الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ قَالَ: كَظَهْرِ أُمِّي رَمَضَانَ كُلَّهُ وَرَجَبًا كُلَّهُ اتَّحَدَ اسْتِحْسَانًا، وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ لَا فِي شَعْبَانَ كَمَنْ ظَاهَرَ، وَاسْتَثْنَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، إنْ كَفَّرَ فِي يَوْمِ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَبَحْرٌ.
بَابُ الْكَفَّارَةِ
اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا. وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ (هِيَ) لُغَةً مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ: مَحَاهُ -.
ــ
[رد المحتار]
كَقَوْلِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ فِي رَجَبٍ) وَكَذَا فِي رَمَضَانَ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا فِي شَعْبَانَ) لِأَنَّ لَهُ وَطْأَهَا فِيهِ بِلَا كَفَّارَةٍ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُدَّةِ الظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةُ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ الْمَمْنُوعِ شَرْعًا عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ وَطِئَهَا فِي رَجَبٍ، أَوْ لَا لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ، وَلُزُومُ التَّكْفِيرِ بِالظِّهَارِ السَّابِقِ لَا بِالْوَطْءِ، فَلَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ فِي غَيْرِ مُدَّتِهِ سَوَاءٌ وَطِئَهَا قَبْلَهُ، أَوْ لَا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَاب كَفَّارَة الظِّهَار]
بَابُ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِهَا) أَيْ سَبَبِ وُجُوبِهَا، أَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَمَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ، وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ) أَيْ هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهَا، وَقِيلَ الظِّهَارُ فَقَطْ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ لِأَنَّ سَبَبَهَا مَا تُضَافُ إلَيْهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْعَزْمُ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ السَّابِقِ. مَطْلَبٌ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ
وَفِي الْبَحْرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ ظِهَارٌ، حَيْثُ قَالَ: وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ: لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَارَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفَّرَ الْمَعْصِيَةُ وَتَذْهَبَ السَّيِّئَةُ، خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ: مَنْ كَفَّرَ) بَيَانٌ لِمَادَّةِ الِاشْتِقَاقِ لَا لِلْمُشْتَقِّ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ لَا الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: مَحَاهُ) كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْأَنْسَبُ سَتَرَهُ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ اهـ وَمِنْهُ سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُمْحَى مِنْ الصَّحِيفَةِ بَلْ تُسْتَرُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا فِيهَا، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الذَّنْبَ يَسْقُطُ بِهَا بِدُونِ تَوْبَةٍ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [تَنْبِيهٌ]
رُكْنُ الْكَفَّارَةِ الْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَلِصِحَّتِهَا النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِفِعْلِهَا لَا الْمُتَأَخِّرَةُ، وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ، لَكِنَّ الذِّمِّيَّ مَصْرِفٌ لَهَا أَيْضًا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي. وَصِفَتُهَا أَنَّهَا عُقُوبَةٌ وُجُوبًا عِبَادَةٌ أَدَاءً. وَحُكْمُهَا سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ الذِّمَّةِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ مِنْ آخِرِ عُمُرِهِ، فَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَدَائِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِلَا وَصِيَّةٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهَا جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَشَرْعًا (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) قَبْلَ الْوَطْءِ:
أَيْ إعْتَاقُهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ نَاوِيًا الْكَفَّارَةَ لَمْ يَجُزْ (وَلَوْ صَغِيرًا) رَضِيعًا (أَوْ كَافِرًا) أَوْ مُبَاحَ الدَّمِ، أَوْ مَرْهُونًا، أَوْ مَدْيُونًا، أَوْ آبِقًا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ، أَوْ مُرْتَدَّةً، وَفِي الْمُرْتَدِّ وَحَرْبِيٍّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ خِلَافٌ (أَوْ أَصَمَّ) وَإِنْ صِيحَ بِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا لَا (أَوْ خَصِيًّا، أَوْ مَجْبُوبًا) ، أَوْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ (أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ) .
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيرِ لِلظِّهَارِ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِالتَّأْخِيرِ. وَأَيْضًا فَحَيْثُ كَانَتْ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ يَجِبُ تَعْجِيلُهَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ والتتارخانية: أَمَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهِ قَبْلُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بَحْرٌ. وَفِيهِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ وَلَوْ بَرِئَ جَازَ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوَطْءِ) لَيْسَ قَيْدًا لِلصِّحَّةِ بَلْ لِلْوُجُوبِ وَنَفْيِ الْحُرْمَةِ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ دَوَاعِيهِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ نِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِإِعْتَاقِهِ، أَوْ لِشِرَاءِ الْقَرِيبِ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ وَرِثَ أَبَاهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " أَيْ إعْتَاقُهَا " فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صُنْعِهِ وَالْإِرْثُ جَبْرِيٌّ. وَصُورَةُ إرْثِ الْأَبِ أَنْ يَمْلِكَهُ ذُو رَحِمٍ مِنْ الِابْنِ كَخَالَتِهِ ثُمَّ تَمُوتَ عَنْهُ فَلَوْ نَوَى الْكَفَّارَةَ حِينَ مَوْتِهَا لَمْ يَجْزِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَاهَا عِنْدَ شِرَائِهِ أَبَاهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا إلَخْ) تَعْمِيمٌ لِلرَّقَبَةِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ: أَيْ الشَّيْءِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ فَشَمِلَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ، وَلِذَا جَازَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا لَا الْمُدَبَّرُ عِنَايَةٌ، وَخَرَجَ الْجَنِينُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ جَزْءٌ مِنْ الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَعْتِقَ بِإِعْتَاقِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَدَخَلَ الْكَبِيرُ وَلَوْ شَيْخًا فَانِيًا، وَالْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْمَغْصُوبُ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ، بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ: وَلَا يُجْزِئُ الْهَرِمُ الْعَاجِزُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُبَاحَ الدَّمِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جَامِعِ الْجَوَامِعِ.
وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قُضِيَ بِدَمِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يَجْزِ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ الْجَوَازُ وَإِنْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَلْيُرَاجَعْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرْهُونًا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَرْهُونًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الرِّقِّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَدْيُونًا) أَيْ وَإِنْ اخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ وَاسْتِسْعَاءَهُ لَا يُخِلُّ بِالرِّقِّ وَالْمِلْكِ، فَإِنَّ السِّعَايَةَ لَمْ تُوجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَوَقَعَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُرْتَدَّةً) أَيْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُرْتَدِّ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ " خِلَافٌ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مُبَاحَ الدَّمِ فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا. وَظَاهِرُ الْفَتْحِ اخْتِيَارُ الْجَوَازِ فِي الْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَدْخُلُ فِي الْكَافِرَةِ الْمُرْتَدُّ وَالْمُرْتَدَّةُ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُرْتَدَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ. وَفِي النَّهْرِ: وَفِي الْمُرْتَدِّ خِلَافٌ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ الْكَرْخِيُّ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ حَلَالَ الدَّمِ. وَمَنْ مَنَعَ قَالَ إنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَصَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ اهـ أَيْ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ فِي حُكْمِ صَرْفِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ إعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ لَا يُجْزِئُ اتِّفَاقًا، وَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: إنْ صِيحَ بِهِ يَسْمَعُ وَإِلَّا لَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَبِهِ حَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَرِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَمْلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الَّذِي وُلِدَ أَصَمَّ وَهُوَ الْأَخْرَسُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ خَصِيًّا إلَى قَوْلِهِ: أَوْ قَرْنَاءَ) لِأَنَّهُمْ وَإِنْ فَاتَ فِيهِمْ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الرَّقِيقِ إذْ الْمَقْصُودُ فِيهِ الِاسْتِخْدَامُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، حَتَّى قَالُوا إنْ وَطِئَ الْأَمَةَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا كَانَ اسْتِخْدَامُهَا قَاصِرًا لَا مُنْعَدِمًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا بَحْرٌ
أَوْ ذَاهِبَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ لِحْيَةٍ وَرَأْسٍ، أَوْ مَقْطُوعَ أَنْفٍ أَوْ شَفَتَيْنِ إنْ قَدَرَ عَلَى الْأَكْلِ وَإِلَّا لَا (أَوْ أَعْوَرَ) ، أَوْ أَعْمَشَ، أَوْ مَقْطُوعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ مُكَاتَبًا (لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا) وَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ لَا الْوَارِثُ.
(وَكَذَا) يَقَعُ عَنْهَا (شِرَاءُ قَرِيبِهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) لِأَنَّهُ بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ.
(وَإِعْتَاقُ نِصْفِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ) عَنْهَا اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَجِيءُ (لَا) يُجْزِئُ (فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) لِأَنَّهُ هَالِكٌ حُكْمًا (كَالْأَعْمَى وَالْمَجْنُونِ) الَّذِي (لَا يَعْقِلُ) فَمَنْ يُفِيقُ يَجُوزُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَسَاقِطُ الْأَسْنَانِ (وَالْمَقْطُوعُ يَدَاهُ، أَوْ إبْهَامَاهُ) أَوْ ثَلَاثُ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ (أَوْ رِجْلَاهُ، أَوْ يَدٌ وَرِجْلٌ مِنْ جَانِبٍ) وَمَعْتُوهٌ وَمَغْلُوبٌ كَافِي.
