الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ النِّكَاحِ
لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ إلَى الْآنَ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ إلَّا النِّكَاحَ وَالْإِيمَانَ. (هُوَ) عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (عَقْدٌ يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلَّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ -
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
ذَكَرَهُ عَقِبَ الْعِبَادَاتِ الْأَرْبَعِ أَرْكَانِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْبَسِيطِ إلَى الْمُرَكَّبِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُعَامَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي الْجِهَادِ حُصُولُ الْقَتْلِ وَالذِّمَّةِ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ تَسَامُحًا نَظَرًا إلَى أَنَّ تَجَدُّدَ الصُّفَّةِ بِمَنْزِلَةِ تَجَدُّدِ الذَّاتِ، وَكَذَا عَلَى الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَاتٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعِ، حَتَّى قَالُوا إنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَإِعْفَافِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ كَوْنَهُ عِبَادَةً فِي الدُّنْيَا إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْفَافِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْجَنَّةِ، بَلْ وَرَدَ «إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ» لَكِنْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْمُؤْمِنُ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي» وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الذِّكْرَ وَالشُّكْرَ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَبْدِ يَصِيرُ كَحَالِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ غَايَتُهُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ بِتَكْلِيفٍ بَلْ هِيَ مُقْتَضَى الطَّبْعِ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمُلُوكِ لَذَّةٌ وَشَرَفٌ، وَتَزْدَادُ بِالْقُرْبِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: عَقْدٌ) الْعَقْدُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ بَحْرٌ وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي. (قَوْلُهُ: أَيْ حَلَّ اسْتِمْتَاعُ الرَّجُلِ) أَيْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَهُوَ اخْتِصَاصُ
مِنْ امْرَأَةٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَالْوَثَنِيَّةُ لِجَوَازِ ذُكُورَتِهِ
ــ
[رد المحتار]
الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ. اهـ. بَحْرٌ وَعَزَا الدَّبُوسِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ إلَى الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ صَرِيحٌ فِي اخْتِيَارِهِ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، لِقَوْلِ الدَّبُوسِيِّ إنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ تَحْلِيلِ الْوَطْءِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَزَاهُ الدَّبُوسِيُّ إلَى أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ مِلْكُ الذَّاتِ لَيْسَ مِلْكًا لِلذَّاتِ حَقِيقَةً بَلْ مِلْكُ التَّمَتُّعِ بِهَا: أَيْ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمِلْكِ هُنَا بِالِاخْتِصَاصِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَدَائِعِ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْحِلِّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ لِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ أَقْرَبُ إلَى مَعْنَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ نَوْعٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَهُوَ لَازِمٌ لِاخْتِصَاصِهَا بِالزَّوْجِ شَرْعًا أَيْضًا عَلَى أَنَّ مِلْكَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَمِلْكُ الزَّوْجِ الْمُتْعَةَ بِالْعَقْدِ مِلْكٌ شَرْعِيٌّ كَمِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْفَعَةَ بِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْخِدْمَةِ مَثَلًا وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمَلِكُ الشَّرْعِيُّ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَمَهْرُهَا لَهَا وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبُضْعِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ. اهـ. لِأَنَّ مِلْكَهُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ حَقِيقَةً لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ الْبَدَلَ، وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِلْكُ نَفْسِ الْبُضْعِ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ أَمَتُهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَهُ لِمِلْكِهِ نَفْسَ الْبُضْعِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ]
كَلَامُ الشَّارِحِ وَالْبَدَائِعِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّمَتُّعِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ قَالَ: يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْيَارِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك» مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلْقَةِ دُبُرِهَا، بِخِلَافِهَا حَيْثُ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ إذَا مَنَعَهَا مِنْ النَّظَرِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ط وَأَقَرَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ لَهَا إجْبَارٌ عَلَى ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا إذَا مَنَعَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، نَعَمْ لَهُ وَطْؤُهَا جَبْرًا إذَا امْتَنَعَتْ بِلَا مَانِعٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ لَهَا إجْبَارُهُ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِيَانَةً أَحْيَانًا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ امْرَأَةٍ إلَخْ) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِامْرَأَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُحَقَّقَةُ أُنُوثَتُهَا بِقَرِينَةِ الِاحْتِرَازِ بِهَا عَنْ بِالْخُنْثَى، وَهَذَا بَيَانٌ لِمَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْفَتْحِ: إنَّ مَحَلِّيَّتَهُ الْأُنْثَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّتَهُ أُنْثَى مُحَقَّقَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِي الْعِنَايَةِ مَحَلُّهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ لِلذَّكَرِ وَالْخُنْثَى مُطْلَقًا وَالْجِنِّيَّةُ لِلْإِنْسِيِّ، ومَا كَانَ مِنْ النِّسَاءِ مُحَرَّمًا عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمَحَارِمِ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ، وَلِذَا احْتَرَزَ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ عَنْ الْمَحَارِمِ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ لَا مِنْ مَحَلِّيَّةِ الْعَقْدِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الذَّكَرُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) أَيْ أَنَّ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا لَا يُفِيدُ مِلْكَ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ بِهِمَا لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهِمَا لَهُ، وَكَذَا عَلَى الْخُنْثَى لِامْرَأَةٍ أَوْ لِمِثْلِهِ، فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى: لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ؛ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحَلِّ وَكَذَا إذَا زَوَّجَ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى. اهـ.
فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ مُطْلَقًا لَشَمَلَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى إفَادَةِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إجْمَالٌ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَالْوَثَنِيَّةُ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَوُجِدَ فِي بَعْضِهَا قَبْلَ قَوْلِهِ وَالْخُنْثَى وَالْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدَهُ لِخُرُوجِهَا بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَعَبَّرَ بِهَا تَبَعًا لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُشْرِكَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ
وَالْمَحَارِمُ وَالْجِنِّيَّةُ وَإِنْسَانُ الْمَاءِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَأَجَازَ الْحَسَنُ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ بِشُهُودٍ قُنْيَةٌ (قَصْدًا) خَرَجَ مَا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا، كَشِرَاءِ أَمَةٍ لِلتَّسَرِّي (وَ) عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ (هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ) فَحَيْثُ جَاءَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ كَمَا فِي - {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]- فَتَحْرُمُ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ بِخِلَافِ - {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]-
ــ
[رد المحتار]
هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَالْمَحَارِمُ) هَذَا خَارِجٌ بِالْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْجِنِّيَّةُ، وَإِنْسَانُ الْمَاءِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فَلَا يَثْبُتُ حِلُّ غَيْرِهَا بِلَا دَلِيلٍ وَلِأَنَّ الْجِنَّ يَتَشَكَّلُونَ بِصُوَرٍ شَتَّى فَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا تَشَكَّلَ بِشَكْلِ أُنْثَى، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا يُصْفَعُ لِجَهْلِهِ وَحَمَاقَتِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ تَشَكُّلَهُمْ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَالْحِكَايَاتِ الْكَثِيرَةِ وَلِذَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ بَعْضِ الْحَيَّاتِ كَمَا مَرَّ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ تَصَوُّرِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَمَاقَةِ السَّائِلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا اللَّيْثِ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ لَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هَلْ يُرْمَى فَقَالَ يُسْأَلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِنَا صلى الله عليه وسلم وَلَكِنْ أَجَابَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَوُّرِ كَذَا هَذَا. اهـ. وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلُّ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ سَيِّدِنَا خَالِدِ النَّقْشَبَنْدِيِّ] .
[تَنْبِيهٌ]
فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ بَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ، وَإِنْسَانِ الْمَاءِ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. اهـ. وَمُفَادُ الْمُفَاعَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجِنِّيِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ إنْسِيَّةً أَيْضًا وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيلِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَأَجَازَ الْحَسَنُ أَيْ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه) كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْلَى التَّقْيِيدُ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ تِلْمِيذِ الْإِمَامِ رضي الله عنه لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِهِ هُنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط لَكِنَّهُ نَقَلَ بَعْدَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْتَقَى عَنْ زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ آدَمِيٍّ جِنِّيَّةً كَعَكْسِهِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَكَانُوا كَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ. اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ قَوْلُ الْحَسَنِ الْمَذْكُورُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: قَصْدًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْمَصْدَرِ حَالًا، وَإِنْ كَثُرَ سَمَاعِيٌّ ط (قَوْلُهُ: كَشِرَاءِ أَمَةٍ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ ضِمْنِيٌّ، وَلِذَا تَخَلَّفَ فِي شِرَاءِ الْمُحَرَّمَةِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا أَوْ اشْتِرَاكًا ح (قَوْلُهُ: لِلتَّسَرِّي) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا لَا لِلتَّسَرِّي كَانَ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ ضِمْنِيًّا بِالْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ وَلَوْ لِلتَّسَرِّي لَكَانَ أَظْهَرَ وَكَلَامُ الْبَحْرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي. ح (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مَعْنًى عُرْفِيٌّ لِلْفُقَهَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَعْنَاهُ شَرْعًا وَلُغَةً؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ يَبْحَثُونَ عَنْ مَعْنَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الْبَحْرِ قَدْ تَسَاوَى فِي هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَةُ وَالشَّرْعُ، أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ) وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا وَقِيلَ مَوْضِعٌ لِلضَّمِّ الصَّادِقِ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَهُوَ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ وَبِهِ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا أَيْضًا بَحْرٌ. اهـ.
ح وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ: مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ) أَيْ مُحْتَمَلًا لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلَا مُرَجِّحٍ خَارِجٍ وَقَوْلُهُ: يُرَادُ الْوَطْءُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فَتُرَجَّحُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهَا. (قَوْلُهُ: فَتَحْرُمُ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ) أَيْ عَلَى فُرُوعِهِ فَتَكُونُ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِمْ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا عَلَيْهِمْ فَبِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ أَبَانَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ بِهِ لَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْعًا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ) حَالٌ مِنْ مَا الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ كَمَا وَقَالَ
لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا وَالْمُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ إلَّا مَجَازًا.
(وَيَكُونُ وَاجِبًا عِنْدَ التَّوَقَانِ) فَإِنْ تَيَقَّنَ الزِّنَا إلَّا بِهِ فُرِضَ نِهَايَةٌ وَهَذَا إنْ مَلَكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَإِلَّا فَلَا إثْمَ بِتَرْكِهِ بَدَائِعُ
ــ
[رد المحتار]
ح مِنْ وَلَا تَنْكِحُوا أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] حَيْثُ لَمْ يُرَدْ بِهِ الْوَطْءُ بَلْ أُرِيدَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ عَنْ الْقَرَائِنِ بَلْ وُجِدَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ، وَهِيَ اسْتِحَالَةُ الْوَطْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِعْلٌ وَهِيَ مُنْفَعِلَةٌ لَا فَاعِلَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمُتَصَوَّرُ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا) عِلَّةٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْمَقَامِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَقْدُ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ وَطْءِ الْمَحَلِّ فَمَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ ط (قَوْلُهُ: إلَّا مَجَازًا) قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ لَا انْفِكَاكَ عَنْ الْمَجَازِ عَنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَمَا الْمُرَجِّحُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. اهـ.
ح يَعْنِي أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ كَانَ مَجَازًا عَقْلِيًّا؛ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْفِعْلِ مِنْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَقْدُ كَانَ مَجَازًا لُغَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْوَطْءِ فَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّ حَمْلَهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنْسَبُ بِالْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ بِدُونِ وَطْءِ الْمُحَلِّلِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَجِّحُ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ ط.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ أَوْ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا الْأَوَّلَ قَالُوا إنَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ بِمَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ أَصْرَحَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي الْإِسْنَادِ لَصَحَّ أَيْضًا، كَمَا يَصِحُّ فِي قَوْلِك جَرَى النَّهْرُ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ بِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْعَقْدُ لَا الْوَطْءُ إلَّا مَجَازًا يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ لِإِسْنَادِهِ إلَيْهَا أَيْ أَنَّهُ مِنْ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَصَوَّرُ إلَخْ بَيَانٌ؛ لِكَوْنِ إسْنَادِهِ إلَيْهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّوَقَانِ) مَصْدَرُ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى كَذَا إذَا اشْتَاقَتْ مِنْ بَابِ طَلَبَ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ وَهُوَ بِالْفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ كَالْمَيَلَانِ وَالسَّيَلَانِ، وَالْمُرَادُ شِدَّةُ الِاشْتِيَاقِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَيْ بِحَيْثُ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِيَاقِ إلَى الْجِمَاعِ الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ بَحْرٌ.
