الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنَبٍ وَبِطِّيخٍ وَبَقْلٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ لَيْسَ إدَامًا إلَّا فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَالْجَوْزُ رُطَبُهُ فَاكِهَةٌ وَيَابِسُهُ إدَامٌ.
[فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَالْآخَرُ بَصَلًا وَالْآخَرُ فِلْفِلًا فَطُبِخَ حَشْوٌ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ فَأَكَلُوا
لَمْ يَحْنَثُوا إلَّا صَاحِبَ الْفِلْفِلِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا كَذَا وَهَذَا إنْ وَجَدَ طَعْمَهُ، وَيُزَادُ فِي الزَّعْفَرَانِ رُؤْيَةُ عَيْنِهِ، وَفِي لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَطَبَخَهُ بِأُرْزٍ أَوْ لَا يَنْظُرُ إلَى فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَى يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ أَعْلَى رَأْسِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ حَنِثَ، وَفِي الْمَسِّ يَحْنَثُ بِمَسِّ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.
عَرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ حَالِفًا فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ
ــ
[رد المحتار]
حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ غَالِبًا يَكُونُ إدَامًا عِنْدَهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَإِذَا أَكَلَ الْإِدَامَ وَحْدَهُ، فَإِنْ كَانَ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ بِإِدَامٍ لَا يَحْنَثُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ الْخُبْزَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ اهـ (قَوْلُهُ وَبَقْلٍ) يُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَكْلُ الْفُقَرَاءِ الْخُبْزَ بِالْبَصَلِ وَالنُّعْنُعِ وَالطَّرْخُونِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَجَوْزٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الرُّطَبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْجَوْزَ وَاللَّوْزَ فَاكِهَةٌ هُوَ فِي عُرْفِهِمْ لَا فِي عُرْفِنَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْيَابِسِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِهِمْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَوْزَ الْيَابِسَ لَا يُؤْكَلُ الْآنَ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يُفْرَدُ بِالْأَكْلِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِدَامِ مَا يُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ فِي الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مَعَ الْخُبْزِ وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ بِالْفَاكِهَةِ مَعَ الْخُبْزِ، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مَعَ الْخُبْزِ كُنَافَةً أَوْ قَطَائِفَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَكْلُ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا مَقْرُونًا بِالْخُبْزِ فَلَا يُسَمَّى إدَامًا؛ نَعَمْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ إلَّا حَافًّا وَيُرَادُ بِالْحَافِّ أَكْلُهُ بِلَا شَيْءٍ مَعَهُ فَإِذَا قَرَنَ مَعَهُ فَاكِهَةً أَوْ نَحْوَهَا يَحْنَثُ تَأَمَّلْ
[فُرُوعٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَالْآخَرُ بَصَلًا وَالْآخَرُ فِلْفِلًا فَطُبِخَ حَشْوٌ فِيهِ كُلُّ ذَلِكَ فَأَكَلُوا]
(وَهَذَا إنْ وَجَدَ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِلْحًا فَأَكَلَ طَعَامًا إنْ كَانَ مَالِحًا حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْفَقِيهُ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَأْكُلْ عَيْنَ الْمِلْحِ مَعَ الْخُبْزِ أَوْ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لِأَنَّ عَيْنَهُ مَأْكُولٌ، بِخِلَافِ الْفِلْفِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَإِنْ كَانَ فِي يَمِينِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الطَّعَامُ الْمَالِحُ فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ خَانِيَّةٌ.