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ الْفَائِتَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الزِّينَةُ وَهِيَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فِي الرَّقِيقِ، أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ وَمَنْفَعَةُ الْأَكْلِ فِيهِ مَقْصُودَةٌ، فَكَانَ هَالِكًا حُكْمًا كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا) لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ نَاقِصًا فِيهِ، وَجَوَازُ الْإِعْتَاقِ عَنْهَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ لَا كَمَالَ الْمِلْكِ. أَمَّا لَوْ أَدَّى شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا الْوَارِثُ) أَيْ لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يَجُوزُ عَنْهَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِبَقَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا مِلْكَ لِلْوَارِثِ فِيهِ، بِخِلَافِ سَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ لَهُ لِتَضَمُّنِهِ الْإِبْرَاءَ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُقْتَضِي لِلْإِعْتَاقِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: شِرَاءُ قَرِيبِهِ) أَيْ قَرِيبِ الْعَبْدِ، وَهُوَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالشِّرَاءِ تَمَلُّكُهُ بِصَنْعَةٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ قَبُولُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، فَلَوْ تَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْ الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا مَرَّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ - مِنْ بَابِ عِتْقِ الْقَرِيبِ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَبَاهُ فَيُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَنْ ظِهَارِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ يَعْتِقُ كَمَا اشْتَرَاهُ، وَيَجْزِي عَنْ ظِهَارِ الْآمِرِ اهـ - فَمَبْنِيٌّ عَلَى إلْغَاءِ قَوْلِهِ بَعْدَ شَهْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ وَهُوَ عِتْقُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الشِّرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِرْثِ) أَيْ لَوْ نَوَى إعْتَاقَهُ عَنْهَا عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ جَبْرِيٌّ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَاقِيهِ) أَيْ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ تَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي الْبَاقِي، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ فَضَمِنَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا النُّقْصَانَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ بِسَبَبِ الْكَفَّارَةِ فِي مِلْكِهِ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ، كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلتَّضْحِيَةِ وَأَصَابَ السِّكِّينُ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَهَذَا عِنْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ وَلَمْ يُعْتِقْ الْبَاقِيَ جَازَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ مَنْفَعَةِ الْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالنُّطْقِ وَالْبَطْشِ وَالسَّعْيِ وَالْعَقْلِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ فَوْتُ مَنْفَعَةٍ بِتَمَامِهَا ط أَيْ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَبْدِ، فَلَا يَرِدُ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ النَّسْلِ فِي الْخَصِيِّ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا بَحْرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَسَاقِطُ الْأَسْنَانِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ بَحْرٌ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَوِّتُ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَنْقُصُهَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالطِّفْلِ تَأَمَّلْ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: لَا سَاقِطُ الْأَسْنَانِ الْعَاجِزُ عَنْ الْأَكْلِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَجَزَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: وَالْمَقْطُوعُ يَدَاهُ) مِثْلُهُ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ، أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ وَالْمُقْعَدُ وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ إبْهَامَاهُ) يَعْنِي إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ؛ فَلَوْ قَالَ، أَوْ إبْهَامَاهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ، إذْ لَا يَمْنَعُ قَطْعُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثُ أَصَابِعَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مِنْ جَانِبٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِإِمْسَاكِ الْعَصَا بِالْيَدِ السَّالِمَةِ وَالْمَشْيِ عَلَى الرِّجْلِ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ: وَمَعْتُوهٌ وَمَغْلُوبٌ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي: وَكَذَا الْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ بِدُونِ وَاوٍ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا وَمَفْلُوجٌ.
(وَلَا) يُجْزِئُ (مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٌ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) وَلَمْ يُعَجِّزْ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَحَرَّرَهُ جَازَ، وَهِيَ حِيلَةُ الْجَوَازِ بَعْدَ أَدَائِهِ شَيْئًا (وَإِعْتَاقُ نِصْفِ عَبْدٍ) مُشْتَرَكٍ (ثُمَّ بَاقِيهِ بَعْدَ ضَمَانِهِ) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ (وَنِصْفِ عَبْدِهِ عَنْ تَكْفِيرِهِ ثُمَّ بَاقِيهِ بَعْدَ وَطْءِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا) لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُظَاهِرُ (مَا يُعْتِقُ) وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ، أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً بَدَائِعُ، فَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا انْتَهَى يَعْنِي الْعَبْدَ لِيَتَوَافَقَ كَلَامُهُمْ، وَيَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْمَوْلَى، لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَسْكَنُهُ. وَلَوْ لَهُ مَالٌ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ) لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ، فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا، وَالْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ كَالْبَيْعِ، فَلِذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَمُكَاتَبٌ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ (قَوْلُهُ: جَازَ) لِأَنَّهُ بِالتَّعْجِيزِ بَطَلَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ) لِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَدْ انْتَقَضَ عَلَى مِلْكِهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ لَوْ مُوسِرًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَمَّا لَوْ مُعْسِرًا وَسَعَى الْعَبْدُ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ عَتَقَ بِعِوَضٍ وَعِنْدَهُمَا يُجْزِئُهُ لَوْ مُوسِرًا لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ التَّمَاسِّ) فَالشَّرْطُ لِلْحِلِّ مُطْلَقًا إعْتَاقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَتَقَرَّرَ الْإِثْمُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ، ثُمَّ لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ ذَلِكَ النِّصْفِ مِنْ الشَّرْطِ حَتَّى يَكْفِيَ مَعَهُ عِتْقُ النِّصْفِ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ قَبْلَ التَّمَاسِّ بَلْ بَعْضُهُ قَبْلَهُ وَبَعْضُهُ بَعْدَهُ، فَلَيْسَ هُوَ الشَّرْطَ، فَتَبْقَى الْحُرْمَةُ بَعْدَ الْمَجْمُوعِ كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَهُوَ عِتْقُ كُلِّ الرَّقَبَةِ: أَيْ قَبْلَ التَّمَاسِّ الثَّانِي لِيَحِلَّ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ هَذَا عِنْدَهُ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ قَبْلَ الْوَطْءِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ) مُبَالَغَةٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَمَّا إنْ وَجَدَ تَعَيَّنَ عِتْقُهُ وَإِنْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ صَالِحَةٌ لِلتَّكْفِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُهَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ الْمَوْجُودَةِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ شِرَائِهَا بِمَالٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي الْعَبْدَ) أَيْ إنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ " يَكُونُ زَمِنًا " رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ والشُّرُنبُلالِيَّة (قَوْلُهُ: وَيَحْتَمِلُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، فَإِنَّ كَوْنَهُ لِلْخِدْمَةِ يُنَافِي كَوْنَهُ زَمِنًا (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ) أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مُحْتَمَلٌ، وَعَارَضَهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا. اهـ. وَكَذَا قَوْلُ الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً أَيْ فَإِنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى إجْزَاءِ الصَّوْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوِجْدَانِ، وَهَذَا وَاجِدٌ.
