الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ جَازَ لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ (أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) وَأَقَلُّ مُدَّةِ عِدَّةٍ عِنْدَهُ بِحَيْضٍ شَهْرَانِ وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ كَمَا مَرَّ.
ــ
[رد المحتار]
وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ: لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْنِي فَإِنِّي تَزَوَّجْت غَيْرَك وَانْقَضَتْ عِدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت صُدِّقَتْ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي. اهـ. لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاقِضَةٍ بِحَمْلِ قَوْلِهَا تَزَوَّجْت عَلَى الْعَقْدِ، وَقَوْلُهَا مَا تَزَوَّجْت مَعْنَاهُ مَا دَخَلَ بِي، فَإِذَا أَقَرَّتْ بِالدُّخُولِ ثَبَتَ تَنَاقُضُهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا) لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لِكَوْنِ الْبُضْعِ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ الدُّخُولِ، أَوْ الدِّيَانَاتِ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِيهِمَا دُرَرٌ (قَوْلُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ عَدَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَكَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمَا: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ كَانَتْ ثِقَةً عِنْدَهُ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا. اهـ. وَكَذَا لَوْ قَالَتْ مَنْكُوحَةُ رَجُلٍ لِآخَرَ: طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي جَازَ تَصْدِيقُهَا إذَا وَقَعَ فِي ظَنِّهِ، عَدْلَةٌ كَانَتْ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَتْ: نِكَاحِي الْأَوَّلُ فَاسِدٌ لَا؛ وَلَوْ عَدْلَةٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ مُدَّةِ عِدَّةٍ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ فَلَا احْتِمَالَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحَيْضٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " عِدَّةٍ "، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ: أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْمَرْأَةِ حَائِضًا فَافْهَمْ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ فَإِنَّ عِدَّتَهَا لَيْسَ لَهَا أَقَلُّ وَأَكْثَرُ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَوْ حُرَّةً وَنِصْفُهَا لَوْ أَمَةً (قَوْلُهُ: شَهْرَانِ) أَيْ سِتُّونَ يَوْمًا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ مُطْلَقًا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ حَذَرًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فَيُحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ؛ حَمْلًا لِلطُّهْرِ عَلَى أَقَلِّهِ وَالْحَيْضِ عَلَى وَسَطِهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِ الْإِمَامِ: أَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ فَيَجْعَلُهُ مُطْلَقًا فِي آخِرِ الطُّهْرِ حَذَرًا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَيُحْتَاجُ إلَى طُهْرَيْنِ بِثَلَاثِينَ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ حَمْلًا لِلطُّهْرِ عَلَى أَقَلِّهِ وَالْحَيْضِ عَلَى أَكْثَرِهِ لِيُعْتَدَّ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ فَتُصَدَّقُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ أَفَادَهُ ح.
قُلْت: وَالْمُرَادُ بِزِيَادَةِ الطُّهْرِ هُوَ الطُّهْرُ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ الثَّانِي وَطَلَّقَهَا فِي آخِرِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّخْرِيجِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ بِهَا تَأَمَّلْ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَخْرِيجَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ: وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ لِحُرَّةٍ شَهْرَانِ وَلِأَمَةٍ أَرْبَعُونَ يَوْمًا: أَيْ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ، وَحَيْضَتَانِ بِعَشَرَةٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا طُهْرٌ بَخَمْسَةَ عَشَرَ وَحَيْضَتَانِ بِعِشْرِينَ، فَتُصَدَّقُ بِثَمَانِينَ يَوْمًا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَخَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ، وَتَمَامُ التَّفْصِيلِ وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي التَّبْيِينِ ح (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَدَّعِ السِّقْطَ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إسْقَاطُهَا فِي يَوْمِ الطَّلَاقِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِهِ، أَمَّا ادِّعَاؤُهُ مِنْ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَبِينَ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِهِ رَحْمَتِيٌّ قُلْت: وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْهُ مِنْ الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْدِ الْأَوَّلِ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حَلَبِيٌّ.
[مَطْلَبٌ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ]
ِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي التَّفَارِيقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا ثُمَّ قَالَتْ مَا تَزَوَّجْت، أَوْ مَا دَخَلَ بِي صُدِّقَتْ إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا.
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي، أَوْ مَا تَزَوَّجْتُ بِآخَرَ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ الْحِلِّ، وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ لَا يَحِلُّ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَمْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا.
(سَمِعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا تَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ نَفْسِهَا) إلَّا بِقَتْلِهِ
ــ
[رد المحتار]
وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى النِّكَاحِ اعْتِرَافٌ مِنْهَا بِصِحَّتِهِ فَكَانَتْ مُنَاقِضَةً فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهَا، كَمَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا: كُنْتُ مَجُوسِيَّةً، أَوْ مُرْتَدَّةً، أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ، أَوْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ مَا يُوَافِقُ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ الْبَاءِ: لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ مَا تَزَوَّجْتُ بِآخَرَ فَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَزَوَّجْتِ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِكِ لَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ اهـ مَا فِي الْفَتْحِ.
أَقُولُ: قَدْ يُدْفَعُ الْإِشْكَالُ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا قَامَ فِيهَا الْمَانِعُ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْحِلِّ وَذَلِكَ بِأَنْ تُخْبِرَ بِأَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ، أَوْ تُخْبِرَ بِأَنَّهَا حَلَّتْ لَهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِشَرَائِطِ الْحِلِّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِلتَّنَاقُضِ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَيُقْبَلُ، وَلَا تَنَاقُضَ لِاحْتِمَالِ ظَنِّهَا الْحِلَّ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ ولِأَنَّ إقْدَامَهَا عَلَى الْعَقْدِ بِدُونِ تَفْسِيرٍ لَا يَزُولُ بِهِ الْمَانِعُ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا، وَلِذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ اسْتِفْسَارِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا: كُنْتُ مَجُوسِيَّةً إلَخْ فَإِنَّهَا حِينَ الْعَقْدِ لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ مِنْ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَحَّ الْعَقْدُ فَلَا يُقْبَلُ إخْبَارُهَا بِمَا يُنَافِيهِ لِتَنَاقُضِهَا، فَإِنَّ مُجَرَّدَ إقْدَامِهَا عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِعَدَمِ مَانِعٍ مِنْهُ، فَإِذَا ادَّعَتْ مَا يُنَافِيهِ لَمْ يُقْبَلْ وَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتَاوَى مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا فَسَّرَتْ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثُمَّ قَالَتْ لِلثَّانِي تَزَوَّجْتَنِي فِي الْعِدَّةِ، إنْ كَانَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ صُدِّقَتْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ وَكَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي فَاسِدًا، وَإِنْ أَكْثَرَ لَا وَصَحَّ الثَّانِي، وَالْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الْأَوَّلِ، وَالنِّكَاحَ حَقُّ الثَّانِي، وَلَا يَجْتَمِعَانِ فَدَلَّ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمُضِيِّ، بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالْأَوَّلِ بَعْدَ مُدَّةٍ ثُمَّ قَالَتْ: بِك تَزَوَّجْتُ قَبْلَ النِّكَاحِ الثَّانِي حَيْثُ لَا يَكُونُ إقْدَامُهَا دَلِيلًا عَلَى إصَابَةِ الثَّانِي وَنِكَاحِهِ. قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا: تَزَوَّجْتُ غَيْرَك وَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ قَالَتْ: كُنْتُ كَاذِبَةً فِيمَا قُلْتُ، لَمْ أَكُنْ تَزَوَّجْتُ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَرَّتْ بِدُخُولِ الثَّانِي كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَرَّتْ بِهِ لَمْ تُصَدَّقْ اهـ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْفُرْقَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَابَعَ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَتَمَامُ عِبَارَتِهَا هَكَذَا: وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا. الْوَلْوَالِجيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ هُنَا، وَهَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الرَّضَاعِ بِقَوْلِهِ وَمُفَادُهُ إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ بِلَفْظِ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ حَلَّ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ. اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي حَقِّهَا مِمَّا يَخْفَى لِاسْتِقْلَالِ الرَّجُلِ بِهِ فَصَحَّ رُجُوعُهَا اهـ أَيْ صَحَّ فِي الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ لَوْ كَانَتْ عَالِمَةً بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عَلِمْت أَنَّ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مَنْقُولٌ لَا بَحْثٌ مِنْهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ طَلَّقَهَا) أَيْ ثَلَاثًا لِأَنَّ مَا دُونَهَا يُمْكِنُ فِيهِ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ يُنْكِرُ.
