الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فُلَانٍ انْتَظَمَ الْمَمْلُوكَةَ وَالْمُسْتَأْجَرَةَ وَالْمُسْتَعَارَةَ) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسْكَنُ عُرْفًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانَةَ فَدَخَلَ دَارَهَا وَزَوْجُهَا سَاكِنٌ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الدَّارَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى السَّاكِنِ وَهُوَ الزَّوْجُ نَهْرٌ عَنْ الْوَاقِعَاتِ.
(لَا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنَ عَلَى مُفَلَّسٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَحْكُومٍ بِإِفْلَاسِهِ (أَوْ) عَلَى (مَلِيءٍ) غَنِيٍّ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْضُهُ حَقِيقَةً.
[فُرُوعٌ] قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا
فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسْكَنُ عُرْفًا) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَشْمَلُ الْمَسْكَنَ، فَيَصْدُقُ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ سُكْنَاهُ لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَهُ تَبَعًا وَهُوَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ بِنْتِهِ أَوْ أُمِّهِ، وَهِيَ تَسْكُنُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، فَدَخَلَ الْحَالِفُ حَنِثَ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَسْأَلَةَ الْوَاقِعَاتِ وَقَالَ إنْ لَمْ يَنْوِ تِلْكَ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّكْنَى تُضَافُ إلَى الزَّوْجِ لَا إلَى الْمَرْأَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الدَّارَ فِي مَسْأَلَةِ الْخَانِيَّةِ الْمَارَّةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلْمَرْأَةِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى دَارِ السُّكْنَى بِالتَّبَعِيَّةِ فَحَنِثَ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَاقِعَاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فَالدَّارُ فِيهَا مِلْكُ الْمَرْأَةِ فَانْصَرَفَتْ الْيَمِينُ إلَى مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا أَصَالَةً فَلَمَّا سَكَنَهَا زَوْجُهَا نُسِبَتْ إلَيْهِ وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهَا إلَيْهَا فَلَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا مَا لَمْ يَنْوِهَا أَفَادَ بَعْضَهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الدُّخُولِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة مَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَلَكِنْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِقَيْدِ عَدَمِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ فَافْهَمْ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ
(قَوْلُهُ بَلْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ مِسْكِينٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّشْدِيدَ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ مُفْلِسٌ وَجَمْعُهُ مَفَالِيسُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمَحْكُومِ بِإِفْلَاسِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
مَطْلَبُ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا
(قَوْلُهُ بَلْ وَصْفٌ لِلذِّمَّةِ إلَخْ) وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ قَبْضَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ وَلِرَبِّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ مِثْلُهُ، فَالْتَقَى الدَّيْنَانِ قِصَاصًا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
[فُرُوعٌ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا]
مَطْلَبُ قَالَ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ حَالِفٌ
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يُحَقِّقُ الْفِعْلَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ بِرِّهِ هُوَ الْفِعْلُ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ عَدَمُهُ وَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ قَرِيبًا.
مَطْلَبُ وَاَللَّهِ لَا تَقُمْ فَقَامَ لَا يَحْنَثُ
هَذَا وَرَأَيْت فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: مَرَّ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا تَقُمْ فَقَامَ لَا يَلْزَمُ الْمَارَّ شَيْءٌ لَكِنْ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِعِبَارَةٍ فَارِسِيَّةٍ فَهَذَا الْفَرْعُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا تَقُمْ نَهْيٌ وَهُوَ إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ تَحَقَّقَ مَضْمُونُهُ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ، وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ الْقِيَامِ فَصَارَ الْحَلِفُ عَلَى هَذَا الطَّلَبِ الْإِنْشَائِيِّ لَا عَلَى عَدَمِ الْقِيَامِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلِفِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ الطَّلَبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ مِثْلُ النَّهْيِ فَإِذَا قَالَ بِاَللَّهِ أَضْرِبُ زَيْدًا الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ ضَرْبِهِ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ النَّهْيِ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ الْقِيَامِ الَّذِي تَهَيَّأَ لَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَمِينُ الْفَوْرِ الْمَارُّ بَيَانُهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا.
1 -
مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ.
قَالَ لِغَيْرِهِ: أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ، وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ.
لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ وَإِلَّا فَعَلَى النَّهْيِ وَالْمَنْعِ جَمِيعًا.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ قَالَ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ نَعَمْ
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِحْلَافَ) فَإِنْ نَوَى الِاسْتِحْلَافَ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يُجِبْهُ بِقَوْلِهِ نَعَمْ حَتَّى يَصِيرَ حَالِفًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، فَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْ الْمُبْتَدِئِ وَالْمُجِيبِ الْحَلِفَ عَلَى نَفْسِهِ فَهُمَا حَالِفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَا جَمِيعًا.
الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْيَمِينَ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ فَقَطْ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُرِيدَ الْمُجِيبُ الْيَمِينَ بَلْ الْوَعْدَ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا حَالِفًا.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِيَّةٌ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ فَقَطْ.
الْخَامِسُ: أَنْ يُرِيدَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ حَالِفٌ لَا غَيْرُهُ مُلَخَّصًا.
قُلْت: هَذَا الْأَخِيرُ هُوَ عَيْنُ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ) وَكَذَا فِيمَا لَوْ قَالَ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَالَ عَلَيْك أَوْ لَا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُجِيبِ فِي الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَوَيَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبَ خَانِيَّةٌ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ فِعْلَ الْقَسَمِ إلَى نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِفْهَامَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةً فَيَصِيرُ الْمَعْنَى هَلْ أَحْلِفُ أَمْ لَا وَهَذَا يَصْلُحُ حِيلَةً إذَا أَرَادَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ) وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ خَانِيَّةٌ وَفَتْحٌ أَيْ لِإِسْنَادِهِ الْحَلِفَ إلَى الْمُخَاطَبِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ غَيْرَهُ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ
(قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَهَذَا رَأَيْته فِيهَا لَكِنْ بِلَفْظِ الدَّارِ مَعْرِفَةً، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فُلَانٌ ظَالِمًا لَا يُمْكِنُ الْحَالِفَ أَنْ يَمْنَعَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، حَلَفَ لَا يَدَعُ فُلَانًا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَلَوْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ فَشَرْطُ الْبِرِّ مَنْعُهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ، فَلَوْ مَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ: حَلَفَ لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ الْيَوْمَ، وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ غَالِبٌ يَتَكَلَّفُ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. اهـ.
قَالَ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ حِنْثِ الْمَالِكِ بِالْمَنْعِ بِالْقَوْلِ فَقَطْ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَدَرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا فَيَكْفِيهِ الْقَوْلُ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ.
هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّسَالَةِ، وَقَدْ لَخَصَّهَا السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ تَلْخِيصًا مُخِلًّا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ط فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى أُخْتِهِ أَنْ لَا تَتَكَلَّمَ بِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ
آجَرَ دَارِهِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِيهَا بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ.
لَا يَدَّعِ مَا لَهُ الْيَوْمَ عَلَى غَرِيمِهِ فَقَدَّمَهُ لِلْقَاضِي وَحَلَّفَهُ بَرَّ.
ــ
[رد المحتار]
بَعْدَ مَا نَهَاهَا عَنْ الْكَلَامِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا وَقَاسَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ لَتَفْعَلَنَّ يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ.
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ وَبَيْنَ لَا يَدْخُلُ
قُلْت: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِلْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا أَدَعُهُ يَفْعَلُ وَبَيْنَ لَا يَفْعَلُ يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ: إنْ أَدْخَلْت فُلَانًا بَيْتِي أَوْ قَالَ إنْ تَرَكْت فُلَانًا يَدْخُلُ بَيْتِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَالْيَمِينُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ بِأَمْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِأَمْرِهِ فَقَدْ أَدْخَلَهُ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الدُّخُولِ أَمَرَ الْحَالِفُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ؛ وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّرْكُ لِلدُّخُولِ، فَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ. اهـ.
وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَانْظُرْ كَيْفَ جَعَلُوا الْيَمِينَ فِي الثَّانِي عَلَى مُجَرَّدِ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ دُخُولُ فُلَانٍ، فَمَتَى تَحَقَّقَ دُخُولُهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَإِنْ مَنَعَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا لِأَنَّ مَنْعَهُ لَا يَنْفِي دُخُولَهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ.
وَأَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ بِالْمَنْعِ قَوْلًا وَفِعْلًا أَوْ قَوْلًا فَقَطْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدَعُهُ أَوْ لَا يَتْرُكُهُ يَدْخُلُ، وَكَذَا قَوْلُهُ لَا يُخَلِّيهِ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَمْنَعْهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَرَكَهُ أَوْ خَلَّاهُ فَيَحْنَثُ، هَذَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجْهِ وَقَدَّمْنَا فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَنَّهُ لَوْ فَرَّ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لَا يُفَارِقُنِي يَحْنَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَدْ جَزَمَ بِحِنْثِهِ إذَا فَرَّ مِنْهُ بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يُفَارِقُنِي.
وَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى السَّابِقَةِ أَنَّ أُخْتَهُ إذَا تَكَلَّمَتْ يَحْنَثُ سَوَاءٌ مَنَعَهَا عَنْ الْكَلَامِ أَوْ لَا لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْحِنْثِ وَهُوَ الْكَلَامُ، وَمَنْعُهُ لَهَا لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا أَوْ لَا يُخَلِّيهَا تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِالْمَنْعِ قَوْلًا فَقَطْ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَنْعِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ.
كَمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يَدَعَ فُلَانًا يَمُرُّ عَلَى هَذِهِ الْقَنْطَرَةِ فَمَنَعَهُ بِالْقَوْلِ يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمَنْعَ بِالْفِعْلِ. اهـ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَشْهُورِ فِي الْكُتُبِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَدْخُلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ، حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ عَلَى صِهْرِهِ أَنَّهُ لَا يَرْحَلُ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ أَجَابَ: مُقْتَضَى مَا أَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْغَزِّيِّ وَأَفْتَى بِهِ أَنَّهُ إنْ نَوَى لَا يُمَكِّنُهُ فَرَحَلَ قَهْرًا عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ اهـ أَوْ يُؤَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُنْيَةِ لَفْظُ لَا يَدَعُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُوَافِقُ لِلْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ دُونَ الشَّاذِّ الْخَفِيِّ الْمَعْلُولِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [تَنْبِيهٌ]
عُلِمَ أَيْضًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَشَرْطُ الْبِرِّ هُوَ الْفِعْلُ حَقِيقَةً، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى لَا يَدَعُهُ يَفْعَلُ، بِأَنْ يُقَالَ هُنَا: يَكْفِي أَمْرُهُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ فِي: لِيُخْرِجَنَّ سَاكِنَ دَارِهِ فَذَاكَ فِي مَعْنَى لَا يَدَعُهُ يَسْكُنُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَكْفِي الْأَمْرُ لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى الْفِعْلِ لَا عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، وَمُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِهِ لَا يُحَقِّقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَمَرَهُ أَوْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ أَيْضًا، وَلَكِنْ جَلَّ مَنْ لَا يَسْهُو فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ بَرَّ بِقَوْلِهِ اُخْرُجْ) لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مَنَعَهُ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ مَالِكَ الدَّارِ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ، فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ شُرُنْبُلَالِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَحَلَّفَهُ بَرَّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ
قِيلَ لَهُ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ طَلُقَتْ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ: الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ السُّؤَالُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ قَالَ: امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ لِبَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَقَالَ زَيْدٌ نَعَمْ كَانَ حَالِفًا إلَى آخِرِهِ.
ادَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَبَرْهَنَ بِمَالٍ حَنِثَ بِهِ يُفْتَى.
حَلَفَ أَنَّ فُلَانًا ثَقِيلٌ وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ ثَقِيلٍ وَعِنْدَهُ ثَقِيلٌ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا عِنْدَ النَّاسِ.
لَا يَعْمَلُ مَعَهُ فِي الْقِصَارَةِ مَثَلًا فَعَمِلَ مَعَ شَرِيكِهِ حَنِثَ وَمَعَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَا.
لَا يَزْرَعُ أَرْضَ فُلَانٍ فَزَرَعَ أَرْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حَنِثَ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَرْضِ تُسَمَّى أَرْضًا، بِخِلَافِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ الْمُشْتَرَكَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
لَا يَدَعُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَبَعْدَ تَحْلِيفِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَخْذِ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ أَنْ يَتْرُكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلِذَا لَا يَحْنَثُ إذَا قَالَ لَا أَدَعُ فُلَانًا يَفْعَلُ فَفَعَلَ فِي غَيْبَتِهِ.
(قَوْلُهُ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ صَارَ حَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَقِبَهُ.
(قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ اهـ فَتْحٌ أَيْ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ أَوْ اسْتَوْفَى مِنْهُ قَبْلَ الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ حَنِثَ إلَخْ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَصِيرُ الْحَالِفُ عَامِلًا مَعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ نَفْسُهُ لَا يُوجِبُ الْحُقُوقَ.
أَمَّا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ الْحَالِفُ شَرِيكًا لِمَوْلَاهُ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ فَدَخَلَ الْمُشْتَرَكَةُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ. لِأَنَّ نِصْفَ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا فَتْحٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا) تَرَكَ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْقَيْدَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ ط: أَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا فَهِيَ دَارُهُ لِأَنَّ الدَّارَ حِينَئِذٍ تَعُمُّ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَأَوْلَى الْمُشْتَرَكَةُ الَّتِي سَكَنَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.