراء وأموال الصدقات بتوكيل وبدونه

- ‌استثمار المبالغ الحاصلة من التبرعات

- ‌دفع مبلغ مالي لتجاوز مرحلة التدريب على القيادة لمن أراد استخراج رخصة

- ‌حكم دخول الجيش مع العلم أنه يؤدي حتماً إلى بعض التنازلات في الدين

- ‌حكم الخروج من الجيش الذي يحتوي على منكرات

- ‌التعدي على الملكية الفكرية

- ‌حقوق الطبع

- ‌دفع رشوة لاستخراج حق

- ‌حكم سرقة الماء الحكومي بطريق سد المواسير

- ‌البيع في المساجد

- ‌النهي عن البيع والشراء في المساجد

- ‌المزاد داخل المسجد

- ‌الوقف

- ‌مشروعية الوقف

- ‌الاستفادة من الكتب الموقوفة على المسجد، والكلام على قاعدة (شرط الواقف كنص الشارع)

- ‌أيهما أكثر أجراً بناء المسجد أم بناء المدارس الإسلامية

- ‌الرهان والمسابقات

- ‌هل يجوز الرهان على الخيول في واقعها الحالي

- ‌المسابقات المنهي عن أخذ المال فيها

- ‌لا يشترط المحلل في سباق الخيل

- ‌حديث (لا سبْق إلا في خف أو حافر أو نصل) هل السبق المشروع مقتصر على هذه الثلاثة أم يقاس عليها

- ‌الوظائف

- ‌حكم العمل في محل خياطة ملابس نسائية

- ‌تشغيل البنات في المحلات التجارية

- ‌رجل يسرق من مكان العمل فهل يبلِّغ زميله عنه

- ‌العمل في معمل للذهب المحلّق

- ‌العمل في مصنع الخل

- ‌تاجر له محل يكثر فيه مخالطة النساء فهل عليه إثم إذا فُتِن ورثة المحل من بعده

- ‌رجل ترك وظيفته لكن مرتبه لا يزال يُرْسَل إلى البنك بسبب سوء الإدارة في العمل، فهل يأخذ المرتب

- ‌حكم العمل في شرطة المرور

- ‌ما الحكم إذا كان العمل الإضافي يؤثر على العمل الأصلي؟ وحكم الموظف الذي لا يوكل إليه أي عمل وقت الدوام هل له أن يغيب عن العمل

- ‌العمل في محلات تُباع فيها محرَّمات

- ‌حكم الاشتغال بالقضاء في الدول التي لا تقضي بالشرع

- ‌شخص يشتغل في شركة تجارية فهل يجوز أن يأخذ عناوين الشركات التي تتعامل مع هذه الشركة حتى إذا استقل مستقبلا استفاد من ذلك

- ‌هل يأثم الموظف الذي يعمل في شركة تشغل أموالها في مؤسسات ربوية

- ‌هل استحضار النية واجب في تعلم العلوم الدنيوية والعمل في المهن المختلفة

- ‌تقدم الشخص لوظيفة أعلى مما يشغلها بحجة سعة علمه

- ‌حكم استعمال تلفون العمل للأغراض الشخصية

- ‌حكم عمل الموظف عند مدير يشرب الخمر

- ‌شركات تحويل الأموال

- ‌حكم أخذ مال من قِبَل شركة التحويل مقابل التحويل

- ‌الاحتكار

- ‌احتكار السلعة

- ‌الضمان

- ‌إذا أتلف الطفل أموال أحدهم فهل يضمن أهل الطفل

- ‌الأصل في العارية إذا تلفت ألا تضمن إلا بالتعهد

- ‌من ضمن على أحد متبرعًا وليس مأموراً من المضمون عنه

- ‌الكفالة

- ‌رجل كفل رجلاً ثم مات، فهل يُرجع على ورثته لطلب الكفالة

- ‌أيهما أفضل كفالة اليتيم وكفالة الداعية

- ‌من صور الكفالة في دول الخليج

- ‌أخذ الولد من مال أبيه دون علمه أو العكس

- ‌الجمعيات

- ‌حكم ما يعرف بالجمعية

- ‌الجمعية التي يقوم بها الموظفون فيما بينهم

- ‌المدين الميسور ماطل الدائن فدخل وسيط عرض على الدائن أن يعطيه جزءًا من الدين وأن يتنازل عن الباقي على أن يُحَصِّل هذا الوسيط الدين بطريقته الخاصة