قُلْت: وَكَذَا يُقَالُ فِي اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي عُرْفِنَا فِي اللَّحْمِ مُطْلَقًا إذَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَشْوِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى آكِلًا لَهُ (قَوْلُهُ وَيُزَادُ فِي الزَّعْفَرَانِ رُؤْيَةُ عَيْنِهِ) مُقْتَضَى قَوْلِهِ: وَيُزَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ طَعْمِهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَأْكُلُ زَعْفَرَانًا فَأَكَلَ كَعْكًا عَلَى وَجْهِهِ زَعْفَرَانٌ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ فَطَبَخَهُ بِأُرْزٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ مَاءٌ وَيَرَى عَيْنَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَفِي النَّوَازِلِ إنْ كَانَ يَرَى عَيْنَهُ وَيَجِدُ طَعْمَهُ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الصَّيْرَفِيَّةِ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِطْرَادِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَإِلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ حَنِثَ) فَصَّلَ فِيهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ رَأَى الصَّدْرَ وَالظَّهْرَ وَالْبَطْنَ أَوْ أَكْثَرَ الصَّدْرِ وَالْبَطْنِ فَقَدْ رَآهُ وَإِنْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ لَا وَإِنْ رَآهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ رَآهُ وَإِنْ رَآهَا جَالِسَةً أَوْ مُتَنَقِّبَةً أَوْ مُتَقَنِّعَةً فَقَدْ رَآهَا إلَّا إذَا عَنَى رُؤْيَةَ الْوَجْهِ فَيَدِينُ لَا قَضَاءً أَيْضًا، وَإِنْ رَآهُ خَلْفَ الزُّجَاجِ أَوْ السِّتْرِ وَتَبَيَّنَ الْوَجْهَ يَحْنَثُ لَا مِنْ الْمِرْآةِ (قَوْلُهُ بِمَسِّ الْيَدِ وَالرِّجْلِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا مَسَّ غَيْرَهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِمَا لِذِكْرِهِمَا فِي النَّظَرِ أَيْ فَالْمَسُّ يُخَالِفُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَسِّ غَيْرِهِمَا ط.
مَطْلَبُ عَرَضَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ نَعَمْ
(قَوْلُهُ كَانَ حَالِفًا) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَقَالَ نَعَمْ كَأَنَّهُ يَصِيرُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ لِأَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ مُعَادٌ
لَكِنْ فِي فَوَائِدِ شَيْخِنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ بِنَعَمْ لَا يَصِيرُ حَالِفًا هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ فَرَّعَ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ التَّعَالِيقِ فِي الْمَحَاكِمِ أَنَّ الشَّاهِدَ يَقُولُ لِلزَّوْجِ تَعْلِيقًا فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ.
(التَّغَدِّي الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ) وَكَذَا التَّعَشِّي وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ فِي غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ وَسُحُورٍ (فِي وَقْتٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِلْعُرْفِ، زَادَ فِي النَّهْرِ وَأَهْلُ مِصْرَ يُسَمُّونَهُ فُطُورًا إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى الْأَكْبَرِ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغَدَاءِ فَيُعْمَلُ بِعُرْفِهِمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ (إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ) ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (مِمَّا يَتَغَدَّى بِهِ) أَهْلُ بَلَدِهِ عَادَةً وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُهَا،
ــ
[رد المحتار]
فِي الْجَوَابِ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي فَوَائِدِ شَيْخِنَا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة إلَخْ) مَا عَزَاهُ إلَى التَّتَارْخَانِيَّة خِلَافُ الْمَوْجُودِ فِيهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا مَسْأَلَةً ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشِيرُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا عَرَضَ عَلَى غَيْرِهِ يَمِينًا مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَقُولُ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَعَمْ أَنَّهُ يَكْفِي وَيَصِيرُ حَالِفًا بِتِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيْهِ، وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَكْفِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَوَائِدِ: لَا يَصِيرُ حَالِفًا صَوَابُهُ يَصِيرُ بِدُونِ لَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَفِي آخِرِ أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ فَعَلْت فَقَالَ نَعَمْ، فَالْحَالِفُ الْمُجِيبُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَلَوْ نَوَاهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْك صَرِيحٌ فِي الْتِزَامِ الْعَهْدِ أَيْ الْيَمِينِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا عَلَى الْمُبْتَدِئِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى الْمُبْتَدِئُ التَّحْلِيفَ وَالْمُجِيبُ الْحَلِفَ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالِفًا إلَخْ مَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ. وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ لِآخَرَ: وَاَللَّهِ لَا أَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِك فَقَالَ الْآخَرُ وَلَا