الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن ذلك لا يُساوي إصدار أحكام بتكفيرهم وبوجوب الخروج عليهم ومقاتلتهم، وليس يوجد عند هؤلاء الذين يُصْدِرون مثل هذه الفتاوى قوة يستطيعوا أن يحاربوا بها اليهود، وكيف يقولون بحكمٍ ما لا يستطيعون تنفيذه في كل البلاد الإسلامية ومع حكامهم؛ لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله هذه حقيقة مُرَّة، لكن الناحية الفقهية: لا يعني أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو مرتد عن دينه، إلا في حالة واحدة: إذا ظهر أن هذا الحاكم لا يعتنق الإسلام، ويعتقد ويُصَرِّح به بأنه لا يصلح الحكم الإسلامي في هذا الزمان، هذا لا شك بأنه كافر مرتد عن دينه قولاً واحداً ودون خلاف بين مسلمين اثنين.
الخلاصة: التشديد والتيسير لا ينبغي أن نقبح هؤلاء ونحسن هؤلاء، إلا في حدود ما شرع الله.
(الهدى والنور/264/ 00: 11: 00)
(الهدى والنور/264/ 30: 35: 00)
(الهدى والنور/264/ 56: 35: 00)
خطورة التعامل مع البنوك الربوية
الشيخ: هؤلاء المرابين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما في إلا الذين معروفين بثروتهم وغنائهم، وليس لهم إيش محلات معينة، فيجيء الشخص، معروف الشخص عند الناس الآن أنه غني وأنه يُرابي بيقول له يجيب شاهدين يجيب شاهدين وعنده كاتب يكتب، أو يجيب له كاتب إلى آخره.
فتعاون جميع هذه الأنواع: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهدية، بسبب التعاون على هذا المنكر الفظيع.
قال عليه السلام «لعن الله» آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهدية، اليوم البنك لا يقوم على هذه الأنواع الأربعة، بيجوز البنك ما في حاجة في كثير من المعاملات إلى إيش شاهدين، لكن هو بحاجة بدل الشاهدين إلى متعاونين معه من أنواع كثيرة
وكثيرة جداً بدأً من الكناس المُنَظِّف إلى الرئيس البنك، أد إيش أنواع بالنسبة للعصر الحاضر، كلهم داخلين تحت اللعن؛ لأنهم يتعاونون على هذا المنكر الضخم.
وهذا الحديث في الواقع نعتبره دائماً من الأمثلة التي نستطيع أن نُفَسِّر بها بلاغة القرآن في مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
فالتعامُل مع البنوك إثم وعدوان على أموال الناس وعلى حقوقهم، بعد اعتدائهم على أحكام الله وعلى شريعة الله.
إذاً: انظر دائماً إلى نوع التعامُل مع أيِّ بنكٍ كان، فإن كان الشرع يُعطيك الجواز فهو جائز وإلا فلا.
وأكثر المعاملات اليوم التي تجري في البنوك هي مخالفة للشريعة ولا شك.
وباختصار واختصار شديد، لا يجوز التعامُل إلا مع الضرورة التي تُبيح للمسلم أن يأكل لحم الخنزير.
السائل: إيه نعم، ما هو البديل؟
الشيخ: تريد البديل .. الجواب عن السؤال السابق ذكره من أحد إخواننا، ما هو البديل.
هذا السؤال باعتقادي الجواب عنه ليس بالسهل، ليس بالنسبة للمجيب ولكن بالنسبة للسائلين؛ لأنه لا يخفى على جميع الحاضرين: أن البنوك القائمة الآن، هي ثمرة تَغيُّر نفوس المسلمين، الذين وُجِدَت بينهم هذه البنوك التي تتعامل تعاملاً غير إسلامي.
فإذاً: هي أثر من آثار فساد المجتمع الإسلامي، فحينما نطلب بديلاً عن هذا البنك الذي يتنافر مع المجتمع الإسلامي الحقيقي، فلا يُمكننا أن نوجد البديل إلا بإيجاد التبديل والتغيير، كما قال ربنا عز وجل في القرآن الكريم:{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
لأن البديل إن وُجد وسوف لا يمكن إيجاده مع بقاء المسلمين على ما هم عليه، إن وُجد فسوف يُرْفَض وسوف يُهْجَر ولن يتعامل المسلمون معه؛ لأنهم ليسوا مسلمين حقاً، ولم يُشَكِّلوا المجتمع الإسلامي الذي يتقبل هذا البديل عن البنك الإسلامي.