- ‌حكم الجمعيات التي يقوم بها مجموعة من الأشخاص

- ‌المعاملات مع الكفار

- ‌جواز معاملة الكفار مع العلم بخبث مكاسبهم

- ‌التجارة مع الرافضة

- ‌هل من الولاء والبراء ترك شراء منتجات الرافضة إذا كانت لديهم مصانع كالخبز مثلًا

- ‌حكم الشراء من الرافضة

- ‌بيع المزاد (المزايدة)

- ‌أنظمة الادخار

- ‌حكم أنظمة الإدخار التي تفعلها الشركات

- ‌المناقصات

- ‌حكم المبلغ الذي يؤخذ مِن كل مَن يريد المشاركة في المناقصة مع عدم رده

- ‌الهبة

- ‌عموم حديث: (العائد في هبته)

- ‌إحياء الموات

- ‌الفرق بين إحياء الموات والتحجير

- ‌العمرى والرقبى

- ‌العمرى والرقبى

- ‌الشفعة

- ‌الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق

- ‌هل للجار حق الشفعة فيما بطلت منفعته بالتقسيم

- ‌كتاب الحوالة

- ‌وجوب قبول الحوالة

- ‌كتاب البنوك والفوائد والربا

- ‌البنوك الإسلامية

- ‌حكم التعامل مع البنوك الإسلامية

- ‌حكم التعامل مع البنوك الإسلامية

- ‌ما البديل عن البنوك الإسلامية

- ‌البنوك الإسلامية

- ‌التعامل مع البنوك الإسلامية

- ‌حكم التعامل مع البنوك الإسلامية

- ‌البنوك الإسلامية

- ‌حكم البنوك الإسلامية

- ‌شراء البيت من البنك الإسلامي قسطًا

- ‌التعامل مع البنك الإسلامي

- ‌حكم الإيداع في البنك الإسلامي

- ‌حكم تحويل الموظف راتبه إلى البنك الإسلامي

- ‌الشراء من خلال البنك

- ‌حكم شراء بضاعة عن طريق البنك الإسلامي على أن يبيعها على الراغب بالتقسيط وبسعر أغلى

- ‌حكم شراء بضاعة عن طريق البنك فيشتريها البنك ثم يبيعها دون أن يحوزها

- ‌التاجر الذي لا تتم تجارته إلا بالمعاملة البنكية

- ‌حكم شراء بضاعة عن طريق البنك فيشتريها البنك ثم يبيعها دون أن يحوزها

- ‌حكم المرابحة مع البنك

- ‌شراء بضاعة بالتقسيط بواسطة البنك

- ‌من صور البيوع المحرمة التي تتعامل بها البنوك: بيع ما لم يحزه البائع

- ‌شراء بضاعة من البنك دون أن يحوزها البنك

- ‌الشراء من الخارج عن طريق البنوك

- ‌صورة من صور شراء السيارات عن طريق البنوك

- ‌يقدم التاجر للبنك فاتورة البضاعة فيشتريها ثم يشتريها التاجر من البنك بزيادة ربح للبنك

- ‌حكم شراء سيارة بالتقسيط عن طريق البنك

- ‌إيداع الأموال في البنوك والتعامل معها

- ‌حكم التعامل مع البنوك الربوية

- ‌رمي من يحرم التعامل مع البنوك بالتشدد

- ‌خطورة التعامل مع البنوك الربوية

- ‌حكم وضع المال في البنك

- ‌وضع المال في البنك خشية أن يسرق

- ‌حرمة إطعام الربا

- ‌إيداع الأموال مع المؤسسات الربوية

- ‌ما حكم شراء أسهم في مؤسسة حكومية عملها ليس فيه ربا ولكنها تتعامل وتودع أموالها في بنوك ربوية

- ‌إيداع المال بدون فوائد أو كأمانة

- ‌حكم وضع المال في البنك كتوفير فقط بدون أخذ فوائد، وحكم تحويل الأموال عن طريق البنك