(لَهَا قَتْلُهُ) بِدَوَاءٍ خَوْفَ الْقِصَاصِ، وَلَا تَقْتُلُ نَفْسَهَا. وَقَالَ الْأُوزَجَنْدِيُّ: تَرْفَعُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي، فَإِنْ حَلَفَ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. وَالْبَائِنُ كَالثَّلَاثِ، وَفِيهَا شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ لِلتَّحْلِيلِ لَوْ غَائِبًا انْتَهَى. قُلْت: يَعْنِي دِيَانَةً. وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ قُنْيَةٌ، وَفِيهَا: لَوْ لَمْ يَقْدِرْ هُوَ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهَا وَلَوْ غَابَ سَحَرَتْهُ وَرَدَّتْهُ إلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا، وَيَبْعُدُ عَنْهَا جُهْدَهُ (وَقِيلَ: لَا) تَقْتُلُهُ، قَائِلُهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (وَبِهِ يُفْتَى) كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَيْ، وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
(قَالَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ طَلَاقِهِ ثَلَاثًا (كَانَ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَصَدَّقَتْهُ) الْمَرْأَةُ (فِي ذَلِكَ لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ تُصَدِّقْهُ هِيَ، وَقِيلَ يُصَدَّقَانِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا قَبْلَهُمَا وَاحِدَةً أُخِذَ بِالثَّلَاثِ.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: لَهَا قَتْلُهُ بِدَوَاءٍ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَيَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِمَا لَهَا، أَوْ تَهْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ قَتَلَتْهُ مَتَى عَلِمَتْ أَنَّهُ يَقْرَبُهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَقْتُلَهُ بِالدَّوَاءِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا، وَإِنْ قَتَلَتْهُ بِالْآلَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ) أَيْ وَحْدَهُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الِافْتِدَاءِ، أَوْ الْهَرَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلَتْهُ إلَخْ) أَفَادَ إبَاحَةَ الْأَمْرَيْنِ ط (قَوْلُهُ: لَوْ غَائِبًا) تَمَامُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا لِأَنَّ الزَّوْجَ إنْ أَنْكَرَ اُحْتِيجَ بِالْفُرْقَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهَا إلَّا بِحَضْرَةِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْجَوَازِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَقَالَ يَعْنِي الْبَدِيعَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى جَوَابِ شَمْسٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَنَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَالسَّيِّدِ أَبِي شُجَاعٍ وَأَبِي حَامِدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى جَوَابِ الْبَاقِينَ لَا يَحِلُّ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ: إذَا أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ وَسِعَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالدِّيَانَةِ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.
قُلْت: هَذَا تَأْيِيدٌ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ: فَإِنَّهُ إذَا حَلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ فَيَحِلُّ لَهَا التَّحْلِيلُ هُنَا بِالْأَوْلَى إذَا سَمِعَتْ الطَّلَاقَ، أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ عِنْدَهَا، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَهَا التَّزَوُّجَ إذَا أَتَاهَا كِتَابٌ مِنْهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ عَلَى يَدِ غَيْرِ ثِقَةٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّهُ حَقٌّ؛ وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ جَوَازُهُ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِهَا الْقَاضِي يَتْرُكُهَا، فَتَصْحِيحُ عَدَمِ الْجَوَازِ هُنَا مُشْكِلٌ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَتَأَمَّلْ، نَعَمْ لَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مُقِيمٌ مَعَهَا يُعَاشِرُهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ لَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ لِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْعِدَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا) يَنْبَغِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ، بَلْ الْقَوْلُ بِقَتْلِهَا هُنَا أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِقَتْلِهَا لَهُ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهَا سَاحِرَةٌ وَالسَّاحِرُ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَقْتُلُهُ إلَخْ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقَتْلِهِ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَطَاءِ بْنِ حَمْزَةَ وَالْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنَقَلَ أَيْضًا أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ كَانَ يَحْكِي قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ وَيَقُولُ إنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَلَهُ مَشَايِخُ أَكَابِرُ، وَلَا يَقُولُ مَا يَقُولُ إلَّا عَنْ صِحَّةٍ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِتَصِيرَ أَجْنَبِيَّةً لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ. أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعْرُوفًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ الْعِدَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَيْضًا: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَيَقُولُ: كُنْتُ طَلَّقْتُهَا وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَوْ مُضِيُّهَا مَعْلُومًا عِنْدَ النَّاسِ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ وَإِلَّا تَقَعُ، وَلَوْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ إنْكَارِهِ، فَلَوْ بَرْهَنَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَلْقَةً لَمْ يُقْبَلْ اهـ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِالثَّلَاثِ) لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الطَّلَاقِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَاحْتِيَاطًا ط وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.