وموضوع تغيير النفوس المشار إليه في الآية السابقة أمر هام جداً، هو من الأمور التي لا يزال كثير من المسلمين فضلاً عن الكافرين لا يعلمون أهميته، وربما يعلم الحاضرون جميعاً، أن بعض القوانين الغربية الكافرة، كانت يوماً ما قد اقتنعت تحت مطارق التجارب والأضرار التي لمسوها لمس اليد من انتشار شرب الخمر في تلك البلاد، تحت ملاحظتهم لهذه الأضرار، أصدروا قانوناً بتحريم الخمر، لكن سرعان ما تراجعوا عن هذا التحريم وعن هذا القانون -وهنا الشاهد- لأن النفوس التي فُرض عليها هذا النظام وهذا القانون، ليس عندها استعداد أن تجاهد نفوسها وأن تبتعد عن شرب الخمر مع علمهم بأضرارها؛ لأنه إنما يبتعد الناس عن المضرات المشتهات عند النفوس بتقوى الله تبارك وتعالى ولا شيء آخر.
ولذلك لا نزال إلى اليوم نجد كثيراً من الأطباء المسلمين يشربون الدخان، مع علمهم بأضرار الدخان، بل وبعضهم يشرب الخمر أيضاً وهم يعلمون أضرارها.
إذا كان بعض أطباء المسلمين هكذا يشربون الخمر، فماذا يقال عن الكفار الأمر فيهم أدهى وأَمَرّ، ولذلك فشربهم الخمر ليلاً نهارًا، والذين يُسافرون أو بمعنى أصح يُبتلون بالسفر إلى بلاد أوروبا، يذكرون أنه قلما يشربون الماء، وإنما يشربون الخمر.
إذاً: ما هو السبيل للابتعاد عما حَرَّم الله، وإحلال ما أباحة الله، محله ليس هو مجرد التغيير والتبديل، وإنما بتبديل شيء قائم في النفوس، ألا وهو تحقيق تقوى الله عز وجل التي هي العلاج لابتعاد الناس عن كل المعاملات المحرمة إسلامياً.
إذاً باختصار أُريد أن أقول: إن البديل لا يمكن إيجاده إلا بعد تهيئة النفوس للابتعاد عن هذه البنوك المحرمة.
وحيننئذٍ تأتي جملة مشهورة في العصر الحاضر وهي: «الحاجة أُم الاختراع» فما دام الناس لا يزالون يُقْبِلون على التعامل مع البنوك، بحجة أن هي فيها شيء وهي ما فيها شيء وهي فيها شيء فيه ضرورة وما هي ضرورة، لا ينظرون إلى قول الفقهاء، صحيح «الضرورات تبيح المحظورات» لكن هذه القاعدة مُقيدة بقاعدة أخرى، وهي «الضرورة تُقَدَّر بقدرها» .
فإذا سألت التُّجار ما هي الضرورة التي تضطركم إلى أن تُودعوا أموالكم بالألوف بل ربما الملايين في البنوك، بيقل لك التجارة.
طيب، التجارة ليست ضرورة تبيح للمسلم ارتكاب المُحَرّمات، كيف والإسلام يقول في صريح حديث الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث ما معناه «يا أيها الناس اتقو الله وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فإن ما عند الله لا يُنال بالحرام» فإن ما عند الله لا ينال بالحرام.
فأنت إذا أردت أن تُتَاجِر فعليك أن تتقي الله عز وجل، ولا تظنن استحلالك ما حَرَّم الله بزعم أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا ضرورة هناك سواى توسعة الكرش وإملاء البطن بما حرم الله.
هذا ليس ضرورة أبداً، يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الحياة الدنيا أحسن عيش وأحسن حياة في حدود القناعة، وليس من الضروري أن يكون غنياً ثرياً كبيرا، وبخاصة بناءاً على المعاملات المُحَرّمة في الإسلام.
قلت مراراً وتكراراً وأرى لزاماً عليّ أن أُكَرِّر ذلك على مسامع الناس، ولو كان فيهم من قد سمع، فإن في الإعادة إفادة كما يقال، وقد يكون هناك من لم يسمع.
فأنا أقول: إن المسلمين اليوم بعامة -وهذا لا يعني أن هناك خاصة لا يدخلون في هذا العموم- نسوا قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} إني أقول نسوا أعني الآية القرآنية وهو قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ
لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.