قُلْت: وَكَذَا فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ أَوْ عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ بِالْكَفِّ، فَيَجِبُ التَّزَوُّجُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَ الزِّنَا إلَّا بِهِ فُرِضَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الزِّنَا إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا بَحْرٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْكُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّسَرِّي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُهُ إلَّا لَوْ فَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ نَهْرٌ لَكِنْ قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ ظَاهِرٌ فِي فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّسَرِّي وَكَذَا فِي عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ الْمَانِعِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَلَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا عَيْنًا، بَلْ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَمْنَعُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا إنْ مَلَكَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ) هَذَا الشَّرْطُ رَاجِعٌ إلَى الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي الْوَاجِبَ وَالْفَرْضَ وَزَادَ فِي الْبَحْرِ شَرْطًا آخَرَ فِيهِمَا وَهُوَ عَدَمُ خَوْفِ الْجَوْرِ أَيْ الظُّلْمِ قَالَ: فَإِنْ تَعَارَضَ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَخَوْفُ الْجَوْرِ لَوْ تَزَوَّجَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَلَا افْتِرَاضَ، بَلْ يُكْرَهُ أَفَادَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ مَعْصِيَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِبَادِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِاحْتِيَاجِهِ وَغِنَى الْمَوْلَى تَعَالَى. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ مِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُمَا حَقُّ عَبْدٍ أَيْضًا، وَإِنْ خَافَ الزِّنَا لَكِنْ يَأْتِي أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِدَانَةُ لَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّ اللَّهَ ضَامِنٌ لَهُ الْأَدَاءَ فَلَا يَخَافُ الْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ وَالتَّعَفُّفُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ إذَا خَافَ الزِّنَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمَهْرَ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِدَانَتِهِ وَهَذَا مُنَافٍ لِلِاشْتِرَاطِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ
(وَ) يَكُونُ (سُنَّةً) مُؤَكَّدَةً فِي الْأَصَحِّ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينًا وَوَلَدًا (حَالَ الِاعْتِدَالِ) أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ وَمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ وُجُوبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ (، وَمَكْرُوهًا لِخَوْفِ الْجَوْرِ) فَإِنْ تَيَقَّنَهُ حَرُمَ ذَلِكَ
ــ
[رد المحتار]
يُقَالُ الشَّرْطُ مِلْكُ كُلٍّ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَوْ بِالِاسْتِدَانَةِ أَوْ يُقَالُ هَذَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ، وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءَهُ لَوْ قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ عَدَمُهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ظَنِّهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ مَنْدُوبَةً عِنْدَ أَمْنِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا يَنْبَغِي وُجُوبُهَا عِنْدَ تَيَقُّنِ الزِّنَا بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قُدْرَةُ الْوَفَاءِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ: كَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَكَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ وَاجِبُ كِفَايَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عَيْنًا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ وَدَلِيلُ السُّنِّيَّةِ حَالَةُ الِاعْتِدَالِ الِاقْتِدَاءُ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا بَلِيغًا بِقَوْلِهِ «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ.
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِتَعَلُّمٍ وَتَعْلِيمٍ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَرْكَ الْمُؤَكَّدَةِ مُؤَثِّمٌ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّلَاةِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِتَرْكِهَا إثْمٌ يَسِيرٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ مَعَ الْإِصْرَارِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْمُؤَكَّدَةُ الْوَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدَائِعِ فِي الْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْعِبَارَةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينَهَا) أَيْ مَنْعَ نَفْسِهِ وَنَفْسِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ الِاتِّبَاعِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ) أَيْ الِاعْتِدَالُ فِي التَّوَقَانِ أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَعْنَى الْمَارِّ فِي الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وَهُوَ شِدَّةُ الِاشْتِيَاقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي غَايَةِ الْفُتُورِ كَالْعِنِّينِ وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْفُتُورِ وَالشَّوْقِ وَزَادَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهُمَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ فَيُسْقِطُ السُّنِّيَّةَ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ إلَخْ) فَإِنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمُقْتَرِنَةَ بِالْإِنْكَارِ عَلَى التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ؛ وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ الْإِنْكَارُ عَلَى التَّارِكِ بَلْ عَلَى الرَّاغِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّاغِبَ عَنْ السُّنَّةِ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهًا) أَيْ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ تَيَقَّنَ الْجَوْرَ حَرُمَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، وَبِالْجَوْرِ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ بَحْرٌ وَتَرَكَ الشَّارِحُ قِسْمًا سَادِسًا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْإِبَاحَةُ إنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمُوجَبِهِ. اهـ. أَيْ خَوْفًا غَيْرَ رَاجِحٍ، وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوْرِ مِنْ مَوَاجِبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إقَامَةَ السُّنَّةِ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّوَصُّلِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَمْ يَخَفْ شَيْئًا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَيْضًا كَالْوَطْءِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَكِنْ «لَمَّا قِيلَ لَهُ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَحَدَنَا يَقْضِي شَهْوَتَهُ فَكَيْفَ يُثَابُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا مَعْنَاهُ أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي مُحَرَّمٍ أَمَا كَانَ يُعَاقَبُ» فَيُفِيدُ الثَّوَابَ
وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ وَكَوْنُهُ فِي مَسْجِدِ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ، وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ، وَكَوْنُهَا دُونَهُ سِنًّا وَحَسَبًا وَعِزًّا، وَمَالًا وَفَوْقَهُ خُلُقًا وَأَدَبًا
ــ
[رد المحتار]
مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لِأَجْلِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى تَوَقُّفِ كَوْنِهِ سُنَّةً عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَتَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ فَإِذَا قَصَدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ أَوْ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ. اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى خِلَافِهِ.
وَأَقُولُ: بَلْ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَضَائِهَا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ فَالْعُدُولُ إلَيْهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْزِمُ أَثْقَالًا فِيهِ قَصْدُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ) أَيْ إظْهَارُهُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ مَا يُذْكَرُ قَبْلَ إجْرَاءِ الْعَقْدِ مِنْ الْحَمْدِ وَالتَّشَهُّدِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهِيَ طَلَبُ التَّزَوُّجِ وَأَطْلَقَ الْخُطْبَةَ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنْ خَطَبَ بِمَا وَرَدَ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ط عَنْ صَاحِبِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ مِنْ لَفْظِهِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلَى {رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] » . اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدٍ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ ط (قَوْلُهُ: يَوْمَ جُمُعَةٍ) أَيْ وَكَوْنُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَتْحٌ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْبِنَاءُ وَالنِّكَاحُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ جَائِزٌ وَكُرِهَ الزِّفَافُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ بِالصِّدِّيقَةِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِيهِ» وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا نِكَاحَ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ» إنْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ رَجَعَ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَهُ حَتَّى لَا يَفُوتُهُ الرَّوَاحُ فِي الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ إلَى الْجُمُعَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ) فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمَرْأَةِ بِلَا أَحَدٍ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَلَا مَعَ عَصَبَةٍ فَاسِقٍ، وَلَا عِنْدَ شُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ) لِأَنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «ثَلَاثٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ) أَيْ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُجَابُ فِي نِكَاحِهَا. (قَوْلُهُ: دُونَهُ سِنًّا) لِئَلَّا يُسْرِعَ عُقْمُهَا فَلَا تَلِدَ. (قَوْلُهُ: وَحَسَبًا) هُوَ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك ح عَنْ الْقَامُوسِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْأُصُولُ أَصْحَابَ شَرَفٍ وَكَرْمٍ وَدِيَانَةٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ دُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْعِزِّ أَيْ الْجَاهِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي الْمَالِ تَنْقَادُ لَهُ، وَلَا تَحْتَقِرُهُ، وَإِلَّا تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ وَفِي الْفَتْحِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يُرِدْ بِهَا إلَّا أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ وَيُحْصِنَ فَرْجَهُ أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ» .
[تَتِمَّةٌ]
زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَيَخْتَارُ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خِطْبَةً، وَمُؤْنَةً وَنِكَاحُ الْبِكْرِ أَحْسَنُ لِلْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ
وَوَرَعًا وَجَمَالًا وَهَلْ يُكْرَهُ الزِّفَافُ الْمُخْتَارُ لَا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مُفْسِدَةٍ دِينِيَّةٍ.
(وَيَنْعَقِدُ) مُتَلَبِّسًا (بِإِيجَابٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَقَبُولٍ) مِنْ الْآخِرِ (وَضْعًا لِلْمُضِيِّ) لِأَنَّ الْمَاضِيَ أَدَلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ (كَزَوَّجْتُ) نَفْسِي أَوْ بِنْتِي أَوْ مُوَكِّلَتِي مِنْك
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْقَى أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» وَلَا يَتَزَوَّجُ طَوِيلَةً مَهْزُولَةً، وَلَا قَصِيرَةً دَمِيمَةً؛ وَلَا مُكْثِرَةً، وَلَا سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، وَلَا ذَاتَ الْوَلَدِ، وَلَا مُسِنَّةً لِلْحَدِيثِ «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَلَا زَانِيَةً، وَالْمَرْأَةُ تَخْتَارُ الزَّوْجَ الدَّيِّنَ الْحَسَنَ الْخُلُقِ الْجَوَادَ الْمُوسِرَ، وَلَا تَتَزَوَّجُ فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا وَيُزَوِّجُهَا كُفُؤًا، فَإِنْ خَطَبَهَا الْكُفْءُ لَا يُؤَخِّرُهَا وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ تَقِيٍّ وَتَحْلِيَةُ. الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيَرْغَبَ فِيهِنَّ الرِّجَالُ سُنَّةٌ وَلَا يَخْطُبُ مَخْطُوبَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَفَاءٌ وَخِيَانَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يُكْرَهُ الزِّفَافُ) هُوَ بِالْكَسْرِ كَكِتَابٍ إهْدَاءُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ عُرْفًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ لَا إلَخْ) هَذَا فِي الْفَتْحِ مُسْتَدِلًّا لَهُ بِمَا مَرَّ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ زَفَفْنَا امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَضَرْبِ الدُّفِّ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: الْعَقْدُ رَبْطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْعًا لَكِنْ هُنَا أُرِيدَ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ الِارْتِبَاطُ لَكِنْ النِّكَاحُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطُ، إنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَعْتَبِرُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ أَرْكَانَ عَقَدَ النِّكَاحِ لَا أُمُورًا خَارِجِيَّةً كَالشَّرَائِطِ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ أَنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا، فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ، فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ لِلشَّيْءِ لَا أَنَّ الْبَيْعَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ آلَةٌ لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا أَرْكَانًا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ. أَيْ يُنَافِي كَوْنَهُمَا آلَةً، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ جَعَلَ الْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا فِي بَنَيْت الْبَيْتَ بِالْحَجَرِ لَا لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ وَنَحْوَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ تُوجَدُ حِسًّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، لَكِنْ وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا عُقُودًا مَخْصُوصَةً بِأَرْكَانٍ وَشَرَائِطَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامٌ، تَنْتَفِي تِلْكَ الْعُقُودُ بِانْتِفَائِهَا وُجُودٌ شَرْعِيٌّ زَائِدٌ عَلَى الْحِسِّيِّ، فَلَيْسَ الْعَقْدُ الشَّرْعِيُّ مُجَرَّدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا الِارْتِبَاطَ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ أَيْ النِّكَاحُ أَيْ يَثْبُتُ وَيَحْصُلُ انْعِقَادُهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَحَدِهِمَا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدِينَ إيجَابٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ كَلَامَ الزَّوْجِ، أَوْ كَلَامَ الزَّوْجَةِ وَالْمُتَأَخِّرَ قَبُولٌ ح عَنْ الْمِنَحِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ، فَقَوْلُهُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك إيجَابٌ وَقَوْلُ الْآخَرِ زَوَّجْتُكهَا قَبُولٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَاضِيَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعْ لِلْإِنْشَاءِ لَفْظًا خَاصًّا، وَإِنَّمَا عُرِفَ الْإِنْشَاءُ بِالشَّرْعِ وَاخْتِيَارُ لَفْظِ الْمَاضِي لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: عَلَى التَّحْقِيقِ أَيْ تَحْقِيقِ وُقُوعِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ: كَزَوَّجْتُ نَفْسِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ أَصِيلًا أَوْ وَلِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَقَوْلُهُ: مِنْكَ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ اسْتِقْصَاءَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ بِنْتِي ابْنِي، وَمِثْلُ مُوَكِّلَتِي مُوَكِّلِي، وَأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا أَوْ مِنْ مُوَلِّيَتِك أَوْ مِنْ
(وَ) يَقُولُ الْآخَرُ (تَزَوَّجْت، وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِمَا) أَيْ بِلَفْظَيْنِ (وُضِعَ أَحَدُهُمَا لَهُ) لِلْمُضِيِّ (وَالْآخَرُ لِلِاسْتِقْبَالِ) أَوْ لِلْحَالِ، فَالْأَوَّلُ الْأَمْرُ (كَزَوِّجْنِي) أَوْ زَوِّجِينِي نَفْسَك أَوْ كُونِي امْرَأَتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ (فَإِذَا قَالَ) فِي الْمَجْلِسِ (زَوَّجْت) أَوْ قَبِلْت أَوْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ بَزَّازِيَّةٌ قَامَ مَقَامَ الطَّرَفَيْنِ وَقِيلَ هُوَ إيجَابٌ
ــ
[رد المحتار]
مُوَكَّلَتِك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا أَيْضًا لِيَعُمَّ الِاحْتِمَالَاتِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَيَقُولُ لِآخَرَ تَزَوَّجْت) أَيْ أَوْ قَبِلْت لِنَفْسِي أَوْ لِمُوَكِّلِي أَوْ ابْنِي، وَمُوَكِّلَتِي ط (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْمَوْضِعُ لِلِاسْتِقْبَالِ (قَوْلُهُ: نَفْسَك) بِكَسْرِ الْكَافِ مَفْعُولُ زَوِّجِينِي أَوْ بِفَتْحِهَا مَفْعُولُ زَوِّجْنِي فَفِيهِ حَذْفُ مَفْعُولِ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ وَلَوْ حَذَفَهُ لَشَمَلَ الْوَلِيَّ وَالْوَكِيلَ أَيْضًا أَفَادَهُ. ح (قَوْلُهُ: أَوْ كُونِي امْرَأَتِي)، وَمِثْلُهُ كُونِي امْرَأَةَ ابْنِي أَوْ امْرَأَةَ مُوَكِّلِي وَكَذَا كُنْ زَوْجِي أَوْ كُنْ زَوْجَ بِنْتِي أَوْ زَوْجَ مُوَكِّلَتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِيجَابٍ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ إذَا عَرَفْت أَنَّ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ عَرَفْت أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ لَيْسَ بِإِيجَابٍ، لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْآخَرِ زَوَّجْت فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِقَبُولٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ لَيْسَ بِقَبُولٍ مَحْضٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ قَامَ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَ الْحَالِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ يَقْتَضِي أَنَّ نَحْوَ قَوْلِهِ أَتَزَوَّجُك لَيْسَ بِإِيجَابٍ وَأَنَّ قَوْلَهَا قَبِلْت مُجِيبَةً لَهُ لَيْسَ بِقَبُولٍ مَعَ أَنَّهُمَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ قَطْعًا ح.