فَإِنْ قُلْت: الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْعَدَمِ وَلِذَا جَازَ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ مَعَ أَنَّ إجْزَاءَ التَّيَمُّمِ مُرَتَّبٌ فِي النَّصِّ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ.
قُلْت: ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِهِ لِعَطَشِهِ وَاسْتِعْمَالُهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْخَادِمِ. وَنَقَلَ ط عَنْ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ وَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ الْمَوْلَى زَمِنًا لَا يَجِدُ مَنْ يَخْدُمُهُ إذَا أَعْتَقَهُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ. فَإِيجَابُ إعْتَاقِهِ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ بِخُصُوصِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ مَسْكَنُهُ) أَيْ لَا يَكُونُ بِهِ قَادِرًا عَلَى الْعِتْقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَشِرَاءُ رَقَبَةٍ بَلْ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ كَلِبَاسِهِ وَلِبَاسِ أَهْلِهِ خِزَانَةٌ، وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْمَسْكَنِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ غَيْرُ مَسْكَنِهِ لَزِمَهُ بَيْعُهُ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَلَا تُعْتَبَرُ ثِيَابُهُ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا. اهـ.
وَمُفَادُهُ لُزُومُ بَيْعِ مَا لَا يَحْتَاجُهُ مِنْهَا ط (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ مَالٌ إلَخْ) أَيْ ثَمَنُ عَبْدٍ فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ.
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، إنْ أَدَّى الدَّيْنَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ انْتَظَرَهُ. وَلَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَنْ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ، وَبِعَكْسِهِ جَازَ (صَامَ شَهْرَيْنِ وَلَوْ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ) بِالْهِلَالِ وَإِلَّا فَسِتِّينَ يَوْمًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي آخِرِ الْأَخِيرِ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَأَتَمَّ يَوْمَهُ نَدْبًا، وَلَا قَضَاءَ لَوْ أَفْطَرَ وَإِنْ صَارَ نَفْلًا (مُتَتَابِعَيْنِ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَأَيَّامٌ نُهِيَ عَنْ صَوْمِهَا) وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ شُرِطَ فِيهِ التَّتَابُعُ.
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ قَدْرَهَا مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ فَصَارَ كَالْعَدَمِ وَمِنْهَا قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِقُوتِ يَوْمِهِ لَوْ مُحْتَرِفًا وَإِلَّا فَقُوتُ شَهْرٍ بَحْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ مَشْغُولٌ بِحَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَسْكَنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَ الْوَاجِبِ وَلَا مُعَدًّا لِتَحْصِيلِهِ؛ وَإِنْ وَجَدَ مَا أُعِدَّ لِتَحْصِيلِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِنْ صَرَفَهَا إلَيْهِ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا أُعِدَّ لِتَحْصِيلِهِ، فَهُوَ وَاجِدٌ لِلرَّقَبَةِ حُكْمًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ، وَالْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ يُشِيرُ إلَيْهِمَا كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ انْتَظَرَهُ) أَيْ لِيُعْتِقَ بِهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ الصِّحَّةَ لِيَصُومَ بَحْرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ لَهُ دَيْنٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ مَدْيُونِهِ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ قَدَرَ فَلَا، وَكَذَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا زَوْجُهَا عَلَى عَبْدٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ إذَا طَالَبَتْهُ اهـ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) أَيْ الصَّوْمُ عَنْ الْأُولَى، أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَجَائِزٌ مُطْلَقًا، ثُمَّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمُحِيطِ: عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ يَكْفِي لِإِحْدَاهُمَا فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَطْعَمَ عَنْ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ أَطْعَمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ (قَوْلُهُ: بِالْهِلَالِ) حَالٌ مِنْ لَفْظِ الشَّهْرَيْنِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ " لَوْ "، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِالْهِلَالِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَفَاهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تَامَّيْنِ، أَوْ نَاقِصَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَامًّا وَالْآخَرُ نَاقِصًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِأَنْ غُمَّ، أَوْ صَامَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ سِتِّينَ يَوْمًا. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَإِنْ صَامَ شَهْرًا بِالْهِلَالِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَدْ صَامَ قَبْلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَرَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ - فِي قَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ " - عَدَمٌ مُسْتَمِرٌّ إلَى فَرَاغِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْعِتْقُ) وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي آخِرِ الْإِطْعَامِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَانْقَلَبَ الْإِطْعَامُ نَفْلًا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَارَ نَفْلًا) لِأَنَّهُ شُرِعَ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزَمًا مِنَحٌ، أَيْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الظَّانَّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إنْ قَطَعَ عَلَى الْفَوْرِ؛ أَمَّا لَوْ مَضَى عَلَيْهِ وَلَوْ قَلِيلًا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ فَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ رَحْمَتِيٌّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُضِيِّ عَلَيْهِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ وَلَا يَكُونُ الْعَزْمُ عَلَى الْمُضِيِّ بِمَنْزِلَةِ الشُّرُوعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ إلَخْ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لَا يَسَعُ غَيْرَ فَرْضِ الْوَقْتِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ. وَفِي الْمَرِيضِ رِوَايَتَانِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِسَبَبِ النَّهْيِ فِيهَا نَاقِصٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا وَقْتٌ نَذَرَ صَوْمَهُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَى، بِخِلَافِ رَمَضَانَ بَحْرٌ وَصُورَةُ عُرُوضِ يَوْمِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْ كَفَّارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ صَوْمٍ إلَخْ) كَكَفَّارَةِ قَتْلٍ وَإِفْطَارٍ وَيَمِينٍ.
(فَإِنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ) كَسَفَرٍ وَنِفَاسٍ بِخِلَافِ الْحَيْضِ إلَّا إذَا أَيِسَتْ (أَوْ بِغَيْرِهِ، أَوْ وَطِئَهَا) أَيْ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا وَطْئًا غَيْرَ مُفْطِرٍ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا كَالْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (فِيهِمَا) أَيْ الشَّهْرَيْنِ (مُطْلَقًا) لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ. وَتَقْيِيدُ ابْنِ مَلِكٍ اللَّيْلَ بِالْعَمْدِ غَلَطٌ بَحْرٌ، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ قُنْيَةٌ (اُسْتُؤْنِفَ الصَّوْمُ لَا الْإِطْعَامُ، إنْ وَطِئَهَا فِي خِلَالِهِ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ فِي الْإِطْعَامِ، وَتَقْيِيدِهِ فِي تَحْرِيرٍ وَصِيَامٍ.
(وَالْعَبْدُ) وَلَوْ مُكَاتَبًا.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَكَالْمَنْذُورِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ التَّتَابُعُ مُعَيَّنًا، أَوْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ الْخَالِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ وَإِنْ لَزِمَ لَكِنْ لَا يَسْتَقْبِلُ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كَرَجَبٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رَمَضَانَ، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفْطَرَ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَيْضِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَفَّارَةَ قَتْلِهَا وَإِفْطَارِهَا لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْهُ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ مَا بَعْدَ الْحَيْضِ بِمَا قَبْلَهُ، فَلَوْ أَفْطَرَتْ بَعْدَهُ يَوْمًا اسْتَقْبَلَتْ لِتَرْكِهَا التَّتَابُعَ بِلَا ضَرُورَةٍ أَمَّا النِّفَاسُ فَيَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كُلِّ كَفَّارَةٍ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَيِسَتْ) بِأَنْ صَامَتْ شَهْرًا مَثَلًا فَحَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّتَابُعِ فَلَزِمَهَا، بَحْرٌ عَنْ الْمُنْتَقَى: أَيْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِ الصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَطْئًا غَيْرَ مُفْطِرٍ) كَأَنْ وَطِئَهَا لَيْلًا مُطْلَقًا، أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا كَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ، أَمَّا إنْ وَطِئَهَا نَهَارًا عَامِدًا بَطَلَ صَوْمُهُ ط وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أَفْطَرَ (قَوْلُهُ: كَالْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ) فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِيهَا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ نَهْرٌ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّ النَّصَّ اشْتَرَطَ الصَّوْمَ قَبْلَ تَمَامِهَا (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) كَالْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُ ابْنِ مَلِكٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْعَمْدِ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ، وَالْغَلَطُ مِنْ ابْنِ مَلِكٍ هُوَ جَعْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّسْيَانِ، بَلْ هُوَ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ) حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ إنْ وَطِئَهَا: أَيْ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا عَمْدًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْقُدُورِيِّ وَالْمُضْمَرَاتِ وَالزَّاهِدِيِّ وَالنُّتَفِ وَغَيْرِهَا، وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِاللَّيْلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَمْدُ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَمِنْ تَأْيِيدِهِ عَدَمُ الْتِفَاتِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ إلَيْهِ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ كَمَا عَلِمْت، وَمَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي مَتْنِهِ. وَقَالَ فِي هَامِشِ الشَّرْحِ: مِنْ هُنَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ قَالَ لَيْلًا عَمْدًا لَمْ يُحْسِنْ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالسَّهْوَ فِي الْوَطْءِ بِاللَّيْلِ سَوَاءٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْعِنَايَةِ: إنَّ جِمَاعَهُمَا لَيْلًا عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي وَطْءٍ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ اهـ أَيْ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَالطَّرَفَيْنِ؛ فَعِنْدَهُ جِمَاعُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا إنَّمَا: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ إنْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ وَعِنْدَهُمَا مُطْلَقًا لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى التَّمَاسِّ شَرْطٌ بِالنَّصِّ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي الْفَتْحِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: إنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ النَّصِّ إلَخْ) وَمِنْ قَوَاعِدِنَا أَنَّا لَا نَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا فِي حُكْمَيْنِ وَإِنَّمَا مُنِعَ عَنْ الْوَطْءِ قَبْلَ الْإِطْعَامِ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لِجَوَازِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَيَقَعَانِ بَعْدَهُ كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ حَالَ قِيَامِ الْعَجْزِ بِالْفَقْرِ وَالْكِبَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَبِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ الْمَوْهُومَةِ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ابْتِدَاءً بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ نَهْرٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ وَالْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا)
أَوْ مُسْتَسْعًى وَكَذَا الْحُرُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الصَّوْمُ) الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَتَنَصَّفْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (أَعْتَقَ سَيِّدُهُ عَنْهُ، أَوْ أَطْعَمَ) وَلَوْ بِأَمْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ التَّمَلُّكِ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَيُطْعِمُ عَنْهُ الْمَوْلَى، قِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا.
(فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ) لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ كِبَرٍ (أَطْعَمَ) أَيْ مَلَّكَ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) وَلَوْ حُكْمًا، وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ بَدَائِعُ (كَالْفِطْرَةِ) قَدْرًا
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ بَلْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَسْعًى) هُوَ الَّذِي عَتَقَ بَعْضُهُ وَسَعَى فِي بَاقِيهِ وَهَذَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَعْتِقُ كُلُّهُ وَيَكُونُ حُرًّا مَدْيُونًا فَيَصِحُّ تَكْفِيرُهُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ جَرَيَانِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ السَّفِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْهَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَلَمْ يَجْزِ عَنْ تَكْفِيرِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهَا نَهْرٌ.
لُغْزٌ أَيُّ حُرٍّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ؟
وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُلْغَزُ فِيهِ فَيُقَالُ: لَنَا حُرٌّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَنَصَّفْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالِ كَيْفَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لَا نِصْفُهُمَا مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَصَّفْ لِمَا فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَنَصَّفُ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا تَتَنَصَّفُ الْعُقُوبَةُ كَالْحَدِّ وَالنِّعْمَةِ كَالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ صَوْمِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَرْأَةِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَوْمِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ عَبْدٍ بِهَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ السَّيِّدِ لَهُ بِأَنْ مَلَّكَهُ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِيَارِ فِي أَدَاءِ مَا كُلِّفَ بِهِ أَوْ بِأَمْرِ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهُ؛ ثُمَّ التَّكْفِيرَ بِهِ عَنْهُ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْحُرُّ غَيْرَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيُطْعِمُ عَنْهُ الْمَوْلَى) فِيهِ مُسَامَحَةٌ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا) الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى قِيلَ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ هَذَا دَمٌ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ اهـ مُلَخَّصًا. قَالَ ط: وَقَدْ يُقَالُ: مَنْ نَفَى الْوُجُوبَ لَا يَنْفِي النَّدْبَ، بَلْ يَقُولُ بِهِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ: لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) فَلَوْ بَرِئَ وَجَبَ الصَّوْمُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ مَلَّكَ) الْإِطْعَامُ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا التَّمْلِيكُ وَبِمَا بَعْدَهُ الْإِبَاحَةُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أَرَادَ التَّمْلِيكَ أَطْعَمَ كَالْفِطْرَةِ، وَإِذَا أَرَادَ الْإِبَاحَةَ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) أَيْ فَإِنَّ الْفَقِيرَ مِثْلُهُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَيْدُ الْمِسْكِينِ اتِّفَاقِيٌّ لِجَوَازِ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ " سِتِّينَ "، لِيَشْمَلَ مَا لَوْ أَطْعَمَ وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا، لَكِنْ يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي مِنْ تَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ) أَيْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ لَمْ يُرَاهِقْ لَا يُجْزِئُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، وَمَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَحْرٌ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ، أَوْ عَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ وَذَكَرَ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ - وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَنْ الْبَدَائِعِ -: وَأَمَّا إطْعَامُ الصَّغِيرِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا الْإِبَاحَةِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ وَقَعَ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي التَّمْلِيكِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِلصَّغِيرِ، فَالصَّوَابُ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَوْ كَانَ فِيمَنْ أَطْعَمَهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ لَمْ يَجْزِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَامِلًا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا دَعَا مَسَاكِينَ وَأَحَدُهُمْ صَبِيٌّ فَطِيمٌ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ لَا يَجْزِيهِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ. وَفِي الْمُجَرَّدِ: إذَا كَانُوا غِلْمَانًا يُعْتَمَدُ مِثْلُهُمْ يَجُوزُ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَطِيمِ وَبِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ مَنْ لَا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ الْمُعْتَادَ (قَوْلُهُ: كَالْفِطْرَةِ قَدْرًا) أَيْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ وَدَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ، وَكَذَا السَّوِيقُ.
وَمَصْرِفًا (أَوْ قِيمَةِ ذَلِكَ) مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ (وَإِنْ) أَرَادَ الْإِبَاحَةَ (فَغَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ) ، أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ، أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءَيْنِ، أَوْ عَشَاءَيْنِ، أَوْ عَشَاءً وَسَحُورًا وَأَشْبَعَهُمْ (جَازَ) بِشَرْطِ إدَامٍ فِي خُبْزِ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ لَا بُرٍّ (كَمَا) جَازَ (لَوْ أَطْعَمَ وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا)
ــ
[رد المحتار]
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ، أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بَحْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ أَدَّى الدَّقِيقَ، أَوْ السَّوِيقَ أَجْزَأَهُ، لَكِنْ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ، وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ فِي دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَصَاعٌ فِي دَقِيقِ الشَّعِيرِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ، وَقِيلَ بِالْقِيمَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ. اهـ. فَقَوْلُ الْبَحْرِ " وَدَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ " مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْبَعْضَ مِنْ الشَّعِيرِ جَازَ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَرُبُعِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَنِصْفٍ مِنْ شَعِيرٍ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ؛ وَلَا يَجُوزُ التَّكْمِيلُ بِالْقِيمَةِ كَنِصْفِ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ (قَوْلُهُ: وَمَصْرِفًا) فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَمَمْلُوكِهِ وَالْهَاشِمِيِّ. وَيَجُوزُ إطْعَامُ الذِّمِّيِّ لَا الْحَرْبِيِّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ أَطْعَمَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ، وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ.