تَجِيءُ إلَى ضِيَافَتِي فَقَالَ نَعَمْ يَصِيرُ حَالِفًا ثَانِيًا اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتْحِ؛ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّعَ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى شَيْخِهِ (قَوْلُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ) أَيْ كَاتِبَ الْقَاضِي وَهَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا يَقَعُ (قَوْلُهُ يَقُولُ لِلزَّوْجِ تَعْلِيقًا) أَيْ يَقُولُ لَهُ كَلَامًا فِيهِ تَعْلِيقٌ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْهَا تَكُنْ طَالِقًا (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِيهَا؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فَافْهَمْ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى أَوْ لَا يَتَعَشَّى
(قَوْلُهُ التَّغَدِّي إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ لِأَنَّ الْغَدَاءَ وَالْعَشَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا مَعَ الْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتَيْنِ، لَا لِلْأَكْلِ فِيهِمَا وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ فِيهِمَا لَا الْمَأْكُولُ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى لَا يُعْتَرَضُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْأَكْلُ الْمُتَرَادِفُ) فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ ثُمَّ فَصَلَ بِزَمَنٍ يُعَدُّ فَاصِلًا ثُمَّ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ وَهَكَذَا لَا يَكُونُ غَدَاءً ط (قَوْلُهُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ أَكْلِ نَحْوِ لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الشِّبَعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا الِاحْتِرَازُ عَنْ نَحْوِ اللَّبَنِ وَالتَّمْرِ فَسَيَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ مِمَّا يَتَغَدَّى بِهِ عَادَةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكَذَا التَّعَشِّي) وَمِثْلُهُ التَّسَحُّرُ عَلَى الظَّاهِرِ ط (قَوْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الشِّبَعِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشِّبَعُ الْمُعْتَادُ لَهُ لَا الشَّرْعِيُّ كَالثُّلُثِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِأَكْلِ نِصْفِ الشِّبَعِ ط (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغَدَاءِ) وَيَنْتَهِي إلَى الْعَصْرِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي عُرْفِنَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ عَدَمَ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَغَدَاءُ كُلِّ بَلْدَةٍ مَا تَعَارَفَهُ أَهْلُهَا) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ وَمِثْلُهُ الْعَشَاءُ
حَتَّى لَوْ شَبِعَ بِشُرْبِ اللَّبَنِ يَحْنَثُ الْبَدْوِيُّ لَا الْحَضَرِيُّ زَيْلَعِيٌّ (وَالتَّعَشِّي مِنْهُ) أَيْ الزَّوَالُ: وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ: وَفِي عُرْفِنَا وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ. قُلْت: وَهُوَ عُرْفُ مِصْرَ وَالشَّامِ (إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالسُّحُورُ هُوَ الْأَكْلُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ) قَالَ إنْ (شَرِبْت أَوْ لَبِسْت) أَوْ نَكَحْت وَنَحْوَ ذَلِكَ فَعَبْدِي حُرٌّ (وَنَوَى مُعَيَّنًا) أَيْ خُبْزًا أَوْ لَبَنًا أَوْ قُطْنًا مَثَلًا
(لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا) فَيَحْنَثُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَقِيلَ يَدِينُ كَمَا لَوْ نَوَى كُلَّ الْأَطْعِمَةِ أَوْ كُلَّ مِيَاهِ الْعَالَمِ حَتَّى لَا يَحْنَثَ أَصْلًا لِنِيَّتِهِ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ (وَلَوْ ضَمَّ) لِإِنْ أَكَلْت (طَعَامًا أَوْ) شَرِبْت (شَرَابًا أَوْ) لَبِسْت
ــ
[رد المحتار]
وَالسَّحُورُ ط (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَبِعَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى شَبِعَ لَا يَحْنَثُ، وَلَا يَكُونُ غَدَاءً حَتَّى يَأْكُلَ الْخُبْزَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَدَاءِ مَا يُتَغَدَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ غَالِبًا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يُتَغَدَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْإِدَامِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ تَغَدَّى بِالْعِنَبِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الرُّسْتَاقِ مِمَّنْ عَادَتُهُمْ التَّغَدِّي بِهِ فِي وَقْتِهِ (قَوْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى دُخُولِ وَقْتِ السُّحُورِ (قَوْلُهُ وَالسُّحُورُ) بِالْفَتْحِ مَا يُؤْكَلُ وَبِالضَّمِّ فِعْلُ الْفَاعِلِ مِصْبَاحٌ، وَالْمُنَاسِبُ هُنَا ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ لِقَوْلِهِ هُوَ الْأَكْلُ وَلِيُنَاسِبَ التَّعْبِيرَ بِالتَّغَدِّي وَالتَّعَشِّي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمَّا كَانَ السُّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَالسَّحَرُ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سُمِّيَ مَا يُؤْكَلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ سَحُورًا بِالْفَتْحِ وَالْأَكْلُ فِيهِ التَّسَحُّرُ. اهـ. قُلْت: فِي زَمَانِنَا لَا يُطْلِقُونَ السَّحُورَ إلَّا عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَيْلًا لِأَجْلِ الصَّوْمِ.