(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ) أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ لِلْمَأْمُورِ مَعْنًى، وَلَوْ صَرَّحَ بِالتَّوْكِيلِ وَقَالَ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُزَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ زَوَّجْت صَحَّ النِّكَاحُ فَكَذَا هُنَا غَايَةُ الْبَيَانِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ضِمْنِيٌّ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، مَعَ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ.
وَتَوْضِيحُ الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ: أَنَّ الْمُتَضَمَّنَ بِالْفَتْحِ لَا تُعْتَبَرُ شُرُوطُهُ بَلْ شُرُوطُ الْمُتَضَمِّنِ بِالْكَسْرِ وَالْأَمْرُ طَلَبٌ لِلنِّكَاحِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ النِّكَاحِ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فِي رُكْنَيْهِ لَا شُرُوطُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ لَمَّا كَانَ الْبَيْعُ فِيهِ ضِمْنِيًّا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمَا فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْإِعْتَاقِ شَرْطٌ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْمُقْتَضَى وَهُوَ الْعِتْقُ إذْ الشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ فَلِذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضِي بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الْعِتْقُ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ فَسَقَطَ الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْبَيْعِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ فِي آخِرِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالتَّزْوِيجِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَيْ زَوَّجْت أَوْ قَبِلْت مُلْتَبِسًا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِأَمْرِك وَلَا يَحْصُلُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَمْرِهِ إلَّا بِتَقْدِيرِ الْجَوَابِ مَاضِيًا مُرَادًا بِهِ الْإِنْشَاءُ لِيَتِمَّ شَرْطُ الْعَقْدِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا لِلْمُضِيِّ (قَوْلُهُ: بَزَّازِيَّةٌ) نَصُّ عِبَارَتِهَا قَالَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ صَحَّ. اهـ. وَنَقَلَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّوَازِلِ وَنَقَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ إيجَابٌ) مُقَابِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَمَشَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَنَسَبَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْمُحَقِّقِينَ، وَعَلَى الثَّانِي ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَاعْتَرَضَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَفْظُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ وَكَذَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَالَةِ وَالْهِبَةِ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظَ الْمُفِيدَ قَصْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ تَوْكِيلًا،، وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعْنِيهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت بِلَا جَوَابٍ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ بُيُوعِ الْفَتْحِ الْفَرْقَ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَدْخُلُهُ الْمُسَاوَمَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ، فَكَانَ التَّحْقِيقُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى كَوْنِهِ إيجَابًا مَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ الْأَبُ: وَهَبْت
وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَالثَّانِي الْمُضَارِعُ الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ أَوْ نُونٍ أَوْ تَاءٍ كَتُزَوِّجِينِي نَفْسَك إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ،
ــ
[رد المحتار]
لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّبِيُّ قَبِلْت، ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ، وَصَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ.
أَيْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ قَوْلُ الْآمِرِ قَبِلْت، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا يُخَالِفُهُ تَعْلِيلُ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ نَعَمْ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُؤَيِّدٌ لِلْجَوَابِ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ إذْ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ بِنِكَاحِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ. اهـ. .
لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِي قَوْلِ الْأَبِ أَوْ الْوَكِيلِ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الطَّلَبِ وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَاكِمُ وَالتَّحْقِيقُ، فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ. اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاطَ مُطْلَقًا وَهُوَ إنْ زَوَّجَنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ زَوَّجْت بِدُونِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْعَقْدِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مَا وُضِعَ لِلْحَالِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا، فَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ لَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَقَوْلُهُ: أَتَزَوَّجُك يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ لَا الْمُسَاوَمَةَ بِدَلَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ الِانْعِقَادِ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ؛ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إرَادَةَ الِاسْتِقْبَالِ وَالْوَعْدِ لَا يَصْدُقُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْقَبُولِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ) كَأَتَزَوَّجُك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ح (قَوْلُهُ: أَوْ نُونٍ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُضَارِعَ الْمَبْدُوءَ بِالنُّونِ كَتَزَوُّجِك أَوْ نُزَوِّجُك مِنْ ابْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَتُزَوِّجِينِي) بِضَمِّ التَّاءِ وَنَفْسَك بِكَسْرِ الْكَافِ، وَمِثْلُهُ تُزَوِّجُنِي نَفْسَك بِضَمِّ التَّاءِ خِطَابًا لِلْمُذَكَّرِ فَالْكَافُ مَفْتُوحَةٌ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ) أَيْ الِاسْتِيعَادَ أَيْ طَلَبَ الْوَعْدِ وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ لِمَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُلَاحَظَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الِانْعِقَادِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ جَانِبَ الرِّضَا عَدَّيْنَا حُكْمَهُ إلَى كُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ ذَلِكَ بِلَا احْتِمَالٍ مُسَاوٍ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَقُلْنَا لَوْ قَالَ بِالْمُضَارِعِ ذِي الْهَمْزَةِ أَتَزَوَّجُك فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي انْعَقَدَ وَفِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ تُزَوِّجُنِي بِنْتَك فَقَالَ فَعَلْت عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِيعَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالنِّكَاحُ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ كَانَ لِلتَّحْقِيقِ فِي الْحَالِ فَانْعَقَدَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْإِنْشَاءِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَرَضِ تَحْقِيقِهِ، وَاسْتِفَادَةِ الرِّضَا مِنْهُ حَتَّى قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْت إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ. اهـ.
قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَعَلِمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمَا لَا لِنِيَّتِهِمَا، أَلَا
وَكَذَا أَنَا مُتَزَوِّجُك أَوْ جِئْتُك خَاطِبًا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِي النِّكَاحِ أَوْ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا إنْ الْمَجْلِسُ لِلنِّكَاحِ، وَإِنْ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ؛ وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا عَرُوسِي فَقَالَتْ لَبَّيْكَ انْعَقَدَ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَا يَنْعَقِدُ) بِقَبُولٍ بِالْفِعْلِ كَقَبْضِ مَهْرٍ وَلَا بِتَعَاطٍ وَلَا بِكِتَابَةِ حَاضِرٍ بَلْ غَائِبٌ بِشَرْطِ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ مَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فَتْحٌ
ــ
[رد المحتار]
تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْهَزْلِ وَالْهَازِلُ لَمْ يَنْوِ النِّكَاحَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ لِأَنَّ تَقْدِيرَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ شَائِعٌ كَثِيرٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَبْدُوءَ بِالْهَمْزَةِ كَمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِيعَادُ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْوَعْدُ بِالتَّزَوُّجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى قَصْدِ التَّحْقِيقِ وَالرِّضَا كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا أَنَا مُتَزَوِّجُك) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءٌ. اهـ.
قَالَ ح: لِأَنَّ مُتَزَوِّجٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِذَاتٍ قَامَ بِهَا الْحَدَثُ وَتَحَقَّقَ فِي وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَكَانَ دَالًّا عَلَى الْحَالِ، وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ الْتِزَامِيَّةً.
(قَوْلُهُ: أَوْ جِئْتُك خَاطِبًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَجِئْتُك خَاطِبًا ابْنَتَك أَوْ لَتُزَوِّجنِي ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُك فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ اهـ.
