الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستثمارات البنكية للودائع
مداخلة: طبعاً، في البداية يعني عمل بنك من اجتذاب الودائع للتصرف فيها استثمارها يعني، يجتذب البنك الودائع من العملاء بشكل حسابات كأيِّ بنك آخر، اجتذاب ودائع، وطبعاً يستثمر هذه الأموال، يعني: عندما نأتي لمجال الاستثمار للأموال هذه، يستثمر هذه الأموال في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: الذي هو تمويل المرابحة الذي أمر به الشرع.
الاتجاه الثاني: المشاركة المتناقصة.
الاتجاه الثالث: الذي هو المضاربة مفهومها في الإسلام، نفس المفهوم يعني باسم المضاربة.
طبعاً التركيز في عمليات البنك على تمويل المرابحة، وتمويل المرابحة بالتركيز يعين، العمليات الثانية تظل أخف كثير والمضاربة أقلها، من أجل نكون واضحين.
تمويل المرابحة الآمر بالشراء الذي هو: يقوم البنك أو العميل الذي يريد أن يستدين لغرض نفسه أو .. دعنا نعطي مثالاً عملياً يكون أوضح: مثلاً يُريد شخص أن يشتري عشرين طنًا حديد.
يأتي إلى البنك ويقول: أنا أُريد أن أشتري عشرين طنًا حديد من المحل الفلاني بموجب فاتورة العرض هذه، ثمنها مثلاً عشرة آلاف دينار، البنك يقوم بشراء هذه الكمية من الحديد.
ويُسَلِّمها على ظهر السيارة للآمر بالشراء، طبعاً مقابل كتابة كمبيالات بسعر أو بثمن أكثر من العشرين ألف دينار، الذي هو طبعاً إضافة نسبة ربح محددة من البداية اتفق عليها، تُسَدِّد الأقساط شهرياً حتى بالمدة التي اتفق عليها، والمدة تتحكم بسعر الربح .. نسبة الربح، يعني: مثلاً إذا سنة يكون مثلاً سبعة بالمائة .. إذا سنتين يصبح ثلاثة عشر .. وهَلُمَّ متوالية طبعاً.
طبعاً يقوم التسديد الأقساط المبلغ زائد ربحه، هذا التمويل المرابح الذي أمر به الشرع.
الشيخ: طيب! الآن أنت تقول كما قيل لك: أمر به الشرع، أين نص الشرع بإباحة هذه المعاملة التي يسمونها اليوم بالمرابحة؟ هل أعطوكم الدليل على ذلك؟
مداخلة: طبعاً، هو «كتاب الأم للشافعي» يذكر فيها الحديث طبعاً، بعضهم سمعت أنه ضعفه ليس له سند قوي ..
الشيخ: لكن هذه الصورة التي عرضتها الآن يقول فيها الإمام الشافعي؟
مداخلة: أنا أحكي لك الناحية العملية، الذي يكون عندي.
الشيخ: لا، الناحية العملية شيء، والناحية الفقهية شيء آخر، الناحية العملية حكيت ما يقوم به البنك مع المتعاملين معه.
الآن هنا ليس البحث، البحث أنك أنت تسمي هذه المعاملة تبعاً طبعاً للموظفين الكبار والصغار هناك، أما تسميها مرابحة أمر أو أباحها الشرع على الأقل.
الآن دعنا نقف عند هذه الصورة، وننظر الشرع الذي آمنا فيه ومن ما جاء فيه:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
الربا معلوم عند الجميع: هو أخذ زيادة مُقابل القرض، هذا هو الربا بحيث لو أخذ إنسان من البنك أو من شخص مائة دينار على أساس يُوَفِّي المائة بعد مدّة معينة مائة وخمسة، الخمسة هذه تكون ربا، أليس كذلك؟ هذا أمر متفق عليه.
الآن بعد ما نُرَكِّز في أذهاننا هذه الحقيقة المتفق عليها، ننتقل إلى شيء قد لا يتنبه له كثير من الناس هذا الشيء هو الذي يسمى عند بعض الفقهاء بالحِيَل الشرعية، أعندك فكرة عن هذا الاسم: الحيل الشرعية؟
مداخلة: لا، والله ما عندي.
الشيخ: ما عندك فكرة، الحيل الشرعية: المقصود بها: الاحتيال على الحكم الشرعي، بحيث نخرج منه إلى حكم آخر.
يكون أمرًا محرمًا في الشرع، بالاحتيال على الصورة ينتقل الحكم من التحريم إلى التحليل، ولتوضيح المسألة هذه نأتي بمثلين اثنين:
أحدهما: معروف في ظني عند أكثر المسلمين، والذين نفرض أن فيهم شيء من الثقافة العامة بالشريعة الإسلامية.
أما المثل الثاني: فيختص به من كان عنده علم خاص بالسنة المحمدية.