مَطْلَبُ قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت وَنَوَى مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ
(قَوْلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَغْتَسِلُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ، أَوْ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى الْخَيْلَ أَوْ مِنْ جَنَابَةِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ أَوْ كُوفِيَّةٍ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ أَصْلًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَيْ خُبْزًا أَوْ لَبَنًا إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُعَيَّنِ الْفَرْدَ الشَّخْصِيَّ، بَلْ مَا يَعُمُّ النَّوْعِيَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَصْدُقْ أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ لِتَعَيُّنِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ وَمَا نَوَاهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ نَصًّا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدِينُ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ تَنْصِيصًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا وَكَذَا اللُّبْسُ وَالشَّرَابُ، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ كَذَا قَالُوا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى لِأَنَّهُ مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ كَذِبًا ظَاهِرًا كَرَفْعِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ شَرْعًا كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، وَقَوْلُك لَا آكُلُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ، نَعَمْ الْمَفْعُولُ أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى بَلْ مِنْ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ مُقْتَضًى إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَكَانًا وَزَمَانًا، وَحَيْثُ كَانَ هَذَا الْمَصْدَرُ ضَرُورِيًّا لِلْفِعْلِ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ عَمَّ بِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ ثُبُوتَ الْمَصْدَرِ الْعَامِّ بِدُونِ ثُبُوتِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّخْصِيصِ فَإِنَّ عُمُومَهُ ضَرُورَةُ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت أَكْلًا فَإِنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ صَرِيحًا فَيَقْبَلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى إلَخْ) أَيْ كَمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً لَوْ نَوَى كُلَّ الْأَطْعِمَةِ أَوْ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طَعَامًا أَوْ طَعَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ مُدَّةَ عُمْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ الْكُلَّ وَلَمْ يَشْرَبْ الْكُلَّ.
(ثَوْبًا دُيِّنَ) إذَا قَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْقَابِلَ لِلتَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ فِي فِعْلِ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَتَخْصِيصِ الْجِنْسِ كَحَبَشِيَّةٍ أَوْ عَرَبِيَّةٍ لَا الصِّفَةِ كَكُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ فَتْحٌ.
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَلْ مَحَلُّهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِنِيَّتِهِ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا أَوْجِدُ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ لُبْسًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ أَكْلٍ وُجِدَ، وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِهِ. لِأَنَّ طَعَامًا الْمَذْكُورَ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَالْكُلَّ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَلِذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْكَشْفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْكُلُّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْبَعْضَ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ كَمَا يَأْتِي وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَصْدُقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً إذَا نَوَى الْكُلَّ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ فِي الْأَوَّلِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ الْعُمُومَ وَإِلَّا لَزِمَ تَصْدِيقُهُ قَضَاءً فِي نِيَّةِ الْخُصُوصِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: إنْ كَلَّمْت آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ، قَالَ شَارِحُهُ: فَيَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَدْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ، فَإِذَا نَوَى الْكُلَّ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيَصْدُقُ، وَقِيلَ: لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا آخِرَ الْبَابِ، وَتَعْبِيرُهُ عَنْ الثَّانِي بِقِيلَ يُفِيدُ ضَعْفَهُ وَتَرْجِيحَ الْأَوَّلِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ يُوكَلُ إلَى دِينِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدَّمْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِهِ، فَقَوْلُهُ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا فِي مَعْنَى لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا أَوْ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَدِينُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا، فَقَبِلَتْ إرَادَةَ أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ هِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، فَإِرَادَةُ الْمُسَاكَنَةِ فِي بَيْتٍ إرَادَةُ أَخَصِّ أَنْوَاعِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ صَحَّتْ هُنَا لِكَوْنِ الْمَصْدَرِ مُتَنَوِّعًا لَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ فَهُوَ تَخْصِيصُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ، وَزَادَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ اشْتَرَيْت وَنَوَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ: أَيْ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ لِتَنَوُّعِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ لِنَفْسِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ لِمُوَكِّلِهِ وَلِذَا رَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ الْمِلْكَ، وَعَلَى الثَّانِي الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ لِبَغْدَادَ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الشِّرَاءَ لِعَبْدٍ، فَإِنَّ الْفِعْلَ فِيهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، فَلَمْ يَصِحَّ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ بِدُونِ ذِكْرٍ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ.
قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ أَوْ الْوَاحِدَةَ يَصِحُّ بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ. فَتَصِحُّ نِيَّةُ إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّتِهِ الْبَيْنُونَةَ قَضَاءً. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَوْنُ إرَادَةِ نَوْعٍ لَيْسَ تُخْصَيَا لِلْعَامِّ مِمَّا يَقْبَلُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ قَصْرِ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ. اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ لَا عُمُومَ هُنَا وَلَا تَخْصِيصَ لِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إرَادَةُ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السَّفَرِ وَالِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْكَامِلَةِ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَاصَّ وَهُوَ مَا يَكُونُ لَهُ وَالْمُطْلَقَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ عُرْفًا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ صُدِّقَ دِيَانَةً فَقَطْ فِي نِيَّةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ: إنْ جَامَعْتُك أَوْ بَاضَعْتُك فَهُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عُرْفًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دُونَهُ لِلِاحْتِمَالِ لَكِنَّهُ لَا يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ فِي الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ بِهِمَا أَيْ إذَا نَوَى مَا دُونَهُ يَحْنَثُ بِهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحِنْثِ، وَيَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِتَبَادُرِهِ، وَكَذَا إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَفِي إنْ أَتَيْتُك يَنْوِي لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَيْ الْجِمَاعِ وَالزِّيَارَةِ، لَكِنْ لَوْ نَوَى الزِّيَارَةَ حَنِثَ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ زِيَارَةٌ وَزِيَادَةٌ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ: ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي لَا آكُلُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ فِيهِ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ صَرِيحٌ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، لَكِنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ وَهُوَ الْمَأْكُولَاتُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَصْفِ.
فَلَوْ نَوَى فِي زَمَانِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ وَمِثْلُهُ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً فَإِنَّهَا بَعْضُ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَنْوَاعٌ: حَبَشِيٌّ، وَعَرَبِيٌّ، وَرُومِيٌّ، بِاعْتِبَارِ أُصُولِهِ الَّذِينَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ كُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ضَرُورِيٌّ رَاجِعٌ إلَى تَخْصِيصِ الْمَكَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ صَرِيحًا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ كَبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَنَوَى مَا دَامَ قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ، لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ وَنَوَى ذَلِكَ يَدِينُ لِتَخْصِيصِهِ الْمَلْفُوظَ، وَكَذَا لَأَضْرِبَنَّهُ خَمْسِينَ وَنَوَى سَوْطًا بِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ وَكَذَا لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.
وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرَهُ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي الْمَلْفُوظِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا صَارَ مُشْتَرَكًا بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِ الْمَصْدَرِ تَأَمَّلْ. عَلَى أَنْ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً صَرَّحَ فِيهِ بِالْمَفْعُولِ، فَهُوَ مِثْلُ لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ فَقَطْ دُونَ الْوَصْفِ، لَكِنْ فِيهِ أَنْ لَا آكُلُ طَعَامًا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُهُ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِيمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً إلَخْ وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا إنْ تَزَوَّجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ وَامْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَرِدُ مَا مَرَّ فِي يَمِينِ الْفَوْرِ حَيْثُ خُصِّصَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ كَالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعُرْفَ جَعَلَ اللَّفْظَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ مِنْ الْبَيَانِ وَمَا ذُكِرَ بِهِ هُوَ غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَفِكْرِي الْفَاتِرِ.
(نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً) إجْمَاعًا، فَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا (لَا) يُصَدَّقُ (قَضَاءً) وَكَذَا مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ فَلَمَّا حَلَّفَهُ الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا (بِهِ يُفْتَى) خِلَافًا لِلْخَصَّافِ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَتَى حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، فَلَا بَأْسَ.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً خِلَافًا لِلْخَصَّافِ
(قَوْلُهُ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً) هَذِهِ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَمَّ ذَلِكَ يَصِيرُ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ، وَالْعَامُّ تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ، لَكِنْ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَعُمُّ وَلَا يَتَنَوَّعُ كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِأَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَسْمَاءِ لَا لِلْفِعْلِ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ سِيبَوَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ.
