الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مداخلة: نعم.
سائل آخر: أنا أعرف موظف وأنا حَكيت له قال لي: نحن يا عمي عم بنشارك مشاركة، بحيث أنه لو تلفت البضاعة في الباخرة أو في الجمرك أو تدهورت السيارة من عمان للعقبة نحن مسؤولين، أنت لك تدخل في محلك ساعة ما تستلمها .. ؟
الشيخ: على كل حال، قد يكون الواقع هيك أو هيك، لكن إذا كان بالصورة اللِّي عم بتحكيها طبعاً ما بيجوز.
لكن إذا تركنا التقسيط مُقابل الزيادة جانباً، فبيجوز: خلافاً للقاعدة «لا تبع ما ليس عندك» .
بيجوز إذا تَحَدَّدت المواصفات، مثلاً دخلت شركة أنت اخترت نوعًا من السيارة، بيقول لك: هذه موللبيع يعني: للعرض، لكن نفس المواصفات الموجودة بهذه السيارة، نحن بنجيب لك إياها وبسعر كذا للتسليم يعني.
فما دامت المواصفات مُحَدَّدة بحيث أنه ما يمكن أن يقع خلاف حينما يأتي المبيع، هذه مستثناه من «لا تبع ما ليس عندك» ، وهذا له شبه ببيع السلم والسلف، يعني: المعنى واحد، أما بالصورة هذه السابقة ما يجوز طبعاً.
مداخلة: جزاك الله خيرًا.
(الهدى والنور / 133/ 56: 35: 00)
التاجر الذي لا تتم تجارته إلا بالمعاملة البنكية
السؤال الأول: ما حكم التاجر كثير المال الذي لا تتم تجارته إلا بالمعاملة البنكية، ولا يوجد في بلده بنوك إسلامية، علماً: أنه لا يأخذ أو يُعطي أيَّ فائدة في معاملته هذه؟
الشيخ: قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب لفت النظر إلى أمرين اثنين:
أحدهما: أنه لا يجوز تسمية الربا بلفظ آخر اصطلح عليه حديثاً، ألا وهو الفائدة؛ لأن هذه التسمية يترتب من ورائها مفسدتان اثنتان، إحداهما: لفظية، والأخرى معنوية أو حكمية شرعية.
أما المفسدة اللفظية: فهو تسمية المسميات بأسماء مخالفة للشرعية.
مثلاً: لا يجوز لنا أن نُسَمِّي السائل المُسْكِر المسمى في لغة الشرع بالخمر، نسميه: وسكي، أو شمبانيا، أو مثلاً غير ذلك من الأسماء؛ لأن في هذه التسمية المفسدة الثانية التي ستلي مع مخالفتها في تسمية الشارع الحكيم في أحاديث كثيرة التي من أجمعها قوله عليه السلام:«كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» ، فهذه المفسدة أرجو أن يُتَنَبَّه لها، وألاّ يظن ظان أنها شكلية محضة، كلا؛ لأن للأسماء تأثيرها إن صلاحاً وإن طلاحاً.
ونحن نلمس لمس اليد اهتمام الشارع الحكيم بإصلاح كثير من الألفاظ، ولو كان المتلفظ بها لا يعني معانيها، وإنما هو يتلفظ بلفظ لا يرمي إلى المعنى الذي يدل عليه هذا اللفظ عادةً.
الأحاديث في هذا الصدد كثيرة والحمد لله، ولكن أنا أحرص بالإتيان بنماذج منها من باب التمثيل وليس من باب الحصر.
وأهم هذه الألفاظ ما كان لها علاقة بالعقيدة وبالتوحيد بصورة خاصة.
فمثلاً: هناك أحاديث، أحاديث أكثر من حديث واحد ينهى الرسول عليه السلام المسلمين بعامة أن يقول قائلهم:«ما شاء الله وشئت» ويأمر أن نقول إحدى قولتين: إما: ما شاء الله وحده، وهذه أقطع للمفسدة، وإما: ما شاء الله ثم شئت، وهذا عند من يفقه الفرق بين الواو وثم.