- ‌حكم استئجار صندوق أمانات في البنك لوضع المال فيه

- ‌لو قيل أننا لو أوقفنا التعامل مع البنوك ستتوقف الحياة

- ‌هل هناك مانع من وضع المال في البنك في القسم الذي لا يعطي فوائد

- ‌ماذا يصنع بالفوائد الربوية

- ‌ماذا يُعمل بالربا الذي يأخذه من البنوك

- ‌رجل أعطى البنك ثمن شراء سيارة ولكنهم تأخروا وبقي المال في البنك وجاءت عليه فوائد ربوية فهل يأخذها

- ‌رجل أودع ماله في البنك للضرورة فماذا يفعل بالفوائد الربوية

- ‌رجل وضع لحساب ابنته في البنك مالاً، فماذا تفعل بالفوائد الربوية أو باليانصيب الذي ربحه حسابها

- ‌ماذا يصنع من يريد التخلص من أموال الربا

- ‌هل يجوز لرجل له مال في بنك ما أن يدفع الربا الذي يحصل عليه سداداً للضرائب أو الجمارك ونحوها من المُكوس

- ‌زوجة تسأل عن زوجها الذي ينفق عليها من أموال ربا البنوك

- ‌امرأة اكتشفت أن زوجها يتعامل مع البنوك الربوية فماذا تفعل

- ‌التائب من الربا

- ‌التائب من أخذ الربا، ماذا يصنع بما أخذ

- ‌رجل بنى تجارة من قرض ربوي وربح من وراء القرض مبالغ كبيرة فكيف يتوب من ذلك

- ‌من تاب من الربا ما مصير أمواله

- ‌كل الأموال المحرمة إذا تاب الإنسان عليه أن ينفقها في المرافق العامة

- ‌المال المجتمع من الربا ماذا يفعل به صاحبه إذا تاب

- ‌صور متفرقة في التعامل مع البنوك

- ‌رجل أودع ماله في البنك وقام البنك باستثماره دون إذنه ولم يعطه من الأرباح فهل يجوز ذلك للبنك

- ‌الاستثمارات البنكية للودائع

- ‌حكم التبرع من خلال البنوك

- ‌حكم الاستعانة بالبنك الربوي لنقل جثة المسلم في أوروبا إلى بلد مسلم

- ‌حكم الاستقراض من بنك ربوي في حالة ما إذا كانت الدولة هي التي ستدفع الزيادة الربوية

- ‌حكم الاقتراض من البنوك العقارية

- ‌التحويل عن طريق البنك

- ‌حكم هذه المعاملة مع البنوك

- ‌هل يجوز أن يأخذ الابن من الأب من الأموال إذا علم الابن أن الأب قد كسب هذا المال من الربا

- ‌وضع المال في البنك

- ‌التعامل بالأسهم وأرباحها مع شركات تضع أموالا في البنوك

- ‌الموظفين

- ‌حكم الوظيفة في البنك

- ‌حكم أخذ المؤسسة الخيرية للدعم من البنوك الربوية، وحكم أخذ الموظفين للرواتب من البنوك الربوية

- ‌العمل في المؤسسات والشركات المالية والبنوك

- ‌حكم مرتبات الموظفين التي يأخذونها من البنك المركزي، وهو بنك ربوي

- ‌الموظف في بنك ربوي إذا علم أن عمله محرم هل يجب عليه ترك عمله حالا، أم عندما يجد عملًا جديداً

- ‌هل يقبل حج الموظف في بنك

- ‌صندوق الادخار

- ‌حكم التعامل مع صندوق الادخار (وهو ربوي) لما يُتَصَوَّر أنه ضرورة

- ‌حكم صندوق الإدخار بهذه الصورة

- ‌معاملات بنكية

- ‌حكم تخصيص البنك لنسبة احتياطي مخاطر فيما يضارب به

- ‌حكم أخذ البنك نسبة من الكفالات المصرفية

- ‌الفيزا كارد

- ‌التعامل بالكرت التجاري (الفيزا)

- ‌متفرقات في مسائل متعلقة بالبنوك والربا

- ‌حرمة الربا في دار الحرب كحرمته في دار الإسلام

- ‌الرد على من جوز للمقرض أن يأخذ فائدة مسماة كل شهر أو كل سنة من المستقرض إلى أن يوفي إليه دينه