قُلْت: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَالشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَمَا مَرَّ إنَّ التَّنَوُّعَ هُنَاكَ لِلْفِعْلِ بِوَاسِطَةِ مَصْدَرِهِ لَا أَصَالَةً تَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ]
قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالْعُرْفِ يَصِحُّ دِيَانَةً وَقَضَاءً أَيْضًا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى اللَّفْظِ بِالْعُرْفِ فَلَا تَصِحُّ كَمَا أَوْضَحْنَا ذَلِكَ أَوَّلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، بَقِيَ هَلْ يَصِحُّ تَعْمِيمُ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ؟ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَمْ أَرَهُ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعْمِيمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى اللَّفْظِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِالْعُرْفِ فَلَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعُرْفَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ النِّيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ آنِفًا لَا الصِّفَةِ كَكُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَدِينُ فِيهَا كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ بَلَدِ كَذَا لَا يَصْدُقُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَصْدُقُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ فَالْخَصَّافُ جَوَّزَهُ وَفِي الظَّاهِرِ لَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ مِنْهُ دَرَاهِمَ وَحَلَّفَهُ عَلَى أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَنَوَى الدَّنَانِيرَ فَالْخَصَّافُ جَوَّزَهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى الظَّاهِرِ، وَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي يَدِ الظَّلَمَةِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَنِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدْ مَرَّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ دِيَانَةً فَقَطْ، وَعِنْدَ الْخَصَّافِ تَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامُّ مَذْكُورًا وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ تَخْصِيصِهِ أَصْلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ يَدِينُ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي وَأَنَّهُ اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ فَصَارَ حَاصِلُ مَا اخْتَارَهُ الْخَصَّافُ أَنَّهُ فِي الْمَذْكُورِ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِي غَيْرِهِ دِيَانَةً فَقَطْ (قَوْلُهُ مَتَى حَلَّفَهُ ظَالِمٌ وَأُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَلَا بَأْسَ) أَقُولُ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ أُخِذَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ أَيْ وَأَخَذَ الْقَاضِي إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْحَالِفِ بِهِ قَضَاءً لِأَنَّ أَخْذَ الْحَالِفِ بِمَا نَوَاهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ.
مَطْلَبُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتَى بِقَوْلِ الْخَصَّافِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ حَلَّفَهُ ظَالِمٌ فَحَلَفَ وَنَوَى تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَعَلِمَ الْقَاضِي بِحَالِهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ؛ بَلْ يُصَدِّقُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَظْلُومًا فَلَا يُصَدِّقُهُ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى
وَقَالُوا: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَكَذَا بِاَللَّهِ لَوْ مَظْلُومًا وَإِنْ ظَالِمًا فَلِلْمُسْتَحْلِفِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
ــ
[رد المحتار]
الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا حَاصِلُهُ: أَرَادَ السُّلْطَانُ اسْتِحْلَافَهُ بِأَنَّك مَا تَعْلَمُ غُرَمَاءَ فُلَانٍ وَأَقْرِبَاءَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِلَا حَقٍّ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ وَيَنْوِيَ غَيْرَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ عِنْدَ الْخَصَّافِ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، وَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا فَحَلَفَ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ فِي كُمِّهِ إلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. اهـ.