المسألة الأولى: في لغة الشرع اسمه: نكاح التحليل، عندك فكرة عن نكاح التحليل؟
مداخلة: المستحل يعني: ولا مؤاخذة يقولون له: التيس المستعار يعني.
الشيخ: نعم، عندك فكرة.
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! هذا في بلادنا السورية يسموها «التجحيشة، تجحيش» وأظن صورة النكاح الذي هو نكاح التحليل واضحة في ذهنك، أو نشرحها؟
مداخلة: واضحة.
الشيخ: طيب! مقتنع بأنها محرمة؟
مداخلة: طبعاً يعني: مفروغ منها.
الشيخ: مفروغ منها.
مداخلة: الذي أعرفه أنا أنها محرمة.
الشيخ: جميل جداً، لماذا كان محرماً؟ هنا إذاً: بيت القصيد كما يقال، لماذا كان محرماً؟
لأن الغاية من هذا النوع من النكاح هو استحلال ما حرم الله، ما الذي حرمه الله؟ قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] زوج طيب! ربنا عز وجل بحكمته جعل الطلاق على ثلاث مراحل: طلقة أولى لا تبين منها الزوجة تصبح حرة، لا، تبقى في عصمته ما لم تنقض عِدَّتُها.
في أثناء هذه العِدّة يستطيع أن يُراجعها شاءت أم أبت، كذلك الطلقة الثانية.
أما الطلقة الثالثة، فمجرد ما تقع منه على الوجه المشروع، هنا يأتي قوله تعالى السابق:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
في الطلقة الأولى حَلَّت له أن يراجعها في العدة، في الطلقة الثانية حَلَّت له أن يراجعها في العدة، في الطلقة الثالثة خلاص لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
الآن المُحَلِّل ماذا يفعل؟ يتفق معه أن يتزوج هذه المرأة، ويبات عندها ويجامعها، على أساس أن يطلقها من أجل أن تحل لزوجها الأول.
هذا الزوج الثاني وضعه في تزوجه بهذه المرأة المطلقة ثلاثاً ليس كالزوج الأول، الزوج الأول ككل الأزواج حينما يتزوج الرجل المرأة على أمل ليعيش معها، ويقضي حياته في سعادة كما قال تعالى:{خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
هذا الزوج الثاني لن يتزوجها؛ ليسكن إليها، وإنما لِيُحلِّها للزوج الأول.
الآن: إذا كان هذا هو نكاح التحليل والرسول عليه السلام حرمه أشد التحريم؛ لأنه جعل له عقوبة أشد العقوبات وهي: اللعن، فقال عليه الصلاة والسلام:«لعن الله المُحَلِّل والمُحَلَّل له» وسمّى المُحَلِّل كما تعلم بالتيس المستعار.
لو نظرنا إلى الناحية العملية في نكاح التحليل، لوجدناه في الصورة كالنكاح الأول نكاح الزوجة الأول، لماذا .. على أيّ أساس قام هذا النكاح الأول؟
أولاً: خطبة الزوج موافقة الزوجة .. موافقة الولي .. وشهود اثنين .. والعقد، نكاح التحليل تَوَفَّرت هذه الشروط لكن النية اختلفت.
الآن هذه المعاملة التي كنا في صدد الابتداء بالبحث فيها، وهي المسماة: بالمرابحة، هي تماماً كنكاح التحليل، لماذا؟
لأنه بيع وشراء، وكل الشروط متوفرة في هذا البيع، لكن ما هو المقصود من وراء هذا النوع من البيع؟ هو استحلال الربا.
هنا إذاً: قد ندخل في شيء، قد نكون بعيدين بعضُنا عن بعض، لكننا سنقترب إن شاء الله.
أين الصورة هذه أنه استحلال الربا؟
الآن: لو تركنا شخصية البنك إلى شخص عادي، جاء رجل إليه وقال له: أنا أُريد أشتري طناً من الحديد، وثمنه مثلاً ألف، وأنا أرجوا أن تُقرضني ألفاً إلى شهر مثلاً، وسأعطيك مقابل الألف مائة مثلاً، يقول له: لا، هذه المائة ربا حرام لا يجوز، بارك الله.
إذاً: كيف الطريق؟ اذهب أنت خذ الطن من الحديد، وما عليك، ولكن تدفع لي مقابل الألف ألف ومائة، ما هو الفرق بين الصورتين؟
مثل الفرق بين نكاح الحلال ونكاح التحليل، الشروط متوفرة، لكن هنا: الغني الذي تظاهر بأنه ناس ملاح وصلاح وصرح على المكشوف، أن هذا المائة لا أقبلها، إذًا سأُعطيك ألف إلى يدك، ولا أقبل أن آخذهم ألف ومائة؛ لأن هذه المائة ربا.