- ‌فضل القرض الحسن

- ‌علة النهي عن سلف وبيع

- ‌هل يجوز الحج من أموال البنك

- ‌رجل يقيم في أمريكا يتعامل بالربا وتهرب من دفع الزيادة الربوية، وكلمة حول حرمة المعاملات الربوية

- ‌رجل اقترض مالاً على أنه بدون ربا، ثم أدخل المقرِض نظام الربا

- ‌هل يقع الربا في العملات الورقية

- ‌تعريف ربا النسيئة

- ‌ما مدى صحة حديث: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) وما علته، وما الحكم الذي يترتب على ذلك بناءً على الصحة والضعف

- ‌هل تقبل هدية رجل كسبه من ربا خالص

- ‌حكم مشاركة من يتعامل بالربا في التجارة

- ‌حكم قراءة الكتب العلمية التي تطبعها البنوك الربوية

- ‌حكم صناعة أبواب لبنك ربوي

- ‌حكم التعامل مع المرابي كأن نبني له بيتاً أو ما إلى ذلك

- ‌حكم السكن في بيت بُني من مال الربا

الفصل: ‌المال المجتمع من الربا ماذا يفعل به صاحبه إذا تاب

‌المال المجتمع من الربا ماذا يفعل به صاحبه إذا تاب

؟

السؤال الأول: فضيلة الشيخ، أفتى بعض المشائخ العصريين أثناء زيارته لأستراليا بأن المال المتجمع من الربا حرام على صاحب المال، حلال لغيره لا سيما المحتاجين، فما مدى صحة هذا القول في الشرع؟

الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى من اتَّبعه بهداه.

أما بعد.

فكنت أود أن يقال لهذا المفتي، إن لم يقل له {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ذلك؛ لأن هذه الفتوى تتعارض مع بعض النصوص العامة التي تُعْتَبر من الأصول والقواعد الإسلامية، فضلاً عن بعض النصوص الخاصة التي تعتبر فروعاً مفصّلة لتلك القاعدة.

أما القاعدة فأصلها قول ربنا تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

أما النصوص الخاصة والتي على مثلها قامت تلك القاعدة، فمن المعلوم قوله صلى الله عليه وسلم الذي يتعلق بهذا السؤال نفسه:«لُعِن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه» ومن ذلك قوله عليه السلام في الخمر: «لعن الله في الخمرة عشرة» ابتدأ بساقيها ثم تم الرقم بالذين يتعاونون مع الساقي بتحضير هذا الشراب المحرم له بمثل: العصر، والبيع، والشراء، والحمل، ونحو ذلك مما هو منصوص عليه في الحديث.

فإذا قيل بذلك القول الذي سمعته لأول مرة آنفاً أن الربا والذي يسمونه اليوم بغير اسمه فائدة، هي حرام على من الحرام قلت؟

مداخلة: على صاحب المال.

ص: 328

الشيخ: على صاحب المال، وحلال لغيره، فنقول: ما بُنِي على فاسد فهو فاسد؛ لأن القول بهذا الرأي الهزيل، يعني أنه يجوز للمسلم أن يودع ماله في البنك، وبالتالي أن يأخذ الربا ويطعمه غيره.

وحينئذٍ انصبَّت اللعنة عليه من الناحيتين، من الناحية الأولى: أنه أطعم البنك، ومن الناحية الأخرى: استفاد الربا وأطعمها غيره.

فهو إذا صح التعبير ألعن مما لو أكله بنفسه؛ لأن الحديث حينذاك يَنْصَبّ على الآكل والموكل، الموكل لمن؟ للبنك أو أهل البنك.

أما هنا فصار الإيكال إذا صح التعبير له شعبتان وله جانبان، فلذلك فالواقع الذي نشعر به -مع الأسف- في كثير من الفتاوى التي تصدر في العصر الحاضر، إنما هي فتاوى إما أن تكون صادرة بحسن نية، ولكنها صدرت ممن ليس من أهل العلم، من أولئك الذين أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمثالهم حينما قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية الشيخين البخاري ومسلم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، وإنما يَقْبِض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» هذا إذا كان بحسن قصد.