قُلْت: بَلْ صَرَّحَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: إذْ الْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ) فَإِنَّ عَطْفَ الْقِيمَةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِيمَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ. اهـ. ح. وَمَا فِي النَّهْرِ - مِنْ قَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْقِيمَةُ أَعَمُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ اهـ - فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ فَافْهَمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ إنَّمَا يَجُوزُ لَوْ دَفَعَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ مَنْصُوصًا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا، فَلَوْ دَفَعَ صَاعَ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِمَنْ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ. وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَغَدَّاهُمْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ غَدَّاهُمْ بِدُونِ فَاءٍ كَمَا هُوَ أَصْلُ الْمَتْنِ وَالْأُولَى أَوْلَى، فَزَادَ الشَّارِحُ الْفَاءَ لِأَنَّهُ قَدَّرَ فِعْلًا لِلشَّرْطِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ: جَازَ (قَوْلُهُ: أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ) أَيْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَكَذَا يَجُوزُ إذَا مَلَّكَ ثَلَاثِينَ وَأَطْعَمَ ثَلَاثِينَ وَكَذَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَحْرٌ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءَيْنِ) أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَشَاءَيْنِ: أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ، كَذَا فِي الدُّرَرِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَكْفِي فِي يَوْمٍ أَكْلَةٌ وَفِي آخَرَ أُخْرَى لَكِنَّ صَرِيحَ مَا يَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْبَابِ يُخَالِفُهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَشْبَعَهُمْ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ مَا أَكَلُوا كَمَا فِي الْوِقَايَةِ فَالشَّرْطُ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ شَبْعَانُ قَبْلَ الْأَكْلِ، أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ لَمْ يَجْزِ بَحْرٌ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ ذِكْرُ الصَّبِيِّ هُنَا لَا فِي التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ إدَامٍ إلَخْ) أَيْ لِيُمْكِنَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ، وَالْآخَرُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِخُبْزِ الْبُرِّ لِأَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى الْبُرِّ فِي الزِّيَادَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ بِخُبْزٍ مَعَهُ إدَامٌ (قَوْلُهُ: كَمَا جَازَ لَوْ أَطْعَمَ) يَشْمَلُ التَّمْلِيكَ وَالْإِبَاحَةَ، وَعَبَّرَ فِي الْكَنْزِ بِأَعْطَى الْمُخْتَصِّ بِالتَّمْلِيكِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ، حَتَّى لَوْ أَعْطَى وَاحِدًا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ
لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ (وَلَوْ أَبَاحَهُ كُلَّ الطَّعَامِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ دَفْعَةً أَجْزَأَ عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَقَطْ) اتِّفَاقًا (وَكَذَا إذَا مَلَّكَهُ الطَّعَامَ بِدَفَعَاتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
(أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (صَحَّ) وَهَلْ يَرْجِعُ؟ إنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ رَجَعَ، وَإِنْ سَكَتَ فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَذْهَبِ (كَمَا صَحَّتْ الْإِبَاحَةُ) بِشَرْطِ الشِّبَعِ (فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ) سِوَى الْقَتْلِ (وَ) فِي (الْفِدْيَةِ) لِصَوْمٍ وَجِنَايَةِ حَجٍّ؛ وَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ إبَاحَةٍ وَتَمْلِيكٍ (دُونَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ) وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا شُرِعَ بِلَفْظِ إطْعَامٍ وَطَعَامٍ جَازَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ، وَمَا شُرِعَ بِلَفْظِ إيتَاءٍ وَأَدَاءٍ شُرِطَ فِيهِ التَّمْلِيكُ. .
(حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ) مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ (وَلَمْ يُعَيِّنْ) وَاحِدًا بِوَاحِدٍ (صَحَّ عَنْهُمَا، وَمِثْلُهُ) فِي الصِّحَّةِ (الصِّيَامُ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
ــ
[رد المحتار]
فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ، وَلَوْ غَدَّى وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَجْزَأَهُ. اهـ.
قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ غَدَّاهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ صَرِيحًا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا غَدَّى وَاحِدًا مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، فَتَكَرَّرَ الْمِسْكِينُ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ حُكْمًا فَكَانَ تَعَدُّدًا حُكْمًا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْخَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: دَفْعَةً) أَيْ، أَوْ بِدَفَعَاتٍ، وَقَوْلُهُ بِدَفَعَاتٍ أَيْ، أَوْ بِدَفْعَةٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِبَاكِ، حَيْثُ صَرَّحَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ بِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا مَلَّكَهُ) أَيْ لَا يُجْزِئُ إلَّا عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي التَّمْلِيكِ خِلَافًا بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّهُ لَمَّا انْدَفَعَتْ حَاجَتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ إطْعَامَ الطَّاعِمِ فَلَا يَجُوزُ ط.