ما الفرق بين هذه الصورة، والصورة التي هي هو دخل وسيط بينه وبين التاجر وقال له: اذهب أنت خذ الطن من الحديد، وادفع لي بدل الألف ألف ومائة، ما هناك فرق سوى الشكل اختلف.
والذي يؤكد لك الآن ما ذكرته أنت آنفاً: أنه إذا كان لشهر ستكون نسبة الربح كذا وإذا شهرين أكثر، وإذا لسنة أكثر وهكذا، كلما تأخر الوفاء كلما تضاعف الربح.
ما الفرق بين المرابي الذي في مثالنا الأول، امتنع رجل صالح لا يأخذ ربا، لكن الذين يأكلون ربا على صراحة نفس هذه المعاملة، إذا استقرضت منه ألف لشهر يأخذ منك مثلاً ربح بالمائة اثنين أو ثلاثة إلى آخره، لكل سنة الربح.
نحن نسأل الآن: البنك الإسلامي لماذا يضاعف الربح كلما تأخر في الوفاء، أليست هذه المعاملة هي نفس المعاملة الربوية الصريحة.
لكن كل ما في الأمر هنا: أنه دخل صورة بيع، لو ذهب واحد منا إلى البنك وقال له: أعطني ألف دينار قرضًا حسنًا أريد أن أشتري طن حديد، لن يعطيه.
مداخلة: سيعطيه لكن محدود.
الشيخ: لا، لا، ما لنا في محدود، نريد المعاملات التي تجري بما يسمونه المرابحة، لو أتى وقال له: أعطنا بدل أن تُدخل وسيطًا بيني وبين التاجر، أعطيني أنا هذه الألف واستلم الحديد أو أيّ بضاعة، سيقول له: لا، أنا أُريد أن أَربح.
فحينئذٍ يقول له: تُريد أن تربح اشتغل بالتجارة، ليس أن تعمل بتغيير صورة الربا كما فعل المُحَلِّل لما حرم الله عز وجل من النكاح، أنا قلت: أنه سأذكر مثالين أحدهما معروف وصدق ظني.
المثال الثاني: سَيُقَرِّب لك الموضوع أكثر وهو: هناك حديث في الصحيح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حَرَّم أكل شيء حرم ثمنه» ما معنى الحديث؟ الحديث أولاً: يشير إلى نص في القرآن الكريم، وهو قوله عز وجل:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] حرم الله على اليهود طيبات كانت أُحلت لهم، ما هي هذه الطيبات التي حُرِّمت عليهم؛ بسبب ظلمهم؟ الشحوم.
فالله عز وجل عندما أباح لهم الذبائح، وكانوا يأكلونها شحماً ولحماً، فبظلهم ربنا عز وجل عاقبهم، وحرّم عليهم الشحم وأبقى لهم اللحم الأحمر على الأصل.
اليهود ما صبروا على هذا الحكم الجديد، ماذا فعلوا؟ احتالوا، أخذوا الشحم ووضعوه في القدور، وأوقدوا النار من تحتها فأخذ شكلاً جديداً، أما هو طعمه ودهنه وكيماويته لا تزال كما هي على خلق الله عز وجل.
كل ما في الأمر أنه تَغَيَّر الشكل، فبسبب تغيير هذا الشكل استحلوا بيعه وأكل ثمنه، ورسولنا عليه السلام قال:«وإن الله إذا حرّم أكل شيء حرَّم ثمنه» .
لذلك فالإسلام من عظمته في تشريعه أنه لا ينظر إلى الشكل، وإنما ينظر إلى المضمون.
فإذا كان الله عز وجل حَرَّم الربا؛ لأن فيه استغلال حاجة المحتاج، فسواء كان هذا الاستغلال مباشرةً بواسطة القرض والوفاء، أو بواسطة إدخال صورة بيع.
وأقول: صورة بيع؛ لأن الحقيقة ما هي صورة بيع؛ لأن البنك ليس تاجر، وسأرجع الآن إلى مسألة أخرى لها صلة وُثْقَى بما نحن في صدده الآن:
لنعلم أن البنك الإسلامي في كل بلاد الدنيا اليوم ماذا فعلوا؟ حلوا محل التاجر أو محل الشركة.
الشركة تبيع بثمنين: كاش وتقسيط، هذا البيع يجب أن نفهمه، هل هو مشروع أم ليس بمشروع؟
فإذا تَبَيّن لنا بالنظر إلى النصوص الشرعية أن هذا البيع بيع التقسيط مقابل الزيادة غير مشروع، فنعرف أن عمل البنك هذا غير مشروع من باب أولى.
إذا أراد رجل أن يشتري مثلاً سيارة، سيذهب إلى الشركة سيفاصل ويساوم على ثمنها، سيسمع سعرين: سعر الكاش مثلاً عشرة آلاف، وبالتقسيط بإحدى عشر ألف أو نحو ذلك.