فأنا قلت: إن المسلمين اليوم نسوا هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} فيقول: قائل لا، يا أخي ما نسوا بدليل: قَلَّما تدخل بيتاً إلا وتجد لافته بخط جميل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} .
أقول له: رويدك أنا ما أعني النسيان الفكري العلمي، وإنما أعني النسيان العملي المذكور في الآية السابقة:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} نسيان ذهني؟ لا، نسيان عملي.
فنحن اليوم مع الأسف الشديد، تنطبق هذه الآية على الكثير مئات الملايين من المسلمين ينطبق هذا الوعيد الشديد:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} وأيُّ ضَنَك أشد من أن تُسْتَحل أطراف من بلاد الإسلام من الكفار أصالةً أو الكفار انتماء إلى أخره، ونعيش في ظل هؤلاء الحُكَّام الذي بعضهم كفار أصليين وبعضهم كفار طارئيين ونحو ذلك.
هذه المعيشة الضنك، أنك لا تستطيع أن تنتقل من بلد إسلامي إلى بلد آخر، كما هو الواجب أن تطوف في بلاد الإسلام وتعيد رحلة ابن بطوطة أو ابن جبير ونحو ذلك، يتعجب الإنسان كيف استطاع هذا الرَّحالة وقتذاك أن يطوف هذه البلاد، دليل أن ما كان فيه هذه التعقيدات التي أُصيب بها المسلمون اليوم، بل لا تستطيع أن تتجاوزها مقدار مئة كيلومتر مائتي كيلومتر إلا - بإيه - ساعات حتى يؤذن لك ويسمح لك هذا من الحياة من المعيشة الضنكا:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} إلى أخر الآية فالآية السابقة معروفة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} لكنها مهجورة متروكة لا يُعْمَل بها، لا أحد من التجار إلا من شاء الله وقليل ما هم يخطر في بالهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا}، أي: من يترك الربا فالله عز وجل سيجعل له مخرجًا أحسن من المخارج التي يتكلفها العاصون لله عز وجل في تعاملهم تعاملاً ربوياً: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} .
نحن نسأل ولا جواب: هل تؤمن بهذه الآية؟ يقول نعم، لكن أراك لا تعمل بها أنت لا تتقي الله عز وجل حتى يجد لك مخرجاً.
باعتقادي الآن البديل هو في هذه الآية البديل، لا يستطيع شخص من مثلي ولا عشرات من مثلي ولا مئات أن يُوجِدوا بنكًا بالمعنى العرفي اليوم وموافق للأحكام الشرعية، ما دامت هذه الآية لا تزال تُزَيَّن بها الجُدُر وليس القلوب فلو أننا غيرنا من أنفسنا لغير الله عز وجل ما بنا، وذلك بأن نتقي ربنا؛ لأن الله عز وجل أصدق القائلين:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} .
إذًا: القضية مش قضية أنه قضية حل مادي، أنه نُوجد نظامًا بهذه السرعة التي يسعى إليها الكفار ويضعون القوانين لحل بعض المشاكل، هذا يحتاج إلى تطهير الأمة من نفوسها من أفكارها من عقائدها، حتى ربنا عز وجل يتفضل عليها حينذاك بأن يلهمهم البديل المادي الذي يأتي بحلول لمشاكلهم، ولا يُؤَخِّر أعمالهم الدنيوية المباح منها.
وبهذه المناسبة أيضاً، بمناسبة التعليق على هذه الآية أنا أذكر حديثين اثنين أيضاً، يُعْتَبران كالتفسير لهذه الآية، تفسيرًا واقعيًا مما وقعت من بعض الأمم التي كانت قبلنا، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام البخاري في صحيحة: «كان فيمن قبلكم رجل غريب، فجاءه سائل فقال له: أقرضني مائة دينار، قال: هاتِ الكفيل.
قال: الله الكفيل، قال: هات الشهيد، قال الله شهيد، فنقده مائة دينار ذهب، ولا شهيد هنا من العباد ولا كفيل، إنما هي تقوى الله والخوف من الله كلاً من الغني والفقير من المُقْتَرض والمُقْرِض، وتواعدا على يوم لوفاء هذا الدين، وانطلق المستقرض بالمائة دينار يعمل في بلدة أخرى، فلما حل الميعاد وجد نفسه لا يستطيع
أن يحضر في البلدة التي فيها الغني؛ ليفيه المائة دينار، فماذا فعل؟ لقد فعل أمراً عجباً، أنا أول من يستنكره تمسكاً بالمبادئ الكونية الطبيعية المعهودة عند الناس، أما الإنسان حينما يلجأ إلى الله عز وجل ويتوكل عليه فهنا تأتي العجائب، كما جاء في حديث وهو قوله عليه السلام:«حَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» .