وبطبيعة الحال أكثر الناس اليوم لا يعلمون؛ ولذلك تجد كبار القوم في خُطَبِهم وفي افتتاح كلماتهم ومحاضراتهم يقول قائلهم: باسم الله والوطن؛ لأنهم لا يفقهون، قوم لا يفقهون، ولا يعملون هل قَبِل الشرع لغتهم، لا يفقهون.
فالشاهد: أن كثيراً من الناس حتى اليوم يُشركون بالله، وما نقول: شركاً اعتقادياً، لا نقول الناس كلهم إنهم يُشْركون شركاً اعتقادياً، حينما يقولون: ما شاء الله وشئت، أو: باسم الله والوطن، أو الأمة .. أو ما شابه ذلك، هذا أقل ما يقال فيه: إنه شرك لفظي، وهنا الشاهد.
من هذه الأحديث التي جاءت في هذا الصدد: ما رواه الإمام أحمد في المسند بالسند الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الناس يوماً، فقام رجل يقول: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، قال عليه السلام: أجعلتني لله نداً؟ ! قل: ما شاء الله وحده» .
ونحن نعلم أن مثل هذا الصحابي مهما تصورناه أنه كان حديث عهد بالإسلام، هذا يمكن، ويمكن أن يكون أسما وأعلا من ذلك، أن يكون قديم العهد بالإسلام.
لكن ولو فرضنا أنه كان حديث عهد بالإسلام، فهو لما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، يفقه معنى هذه الكلمة لحكم كونه عربياً قُحًّا، لم تتسرب العجمة إليه كما هو شأن كثير بل أكثر العرب اليوم، حتى من المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، ثم ينقضونها بكثير من أعمالهم وأفكارهم وعقائدهم.
هذا لا نستطيع أن نتصور في هذا الانحراف الفكري؛ لأنهم كانوا يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا الناس إلى لا إله إلا الله كان قومه من كفار المشركين يستنكرون ذلك عليه؛ لأنهم يعلمون معنى هذه الكلمة الطيبة.
يعلمون أن معنى ذلك: أنه لا ينبغي للقائل لها والمعتقد بها أن يشرك شيئاً مع الله مطلقاً؛ ولذلك قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5].
وفي الآية الأخرى: {إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]، المسلمون اليوم وبخاصة الأعاجم لا يستكبرون عن أن يقولوا لا إله إلا الله، فهم مسلمون، وكما قال عليه السلام:«فلهم ما لنا وعليهم ما علينا» .
لكنهم في منطلقهم في حياتهم يفعلون فعل المشركين؛ ذلك لأنهم لا يفقهون معنى هذه الكلمة، ولا يعلمون ملتزماتها.
هذا الصحابي الذي قال للرسول: «ما شاء الله وشئت» ، لا يعني: أن يجعله شريكاً مع الله في المشيئة والإرادة، ولكن هكذا نطق به لسانه، فما أقره عليه السلام، مع أنه يعلم منه أكثر مما نعلم نحن منه بطبيعة الحال، من سلامة عقيدته من الشرك والكفر.
لكن كل ذلك لم يحمل الرسول عليه السلام على أن يمحو هذا الخطأ، وعلى أن يمر عنه، وإنما قال بصيغة الاستفهام الاستنكاري:«أجعلتني لله نداً؟ ! قل: ما شاء الله وحده» .
هناك حديث آخر وهو أعجب من هذا الحديث؛ لأنه يعطينا فكرة أكثر مما أعطانا هذا الحديث.
هذا الحديث يتعلق برجل أخطأ هذا الخطأ، لكن الحديث التالي يعطينا أن كثيراً من الصحابة كانوا يقولون مثل هذه الكلمة.