فماذا جاء عن الرسول عليه السلام في هذا النوع من البيع؟ جاء هناك حديثان، بل أكثر من حديثين، أحدهما: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة» وفي لفظ: «عن صفقتين في صفقة» قيل
لراوي الحديث وهو سماك بن حرب: «ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول: أنا أبيعك هذا بكذا نقداً وبكذا وكذا نسيئة» .
هذا الوصف تماماً ينطبق اليوم على ما يسمى ببيع التقسيط: كاش بعشرة آلاف .. بالتقسيط إحدى عشر ألف وقد تزيد وقد تنقص على حسب المدة.
هذا نهى عنه الرسول عليه السلام في هذا الحديث الأول، «نهى عن بيعتين في بيعة» قال الراوي: أن تقول: أبيعك هذه البضاعة نقدًا بكذا وبكذا وكذا نسيئة.
الحديث الثاني: قال عليه السلام: «من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا» هذا الحديث يعطينا فائدة لا نأخذها من الحديث الأول، بل يعطينا فائدتين: لأن الحديث الأول حيث أن فيه التصريح بالنهي عن بيعتين في بيعة، والنهي في المعاملات الأصل أنه يفيد الفساد والإبطال.
فلو وقفنا عند هذا النهي في الحديث الأول لقلنا: إن هذا البيع بالسعرين ولو انتهى إلى سعر واحد، فهو بيع باطل؛ لأن الرسول نهى عنه.
لكن الحديث الثاني سَيُعطي لنا فائدتين:
الفائدة الأولى: أن هذا البيع ليس باطلاً، إنما هو نافذ وواقع.
الفائدة الثانية: هي أن هذه الزيادة ربا، فإذا أراد البائع التاجر أن يكون بيعه مشروعاً، فإذا باع بالتقسيط فعليه أن لا يأخذ الزيادة؛ لأن هذه الزيادة ربا.
بعض العلماء يقولون اليوم: -تبعاً لبعض من سلف في تفسير الحديث الأول: «نهى عن بيعتين في بيعة» - النهي هنا هو لجهالة الثمن لماذا؟ لأنه عرض ثمنين: ثمن النقد، وثمن التقسيط، هكذا تصوروا بعضهم.
نحن بالنسبة لبعض المتقدمين سنجد لهم عذرًا، لكن التعامل الواقع اليوم لا يمكن أن نتصور لهم عذراً إطلاقاً، لماذا؟ لأنه سابقاً لا يوجد شيكات .. لا يوجد أصولات .. لا يوجد أيّ شيء سوى كلام، كما كان تماماً الزواج سابقاً، لم يكن يؤخذ
الزواج في المحاكم الشرعية، ولا يُكْتب صك في ذلك، وإنما مجرد شهود ورضا الولي والخاطب والمخطوبة وهكذا.
أما سابقاً كان البيع كالنكاح تماماً، بكم هذه البضاعة؟
…
يقول له: بعشرة نقداً وبإحدى عشر بالتقسيط، نعم عرض ثمنين، يا تُرى على أيُّ الثمنين انفصل البيع وانعقد البيع، مع أنه حتى في الزمن السابق، ما هي غامضة فيها وضوح؛ لأنه من حيث الواقع إن دفع الشاري العشرة في المثال فما هناك إشكال، طاحت ثمن الثاني، وإن لم يدفع وأخذ البضاعات بقي في ذمته الثمن الأكثر إحدى عشر.
لكن اليوم الأمر أوضح، سيكتب الشيكات والأصوليات والعقود وإلى آخره، أين جهالة الثمن في هذه المعاملة؟
استنباطاً من الوقوف عند الحديث الأول، الجهالة غير واردة إطلاقاً، لكن نأتي للحديث الثاني كما يقال اليوم: يضع النقاط على الحروف، ويُبَيِّن أن سبب النهي هو أنه في ربا ليس جهالة في الثمن، فقال عليه الصلاة والسلام:«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما - أي: أنقصهما - ثمناً أو ربا» .
فالآن التاجر المسلم إذا أراد أن ينجوا من الربا، ولا يجوز له أن يزيد في ثمن التقسيط على ثمن النقد، يجب أن يجعل الثمن واحداً؛ لأنه إذا فَرَّق بين الثمنين وأخذ الزيادة مقابل التقسيط، اعتبره ربا صراحةً في الحديث الثاني، وحينئذٍ سيرجع الموضوع إلى ما قلناه سابقاً: ما الفرق بين المرابي صراحةً، هذه مائة بعد شهر تعطيني مائة وخمسة، وبين هذه البضاعة التي تريد أذهب اشتريها، لكن أُريد أن تدفع لي مائة وخمسة وهي ثمنها مائة.