ولكن من الممكن أن يكون هناك أناس يُفْتُون بقصد التضليل، وإخراج المسلمين عن الصراط المستقيم الذي خطه لهم نبينا صلى الله عليه وسلم، بما جاء من البيان والشرح لنصوص الكتاب والسنة.

فالآية التي أشرنا إليها آنفاً كقاعدة من قواعد التعاون مع الآخرين، وهي قول الله عز وجل:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] يدل على أن هذا الذي أفتى بهذه الفتوى لا يعبأ بالأحاديث التي تفصّل مثل هذه الآية وتفرّع عنها فروعاً، المسلمون أحوج ما يكونون إليها في كل زمان وفي كل مكان، وبخاصة في زمان الغربة الذي نحن نعيشه في هذه الأيام.

ص: 329

فلذلك: فالقول بإباحة الربا لغير صاحب المال كما جاء في السؤال، هذا يتنافى مع الأصول والفروع معاً.

الذي نراه -والعلم عند الله تبارك وتعالى هو أن الذي ابتُلي بأن يتعامل مع بعض البنوك، ثم تاب إلى الله عز وجل وأناب.

ففي هذه الحالة هو بين أمرين اثنين: إما أن يدع الربا لأهل الربا لأصحاب البنك، وإما أن يأخذه دون أن ينتفع هو به، ثم دون أن ينتفع به شخص بعينه.

هنا يبدأ الجواب الفقهي، خلافاً لذلك القول بناء على ما بيَّنا من أدلة، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]

لذلك فهذا الذي رابى ثم تاب إلى الله تبارك وتعالى، وأُعطي له مع رأس ماله الربا، فلا يجوز له أن يستفيد من الربا؛ لصريح قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].

فهذه الآية صريحة كل الصراحة؛ لأن المرابي إذا تاب إلى الله عز وجل، فإنما يحل له أن يسترجع رأس ماله دون ما ترتب عليه من رباً يسمونه فوائد {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279].

إذا كان الأمر كذلك، فقلنا: إما أن يستلم من البنك رأس المال ورباه، وإما أن يدع الربا للبنك، في كل من الأمرين محظور؛ لأنه إن تركه للبنك استفاد منه البنك، وإن أخذه هو معنى ذلك أنه أخذ ربا.

ولكن إذا قلنا بأنه لا يجوز أن يستفيد هو لذات نفسه بما سبق أن ذكرنا من الأدلة، يبقى الأمر: إما أن يفيد غيره بهذا المال، كما جاء بالنسبة لذلك المفتي، وإما

ص: 330

أن يفيد مشروعاً لا تعود فائدته إلى شخص بعينه، لا بد من أحد أمرين: إما أن يفيد بهذا الربا شخصاً بذاته، وإما أن يصرفه فيما يسمى بلغة الفصحاء بالمرافق العامة.

المرافق العامة معروف لدى أهل العلم، أنها تعني: كُلَّ مشروع يعود فائدته إلى مجموعة المسلمين، وليس إلى فرد من أفرادهم، مثل مثلاً: جلب ماء كسبيل في مكان ليس فيه ماء، أو تعبيد طريق، أو بناء جسر على نهر أو ما شابه ذلك.

لولا أن الأمر الأول وهو ترك الربا لأهل البنك؛ كان قوة لهم لكان الأولى أن يأخذ رأس ماله كما قال الله عز وجل، .

ولكن هناك قاعدة فقهية يجب على كل طالب علم أن يكون دائماً عل ذكر منها، ألا وهي: إذا وقع المسلم بين مفسدتين فلا بد له من إحداهما، فهو في هذه الحالة يختار المفسدة الصغرى على المفسدة الكبرى، من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر.

الشر الأكبر هنا أن يترك الربا لأهل الربا للبنك، الشر الأصغر أن يصرف هذا المال في المرافق العامة، حيث لا يستفيد منه شخص بعينه كما قال ذلك المشار إليه في السؤال.

بهذا يمكن الرد على إبطال قول ذلك المفتي، ويبقى معالجة هذا الربا بأحد الطريقين إما أن يُترك للبنك، وإما أن يُصرف في المرافق العامة، وهذا شرّه أقل من شر الأمر الأول.