فقد كانت فيهم أعاجيب، من هذه الأعاجيب هذه القصة، هذا الرجل لما شعر أنه لا يستطيع أن يحضر في اليوم الموعود لدفع النقود، ماذا فعل؟ أخذ خشبه وحفرها ودَكّ فيها مائة دينار لاحِظْ، وحشاها حشواً جيداً.
ثم جاء إلى ساحل البحر، فقال: يا ربي أنت كنت الكفيل وأنت كنت الشهيد، ورمى الخشبة في هذا البحر، شُغْل دروشة شغل جنون، والجنون فنون، لكن إنما الأعمال بالخواتيم شوف شو صار بالرجل، ربنا عز وجل الذي يعلم ما في الصدور، ويعلم إخلاص هذا الإنسان في محاولته الوفاء في اليوم الموعود، وقد فاته بينه وبين البلد ما شاء الله من المسافات فتوكل على الله حق توكله ثم أتى بسببٍ باستطاعته هذا السبب، ما عنده دليل مسجل كما هو اليوم موجود أو بريد سريع أيضاً إلى آخره.
فَدَكّ الخشبة ودَكَّ فيها هذه الدراهم وهذه النقود ورماها في البحر متوكلاً على الله، أنت كنت الكفيل وأنت كنت الشهيد، يعني: يا ربي هذه شغلتك ما هي شغلتي، أنا هذا ما بيطلع بيدي.
ربنا عز وجل بقدرته التي لا حدود لها، أمر الأمواج أن تأخذ هذه الخشبة إلى البلدة التي فيها الدائن الغني، وخرج الدائن في اليوم الموعود ليتلقى صاحبه المدين، لكن عبثاً.
فالرجل ما زال في تلك البلدة التي كان يعمل فيها، ووقع بصره على خشبه بين يديه تتقاذفها الأمواج وتتلاعب بها يميناً ويساراً، فأُلهم أن يَمُدّ يده ليأخذها، وإذا هي ثقيلة؛ الأمر الذي جعله يحس بأن الخشبة هذه مش خشبة جامدة، أخذها إلى الدار وكسرها وإنهال منها إيش؟ المائة دينار ذهب تعجب الرجل.
ثم جاء المدين بعد الوعد، انظر الآن الإخلاص في الوفاء من جهة وعدم الاعتماد على ما فعله، أنتم تسمعوا يمكن أن الصوفية فيقولوا فلان أخذه الحال، أنا منكر هذا الشيء، لكن له معنى هذا الكلام.
لازم تعرفوا معي قضية أن الإنسان أحياناً يأخذه الحال هذا مش مستنكر أبداً؛ لأن الإنسان أحياناً ينفصل عن الوجود المادي بارتفاعه إلى الأعلى واتصاله بالملأ الأعلى.
هذا الرجل لما ألقى الخشبه وفيها المائة دينار، بلا شك هذا أخذه الحال، فنحن نقول بيقولوا الصوفية أخذه الحال، يعني هذا جنان بيذكر الله وأخذه الحال، لا، هذا أخذه الحال هنا أخذه شعوره؛ لأنه يجب عليه أنه لو كان له أجنحه ليطير إلى تلك البلد، من أجل ماذا أن ينقده النقود وفاءً بالوعد، لكن مش طالع بإيده إذا شو بيسوي هي لا جود إلا بالموجود، قال ما بيطلع بأيده دَكَّ هالنقود في الخشبة ورماها وإلى آخره.
لكن هالحال هذا اللي أخذه ما استمر معه بيرجع إلى الوضع الطبيعي، والوضع الطبيعي يُعَبّر عنه لما جاء عند صاحبه تجاهل كل شيء فعله، وأخرج من جيبه نقده مائة ألف دينار.
لو كان بِدّه يعتمد على ذاك الفعل، كان بيقول له أنا بعثت لك بالبريد الإلهي مائة دينار فهل وصلك، شو بيعرفه هي قضية خارجة عن تَوَقُّع الإنسان.
لذلك تجاهل الموضوع نقده مائة دينار، هذا بلا شك منتهى الوفاء والإخلاص، والعمل بالوسائل المادية والوسائل إذا صح تسميتها الروحية أو الإلهية، جمع بين الأمرين ورجع إلى النظام المعتاد فنقده مائة دينار.