إذاً: هذه الخمسة أُخِذَت مُقابل الصبر في الوفاء.
مداخلة: للأجل، للأجل نصيب.
الشيخ: نعم، لكن الفرق شكلي، في الصورة الربوية المكشوفة واضحة في الصورة الخفية دخل هنا معاملة البيع والشراء.
لكن هذه المعاملة ليست مقصودة بالذات، إنما المقصود بها الوصول إلى استحلال ما حَرَّم الله، بدليل أن هذا لا تسميه مرابي مرابح، إذا قلنا له: يا أخي! أعطنا، نحن سنذهب ونشتري ونُسَلّم لا يرضى أن يعطينا، لماذا؟ يريد أن يربح معي، طريقة الربح أنك تأخذ مقابل قرضك لي، تأخذ الفائدة التي يُسمونها فائدة وهي ربا، مقابل قرضك لي، تأخذ الربا هذا حرام، لكن أنت تتستر وراء ماذا؟ البيع وأنت لست بائعاً؛ لأنك ستتصل مع الشركة، وتدفع لها ثمن النقد وبدل ما الشركة الآن تأخذ فرق التقسيط من سيأخذ الفرق؟ البنك.
هذه الصورة لشرح العملية التي يسمونها بالمُرابحة.
المرابحة: أنا اشتريت هذا الجهاز بمائة سَتُربحني ستعطيني خمسة هذه مرابحة.
أما المرابحة وراء الاحتيال على أكل الربا باسم بيع وشراء، بيع وشراء هذا يكون مع شركة ليس مع البنك، والبنك عندما يريد أن يعمل بايع يفتح محلات.
فعلاً: الآن كما نسمع في الكويت هناك بنوك أصبحت تبيع السيارات، لكن لم يَخْلُصوا من المشكلة؛ لأنهم لا يزالون يبيعون بسعرين، لكن خَلَصُوا من الصورة التي نحن نحكيها الآن، أن البنوك الإسلامية إلا القليل منها، أنهم يسمونها مرابحة، وهذه مراباة وليست مرابحة.
وأنت تذكر إن شاء الله قول الرسول عليه السلام: «ليكونن في أمتي أقوام يشربون الخمرة، يسمونها بغير اسمها» .
ومن مداخل الشيطان على عدوه الإنسان واحتياله عليه: أنه يخرج له بأسماء يطلقها على مسميات مخالفة للشريعة، لكن هو يُحَسِّن الألفاظ؛ فيغتر بعض الناس، فيسمون هذه الأشياء المحرمة بغير اسمها، وهذا في العصر الحاضر له أمثلة كثيرة وكثيرة جداً.
لا شك أنك سمعت يوماً ما أن بعض الناس يُسَمّوا الخمور بالمشروبات الروحية، سمعت هذا أو لا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا من هذا الباب تماماً يسمونها بغير اسمها.
كما أُريد أن أتدرج معك إلى شيء أدق قليلاً: هناك أناشيد يسمونها بالأناشيد الإسلامية.
فالآن طابع العصر الحاضر، عندما أصبح ما يُسَمَّى اليوم بالصحوة، أصبح الناس الذين يُريدون أن يلعبوا على البشر، يستغلون هذه الصحوة اسماً أما معاملة لا.
فهذه الأناشيد الإسلامية، يوجد منها كلمات لو نطق بها الإنسان نطقاً، واستحل هذا وعرف ما في ذلك لكفر؛ لأنه فيها شرك وفيها ضلال.
يمكن أنك سمعت مثلاً من الأناشيد التي كانوا يتغنون بها قديماً في مدح الرسول عليه السلام، قول البُوصيري:
فإن من جودك الدنيا وضَرّتها ومن علومك علم اللوح والقلم
سمعت من الأبيات في زمانك؟
مداخلة: لا ما سمعت.
الشيخ: الحمد لله، لكن هذه أبيات يتبرك الناس بها إلى اليوم، لكن هذا شعر قديم، الآن هناك أشعار جديدة تتضمن معانٍ جديدة، في بعضها أيضاً، مع أنها مخالفة للشريعة الإسلامية.
فالشيطان يُزَيِّن للناس أن هذه أناشيد إسلامية بدل الأغاني الماجنة المُحَرّمة، وتجدها على نفس الأوزان وعلى نفس القافية، لكن هذه أناشيد إسلامية وتلك أغاني محرمة.
مداخلة: هذه بلا موسيقى وتلك بموسيقى!
الشيخ: نعم، لكن انظر تدرج أيضاً الشيطان بهم، وتدخل الدف أخيراً في الأناشيد التي يُسَمّونها الأناشيد الإسلامية دخلوا فيها الدف.