قَالَ ح: فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ فِي هَذَا مَاضِيَانِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ هُنَا: قُلْت: الْمُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: خَاطِبًا لَا قَوْلُهُ: جِئْتُك؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِي النِّكَاحِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ أَنَا مُشْتَرٍ أَوْ جِئْتُك مُشْتَرِيًا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِجَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ ط (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَجْلِسَ لِلنِّكَاحِ) أَيْ لِإِنْشَاءِ عَقْدِهِ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّحْقِيقُ فِي الْحَالِ فَإِذَا قَالَ الْآخَرُ أَعْطَيْتُكهَا أَوْ فَعَلْت لَزِمَ وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ عَلَى الْمَذْهَبِ) صَوَابُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ فَوَائِدِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ لِامْرَأَةٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الرِّجَالِ يَا عَرُوسِي قَالَتْ لَبَّيْكَ فَنِكَاحٌ قَالَ الْقَاضِي بَدِيعُ الدِّينِ إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ إلَخْ ح (قَوْلُهُ: كَقَبْضِ مَهْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَالْقَبُولِ بِاللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ؟ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَابَ صَاحِبُ الْبِدَايَةِ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَلْفٍ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَ الشُّهُودِ، فَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ شَيْئًا لَكِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبُولًا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَالَ الْإِمَامُ مَا لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ قَبِلْت بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَالنِّكَاحُ لِخَطَرِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَى الشُّهُودِ وَبِخِلَافِ إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ ثَمَّةَ. اهـ. ح (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَاطَ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ بِالْفِعْلِ كَقَبْضِ مَهْرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي وَلَا بِتَعَاطٍ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ قَبْضِ الْمَهْرِ الَّتِي قَدَّمْنَا نَقْلَهَا عَنْ الْبَحْرِ بِعَيْنِهَا شَرَحَ بِهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَلَا بِتَعَاطٍ ح. مَطْلَبُ التَّزَوُّجِ بِإِرْسَالِ كِتَابٍ
(قَوْلُهُ: وَلَا بِكِتَابَةِ حَاضِرٍ) فَلَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك فَكَتَبَتْ قَبِلْت لَمْ يَنْعَقِدْ بَحْرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ فَقَالَتْ قَبِلْت إلَخْ إذْ الْكِتَابَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِلَا قَوْلٍ لَا تَكْفِي وَلَوْ فِي الْغَيْبَةِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بَلْ غَائِبٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغَائِبُ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ ط (قَوْلُهُ: فَتْحٌ) فَإِنَّهُ قَالَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابِ كَمَا يَنْعَقِدُ بِالْخِطَابِ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهَا يَخْطُبُهَا فَإِذَا بَلَغَهَا الْكِتَابُ أَحْضَرْت الشُّهُودَ وَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ أَوْ تَقُولُ إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ، أَمَّا لَوْ لَمْ تَقُلْ بِحَضْرَتِهِمْ سِوَى زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّطْرَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَبِإِسْمَاعِهِمْ الْكِتَابَ أَوْ التَّعْبِيرَ عَنْهُ مِنْهَا قَدْ سَمِعُوا الشَّطْرَيْنِ
وَلَا (بِالْإِقْرَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ) خُلَاصَةٌ كَقَوْلِهِ: هِيَ امْرَأَتِي لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ (وَقِيلَ إنْ) كَانَ (بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ) كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْجُعْلِ (وَجَعَلَ) الْإِقْرَارَ (إنْشَاءً، وَهُوَ الْأَصَحُّ) ذَخِيرَةٌ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِتَزَوَّجْتُ نِصْفَك عَلَى الْأَصَحِّ) احْتِيَاطًا خَانِيَةٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَهُ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، وَمِنْهُ الظَّهْرُ وَالْبَطْنُ عَلَى الْأَشْبَهِ ذَخِيرَةٌ وَرَجَّحُوا فِي الطَّلَاقِ خِلَافَهُ
ــ
[رد المحتار]
بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَيَا قَالَ فِي الْمُصَفَّى: هَذَا أَيْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ التَّزَوُّجِ، أَمَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ بِمَا فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْكَامِلِ، وَمَا نَقَلَهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُحَقِّقِينَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ لَفْظَةَ الْأَمْرِ إيجَابًا كَقَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فَيَجِبُ إعْلَامُهَا إيَّاهُمْ مَا فِي الْكِتَابِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ إلَخْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَوْكِيلٌ يَقُولُ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِ مَا تَضَمَّنَهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمِنْ شُرُوطِهِ سَمَاعُ الشُّهُودِ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ هُنَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ وُجِدَ النَّصُّ هُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
لَوْ جَاءَ الزَّوْجُ بِالْكِتَابِ إلَى الشُّهُودِ مَخْتُومًا فَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانَةَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَعْلَمَ الشُّهُودُ مَا فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ وَيُقْضَى بِهِ أَمَّا الْكِتَابُ فَصَحِيحٌ بِلَا إشْهَادٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِتَمَكُّنِ الْمَرْأَةِ مِنْ إثْبَاتِ الْكِتَابِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْإِقْرَارِ) لَا يُنَافِيهِ صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعَقْدِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُهُ بِهِ أَيْ بِالتَّصَادُقِ وَيَحْكُمُ بِهِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَانُوتِيِّ (قَوْلُهُ: كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْجَعْلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ فَيَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ جَعَلْت نَفْسِي زَوْجَةً لَك فَقَبِلَ تَمَّ فَتْحٌ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَجُعِلَ) مَاضٍ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى صَحَّ (قَوْلُهُ: ذَخِيرَةٌ) فَإِنَّهُ قَالَ ذَكَرَ فِي صُلْحِ الْأَصْلِ: ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَجَحَدَتْ فَصَالَحَهَا عَلَى مِائَةٍ عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِذَلِكَ فَأَقَرَّتْ فَهَذَا الْإِقْرَارُ مِنْهَا جَائِزٌ وَالْمَالُ لَازِمٌ، وَهَذَا الْإِقْرَارُ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ مَقْرُونٌ بِالْعِوَضِ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَمْلِيكٍ مُبْتَدَأٍ فِي الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ. اهـ.
مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَقَرَّا بِعَقْدٍ مَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَإِنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهِيَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ يَكُونُ إنْكَاحًا وَيَتَضَمَّنُ إقْرَارُهُمَا الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ إقْرَارِهِمَا بِمَاضٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَسْت لِي امْرَأَةً وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَلَوْ قَالَ لَمْ أَكُنْ تَزَوَّجْتهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ. اهـ. يَعْنِي إذَا لَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَالْحَقُّ هَذَا التَّفْصِيلُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُمْ: إنَّ ذِكْرَ بَعْضَ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَطَلَاقِ نِصْفِهَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا، فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْبَعْضِ لِاجْتِمَاعِ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَتُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ.
وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. ثُمَّ رَاجَعْت نُسْخَةً أُخْرَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَرَأَيْتهَا كَذَا فَمَنْ قَالَ إنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَحَّحَ الصِّحَّةَ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ لَا الْبَاقِيَةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ) كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوا فِي الطَّلَاقِ خِلَافَهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَالُوا الْأَصَحُّ
فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ.
(وَإِذَا وَصَلَ الْإِيجَابَ بِالتَّسْمِيَةِ) لِلْمَهْرِ (كَانَ مِنْ تَمَامِهِ) أَيْ الْإِيجَابِ (فَلَوْ قَبِلَ الْآخَرُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ) لِتَوَقُّفِ أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ لَوْ فِيهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ.
وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ لَوْ حَاضِرَيْنِ، وَإِنْ طَالَ كَمُخَيَّرَةٍ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ الْإِيجَابُ الْقَبُولَ كَقَبِلْتُ النِّكَاحَ لَا الْمَهْرَ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَا يَقَعُ وَكَذَا الْعِتْقُ، فَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ.
أَقُول: وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ ظَهْرُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ بَطْنُك عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا أُضِيفَ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَى ظَهْرِ الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَطْنِهَا أَنَّ الْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ) كَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَوَّلًا وَثَانِيًا أَنَّ الْحَلْوَانِيَّ الَّذِي صَحَّحَ انْعِقَادَ النِّكَاحِ صَحَّحَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ السَّرَخْسِيَّ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحْ الِانْعِقَادَ لَمْ يُصَحِّحْ الْوُقُوعَ بَلْ صَحَّحَ عَدَمَهُ عَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِلْفَرْقِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُلَفَّقٌ عَنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ (قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ وَكَذَا ضَمِيرُ قَبْلَهُ ح أَيْ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ الْمُسَمَّى أَيْ الْمَهْرُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَبِلَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: كَامْرَأَةٍ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبْلَ الزَّوْجِ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُجَرَّدَ زَوَّجْت يَنْعَقِدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَذَكَرَ الْمُسَمَّى مَعَهُ يُغَيِّرُ ذَلِكَ إلَى تَعْيِينِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَمْ يَنْعَقِدْ، فَلَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَامَ الْآخَرُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِارْتِبَاطِ اتِّحَادُ الزَّمَانِ فَجُعِلَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا تَيْسِيرًا؛ وَأَمَّا الْفَوْرُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ؛ وَلَوْ عَقَدَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ جَازَ. اهـ. أَيْ؛ لِأَنَّ السَّفِينَةَ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ.
[فَرْعٌ]
قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَسَكَتَ الْخَاطِبُ فَقَالَ الصِّهْرُ أَيْ أَبُو الْبِنْتِ ادْفَعْ الْمَهْرَ فَقَالَ نَعَمْ فَهُوَ قَبُولٌ وَقِيلَ لَا. اهـ. وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِاشْتِرَاطِ الْفَوْرِ، وَأَنْ الْمُخْتَارَ عَدَمُهُ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَنْشَأُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ خَاطِبًا فَحَيْثُ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ عَلَى الْفَوْرِ كَانَ ظَاهِرًا فِي رُجُوعِهِ، فَقَوْلُهُ: نَعَمْ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ بِمُفْرَدِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ شَرْطٌ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَوْ حَاضِرِينَ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ كِتَابَةِ الْغَائِبِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخِطَابِ أَنَّ فِي الْخِطَابِ لَوْ قَالَ: قَبِلْت فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا وُجِدَ تَلَاشَى فَلَمْ يَتَّصِلْ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَائِمٌ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقِرَاءَتُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْحَاضِرِ فَاتَّصَلَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فَصَحَّ. اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْهَا لِيَحْصُلَ الِاتِّصَالُ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَحِينَئِذٍ فَاتِّحَادُ الْمَجْلِسِ شَرْطٌ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ هُوَ الْكِتَابُ، وَإِمْكَانُ قِرَاءَتِهِ ثَانِيًا، فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ حَاضِرِينَ كَالنَّهْرِ لَكَانَ أَوْلَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْكِتَابِ رَسُولٌ بِالْإِيجَابِ فَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ أَعَادَ الرَّسُولُ الْإِيجَابَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَقَبِلَتْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ رِسَالَتَهُ انْتَهَتْ أَوَّلًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِبَقَائِهَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَقَبِلْتُ النِّكَاحَ لَا الْمَهْرَ) تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ أَيْ إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك
نَعَمْ يَصِحُّ الْحَطُّ كَزِيَادَةٍ قَبِلْتهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُضَافًا وَلَا مُعَلَّقًا كَمَا سَيَجِيءُ، وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ
ــ
[رد المحتار]
بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ النِّكَاحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى، فَلَوْ صَحَّحْنَا قَبُولَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَلْ بِمَا سَمَّى فَيَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ حَيْثُ سَكَتَ عَنْهُ وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت وَلَمْ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَا سَمَّى وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ بِصِحَّةِ الْحَطِّ إلَخْ) أَيْ إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ يَصِحُّ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا قَبِلْت الْأَلِفَ وَحَطَّتْ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ بَحْرٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا إسْقَاطٌ، وَإِبْرَاءٌ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ قَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت بِأَلْفَيْنِ صَحَّ النِّكَاحُ بِأَلْفٍ إلَّا إنْ قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ، فَيَصِحُّ بِأَلْفَيْنِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، فَصُورَةُ الْحَطِّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالزِّيَادَةِ مِنْ الزَّوْجِ كَمَا عَلِمْت وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَهُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ وَتَوَقَّفَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ عَلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا أَوْجَبَتْ بِأَلْفٍ وَقَبِلَ الزَّوْجُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْحَطَّ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَرْأَةُ لَا مِمَّنْ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَا يَصِحُّ، يُحَرَّرُ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مُضَافًا) كَتَزَوَّجْتُك غَدًا وَلَا مُعَلَّقًا أَيْ عَلَى غَيْرِ كَائِنٍ كَتَزَوَّجْتُك إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: كَمَا سَيَجِيءُ أَيْ الْكَلَامُ عَلَى الْمُضَافِ وَالْمُعَلَّقِ قَبِيلَ بَابِ الْوَلِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ) فَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ مِنْهُ وَلَهُ بِنْتَانِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً، فَيَنْصَرِفُ إلَى الْفَارِغَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ رَحْمَتِيٌّ وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ جَرَتْ مُقَدِّمَاتُ الْخِطْبَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا لِتَتَمَيَّزَ الْمَنْكُوحَةُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ رَمْلِيٌّ.
قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ جَرَتْ الْمُقَدِّمَاتُ عَلَى مُعَيَّنَةٍ وَتَمَيَّزَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ أَيْضًا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْجَهَالَةِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِتَعَيُّنِهَا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالشُّهُودِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَزَوَّجَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ عَرَفَهَا الشُّهُودُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا، وَإِلَّا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَيْضًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ زَوَّجْت بِنْتِي وَلَهُ بِنْتَانِ أَقَلُّ إبْهَامًا مِنْ قَوْلِ الْوَكِيلِ زَوَّجْت فَاطِمَةَ وَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَحُضُورُ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ غَلِطَ وَكِيلُهَا إلَخْ.