(قَوْلُهُ: أَمَرَ غَيْرَهُ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِلَا أَمْرٍ لَمْ يَجْزِ، وَبِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْعِتْقِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَجْزِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ جَازَ اتِّفَاقًا وَتَكْفِيرُ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ جَائِزٌ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْكِسْوَةِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ، وَلِذَا امْتَنَعَ تَبَرُّعُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: صَحَّ) لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى، وَيَكُونُ الْفَقِيرُ قَابِضًا لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ) أَيْ لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ بَزَّازِيَّةٌ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَعْطِهِ عَنْ كَفَّارَتِي، أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي، وَكَذَا عَوِّضْ عَنْ هِبَتِي، أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ، فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَرْفُوعَ مُقَابَلًا بِمِلْكِ الْمَالِ فَالْمَأْمُورُ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ، وَلَوْ بِلَا مُقَابَلَةِ مَالٍ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ بَزَّازِيَّةٌ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهُ فِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي طَعَامِ الْكَفَّارَاتِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يَجُوزُ؛ كَمَا لَوْ أَعَارَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: سِوَى الْقَتْلِ) فَإِنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ فَلَا إبَاحَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْعَيْنِيِّ حَيْثُ قَالَ: أَعْنِي كَفَّارَاتِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالصَّوْمِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفِدْيَةِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّمْلِيكِ بَحْرٌ (قَوْلِهِ لِصَوْمٍ) أَيْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، أَوْ مَنْ أَخْرَجَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: وَجِنَايَةِ حَجٍّ) كَحَلْقٍ، أَوْ لُبْسٍ بِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَذْبَحُ، أَوْ يُطْعِمُ، أَوْ يَصُومُ (قَوْلُهُ: وَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ إبَاحَةٍ وَتَمْلِيكٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ، أَوْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ (قَوْلُهُ: دُونَ الصَّدَقَاتِ) أَيْ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْوَارِدَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ الْإِطْعَامُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ، وَفِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمَلُّكِ حَقِيقَةً، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ إلَخْ) قُلْت: وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ التَّحْرِيرِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ.
(وَالْإِطْعَامُ) مِائَةً وَعِشْرِينَ فَقِيرًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِكُلٍّ كُلًّا فَيَصِحَّ (وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً) وَاحِدَةً (، أَوْ صَامَ) عَنْهُمَا (شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) بِتَعْيِينِهِ، وَلَهُ وَطْءُ الَّتِي كَفَّرَ عَنْهَا دُونَ الْأُخْرَى (وَعَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَا) يَصِحُّ لِمَا مَرَّ، مَا لَمْ يُحَرِّرْ كَافِرَةً فَتَصِحَّ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا لِلْقَتْلِ.
(أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلًّا صَاعًا) بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ (عَنْ ظِهَارَيْنِ) كَمَا مَرَّ (صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّرْحِ وَنُسَخِ الْمَتْنِ لَمْ يَصِحَّ: أَيْ عَنْهُمَا، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ (وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ) عَنْهُمَا اتِّفَاقًا وَالْأَصْلُ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ سَبَبُهُ لَغْوٌ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ سَبَبُهُ مُفِيدٌ. -
ــ
[رد المحتار]
فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَتَابِعَةً ثُمَّ مَرِضَ وَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا أَجْزَأَهُ عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ اسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ) أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ هِدَايَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ) أَيْ الْجِنْسِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ عَبِيدًا عَنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ وَلَوْ أَعْتَقَ كُلَّ رَقَبَةٍ نَاوِيًا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ إلَخْ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ وَإِنْ كَانَ مُوهِمًا خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: بِتَعْيِينِهِ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ، وَهَذَا الْجَعْلُ هُوَ تَعْيِينُهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ رَحْمَتِيٌّ. وَفِي نُسْخَةٍ يُعَيِّنُهُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأُولَى (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ اخْتِلَافِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهَا) لِلْقَتْلِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنْ كَوْنِهَا مُؤْمِنَةً لِلْآيَةِ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا، أَوْ أُخْتِهَا وَنَكَحَهُمَا مَعًا، فَإِنْ كَانَتَا فَارِغَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً صَحَّ فِي الْفَارِغَةِ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: كُلًّا صَاعًا) أَيْ مِنْ الْبُرِّ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ يَكُونُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ كُلًّا صَاعَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ بِدَفَعَاتٍ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي، مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمِسْكِينٍ آخَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) نَعْتٌ لِظِهَارَيْنِ: أَيْ عَنْ ظِهَارَيْنِ مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ امْرَأَتَيْنِ ح (قَوْلُهُ: صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ فِي الظِّهَارَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَقَلِّ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَكَذَا لَوْ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ يَمِينٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ عَنْهُمَا) فَلَا يُنَافِي صِحَّتَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا أَصْلَحَهَا الْمُصَنِّفُ حَالَ شَرْحِهِ ط (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ يَصِحُّ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ) وَكَذَا الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ إلَخْ) لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَجْنَاسِ عَنْ بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ، فَبَقِيَ فِيهِ مُطْلَقُ نِيَّةِ الظِّهَارِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَكَوْنُ الْمَدْفُوعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ، لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ بَلْ النُّقْصَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الدَّفْعَ، أَوْ كَانَا جِنْسَيْنِ.
وَقَدْ يُقَالُ: اعْتِبَارُهَا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي أَشْخَاصِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْأَجْنَاسِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَثَرُ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيمَا صَرَّحُوا بِهِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ بِعَيْنِهِ صَحَّ نِيَّةُ التَّعْيِينِ وَلَمْ تَلْغُ حَتَّى حَلَّ وَطْءُ الَّتِي عَيَّنَهَا. اهـ. فَتْحٌ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ بَيَانٌ لِتَرْجِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَقَدْ قَرَّرَ الْمُرَادَ فِي النِّهَايَةِ بِمَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَقَالَ: أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ ظِهَارَ إحْدَاهُمَا صَحَّ وَحَلَّ لَهُ قُرْبَانُهَا، وَكَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةَ. اهـ.