وهنا في الإذاعة رأينا في بعض الجلسات التلفزيونية رجل مع الأسف من سوريا .. يمسك الدَرْبَكّة ويجلس ويغني، وهذا حرام باتفاق علماء المسلمين، فكيف دخلت الآلة الماجنة فيما يسمى بالأناشيد الإسلامية، الشيطان من مَكْرِه ببني الإنسان لا يفاجئه بأشياء محرمة لأنه ينفر منها.
هذا المثال مائة ندفع مائة وخمسة، لا هذا ربا، لكن اذهب وخذ الحاجة ونفس النتيجة واحدة.
هذه الصورة كل دروبها تبعها كما يقال، فإذا تذكرنا إذا نكاح التحليل، وتذكرنا قول الرسول في لعن اليهود حينما حُرِّمت عليهم الشحوم جملوها، أي: أذابوها وباعوها وأكلوا أثمانها، ثم ضممنا إلى ذلك ما هو منصوص في القرآن الكريم من استحلالهم الصيد يوم السبت، لكن ليس بطريقة الصيد، تعرف هذه طبعاً لأنها مذكورة في القرآن؟ فمع ذلك لُعِنوا.
صحيح الصورة اختلفت ما اصطادوا يوم السبت لكن سدوا الخلجان على الأسماك التي اعتادت على أنه ليس هناك شيء يزعجها ويُعَرِّضها للخطر، هو حيوان لكن عنده فهم يتناسب مع حيوانيته فلعنوا.
كثير من المسلمين اليوم يقعون فيما وقع فيه اليهود من قبل، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام:«لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن الناس! » بيع التقسيط هذا المنظم اليوم، أظن كل واحد منا وخاصة الذي يعمل بالبنك يعرف أن هذه بضاعة أجنبية، أليست كذلك؟
مداخلة: ليس شرطاً هي محلية، يعني: الأفكار مستوردة.
الشيخ: هو هذا، فهذه بضاعة أجنبية بلا شك، نحن في هذا العصر عندما تربينا بسبب استعمار بعض الكفار لبعض البلاد الإسلامية، مفاهيمنا اختلف وتأثرنا بأذواقهم وعاداتهم، انظر النتيجة الآن!
التاجر في الزمن الأول كان يستطيع أن يكون أعبد من الذي يقوم الليل ويصوم النهار، وهو يبيع ويشتري ويكسب المال.
في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إن الرجل ليُدْرك بحسن خلقه درجة، قائم الليل صائم النهار» .
الآن مثال بسيط جداً: تاجرين في بضاعة واحدة، أحدهما يبيع بالتقسيط بسعر النقد، الذي يبيع به جاره، جاره بسعر النقد واحد، لكن التقسيط بيزيد عليه أيُّ الرجلين أحسن خلقاً؟
مداخلة: الذي يبيع أرخص.
الشيخ: نعم، لكن انظر الآن التوضيح في السنة: جاء في بعض الأحاديث الصحيحة «أن قرض درهمين كصدقة بدرهم» يعني: لو أنت أقرضت درهمين كأنك خرجت عن درهم صدقة لوجه الله تبارك وتعالى.
ضاعف الآن الرقم: أنت أقرضت مائدة دينار لوجه الله، كأنك تصدقت بخمسين دينارًا، أقرضت مائتين كأن لك مائة وهكذا.
انظر التجار الآن! لو أنهم يبيعون بسعر الواحد، لا يزيدون في بيع التقسيط، كم وكم من صدقات تتوفر لديهم كل يوم.
ومن عجب! أن هذا التاجر الذي يربح الصدقات ليلاً نهاراً بسبب اتباعه للحكم الشرعي، هذا أيضاً يربح أكثر من الناحية المادية، توافقني بهذا الرأي أو لا؟ ليس بعد، بعد قليل ستوافقني: الآن التاجرين هاذين الذي ضربت لك مثالاً، أيُّ تاجر من هؤلاء الاثنين سيكون زبائنه أكثر؟
مداخلة: أكيد الأرخص.
الشيخ: فأيُّهما يكون ربحه أكثر؟
مداخلة: هنا علة من الناحية المادية، يعني: إذا بقى يبيع بالأقساط إلى ما لا نهاية، عندما يكون عنده إمكانية يظل يزود كل الناس بالدين.
الشيخ: كيف كل الناس بالدين، هو لا يريد أن يربح؟
مداخلة: يربح.
الشيخ: طيب! هذا الربح يموت أو يحيا؟
مداخلة: لا يموت لكن يكون عنده إمكانيات كبيرة من أجل يظل ..
الشيخ: على قدر الإمكان.
مداخلة: هذه.
الشيخ: على قدر الإمكان، الآن الرجل يبدأ يشتغل بالتجارة عمره مثلاً عشرين سنة .. خمسة عشر .. خمسة وعشرين على حسب، صح أو لا؟
طيب! أنت تلاحظ جانبًا، وهذه ملاحظة في محلها، لكن لا تُلاحظ الجانب الثاني: أن هذا الذي يبيع بسعر واحد سيكثر زبائنه، وسيكثر ربحه مع المدى البعيد.