[تَنْبِيهٌ]
لَمْ يَذْكُرْ اشْتِرَاطَ تَمْيِيزِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ لِلْخِلَافِ لِمَا فِي النَّوَازِلِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ أَبُو أَحَدِهِمَا زَوَّجْت بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِك هَذَا وَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت يَصْلُحُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَيْ فِيمَا كَانَ بِلَفْظٍ وَنِكَاحٍ بِخِلَافِ مَا كَانَ كِنَايَةً لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَفَهْمِ الشُّهُودِ لَكِنْ قَيَّدَ فِي الدُّرَرِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إذَا عَلِمَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ، وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ إذَا لَقَّنَهُ وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ وَاقِعَةٌ فِي الْحَكَمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ قَالَ قَاضِي خَانْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ
إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ بِهِ يُفْتَى.
(وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ تَزْوِيجٍ وَنِكَاحٍ) لِأَنَّهُمَا صَرِيحٌ (وَمَا) عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ هُوَ كُلُّ لَفْظٍ (وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) كَامِلَةٍ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ (وَفِي الْحَالِ) خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ
ــ
[رد المحتار]
اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ إذْ لُقِّنَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِمَهْرِي وَنَفَقَةِ عِدَّتِي فَقَالَتْهُ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَلَا أَنَّهُ لَفْظُ خُلْعٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ تُبْرِئَهُ وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدِّينِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ. اهـ.
قُلْت: وَفِي فَهْمِ الشُّهُودِ اخْتِلَافُ تَصْحِيحٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ) بِسُكُونِ ذَالِ إذْ فَالْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا وَضَمِيرُ يَحْتَجْ لِمَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ التَّجْنِيسِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ.
قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَارِّ وَبِهِ جَزَمَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالْوِقَايَةِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيحَ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ عِنْدَنَا بَلْ الْخِلَافُ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ، فَالْأَوَّلُ مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجُ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَالْجَعْلُ نَحْوُ جَعَلْت بِنْتِي لَك بِأَلْفٍ وَالثَّانِي نَحْوُ بِعْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ ابْنَتِي أَوْ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ نَعَمْ وَنَحْوُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالثَّالِثُ كَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالرَّابِعُ كَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَمَا عَدَاهُمَا كِنَايَةٌ إلَخْ) فِي هَذَا التَّرْكِيبِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ مَدْلُولِهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَوَازِهِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ كَيْفَ صَحَّ بِالْكِنَايَةِ مَعَ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَالْكِنَايَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قُلْنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحْنَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ. اهـ.
وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ يَأْتِي بَعْضُهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: هُوَ كُلُّ لَفْظٍ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِثْلِ كُونِي امْرَأَتِي، وَقَوْلِهَا عَرَّسْتُك نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: لِمُبَانَتِهِ: رَاجَعْتُك بِكَذَا وَقَوْلِهَا لَهُ رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك، وَقَوْلِهِ صِرْت لِي أَوْ صِرْت لَك وَقَوْلِهِ: ثَبَتَ حَقِّي فِي مَنَافِعِ بُضْعِك وَذَكَرَ أَلْفَاظَ أُخَرَ وَأَنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي الْكُلِّ مَعَ الْقَبُولِ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَاخِلَةٌ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وُضِعَ لِتَمْلِيكِ عَيْنٍ) خَرَجَ مَا لَا يُفِيدُ التَّمْلِيكَ أَصْلًا كَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ، وَمَا يُفِيدُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَامِلَةٍ) صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّرِكَةِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا أَيْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ وَهَذَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا قَالَ زَوَّجْتُك نِصْفَ جَارِيَتِي (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ الْمُقَيَّدَةِ بِالْحَالِ) بِأَنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُضَافَةً إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا الْمُقَيَّدَةُ بِالْحَالِ نَحْوُ أَوْصَيْت لَك بِبُضْعِ ابْنَتِي لِلْحَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَائِزٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ قَائِلًا وَارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَطْلَقَهُ الشَّارِحُونَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا عَنْ النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ كَمَا فِي بُيُوعِ الْعِنَايَةِ. اهـ.
وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ الْمَجَازَ لَا مَجَازَ لَهُ مَرْدُودٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ طَالَعَ أَسَاسَ الْبَلَاغَةِ. اهـ.
أَيْ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي رَأَيْت مِشْفَرَ زَيْدٍ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِمَرْتَبَتَيْنِ، وَكَذَا فِي {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112]
(كَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَصَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَقَرْضٍ وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ لَا يَشْمَلُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ كَانَتْ مَجَازًا فَلَمْ يَصِحَّ بِهَا النِّكَاحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لِلتَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ وُضِعَ بِمَعْنَى اُسْتُعْمِلَ فَيَشْمَلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ أَوْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ بِالْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَهِبَةٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إمَّا أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ، فَإِذَا أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْت أَمَتِي هَذِهِ مِنْك، فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُعَجَّلًا، وَمُؤَجَّلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ دَلِيلًا عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ نَوَى النِّكَاحَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحُرَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ فَهُوَ الْقَرِينَةُ، فَإِنْ قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِهِ لَا يَنْعَقِدُ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ الزِّنَى فَقَالَتْ وَهَبْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحُهُ كَقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك فَقَالَ قَبِلْت إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ كَذَا فِي الْبَحْرِ ط.
(قَوْلُهُ: وَقَرْضٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالصُّلْحِ وَالرَّهْنِ قَوْلَانِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ انْعِقَادِهِ بِالصَّرْفِ عَمَلًا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ يَتَرَجَّحُ مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ انْعِقَادِهِ بِالْقَرْضِ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمَهُ وَجَزَمَ السَّرَخْسِيُّ بِانْعِقَادِهِ بِالصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ. اهـ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الرَّهْنِ لَكِنْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْكِ الأتقاني غَيْرَهُ سَبْقُ قَلَمٍ فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الأتقاني فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالصُّلْحِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ، وَعَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْأَجْنَاسِ، ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ السَّرَخْسِيِّ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ وَالتَّوْفِيقُ بِأَنْ يُقَالَ إنْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بَدَلَ الصُّلْحِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبُو الْبِنْتِ لِدَائِنِهِ مَثَلًا صَالَحْتُك عَنْ أَلْفِك الَّتِي لَك عَلَيَّ بِبِنْتِي هَذِهِ، وَإِنْ جَعَلَتْ مُصَالِحًا عَنْهَا بِأَنْ قَالَ " صَالَحْتُك " عَنْ بِنْتِي بِأَلْفٍ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ حَطِيطَةٌ، وَإِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ وَالْمَقْصُودُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا إسْقَاطُهُ فَلِذَا لَمْ يَصِحَّ أَمَّا بَدَلُ الصُّلْحِ فَالْمَقْصُودُ مِلْكُهُ أَيْضًا فَيَصِحُّ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ. هَذَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَطِيَّةِ مِثْلُ قَوْلِهِ هِيَ لَك عَطِيَّةٌ بِكَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ أَعْطَيْتُك بِنْتِي بِكَذَا كَمَا هُوَ الشَّائِعُ عِنْدَ الْأَعْرَابِ وَالْفَلَّاحِينَ فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَيَقَعُ كَثِيرًا أَنَّهُ يَقُولُ جِئْتُك خَاطِبًا بِنْتَك لِنَفْسِي فَيَقُولُ أَبُوهَا هِيَ جَارِيَةٌ فِي مَطْبَخِك فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا قَصَدَ الْعَقْدَ دُونَ الْوَعْدِ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ فِي وَهَبْتهَا لَك لِتَخْدُمَك وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ جَعَلْت ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَسَلَمٍ وَاسْتِئْجَارٍ) هَذَا إذَا جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، أَمَّا إنْ جُعِلَتْ مُسْلَمًا فِيهَا فَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ مَجَازِيَّهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى
وَصُلْحٍ وَصَرْفٍ وَكُلٍّ مَا تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ بِشَرْطِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَفَهْمِ الشُّهُودِ الْمَقْصُودَ (لَا) يَصِحُّ (بِلَفْظِ إجَارَةٍ) بِرَاءٍ أَوْ بِزَايٍ (وَإِعَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ) وَرَهْنٍ الْوَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، لَكِنْ تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ فَلَا يُحَدُّ وَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا تَثْبُتُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَلْيُحْفَظْ. (وَأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ كَتَجَوَّزْتُ)
ــ
[رد المحتار]
مَا فِي الْمُتُونِ، وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ أُجْرَةٌ كَقَوْلِهِ آجَرْتُك ابْنَتِي بِكَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ مِلْكَ الْعَيْنِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ) كَالْجُعْلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ إلَخْ) هَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ رَدًّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ النِّيَّةَ شَرْطًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَعَلَى السَّرَخْسِيِّ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْهَا شَرْطًا مُطْلَقًا.
وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الشُّهُودِ الْمُرَادِ فَإِنْ حَكَمَ السَّامِعُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ مِنْ اللَّفْظِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ عَلَى إرَادَتِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ بِمُرَادِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي تَصْوِيرِ الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَنْ يَقُولَ آجَرْت بِنْتِي وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ. اهـ.
بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْتُك بِنْتِي، فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْبَيْعِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ، فَهُوَ قَرِينَةٌ يَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا أَمَةً لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ تَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَذِكْرِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا أَوْ مُعَجَّلًا، وَإِلَّا فَإِنْ نَوَى وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ انْصَرَفَ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ النِّيَّةِ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ وَقَدْ رَجَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ إلَى التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ احْتِمَالٌ. اهـ. هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كِنَايَاتِ النِّكَاحِ مِنْ النِّيَّةِ مَعَ قَرِينَةٍ أَوْ تَصْدِيقِ الْقَابِلِ لِلْمُوجِبِ وَفَهْمِ الشُّهُودِ الْمُرَادِ أَوْ إعْلَامِهِمْ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ إجَارَةٍ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ كَآجَرْتُكِ نَفْسِي بِكَذَا بِخِلَافِ لَفْظِ الِاسْتِئْجَارِ بِأَنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ بَدَلًا مِثْلُ اسْتَأْجَرْت دَارَك بِنَفْسِي أَوْ بِبِنْتِي عِنْدَ قَصْدِ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَغَيَّرَ هُنَاكَ بِالِاسْتِئْجَارِ وَهُنَا بِالْإِجَارَةِ إشَارَةً لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَوَصِيَّةٍ) أَيْ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِالْحَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَرَهْنٍ) فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْبِنَايَةِ، وَرَجَّعَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَعَلَّ ابْنَ الْهُمَامِ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَوْلَ الْآخَرَ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِهِ فَعَدَّ الرَّهْنَ مِنْ قِسْمِ مَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا) كَإِبَاحَةٍ، وَإِحْلَالٍ وَتَمَتُّعٍ، وَإِقَالَةٍ وَخُلْعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْآخَرُ بِمَا إذَا لَمْ يُجْعَلْ بَدَلُ الْخُلْعِ، فَإِنْ جُعِلَتْ كَمَا إذَا قَالَ أَجْنَبِيٌّ اخْلَعْ زَوْجَتَك بِبِنْتِي هَذِهِ فَقَبِلَ صَحَّ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَثْبُتُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ) هَذَا سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَحْسَنُ وَلِذَا قَالَ ح: إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ لَكِنْ ثَبَتَ بِهِ الشُّبْهَةُ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ شَامِلٌ لِلَفْظٍ لَا دَخْلَ لَهُ أَصْلًا كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ صَدِيقَتِي فَقَالَتْ نَعَمْ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ، بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا وَقَعَتْ بَيَانًا لِنَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْمَتْنِ فَتَخْتَصُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ. اهـ.