ذلك حديث حذيفة فيما أذكر أو غيره من الصحابة: «أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه بينما كان يمشي في طريق من طرق المدينة، لقي رجلاً من اليهود، فقال له: نِعْمَ القوم أنتم معشر يهود، لولا أنكم تُشركون بالله، فتقولون: عزير ابن الله، فقال اليهودي للمسلم -هذا في المنام-: ونِعْمَ القوم أنتم معشر المسلمين، لولا أنكم تشركون بالله» الخطاب الآن في المنام ليس لفرد بل لجماعة، «لولا أنكم تشركون بالله، فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم انطلق يمشي حتى لقي رجلاً من النصارى، فقال له المسلم: نِعْمَ القوم أنتم معشر النصارى، لولا أنكم تُشركون بالله، فتقولون: عيسى ابن الله، فقابله النصراني بقوله: نعم القوم أنتم معشر المسلمين، لولا أنكم تشركون بالله فتقولون: ما شاء الله وشاء محمد.
لما أصبح الصباح وقَصَّ هذه الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «هل قصصتها على أحد؟ قال: لا، فوقف خطيباً وقال عليه السلام لهم: كنت أسمع منكم كلمةً
فأستحي من أن أُخاطبكم أو أُذَكِّركم بها، لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن ليقل: ما شاء الله وحده».
في هذا الحديث: نفهم أن فيه إشارةً قويةً جداً تكاد تكون صريحة، وهي: أن هذا الأمر له علاقة بتصحيح الألفاظ، وليس بتصحيح العقيدة؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يعلم من أصحابه الذين كان يسمعهم أحياناً يقولون كقول كذلك الرجل: ما شاء الله وشاء محمد.
لو كان يعلم أنهم يعتقدون أن مشيئة الرسول ومشيئة الله واحدة، لما سكت عنهم دهراً.
لكن لما كان يعلم أن هذا من الألفاظ التي هم لا يَعْنُون معناها، فكان يستحي عليه السلام أن يباشرهم بالإنكار، إلى أن وقعت هذه الحادثة.
وذلك دليل أن الأمر كما قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38]، فوعظهم الرسول عليه السلام وحذرهم من أن يقولوا: ما شاء الله وشاء محمد.
وهناك أحاديث كثيرة، وأشعر بأني قد استطردت كثيراً أو قليلاً عن نفس السؤال الذي كنا في صدده، فيكفي ما ذكرته الآن.
لكن مع ذلك أجد نفسي تنازعني، لا بد من أن تذكر حديثاً آخر؛ لروعته وجماله وكماله في تنبيه المسلمين إلى ضرورة العناية بالألفاظ، فقال عليه السلام:«لا يُسَمِّين أحدُكم العنب كرماً» .
وهذا أمر واقع اليوم بين بيننا الفلاحين، سواء هنا أو في فلسطين أو في سوريا، رحنا على الكرم وجينا من الكرْم.
مداخلة: حتى في الجزائر.
الشيخ: حتى في الجزائر كذلك.
إذاً: المصيبة عامة، «لا يسمين أحدكم العنب كرماً، فإنما الكرم قلب الرجل المؤمن، ولكن ليقل: الحبلة الحبلة، أو: حدائق الأعناب» .
فأصحاب الرسول عليه السلام كانوا في الجاهلية، كانوا في ضلال مبين، وهذا لا إشكال فيه، وكانوا يشربون الخمر.
ونعلم كلنا كم آية نزلت، وكيف تدرج الحكم الإلهي في حملهم على الإقلاع من شرب الخمر.
كان من وسائل الحمل وقطع العلاقة بين المسلمين الذين حرم الله عليهم شرب الخمر، أنه حَرَّم عليهم أيضاً، أقول وأعني ما أقول: حَرَّم عليهم أن يتلفظوا بكلمة تُذَكِّرهم بالعهد الجاهلي الذي كانوا فيه يُسمون العنب كرماً؛ لأن المدمنين للخمر إلى اليوم يعتقدون ببطء شديد، أن الذين يعاقرون الخمر ويشربونها يصبحون كراماً، يعني: يصير طبعهم طبع الكرماء، فقال عليه السلام:«لا يُسمين أحدكم العنب كرماً، فإنما الكَرْم قلب الرجل المؤمن، ولكن ليقل: الحبلة الحبلة، أو: حدائق الأعناب» ، عرائش عريشة وعريسة عرائس معنى واحد.