كل ما في الأمر أن القضية تحتاج إلى صبر وأناة ورفع الجشع والطمع من النفس الأَمَّارة بالسوء، ثم هل الجواب الذي ذكرته هو جواب إسلامي؟ نحن نبحث بحثًا إسلاميًا.
مداخلة: لا، نحن عندما نبحث نبحث ناحية مادية.
الشيخ: الناحية المادية، يعني: المرابي ربا مكشوف، هذا يربح أكثر أو الذي يلف ويدور؟ من الناحية المادية اتركنا من الناحية الشرعية؟ !
مداخلة: الاثنين واحد.
الشيخ: لا، كيف اثنين واحد؟
مداخلة: هذا يربح بالطريقة هذه، وذاك
…
الشيخ: لا، ليس بنسبة واحدة، الذي يُعْطِي المال يدفع مائة يأخذ مائة وخمسة، ولا يدخل في مرابحات وفي تجارات وما شابه ذلك، البنوك الأوربية على أي أساس
قامت؟ أليس على أساس الربا المحرم المكشوف؟ وهي أغنى من كل البنوك الأخرى بلا شك، لكن أنا لا أُريد من هنا إلا أن أُوصِّلك نقطة وهي: هنا شيء نحن عندنا في الإسلام، اسمه البركة، تشترك معنا طبعاً في الإيمان بهذا الشيء؟
مداخلة: طبعاً نعم.
الشيخ: طيب! هناك حديث يقول: «عاقبة الربا إلى قِلّة» هل هذا الكلام سمعته يوماً ما، وإذا كنت سمعته فَكَّرت فيه ووجدته معقولاً جداً:«عاقبة الربا إلى قلة» .
مداخلة: إيمانيات هذا من رب العالمين، معروف أن مال المرابي سحت يا لطيف يذهب ماله،
…
الحلال والحرام.
الشيخ: جيد.
إذاً: أنت عندما تأتي تقول جواباً عن سؤالي السابق: إن هذين التاجرين أيهما يكون زبائنه أكثر وربحه أكثر، قلت: لا شك أن التاجر الأول الذي يبيع بيع التقسيط بنفس سعر النقد أكثر، لكن هذا ليس معه سيوله مثل ذاك، لكن تلك السيولة نسيت أنت أنها أتت من ربا، وأن عاقبتها إلى قل، وأن هذه السيولة الأخرى التي هي قليلة في نظرك ابتداءً، هذه سيضع الله عز وجل فيها البركة، وهذه البركة لا يمكن الإنسان البشر المخلوق أنه يعرف كيف
تكون، ولكن ممكن أن بعض الناس يضربون بعض الأمثلة ويحكونها كواقع، وأنت الآن يكفينا أنك ذكرت أن بعض المرابين كانت نهايتهم إلى فقر، مصداقاً للحديث السابق:«عاقبة الربا إلى قل» .
لكن نحن نعرف أن مما نشاهده اليوم: المال الذي يُكْسِب من طريق الحرام يذهب بنفس طريق الحرام.
خذ يعني: ماذا أقول؟ أفسد وسيلة وأكثر انتشاراً وأضر في الصحة، والمال هو الدخان، صحيح؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! هذا الدخان أليس من الطرق التي تُذهب البركة من المال؟ لأنه يضر نفسه وصحته ..
مداخلة: بدون أي فائدة.
الشيخ: بدون أيّ فائدة، هذا مثال مما يقع اليوم ونشاهده، غير شرب الخمر وغير ملاحقة الموضات، وكل يوم لباس شكل وإلى آخره.
كل هذه الطُرُق هي التي تُحَقّق أن عاقبة الربا إلى قل، والعكس بالعكس تماماً، عندما المسلم يتقي الله عز وجل في مكسبه، فيكون درهمه يساوي مئات الدراهم الربوية.
مشكلة المسلمين اليوم: هو أنهم يتعاملون في معاملاتهم المادية معاملة الكفار تماماً؛ ولذلك ارتفعت الرحمة من قلوب التّجار إلا ما قل وندر، فأصبحوا كالأوروبيين من حيث تعلقهم بالمادة.
والتفريق بين السببين .. بين البيعتين هو أثر من آثار هذه الجشع، وإلا كان يكفي التاجر المسلم أن يربح الربح القليل، حتى مقابله يكثر الزبائن.
وختاماً: يطرح ربنا عز وجل على ماله البركة، لكن هذا الإيمان نحن أصبحنا الآن أبعد ما نكون عنه كالأوروبيين الكفار تماماً، لذلك المسلمون اليوم بحاجة إلى إيقاظ الإيمان في قلوبهم.