مَطْلَبٌ: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ
(قَوْلُهُ وَقَالُوا النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا يُرِيدُ الْمُسْتَحْلِفَ إنْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ظَالِمًا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَالنِّيَّةُ فِيهِ إلَيْهِ وَإِنْ ظَالِمًا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ اُعْتُبِرَ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
قُلْت: وَتَقَيُّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ اعْتِبَارُهَا فِي الْقَضَاءِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةٍ دِيَانَةً وَبِهِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْخَصَّافِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا كَمَا عَلِمْت. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَوْ مَظْلُومًا وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لَوْ ظَالِمًا، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا مِثَالَ الْأَوَّلِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِيَدِهِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَفَعَهُ لِي فُلَانٌ يَعْنِي بَائِعَهُ لِئَلَّا يُكْرَهَ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَكُونُ يَمِينَ غَمُوسٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَلَا مَعْنَى لِأَنَّ الْغَمُوسَ مَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ، وَمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ فِي يَدِ آخَرَ بِكَذَا وَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا وَجَبَ عَلَيْك تَسْلِيمُهُ إلَيَّ فَحَلَفَ وَنَوَى التَّسْلِيمَ إلَى الْمُدَّعِي بِالْهِبَةِ لَا بِالْبَيْعِ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ غَمُوسٌ مَعْنًى فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَهُوَ ظَالِمٌ أَوَّلًا وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ بِأَنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ أَوْ الْعَتَاقَ عَنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ نَوَى الْإِخْبَارَ فِيهِ كَاذِبًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ ظَالِمًا أَثِمَ إثْمَ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَا نَوَى صِدْقًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ غَمُوسٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ اهـ مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ: وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْخَصَّافِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَظْلُومِ فَيَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَبَيْنَ الظَّالِمِ فَلَا يَصْدُقُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، بَلْ يَأْثَمُ لَوْ ظَالِمًا إثْمَ الْغَمُوسِ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ لَكِنْ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ دِيَانَةً فَقَطْ، فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ دُيِّنَ إنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِعَدَدٍ وَلَوْ مُكْرَهًا صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ.
وَأَمَّا الْحَالِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَا حَقَّ فِيهَا لِلْعَبْدِ حَتَّى يَرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ وَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَكُنْ غَمُوسًا
حَلَفَ (لَا يَشْرَبُ مِنْ) شَيْءٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ نَحْوُ (دِجْلَةَ) فَيَمِينُهُ (عَلَى الْكَرْعِ) مِنْهُ حَتَّى لَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ أَخَذَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: الْكَرْعُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْضِ فِي الْمَاءِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَشْفِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ) فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَرْعِ أَيْضًا (وَفِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَرْعُ) كَالْبِئْرِ وَالْحُبِّ يَحْنَثُ (بِ) الشُّرْبِ بِ (الْإِنَاءِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قَالَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ (وَلَوْ تَكَلَّفَ الْكَرْعَ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْكَرْعُ (لَا يَحْنَثُ) فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْعُرْفِ.
(إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ
ــ
[رد المحتار]
لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ فَيَأْثَمُ إثْمَ الْغَمُوسِ وَإِنْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ قَالَ ح وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِمْ نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ تَصِحُّ دِيَانَةً، فَاغْتَنِمْ تَوْضِيحَ هَذَا الْمَحَلِّ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَهُوَ عَلَى الْكَرْعِ
(قَوْلُهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْكَرْعُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَرَعَ الْمَاءَ كَرْعًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَكُرُوعًا شَرِبَ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنْ شَرِبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِكَرْعٍ وَكَرَعَ فِي الْإِنَاءِ أَمَالَ عُنُقَهُ إلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَيَمِينُهُ عَلَى الْكَرْعِ مِنْهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ بِأَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَوْ نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا وَقَالَ إذَا شَرِبَ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ حَنِثَ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا، بِخِلَافِ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَإِنَّهُ عَلَى