مَطْلَبٌ هَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ نَحْوِ تَجَوَّزْت
(قَوْلُهُ: وَأَلْفَاظٍ مُصَحَّفَةٍ) مِنْ التَّصْحِيفِ، وَهُوَ تَغْيِيرُ اللَّفْظِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَضْعِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْمُغْرِبِ التَّصْحِيفُ أَنْ يَقْرَأَ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَهُ كَاتِبُهُ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَتَجَوَّزْتُ) أَيْ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الزَّايِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: جَازَ الْمَكَانَ وَأَجَازَهُ وَجَاوَزَهُ وَتَجَاوَزَهُ إذَا سَارَ فِيهِ وَخَلَّفَهُ، وَحَقِيقَتُهُ قَطَعَ جَوْزَهُ
لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَمْ تَكُنْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ بَلْ غَلَطًا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ أَصْلًا تَلْوِيحٌ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ وَصَدَرَتْ عَنْ قَصْدٍ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ وَسَطَهُ، وَمِنْهُ جَازَ الْبَيْعَ أَوْ النِّكَاحَ إذَا نَفَّذَهُ وَأَجَازَهُ الْقَاضِي إذَا نَفَّذَهُ وَحَكَمَ بِهِ، وَمِنْهُ الْمُجِيزُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ لِتَنْفِيذِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَجَوَّزَ الْحُكْمَ رَآهُ جَائِزًا وَتَجْوِيزُ الضِّرَابِ الدَّرَاهِمَ أَنْ جَعَلَهَا رَائِجَةً جَائِرَةً وَأَجَازَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ إذَا أَعْطَاهُ عَطِيَّةً، وَمِنْهَا جَوَائِزُ الْوُفُودُ لِلتُّحَفِ وَاللُّطْفِ، وَتَجَاوَزَ عَنْ الْمُسِيءِ وَتَجَوَّزَ عَنْهُ أَغْضَى عَنْهُ وَعَفَا وَتَجَوَّزَ فِي الصَّلَاةِ تَرَخَّصَ فِيهَا وَتَسَاهَلَ، وَمِنْهُ تَجَوَّزَ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ. اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: لِصُدُورِهِ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ انْعِقَادِهِ بِلَفْظٍ أَعْجَمِيٍّ بِأَنَّ اللُّغَةَ الْأَعْجَمِيَّةَ تَصْدُرُ عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ لَفْظِ التَّجْوِيزِ فَإِنَّهُ يَصْدُرُ لَا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ، بَلْ عَنْ تَحْرِيفٍ وَتَصْحِيفٍ، فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مِنَحٌ مُلَخَّصًا. وَالتَّحْرِيفُ التَّغْيِيرُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصْحِيفِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: تَلْوِيحٌ) لَيْسَ مُرَادُهُ عَزْوَ الْمَسْأَلَةِ إلَى التَّلْوِيحِ بَلْ عَزْوَ مَضْمُونِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمِنَحِ أَنَّهُ كَثُرَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْهَا فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَأَنَّهُ كَتَبَ فِيهَا رِسَالَةً حَاصِلُهَا اعْتِمَادُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهَذَا اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ وَلَيْسَ لَفْظَ نِكَاحٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِلْمَجَازِيَّةِ عَنْهَا كَمَا اُسْتُعِيرَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِنِكَاحٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى اللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ التَّلْوِيحِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا جَارِيًا عَلَى الْقَانُونِ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَمَجَازٌ، وَإِلَّا فَمُرْتَجَلٌ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ قِسْمِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الصَّحِيحَ فِي الْغَيْرِ بِلَا عَلَاقَةٍ وَضْعٌ جَدِيدٌ، فَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً، وَقَيَّدْنَا الِاسْتِعْمَالَ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَلَطِ مِثْلُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَةِ التَّلْوِيحِ الْمَذْكُورَةِ، نَعَمْ لَوْ اتَّفَقَ قَوْمٌ عَلَى النُّطْقِ بِهَذِهِ الْغَلْطَةِ بِحَيْثُ إنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الدَّلَالَةَ عَلَى حِلِّ الِاسْتِمَاعِ، وَتَصْدُرُ عَلَى قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ، فَلِلْقَوْلِ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا مِنْهُمْ، وَبِانْعِقَادِهِ بَيْنَ قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ، وَأَمَّا صُدُورُهَا لَا عَنْ قَصْدٍ إلَى وَضْعٍ جَدِيدٍ كَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ الْأَغْمَارِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبُ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِرَادَتُهُ مِنْهُ فَمُجَرَّدُ الذِّكْرِ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا صَحِيحًا فَلَا يَكُونُ وَضْعًا جَدِيدًا. اهـ. .
وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ التَّجْوِيزِ فِي النِّكَاحِ بِوَضْعٍ جَدِيدٍ قَصْدًا يَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مِثْلَ الْحَقَائِقِ الْمُرْتَجَلَةِ.، وَمِثْلُ الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلنِّكَاحِ، فَيَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِوُجُودِ طَلَبِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَإِرَادَتِهِ مِنْ اللَّفْظِ قَصْدًا، وَإِلَّا فَذِكْرُ هَذَا اللَّفْظِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً؛ لِعَدَمِ الْوَضْعِ وَلَا مَجَازًا لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ لِكَوْنِهِ غَلَطًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ لَكِنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ الْعَلَّامَةُ الْحَبْرُ الرَّمْلِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، وَنَازَعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، وَكَذَا نَازَعَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ الْمِنَحِ، بِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِبَحْثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ الْمُرَتَّبِ عَلَى عَدَمِ الْعَلَاقَةِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، فَكَيْفَ اُتُّجِهَ ذِكْرُ نَفْيِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ نُسَلِّمُ كَوْنَهُ تَصْحِيفًا بِإِبْدَالِ حَرْفٍ، فَلَوْ صَدَرَ مِنْ عَارِفٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ فَتْوَى
كَانَ ذَلِكَ وَضْعًا جَدِيدًا فَيَصِحُّ، بِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا قَضَاءً كَمَا فِي أَوَائِلِ الْأَشْبَاهِ (وَلَا بِتَعَاطٍ)
ــ
[رد المحتار]
الشَّيْخِ زَيْنِ بْنِ نُجَيْمٍ، وَمُعَاصِرِيهِ فَيَقَعُ الدَّلِيلُ فِي مَحَلِّهِ ح وَالْمَسْأَلَةُ لَمْ تُوجَدْ فِيهَا نَقْلٌ بِخُصُوصِهَا عَنْ الْمَشَايِخِ، فَصَارَتْ حَادِثَةَ الْفَتْوَى.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مِنْ عَامِّيٍّ إبْدَالُ الزَّايِ جِيمًا وَعَكْسُهُ مَعَ تَشْدِيدِهِمْ فِي النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَمْ يُجَوِّزُوهُ إلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِفْتَاءُ بِحَسَبِ الْإِنْهَاءِ. فَإِذَا سُئِلَ الْمُفْتِي هَلْ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّجْوِيزِ يُجِيبُ بِلَا لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِذِكْرِ التَّصْحِيفِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِذَا سُئِلَ فِي عَامِّيٍّ قَدَّمَ الْجِيمَ عَلَى الزَّايِ بِلَا قَصْدِ اسْتِعَارَةٍ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بَلْ قَصَدَ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ شَرْعًا فَوَقَعَ لَهُ ذِكْرٌ يَنْبَغِي فِيهِ مُوَافَقَةُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالْأَوْلَى فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْغَلْطَةِ كَمَا قَطَعَ بِهِ أَبُو السُّعُودِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْغِلَظِ وَالتَّصْحِيفِ فِي مَوَاضِعَ فَأَوْقَعُوا الطَّلَاقَ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ مَعَ اشْتِرَاكِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ فِي أَنَّ جِدَّهُمَا جِدٌّ وَهَزْلَهُمَا جِدٌّ، وَخَطَرُ الْفُرُوجِ، وَأَفْتَوْا بِالْوُقُوعِ فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَأَنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ كَذَا، وَمِثْلُهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا مَعَ كَوْنِهِ غَلَطًا ظَاهِرًا لُغَةً وَشَرْعًا لِعَدَمِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الرَّجُلِ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُ أَبِي السُّعُودِ إنَّهُ أَيْ هَذَا الطَّلَاقُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ نَظَرًا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ لَا إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْفَاشِي لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي بِلَادِهِ، فَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ هَذَا الْغَلَطَ الْفَاحِشَ لَزَمَنَا أَنْ لَا نَعْتَبِرَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ فُشُوِّ اسْتِعْمَالِهِ وَكَثْرَةِ دَوَرَانِهِ فِي أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ بِحَيْثُ لَوْ لُقِّنَ أَحَدُهُمْ التَّزْوِيجَ لَعَسِرَ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِهِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ لَا يَلْمَحُونَ اسْتِعَارَةً لِنَرُدَّ مَلْمَحَهُمْ بِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ، بَلْ هُوَ تَصْحِيفٌ عَلَيْهِمْ فَشَا فِي لِسَانِهِمْ.
وَقَدْ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَدَمَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِإِبْدَالِ بَعْضِ الْحُرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَارَبْ الْمَخْرَجُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى الْعَامَّةِ فَكَيْفَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقَعُ بِهَا إلَخْ) أَيْ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ كَتَلَاقٍ وَتَلَاك وَطَلَاك وَطَلَاغٍ وَتَلَاغٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ هَذَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ قَاضِي خَانْ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ. اهـ. قَالَ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ مَعَ التَّصْحِيفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ نَافِذًا مَعَهُ أَيْضًا. اهـ.
قُلْت: وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ وُقُوعَ طَلَاقٍ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، عَلَى أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي التَّفْرِيقِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوْجِيَّةِ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِلَفْظٍ مُصَحَّفٍ أَوْ مُهْمَلٍ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الِاحْتِيَاطُ فِي بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُزِيلُ، فَلَوْلَا أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْقَصْدَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُصَحَّفِ بِدُونِ وَضْعٍ جَدِيدٍ وَلَا عَلَاقَةٍ لَمْ يُوقِعُوا بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ الْخَارِجَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا مَعْنَى لَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ الْمُرَادَ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا تَحْرِيفَ اللَّفْظِ بَلْ قَوْلُهُمْ يَقَعُ بِهَا قَضَاءً يُفِيدُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ وَلِذَا قَيَّدَ تَصْدِيقَهُ بِالْإِشْهَادِ فَبِالْأَوْلَى إذَا قَالَ الْعَامِّيُّ جَوَّزْت بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ أَوْ زَوَّزْتُ بِالزَّايِ بَدَلَ الْجِيمِ قَاصِدًا بِهِ مَعْنَى النِّكَاحِ يَصِحُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ جَعَلْت بِنْتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى النِّكَاحِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي دُونَ الْأَلْفَاظِ، فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا أَفَادَ مَعْنَى النِّكَاحِ يُعْطَى حُكْمَهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ بِلَفْظِ نِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ جَوَّزْت أَوْ زَوَّزْتُ
احْتِرَامًا لِلْفُرُوجِ.
(وَشُرِطَ سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَفْظَ الْآخَرِ) لِيَتَحَقَّقَ رِضَاهُمَا.
(وَ) شُرِطَ (حُضُورُ) شَاهِدَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
لَا يَفْهَمُ مِنْهُ الْعَاقِدَانِ وَالشُّهُودُ إلَّا أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّزْوِيجِ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى بِحَسَبِ الْعُرْفِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ وَلَوْ مِنْ عَالِمٍ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَارَفَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِيهَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مِنْ الْعَوَامّ بِالْمُصَحَّفَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بِالْأَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[تَنْبِيهٌ]
عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ جَوَازُ الْعَقْدِ بِلَفْظِ أَزَوَّجْت بِالْهَمْزَةِ فِي أَوَّلِهِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخِهِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ فَكَانَ تَحْرِيفًا وَغَلَطًا (قَوْلُهُ: احْتِرَامًا لِلْفُرُوجِ) أَيْ لِخَطَرِ أَمْرِهَا وَشِدَّةِ حُرْمَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ.