وختاماً أقول مذكراً بالآية السابقة، وضرباً لبعض الأمثلة مما يتعلق في قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] الآن قبل ما آتي ببعض الأمثلة من السنة، ختام هذه الآية:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] هل يؤمن أصحاب البنوك بختام هذه الآية؟
مداخلة: لا.
الشيخ: ما هو السبب؟ لأن تعاملهم مادي أوروبي، فهم يشتركون مع الأوربيين في عدم إيمانهم بهذه الآية.
هم يؤمنون بها لأنهم مسلمين، وإذا أنكروها كفروا، لكن لا يؤمنون بها عملياً، انظر كيف! وسؤالي كان طبعاً من ناحية عملية.
الذين الآن يتعاملون بمثل هذه المعاملات في البنوك ولو سُمِّيت بالبنوك الإسلامية.
قد يكون هناك معاملات أخرى، وكان المفروض أنه يتسع الوقت لنسمع، لعلنا نرى معاملة تكون مشروعة مثلاً.
لكن الذين يتعاملون بمثل هذه المعاملة الربوية التي ذكرنا فيها حديثين اثنين وعَلَّقنا بما شرح الله عز وجل صدرنا له.
هؤلاء عملياً لا يؤمنون بهذه الآية، وإن كانوا يزينون الجُدُر بها، لافتات مكتوب عليها:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].
مثال واحد، حتى تدركوا الصلاة في المسجد: جاء في الحديث الصحيح: «أن رجلاً فيمن كان قبلنا بينما هو يمشي في فلاة من الأرض، إذ سمع صوتاً من السماء يقول للسحاب: اسق أرض فلان» طبعاً هذا أمر خارق للعادة يسمع صوتًا من السماء .. صوت كصوت البشر: اسق يا سحاب أرض فلان بن فلان، فمشى الرجل مع السحاب، حتى وجد السحاب يُفْرِغ مشحونه من المطر على حديقة .. أطَلَّ عليها وجد فيها رجلاً يعمل فيها .. سَلَّم عليه فرد عليه السلام، لكن وجده رجلاً غريباً فسأله عن حاله، فذكر له أنه سمع صوتاً من السحاب يقول: اسق أرض فلان فسرت مع السحاب حتى وصلت إليك، فعرفت أنت المقصود فبم ذاك؟
هنا الشاهد: قال الرجل وهذا شأن الصالحين، قال: والله أنا لا أدري، لكن عندي هذه الأرض فأزرعها وأخدمها وأحصدها، فأجعل حصيدها ثلاثة أثلاث: ثلث أُعيده إلى الأرض، وثلث أتَمَوّل به لنفسي وأهلي، والثلث الثالث: أتصدق به على الفقراء والمساكين.
قال: هذا هو الذي استحققت به هذه العناية الإلهية.
الآن: أذهان التجار بصورة خاصة خالية تماماً عن مثل هذا التسخير الإلهي للكون؛ ليخدم المتقي لربه تبارك وتعالى؛ لهذا أنا أنصح كل مسلم، أن أولاً: يتفقه في الشريعة.
وإذا أراد أن يتاجر أن يكون فقيهاً في البيع والشراء؛ لأن هذا الفقه في هذا النوع فرض عين؛ لأن طلب العلم بصورة عامة فرض كفاية، لكن بعض العلوم تُصبح فروضًا عينية.
رجل مثلاً فقير ليس عنده مال، لا يجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة، لكن إذا صار غنياً وجب عليه أن يعرف أحكام الزكاة.
فقير لا يجب عليه الحج، لكن إذا وجب عليه الحج صار فرض عين، أن يتعلم كيف يحج وهكذا.
كذلك الرجل حينما يريد أن يتاجر، عليه أن يتعلم الأحكام المتعلقة بالبيع والشراء؛ خشية أن يقع في بيع مما حرم الله عز وجل.
والبنوك الإسلامية قامت أول ما قامت كالبنوك الأخرى، ثم عندما بدأت الناس تطالب ببعض الأحكام وتطبيقها، أصبح المشهورين المدراء في البنوك يحاولوا يستنبطوا أو يستفتوا عن بعض المسائل فيجدون - وأنا لا أكتمك - من يفتيهم بآراء الرجال، وليس بقال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا يكمن الخطأ، أي: أنت تعرف مثلاً أن في كثير من المسائل الشرعية فيها خلاف بين الفقهاء، مثلاً في الصلاة: يصلي إنسان صلاة مذهب يقول: صحت هذه الصلاة ومذهب يقول: ما صحت، - يوجد عندك طبعاً كما يقال: خلفية بهذه المعاني -.
وشخص توضأ، شخص يقول: لا، وضوؤه لم يصح، والثاني يقول: صح، وهكذا، كذلك يوجد في المعاملات مثل هذا الاختلاف.