انظروا الآن موقف الدائن ليُذَكِّرنا بالمثل السائد: «إن الطيور على أشكالها تقع» لو واحد من الأغنياء اليوم جاء بالبريد الإلهي اللي لا مثيل له، مائة دينار يحطهم بجيبته او بخزانته ولما بيجي المدين بيدفع له، بيقول جزاك الله خيرًا؛ لأنه هذا المدين ما بيقدر يُقيم الحجة عليه أني بعثت لك مائة دينار كما نفعل نحن اليوم بطاقة
مستردة، أن أنا بعثت لك ما في شيء من هذا فوق الأسباب الكونية الطبيعية الذي وقع.
لكن هذا الغني مثل هذا المدين كلاهما في الخوف من الله وفي تقوى الله سواء، ماذا فعل؟ قال أنا يا اخي يوم الميعاد خرجت لاستقبالك وتَلَقّيك ما إجيت، لكن وجدت خشبه فأخذتُها وكسرتُها ووجدت فيها مائة دينار، شو القصة؟ قال القصة كذا وكذا، حكى له القصة رَدَّ له المائة دينار وقال له: بارك الله لك في مالك.
هذه تفصيل لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} يعني سَخَّر الله لهذا الإنسان البحر الموج.
هذه البواخر إذا شفتوها الضخمة، كأنها بلد تمشي في البحر، ربنا عز وجل سخر لنا هذا الموج لهذا الإنسان المتقي.
فتقوى الله عز وجل تأتي بالعجائب، لكنا مع الأسف اليوم ما عدنا نحس بأثر التقوى إلا نادراً نادراً جداً.
الحديث الثاني الذي أذكره بهذه المناسبة، وهو معجزة وآية أخرى، تُؤَكِّد أثر تقوى المسلم لله عز وجل، وكيف ربنا يسخر لنا الكون.
قال عليه السلام «خرج رجل ممن قبلكم يمشي، فسمع صوتاً من السحاب صوتًا من السحاب، حتى في زمن استعلاء الطائرات على السحاب لا يمكن أن نسمع صوت البشر إلا صوت دوي الطائرات.
هذا الإنسان في ذلك الزمان سمع الصوت من السحاب كلام يفهمه: اذهب يا سحاب واسق أرض فلان. عجيب، عمرها ما صارت هذه.
كان السحاب يمشي هكذا وإذا به يمشي في جهة أخرى، مشى مع السحاب إلى أن وجد السحاب يُفَرِّغ مشحونه من ماء المطر على حديقة، أطل فيها فوجد فيها صاحبها يعمل في فتح الطريق للماء وإلى آخر من هنالك .. من نظام الزرع، سَلَّم على
الرجل باسمه الذي سمعه فوق من السماء، قال له: ما خبرك؟ أراك رجل غريب كيف عرفت؟
حكى له القصة الذي سمعها بأذنه، قال له: فبم ذاك؟ يعني: كأنه شرح أن هذه كرامة من الله عز وجل لك، ولا بد أنك من المقربين عند الله حتى سخر لك السحاب .. المطر، والمطر ينزل في الحديقة، وخارج الحديقة لا شيء.
يعني أشبه شيء يُذَكِّرنا بحديث أنس بن مالك في الصحيحين لما كان الرسول عليه السلام يخطب يوم الجمعة حين دخل أعرابي قال: «يا رسول الله! هلكت الأموال، والعيال، من قلة الأمطار، فادع الله لنا. قال عليه السلام ورفع يديه حتى بان إبطاه: اللهم! اسقنا، اللهم! اسقنا، فجاشت السماء بالأمطار كأفواه القِرَب، ويقول أنس: فالمدينة تمطر وحواليها لا مطر» .
تُذكرني هذه القصة بهذه الحادثة في زمن الرسول عليه السلام، كيف أن الله استجاب دعاء الرسول، فالمدينة ينزل فيها المطر، أما خارج المدينة لا شيء، وبالعكس.
قال أنس: «فاستمرت تمطر سبتاً» أي: أسبوعاً كاملاً.
«الجونة» يعني: الترس، كأن هناك ترس كبير حول المدينة، فكانت المدينة ليس فيها مطر، وما حولها أمطار على الآطام والجبال ومنابت الشجر.
هذا كُلُّه تَصَرُّف من الله عز وجل استجابةً لدعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، هناك نجد هذا الرجل صاحب الحديقة يقول للذي سمع الصوت من السحاب: أنا والله لا أدري.