أما أن يضع المسلم ماله في البنك، ثم يزعم أن هذا الربا في الوقت الذي يحرم عليه يفيد به غيره من المسلمين، فهذا نقض للآية السابقة ولما تفرع منها من أحاديث ذكرنا آنفاً بعضها {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

لأن هذا المراد به إذا أودع ماله في البنك وأخذ الربا وأطعمه لفقير، فإنما هو طعام خبيث، وقد سمعتم آنفاً قوله عليه السلام:«إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً» إلى آخره، هذا جواب السؤال الأول.

ص: 331

مداخلة: جزاكم الله خيراً.

وهل من المرافق فضيلة الشيخ بناء المساجد؟

الشيخ: لا.

مداخلة: ولقيت قبولاً في أوساط الجالية بقوله: إما أن نأكله فهذا حرام، وإما أن ندعه للبنك فهذا حرام، وإما أن نحرقه فهذا حرام.

فبقي الأمر الأخير وهو أن نصرفه لفقراء المسلمين، حتى بناء المساجد وحتى طباعة مصاحف، هكذا بالنص هنا.

الشيخ: الله المستعان.

هل يمكن معرفة الشخص أم أن هذه غيبة؟

مداخلة: نعم يمكن معرفته، وهو الشيخ يوسف القرضاوي.

الشيخ: الله المستعان.

مداخلة: وشريط الفيديو موجود.

الشيخ: الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

في ظني أن من يفتي بأخذ الربا وإعطائه لفقير من فقراء المسلمين، يجيز إيداع المال في البنك؛ لأنه لو قال كما ينبغي أن يقول به كل فقيه مسلم حقاً، إن هذا الذي ابتُلي شطراً من حياته بأن يودع ماله في البنك الربوي، ثم تاب وأناب إلى الله عز وجل، فأخذ رأس المال ورباه، فأعطى هذا الربا لفقير أو الفقراء، كان الأمر أيسر وأقل ضرراً.

لكني أستشم من هذه الفتوى الإبقاء على التعامل مع البنك في سبيل نفع الفقراء بهذا الربا الذي يحصل من ذلك المال، حينئذ هذا يتناقض مع كل النصوص السابقة.

ص: 332

والآن لا بد لي من أن أذكر حديثاً وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية» فكيف يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً أن يقر التعامل مع الربا، لكن على طريقة اللف والدوران؟ أنا رجل طيب، أنا لا آكل حراماً، لكني أُطعم الحرام! هذا ما يقوله مسلم أبداً.

ولذلك فيجب استئصال شأفة الشر جذرياً، وذلك بأن يقال لكل مسلم لا تتعامل مع البنوك الربوية.

وقولي: ربوية، ليست صفة كاشفة، وإنما هي لبيان الواقع، أقول هذا خشية أن يتبادر إلى بعض الأذهان أن هناك بنوك غير ربوية لا، كلها ربوية، ولكن قد يكون من باب حنانيك بعض الشر أهون من بعض.

واحد مثلاً من البنوك يأخذ بالمائة خمسة، والآخر يأخذ بالمائة عشرة، وقد يكون الأول لا يضع اللافتة الإسلامية، أن يأخذ ربا أقل من الآخر، والآخر قد وضع اللَّافتة الإسلامية لكنه يأكل الربا أكثر من غيره، ورغم قول لا يجوز الانتفاع لشخص بعينه بهذا الربا إذا تاب صاحبه، أما إذا لم يتب فلا يجوز إطلاقاً.

وليس من المرافق العامة التي يصح صرف المال النجس وهو المال الربوي في المساجد؛ لأنه مما لا شك ولا ريب فيه أن كل مسجد بُنِي على مال.

اكتُسِب بطريق مُحَرِّم، أنه لا يصدق عليه أنه مسجد بني على أساس من التقوى، وإذا كان ولا بد من صرف المال الربوي بعد أن تاب صاحبه فيما يتعلق بالمسجد، فيمكن أن يقال يصرف في المراحيض، هذا ما يمكن.

(الهدى والنور/620/ 22: 39: 00)

(الهدى والنور/620/ 04: 54: 00)

(الهدى والنور /621/ 40: 00: 00)

ص: 333