نعود الآن: الإسلام يسمي ما يُسَمِّيه عامة الناس وكثير من المسلمين، حتى المرشدين منهم، وحتى الخطباء والوعاظ، انجرافاً منهم مع اللفظة التي هي ترجمة لعبارة أجنبية، يسمون الربا بالفائدة، فهذا لا يجوز لمن يعلم هذا المبدأ الإسلامي: أن الإسلام يهتم بتهذيب الألفاظ أيضاً، وليس بإصلاح العقيدة والأفكار فقط.
إذاً: لا يجوز أن نسمي الربا بالفائدة.
إذاً: ينبغي أن يُصَحِّح السؤال.
لكن في السؤال شيء آخر وهو: إن كان لا يوجد من هذا المودع لماله في البنك، وهو بنك كافر غير مسلم، على حد تعبير المسلم أي فائدة يأخذها أو يعطيها، فنحن نُسَلّم بالأولى ما دام أن السائل مسلم، أي: أنه لا يأخذ ربا - هذه الفائدة التي يسميها - لا يأخذ ربا.
لكنه مخطئ حينما يقول: لا يأخذ فائدة ولا يعطي فائدة كيف ذلك، وهو يودع ماله في البنك الذي كل بنك نعرف حقيقة تركيبه، إنما هو يقوم على أموال العملاء
مع هذا البنك، بحيث لو تصورنا كما يقال في الاستعمال العربي قديماً: في ليلة لا قمر فيها، اجتمع العملاء كلهم على سحب الأموال من بنك من هذه البنوك، ماذا يصبح البنك؟ مفلساً؛ لأن رأس ماله إنما هو قائم على هذه الأموال المودعة في البنك.
فإذاً: كيف نقول في الحال في السؤال أنه علماً أن المودع للمال، لا يأخذ فائدة ولا يعطي فائدة، هو لو كان يأخذ فائدة يعطي أكثر مما يأخذ من الفائدة؛ لأن البنك يستعمل هذا المال في الفائدة، تلك التي هي اسمها في الشرع: الربا.
لذلك قَبْلَ الجواب عن السؤال قلت آنفاً: ينبغي لفت النظر إلى هاتين الحقيقتين، هنا خطأ لفظي، وخطأ في خصوص هذا السؤال، حينما يقول: إنه لا يعطي فائدة، أنا أدري أنه يعني لا يعطي فائدة خاصة، لكن هذا ليس مهما، المهم أنه يعطي فائدة للبنك أكثر من الفائدة الخاصة التي هو أراد بهذا السؤال.
فينبغي ألَاّ نغتر بأننا إذا أودعنا مالاً في البنك ولن نأخذ عليه رباً أننا تبرأ ذمتنا، وأننا لم نعص ربنا، لماذا؟ لأننا لم نأخذ فائدة ولا نعطي فائدة، لن نأكل ربا ولن نُؤكِل الربا، ليس الأمر كذلك.
وهذا صريح في قوله عليه السلام نفسر الآية في القرآن - قوله عليه السلام: «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» .
إذاً: الذي يُعْطِي ماله للبنك سعره في الشرع سعر البنك نفسه.
البنك يأكل الربا والمودع لماله فيه يطعم الربا، ولولاه لم يكن هناك بنك في الدنيا إطلاقاً، فعندك شيء؟
هل تتصور تاجراً يتعامل مع بنك بدون إيداع المال؟ ! كيف تتصور هذا؟ !
مداخلة: صعب جداً، يكاد يكون مستحيلاً.
الشيخ: أي نعم، تعامل التُّجار أخي مع البنوك، لو كان الأمر يقف بدون إيداع الأموال في البنوك، وإنما هو كمسألة التحويل مثلاً كان الخطب سهلاً.
لكن الذي أَفْقَهه من كثرة الأسئلة التي وردت إلينا وتناقشنا فيها ولستُ تاجراً، أنه لا بد للتاجر أن يكون له رأس مال في البنك، حتى تمشي معاملاته.
ولذلك أنا أردت الحديث على هذا الإيداع؛ لأن بين الأمرين تلازماً لا انفكاك بينهما، هذا شيء.