(قَوْلُهُ: سَمَاعُ كُلٍّ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا كَالْكِتَابِ إلَى غَائِبَةٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْخِطَابِ كَمَا مَرَّ. وَفِي الْفَتْحِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ (قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ رِضَاهُمَا) أَيْ لِيَصْدُرَ مِنْهُمَا مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا إذْ حَقِيقَةُ الرِّضَا غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِي النِّكَاحِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْهَزْلِ رَحْمَتِيٌّ. وَذَكَرَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ مِنْ جَانِبِهَا لَا مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْمَهْرِ مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ مِنْ جِهَتِهَا. وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ ذَكَرَ فِي النُّقَايَةِ أَنَّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ لَمْ يَطَأْهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ: أَيْ الْبَاطِلِ كَالنِّكَاحِ لِلْمَحَارِمِ الْمُؤَبَّدَةِ أَوْ الْمُؤَقَّتَةِ أَوْ بِإِكْرَاهٍ مِنْ جِهَتِهَا إلَخْ، فَقَوْلُهُ: مِنْ جِهَتِهَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا إذَا أَكْرَهَتْ الزَّوْجَ عَلَى التَّزْوِيجِ بِهَا لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَاطِلِ لَا بَاطِلًا حَقِيقَةً، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَهَهَا عَلَى التَّزْوِيجِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ إنْ كَانَ الْمُكْرِهُ لَهُ أَجْنَبِيًّا، فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ هِيَ الَّتِي أَكْرَهَتْهُ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ هُنَاكَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ نِكَاحَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ هُوَ الرَّجُلَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَرْأَةَ فَهُوَ فَاسِدٌ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ السَّابِقُ ذَلِكَ، بَلْ عِبَارَاتُهُمْ مُطْلَقَةٌ فِي أَنَّ نِكَاحَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ كَطَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ مِمَّا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَلَفْظُ الْمُكْرَهِ شَامِلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَمَنْ ادَّعَى التَّخْصِيصَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالنَّقْلِ الصَّرِيحِ، نَعَمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي إكْرَاهِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تَزَوَّجَتْهُ بِأَلْفٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ زَوَّجَهَا أَوْلِيَاؤُهَا مُكْرَهِينَ فَالنِّكَاحُ جَازَ وَيَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ: إنْ شِئْت أَتْمِمْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَهِيَ امْرَأَتُك إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا، وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهَا إلَخْ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ) أَيْ يَشْهَدَانِ عَلَى الْعَقْدِ، أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا الْإِثْبَاتُ عِنْدَ جُحُودِ التَّوْكِيلِ. وَفِي الْبَحْرِ قَيَّدْنَا الْإِشْهَادَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنِّكَاحِ لِقَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ: وَأَمَّا سَائِرُ الْعُقُودِ فَتَنْفُذُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَكِنْ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ عُلَيَّةُ. اهـ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمُدَايَنَاتِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي عِتْقِ الْمُحِيطِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ صِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ لِلْحَرَجِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ. اهـ. مَطْلَبٌ الْخَصَّافُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ.
[تَنْبِيهٌ]
أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ لِتَنْتَفِي الْجَهَالَةُ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُنْتَقِبَةً كَفَى الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ وَجْهِهَا.
(حُرَّيْنِ) أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَيْنِ (مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا)
ــ
[رد المحتار]
فَإِنْ لَمْ يَرَوْا شَخْصًا وَسَمِعُوا كَلَامَهَا مِنْ الْبَيْتِ، إنْ كَانَتْ وَحْدَهَا فِيهِ جَازَ، وَلَوْ مَعَهَا أُخْرَى فَلَا لِعَدَمِ زَوَالِ الْجَهَالَةِ وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ بِالتَّزْوِيجِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. اهـ.
أَيْ إنْ رَأَوْهَا أَوْ كَانَتْ وَحْدَهَا فِي الْبَيْتِ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهَا بِالتَّوْكِيلِ إذَا جَحَدَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ الْعَقْدُ عَقْدَ فُضُولِيٍّ فَيَصِحُّ بِالْإِجَارَةِ بَعْدَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لِمَا عَلِمْته آنِفًا فَافْهَمْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَهَا بِأَنْ عَقَدَ لَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا. وَجَوَّزَ الْخَصَّافُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا، حَتَّى لَوْ وَكَّلَتْهُ فَقَالَ بِحَضْرَتِهِمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ مُوَكِّلَتِي أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ. اهـ.
قُلْت: فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَإِنْ كَانَ الْخَصَّافُ كَبِيرًا. اهـ. وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَرْأَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الرَّجُلِ فَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا مُشَارًا إلَيْهِ جَازَ وَلَوْ غَائِبًا فَلَا مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، قَالَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْمَحَلَّةِ أَيْضًا، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الشُّهُودِ؟ قَالَ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْغَائِبَةِ إذَا ذُكِرَ اسْمُهَا لَا غَيْرُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الشُّهُودِ وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِبَةَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الشُّهُودِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْفَضْلِ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهَا إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْمِيَةِ التَّعْرِيفُ وَقَدْ حَصَلَ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَعَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ يَكْفِي مُطْلَقًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ كَثِيرِينَ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ الْكُلِّ بَلْ إذَا ذَكَرَ اسْمَهَا وَعَرَفَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ أَنْ يَعْرِفَهَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا هِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ لَا مَعْرِفَةُ شَخْصِهَا، وَإِنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ غَيْرُ شَرْطٍ، بَلْ الْمُرَادُ الِاسْمُ أَوْ مَا يُعَيِّنُهَا مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ لِمَا فِي الْبَحْرِ: لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَهُ وَلَمْ يُسَمِّهَا وَلَهُ بِنْتَانِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي التَّنْجِيسِ. اهـ.
وَفِيهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَالَ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ لِلْقَابِلِ ابْنَانِ فَإِنْ سَمَّى أَحَدَهُمَا بِاسْمِهِ صَحَّ إلَخْ، وَفِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا فَقَالَ زَوَّجْت أُخْتِي وَلَمْ يُسَمِّهَا جَازَ إنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا مَنْكُوحَةٌ مَجْهُولَةٌ. (قَوْلُهُ: حُرَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَشُرِطَ فِي الشُّهُودِ: الْحُرِّيَّةُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْإِسْلَامُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْعَبِيدِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، فَلَوْ عَتَقَ الْعَبِيدُ أَوْ بَلَغَ الصِّبْيَانُ بَعْدَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ شَهِدُوا إنْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِمَّنْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَدْ نَسِيَهُ الْمُصَنِّفُ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِدَفْعِ إيهَامِ اخْتِصَاصِ الذُّكُورِ فِي شَهَادَةِ النِّكَاحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: سَامِعَيْنِ قَوْلَهُمَا مَعًا) فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَالْأَصَمَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَتَصْحِيحُ الزَّيْلَعِيِّ الِانْعِقَادَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ دُونَ الْأَصَمَّيْنِ ضَعِيفٌ رَوَاهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ النَّائِمَيْنِ عَلَى الْوَسْنَانَيْنِ السَّامِعَيْنِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَحَلَّ وِفَاقٍ لَا خِلَافٍ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ
عَلَى الْأَصَحِّ (فَاهِمَيْنِ) أَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ (مُسْلِمَيْنِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ
ــ
[رد المحتار]
لَا يَخْتَلِفَ فِي انْعِقَادِهِ بِالْأَصَمَّيْنِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ أَخْرَسَ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَمَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بِالْإِشَارَةِ حَيْثُ كَانَتْ مَعْلُومَةً. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَنْ اشْتَرَطَ السَّمَاعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَهُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي ثُمَّ تُشْهِدُهُمْ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا. اهـ. لَكِنْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ كَتَبَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِمَا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيجَابٌ فَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِيمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعًا مَا لَوْ سَمِعَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِأَنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ ثُمَّ غَابَ وَأُعِيدَ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ، أَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ الْعَقْدَ فَأُعِيدَ فَسَمِعَهُ الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ، أَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا الْإِيجَابَ وَالْآخَرُ الْقَبُولَ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ كُلٌّ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجِدَ عَقْدَانِ لَمْ يَحْضُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَامِعَيْنِ وَقَوْلُهُ: مَعًا، وَمُقَابِلُ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِمَا،، وَمُقَابِلُ الثَّانِي مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ. مِنْ أَنَّهُ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَاهِمَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: جَزَمَ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ فَعَقَدَا بِهَا وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ.
لَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْفَهْمِ. اهـ.
وَحَمَلَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْحُضُورِ بِلَا سَمَاعٍ وَلَا فَهْمٍ: أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، وَوَفَّقَ الرَّحْمَتِيُّ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاطِ عَلَى اشْتِرَاطِ فَهْمِ أَنَّهُ عَقْدُ نِكَاحٍ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَهْمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بَعْدَمَا فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ عَقْدُ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ مُسْلِمَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ نِكَاحِ الذِّمِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ صَحَّ كَمَا يَأْتِي لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّرُوطِ يُشْتَرَطُ فِي أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا كَانُوا يَدِينُونَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَلِدَفْعِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَيْنِ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَيَعْقِدُ لِنِكَاحِ الْكَافِرِ بَابًا عَلَى حِدَةٍ. وَلَمَّا كَانَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيَّةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامُ الشَّاهِدَيْنِ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِقَيْنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ حُكْمَانِ: حُكْمُ الِانْعِقَادِ، وَحُكْمُ الْإِظْهَارِ، فَالْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ وَالثَّانِي إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي الْإِظْهَارِ إلَّا شَهَادَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ وَالْأَعْمَيَيْنِ وَالْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ أَدَاؤُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي كَانْعِقَادِهِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوَّيْنِ بَحْرٌ.
مَطْلَبٌ فِي عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ) أَيْ وَقَدْ تَابَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ. اهـ.
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ وَالْمَحْدُودِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، أَمَّا الْمَسْتُورُ وَالْمَحْدُودُ النَّائِبُ فَلَا خِلَافَ لَهُ فِيهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَقَائِقِ، وَأَيْضًا فَالْمَحْدُودُ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْفَاسِقِ وَذِكْرُ الْأَخَصِّ بَعْدَ الْأَعَمِّ وَاقِعٌ فِي أَفْصَحِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قُوبِلَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِهِ مَا عَدَا الْخَاصَّ، لَكِنْ فِي الْمُغْنِي إنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مِمَّا تَفَرَّدَتْ بِهِ الْوَاوُ وَحَتَّى، لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي عَطْفِهِ بِأَوْ
أَوْ أَعْمَيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِهِمَا) بِالِابْنَيْنِ (إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ، كَمَا صَحَّ نِكَاحُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ لِدِينِهَا (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) النِّكَاحُ (بِهِمَا مَعَ إنْكَارِهِ) وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ قَبُولَ النِّكَاحِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ انْعَقَدَ بِحَضْرَتِهِ. .
(أَمَرَ) الْأَبُ (رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَ) الْحَالُ أَنَّ (الْأَبَ حَاضِرٌ صَحَّ) لِأَنَّهُ يُجْعَلُ عَاقِدًا حَكَمًا (وَإِلَّا لَا) .
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ بِثُمَّ وَبِأَوْ كَمَا فِي حَدِيثِ «، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا» (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْمَيَيْنِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُخْتَارِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ شَهَادَةً وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَتِهِ. اهـ.
وَالْمُخْتَارُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ نُوحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِهِمَا) أَيْ بِالِابْنَيْنِ أَيْ بِشَهَادَتِهَا، فَقَوْلُهُ: بِالِابْنَيْنِ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ، وَفِي نُسْخَةٍ لَهُمَا أَيْ لِلزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمِ الِانْعِقَادِ، وَحُكْمِ الْإِظْهَارِ أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِالِابْنَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ) أَيْ لَوْ كَانَا ابْنَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ ابْنَيْهَا وَحْدَهَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا النِّكَاحَ وَجَحَدَهُ الْآخَرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْمُدَّعِي لَهُ بَلْ تُقْبَلُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَا ابْنَيْهِمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِلْمُدَّعِي، وَلَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَصْلِهِمَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَهَا وَالْآخَرُ ابْنَهُ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِالذِّمِّيَّةِ الْكِتَابِيَّةَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ ح فَخَرَجَ غَيْرُ الْكِتَابِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَدَخَلَ الْحَرْبِيَّةُ الْكِتَابِيَّةُ، وَإِنْ كُرِهَ نِكَاحُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي مُحَرَّمَاتِ شَرْحِ الْمُلْتَقَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ لِدِينِهَا) كَمَا لَوْ كَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّيْنِ غَيْرَ الْكِتَابِيَّيْنِ كَمَجُوسِيَّيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِمَا عَنْ الْحَرْبِيَّيْنِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ فَأَفَادَ أَنَّ شَهَادَةَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا تُقْبَلُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ حَرْبِيٌّ أَفَادَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: مَعَ إنْكَارِهِ) أَيْ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ الْعَقْدَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ إنْكَارِهَا فَمَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ قَالَا كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ قُبِلَ، وَإِلَّا لَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَسْلَمَا وَأَدَّيَا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا إلَخْ) عِبَارَةُ النَّهْرِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِيهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ، وَقَوْلُنَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لِإِخْرَاجِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ مَلَكَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَكِنْ لَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ الْمَوْلَى. اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ انْعِقَادِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَمَرَ الْأَبُ رَجُلًا) أَيْ وَكَّلَهُ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي صَغِيرَتِهِ لِلْأَبِ وَالْمُسْتَتِرُ فِي زَوْجِهَا لِلرَّجُلِ الْمَأْمُورِ، وَكَوْنُهُ رَجُلًا مِثَالٌ، فَلَوْ كَانَ امْرَأَةً صَحَّ لَكِنْ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَجُلٌ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَمَا أَفَادَ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ عَاقِدًا حُكْمًا) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ، وَمُعَبِّرٌ يَنْقُلُ عِبَارَةَ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَيْسَ الْمُبَاشِرُ سِوَى هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ الْحُضُورُ، فَظَاهِرٌ أَنَّ إنْزَالَ الْحَاضِرِ مُبَاشِرًا حُبُرِي فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ شَاهِدًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِهِ مُبَاشِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ
(وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ) الْعَاقِلَةَ (بِمَحْضَرِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ جَازَ إنْ) كَانَتْ ابْنَتُهُ (حَاضِرَةً) لِأَنَّهَا تُجْعَلُ عَاقِدَةً (، وَإِلَّا لَا) الْأَصْلُ أَنَّ الْآمِرَ مَتَى حَضَرَ جُعِلَ مُبَاشِرًا، ثُمَّ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ بِحَضْرَتِهِ وَوَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى الظَّاهِرِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ صَحَّ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى.
(وَلَوْ قَالَ) رَجُلٌ لِآخَرَ (زَوَّجْتنِي ابْنَتَك فَقَالَ) الْآخَرُ (زَوَّجْت أَوْ) قَالَ (نَعَمْ) مُجِيبًا لَهُ (لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا مَا لَمْ يَقُلْ) الْمُوجِبُ بَعْدَهُ (قَبِلْت) لِأَنَّ زَوَّجْتنِي اسْتِخْبَارٌ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ،
ــ
[رد المحتار]
؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ حَالَ عَدَمِ الْحُضُورِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُبَاشِرًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَه الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ) كَوْنُهَا بِنْتَهُ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِنَّهَا لَوْ وَكَّلْت رَجُلًا غَيْرَهُ فَكَذَلِكَ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِالْبَالِغَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَكُونُ الْوَلِيُّ شَاهِدًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إلَيْهَا بَحْرٌ، وَبِالْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ كَالصَّغِيرَةِ أَفَادَهُ ط. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُجْعَلُ عَاقِدَةً) ؛ لِانْتِقَالِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهَا، وَهِيَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَانَتْ مُبَاشَرَةً ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا شَاهِدَةً عَلَى نَفْسِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لَا يَكُونُ الْعَقْدُ نَافِذًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْفُضُولِيِّ وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ لَيْسَ بِبَاطِلٍ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: جُعِلَ مُبَاشِرًا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ تَنْتَقِلُ الْعِبَارَةُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ) يَعْنِي عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَإِرَادَةِ الْإِظْهَارِ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ الِانْعِقَادُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَهِيَ مَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ إذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ، وَمَاتَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ وَرَثَتُهُ كَمَا حُكِيَ عَنْ الصَّفَّارِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَقْدَ لَا غَيْرُ فَيَقُولُ هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْأَخَوَيْنِ إذَا زَوَّجَا أُخْتَهُمَا ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يُشْهِدَا عَلَى النِّكَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَا هَذِهِ مَنْكُوحَتُهُ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) يَرِدُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ نَحْوِ الْقَبَّانِيِّ وَالْقَاسِمِ، لِأَنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا لَزِمَ بِفِعْلِ الْعَاقِدِ فَشَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ شَهَادَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُلْزِمَ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ فَتَلْغُو بِخِلَافِ الْقَبَّانِيِّ وَالْقَاسِمِ فَإِنَّ فِعْلَهُمَا غَيْرُ مُلْزِمٍ. أَمَّا الْقَبَّانِيِّ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقَاسِمُ فَلِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَجْهَ الْقَبُولِ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِالْقِسْمَةِ بَلْ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِاسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ ثُمَّ التَّرَاضِي عَلَيْهِ. اهـ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ) أَيْ وَأَمَتَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: بِحَضْرَتِهِ أَيْ الْعَبْدِ، وَقَوْلُهُ: وَوَاحِدٍ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى هَذَا الضَّمِيرِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ عَلَى الظَّاهِرِ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الدِّرَايَةِ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ: أَيْ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ وَكِيلُ السَّيِّدِ الْعَبْدَ بِحُضُورِهِ مَعَ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: صَحَّ) وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِانْتِقَالِهِ إلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَكِيلٌ عَنْهُ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْأَصَحُّ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِمَا أَيْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَكِيلَيْنِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، فَيَتَصَرَّفَانِ بَعْدَهُ وَبِأَهْلِيَّتِهِمْ الَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ الْعَقْدَ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجَرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي التَّزَوُّجِ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْعَقْدُ إلَيْهِ بَلْ يَبْقَى السَّيِّدُ هُوَ الْعَاقِدُ وَلَا يَصْلُحُ شَاهِدًا، بِخِلَافِ إذْنِهِ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ عَنْ النِّكَاحِ لِحَقِّ السَّيِّدِ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَبِالْإِذْنِ يَصِير أَصِيلًا لَا نَائِبًا فَلَا يَنْتَقِلُ الْعَقْدُ إلَى السَّيِّدِ وَيَصْلُحُ شَاهِدًا فَيَصِحُّ بِحَضْرَتِهِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَقُلْ الْمُوجِبُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِ الْآخَرِ زَوَّجْت أَوْ نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْآخَرِ ذَلِكَ يَكُونُ إيجَابًا فَيَحْتَاجُ إلَى قَوْلِ الْأَوَّلِ قَبِلْت وَسَمَّاهُ مُوجِبًا نَظَرًا إلَى الصُّورَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ زَوَّجْتنِي اسْتِخْبَارٌ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ فَقَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْتُكهَا، وَكَانَ الْمَجْلِسُ لِلنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ فَهَذَا أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ أَوْ يُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَجْلِسَ لَيْسَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ
بِخِلَافِ زَوِّجْنِي؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (غَلِطَ وَكِيلُهَا بِالنِّكَاحِ فِي اسْمِ أَبِيهَا بِغَيْرِ حُضُورِهَا لَمْ يَصِحَّ) لِلْجَهَالَةِ وَكَذَا لَوْ غَلِطَ فِي اسْمِ بِنْتِهِ إلَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً وَأَشَارَ إلَيْهَا فَيَصِحُّ؛ وَلَوْ لَهُ بِنْتَانِ أَرَادَ تَزْوِيجَ الْكُبْرَى فَغَلِطَ فَسَمَّاهَا بِاسْمِ الصُّغْرَى
ــ
[رد المحتار]
وَقَالَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك بِكَذَا أَمْ كَذَا فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ تَزَوَّجْتُك وَلَيْسَ يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ قَدْ قَبِلْت، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ قَدْ خَطَبْتُك إلَى نَفْسِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ قَدْ زَوَّجْتُك نَفْسِي هَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ شُهُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ النَّاسِ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. اهـ. رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ) أَيْ فَيَكُونُ كَلَامُ الثَّانِي قَائِمًا مَقَامَ الطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ إنَّهُ إيجَابٌ، وَمَرَّ مَا فِيهِ ط (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ الْغَائِبَةَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا عَرَفَهَا الشُّهُودُ يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهَا فَقَطْ خِلَافًا لِابْنِ الْفَضْلِ وَعِنْدَ الْخَصَّافِ يَكْفِي مُطْلَقًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ وَحْدَهُ لَا يَصْرِفُهَا عَنْ الْمُرَادِ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ ذِكْرِ الِاسْمِ مَنْسُوبًا إلَى أَبٍ آخَرَ، فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَحْمَدَ لَا تَصْدُقُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ تَأَمَّلْ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ غَلِطَ فِي اسْمِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَيْ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا وَغَلِطَ فِي اسْمِ أَبِيهَا أَوْ اسْمِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْإِشَارَةِ الْحِسِّيَّةِ أَقْوَى مِنْ التَّسْمِيَةِ، لِمَا فِي التَّسْمِيَةِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ لِعَارِضٍ فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ عِنْدَهَا، كَمَا لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِزَيْدٍ هَذَا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ يَصِحُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بِنْتَانِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ اسْمُ الْكُبْرَى مَثَلًا عَائِشَةَ وَالصُّغْرَى فَاطِمَةَ. فَقَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الْكُبْرَى فَاطِمَةَ وَقَبِلَ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ هِيَ الْمُرَادَةَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَصِفْهَا بِالْكُبْرَى، أَمَّا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي الْكُبْرَى فَاطِمَةَ فَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: يَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ الْعَقْدُ عَلَى إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنَةٌ كُبْرَى بِهَذَا الِاسْمِ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ هُنَا وَلَا مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ بَعْدَ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْمُرَادِ كَمَا قُلْنَا. وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ لِأَبِي الصَّغِيرِ زَوَّجْت ابْنَتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت يَقَعُ النِّكَاحُ لِلْأَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَيَجِبُ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ فَيَقُولَ قَبِلْت لِابْنِي. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ: يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى الْأَبِ، وَإِنْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ النِّكَاحِ لِلِابْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَبَ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْ ابْنِك فَقَالَ أَبُو الِابْنِ قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ لِابْنِي يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلِابْنِ لِإِضَافَةِ الْمُزَوِّجِ النِّكَاحَ إلَى الِابْنِ بِيَقِينٍ وَقَوْلِ الْقَابِلِ لَهُ، وَالْجَوَابُ يَتَقَيَّدُ بِالْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت لِابْنِي. اهـ.
قُلْت: وَبِهِ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى حُكْمُ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ حَيْثُ يَقُولُ زَوِّجْ ابْنَتَك لِابْنِي، فَيَقُولُ لَهُ زَوَّجْتُك، فَيَقُولُ الْأَوَّلُ قَبِلْت فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْأَبِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، وَقَدْ سُئِلْت عَنْهُ فَأَجَبْت بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلْأَبِ تَطْلِيقُهَا وَعَقْدُهُ لِلِابْنِ ثَانِيًا لِحُرْمَتِهَا عَلَى الِابْنِ مُؤَبَّدًا، وَمِثْلُهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَيْضًا حَيْثُ يَقُولُ زَوِّجْنِي بِنْتَك لِابْنِي، فَيَقُولُ زَوَّجْتُك، فَإِنْ قَالَ الْأَوَّلُ قَبِلْت انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا لَا لَهُ وَلَا لِابْنِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَبَرِيَّةِ، وَبَقِيَ مَا إذَا قَالَ زَوِّجْ ابْنَتَك مِنْ ابْنِي فَقَالَ: وَهَبْتهَا لَك أَوْ زَوَّجْتهَا لَك، فَيَصِحُّ لِلِابْنِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْخِطْبَةَ أَمَّا هُنَا فَقَوْلُهُ: زَوِّجْ ابْنَتَك مِنْ ابْنِي تَوْكِيلٌ، حَتَّى لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَهُ إلَى قَبُولٍ فَيَصِيرُ قَوْلُ الْآخَرِ وَهَبْتهَا لَك مَعْنَاهُ زَوَّجْتهَا لِابْنِك لِأَجْلِك، وَلَا فَرْقَ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ زَوَّجْتهَا لَك وَوَهَبْتهَا لَك كَذَا حَرَّرَهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَبَرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ إلَّا إذَا قَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَصِحُّ لَهُ، وَبَقِيَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ زَوَّجْتُك بِنْتِي لِابْنِك فَيَقُولُ قَبِلْت، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلْأَبِ لِإِسْنَادِ التَّزْوِيجِ، وَقَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ لِابْنِك مَعْنَاهُ لِأَجْلِ ابْنِك فَلَا يُفِيدُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْآخَرُ قَبِلْت لِابْنِي لَا يُفِيدُ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُك بِنْتِي لِابْنِك فَيَقُولُ قَبِلْت فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلِابْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطَيْتُك بِنْتِي لِابْنِك مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ أَعْطَيْتُك بِنْتِي زَوْجَةً لِابْنِك، وَهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