وشيء آخر، وأرجو أن يكون الأخير بالنسبة للسؤال الأول وليس الأخير: أن المسلم يجب عليه أن يتقي الله في طلبه للرزق، وليس من الضروري أن يُوَسِّع ماله بالطرق المُحَرَّمة، بل وبالسُبُل المشروعة، فضلاً عن الطرق المحرمة.
لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في أصحابه، وكان من جملة ما قال لهم:«يا أيها الناس! اتقوا الله، وأجملوا في الطلب؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فإن ما عند الله لا ينال بالحرام» أو كما قال عليه السلام.
«أجملوا في الطلب» أي: اسلكوا الطريق الجميل المشروع في طلب الرزق الذي أمركم الله تبارك وتعالى بالسعي وراء طلبه.
ولكن هذا ليس أمراً مطلقاً، وإنما أمراً مُقَيَّداً بحدود الشرع؛ ولذلك قال في آخر الحديث:«فإن ما عند الله لا يُنَال بالحرام» ، هذا لا ينال بالحرام من حيث الأسلوب العربي، هو كقوله تعالى في القرآن:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
أي: ينبغي ألَاّ يكون هو يُنْكِر أن يكون، ونحن نرى كثيراً من الحُجَّاج يحجون، ولسان ذلك البدوي يقول لكل منهم: وما حججت ولكن حَجَّت الإبل.
المقصود من الآية: «فلا رفث» أي: لا ترفثوا، «ولا جدال» أي: لا تجادلوا.
كذلك الحديث: «فإن ما عند الله لا يُنَال بالحرام» لا يفهمن أحد من هذا اللفظ النبوي العربي الأصيل أن هذا يُخالف الواقع؛ لأن هذه الخمَّارات وهذه البارات وهذه وهذه، إلى آخره يُحَصِّلوا رزقهم بالحرام.
لأن المقصود: «فإن ما عند الله لا يُنَال» أي: لا ينبغي أن يُنال بالحرام، فمن كان مؤمناً بالله ورسوله أولاً كمبدأ عام، ثم كان مؤمناً بالتفصيل الذي يتعلق بالرزق، وهو أن رزقه مقطوع وهو لا يزال جنيناً في بطن أمه، كُتب رزقه قليلاً أم كثيراً.
ولذلك على المسلم أن يتعاطى أسباب الرزق المشروعة، وليس الأسباب الممنوعة ..
[الخلاصة]: لأن عندي هنا بقية أسئلة، والحديث ذو شجون، ولا ينتهي.
إنما القصد: أن التاجر المسلم ليس مُكَلَّفاً بأن يُوَسِّع تجارته، على حساب مخالفة الشرع، وإنما فليتق الله على أساس الحديث السابق.
وأنا أضرب مثلاً بسيطاً جداً بنفسي: أنا في دمشق الشام، وذلك من فضل الله عليَّ نشأت مصلح ساعات، ساعاتي، ونشأتُ في عائلة فقيرة، ليس عندي رأس مال.
لكن مع الزمان استطعت أن أُوَفِّر شيئاً منه، فكانت عمدتي في كسب قوت يومي وأهلي هو التصليح وليس البيع؛ لأن البيع يحتاج إلى سيولة إلى عملة.
لكن بقدر ما عندي من مال قليل، كنت أشتري بعض الساعات وأُودعها في الواجهة.
فإذا جاء الرجل يُريد أن يشتري، إن وثقت به بعته بالتقسيط بسعر النقد، وإذا ذهبت إلى التاجر لا أشتري منه إلا نقداً.
يعني: إذا أردت أن أشتري منه التقسيط، فهو يريد أن يأخذ مني زيادة، وهنا يأتي الحديث السابق:«لعن الله آكل الربا وموكله» ، ما صرت تاجراً للساعات، لكن عشت والحمد لله مكفياً لم أحتج لأحد من الناس.
أيضاً ليس بالضروري على هذا التاجر الذي يضطر لإيداع قسط من ماله في البنك أن يتعامل بالربا، وبخاصة وهذا نهاية الجواب، ويجب أن يرسخ في أذهاننا هذه الخلاصة: قوله عليه السلام: «عاقبة الربا إلى قَلّة» ، [فمن] حاول أن يتوسع في التجارة على طريق الربا فليعلم