الْكَرْعِ مِنْهُ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ كَرْعًا، حَتَّى لَوْ صَبَّ عَلَى كَفِّهِ وَشَرِبَ لَمْ يَحْنَثْ اهـ لَكِنْ فِيهِ إنْ وَضَعَهُ عَلَى فَمِهِ وَشَرِبَهُ مِنْهُ لَا يُسَمَّى كَرْعًا كَمَا مِنْ تَعْرِيفِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ الْكَرْعِ فِي دِجْلَةَ لِحُدُوثِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ، وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ التَّلْوِيحِ، وَفِي النَّهْرِ وَهَذَا الشَّرْطُ أَهْمَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ كَغَيْرِهِمْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُغْرِبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْكَرْعَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَوْ إنَاءً (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَرْعِ أَيْضًا) كَمَا إذَا تَنَاوَلَهُ بِكَفِّهِ أَوْ بِإِنَاءٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ فَمَه دَاخِلَهُ (قَوْلُهُ كَالْبِئْرِ وَالْحُبِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا مُمْتَلِئَيْنِ وَإِلَّا حَنِثَ بِالْكَرْعِ، وَالْحُبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْخَابِيَةُ وَالْكَرَامَةُ غِطَاؤُهَا وَيُقَالُ لَك عِنْدِي حُبٌّ وَكَرَامَةٌ يَعْنِي خَابِيَةٌ وَغِطَاؤُهَا ط (قَوْلُهُ وَلَوْ تَكَلَّفَ الْكَرْعَ) أَيْ مِنْ أَسْفَلِ الْبِئْرِ فِيمَا إذَا قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْبِئْرِ بِدُونِ إضَافَةِ مَاءٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَ عَلَى الْكَرْعِ لِكَوْنِ الْحَقِيقَةِ مَهْجُورَةً كَمَا فِي لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ فِي كُوزٍ آخَرَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَنِثَ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ هَذَا الْحُبِّ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا الْحُبِّ فَنُقِلَ إلَى حُبٍّ آخَرَ اهـ:
مَطْلَبُ تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبَقَائِهَا
(قَوْلُهُ إمْكَانُ تَصَوُّرِ الْبِرِّ) قَالَ فِي الْمِنَحِ كُلُّ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ لَفْظِ تَصَوُّرٍ فَمَعْنَاهُ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مُتَعَقِّلٌ اهـ فَالصَّوَابُ حِينَئِذٍ إسْقَاطُ تَصَوُّرٍ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ط:
قُلْت: لَكِنْ عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِتَصَوُّرِهِ كَوْنُهُ ذَا صُورَةٍ أَيْ كَوْنُهُ مَوْجُودًا فَالْمُرَادُ إمْكَانُ وُجُودِهِ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ) وَلَوْ بِطَلَاقٍ (وَبَقَائِهَا) إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِتَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ (فَفِي) حَلِفِهِ (لَأَشْرَبَنَّ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فِيهِ) مَاءٌ (وَصَبَّ) وَلَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِنَفْسِهِ (فِي يَوْمِهِ) قَبْلَ اللَّيْلِ (أَوْ أَطْلَقَ) يَمِينَهُ عَنْ الْوَقْتِ (وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ) سَوَاءٌ عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّ فِيهِ مَاءً أَوْ لَا فِي الْأَصَحِّ
ــ
[رد المحتار]
فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ إمْكَانُهُ عَقْلًا وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُمْكِنُ عَقْلًا وَلَا عَادَةً كَمَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي فَهَذَا لَا تَنْعَقِدُ فِيهِ الْيَمِينُ وَلَا تَبْقَى مُنْعَقِدَةً بِخِلَافِ مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ عَقْلًا وَعَادَةً أَوْ عَقْلًا فَقَطْ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ عَادَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ وَقَلْبِ الْحَجَرِ ذَهَبًا فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ) قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ لَا تَتَأَتَّى فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ) أَيْ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ بِوَقْتٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِطَلَاقٍ) تَعْمِيمٌ لِلْيَمِينِ أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِطَلَاقٍ (قَوْلُهُ وَبَقَائِهَا) أَيْ شَرْطُ بَقَاءِ الْيَمِينِ مُنْعَقِدَةً، وَهَذَا فِي الْيَمِينِ الْمُقَيَّدَةِ فَقَطْ فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُوَفِّيَنَّك حَقَّك غَدًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَدِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ، بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا تَصَوُّرُ الْبِرِّ فِي الْبَقَاءِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ حَنِثَ (قَوْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِخَيْرٍ أَوْ وَعَدَ بِوَعْدٍ يُؤَكِّدُهُ بِالْيَمِينِ لِتَحْقِيقِ الصِّدْقِ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْبِرَّ ثُمَّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ. لِرَفْعِ حُكْمِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْإِثْمُ لِيَصِيرَ بِالتَّكْفِيرِ كَالْبَارِّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْبِرُّ مُتَصَوَّرًا لَا تَنْعَقِدُ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ خَلَفًا عَنْهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ انْعِقَادِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ وَمَا فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُشْتَرَطُ تَصَوُّرُ الْبِرِّ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ
(قَوْلُهُ فَفِي حَلِفِهِ إلَخْ) فِي مَحَلِّ مَفْعُولٍ فَرْعٌ.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: لِأَنَّ الْيَمِينَ إمَّا مُقَيَّدَةٌ، أَوْ مُطْلَقَةٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَاءٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ صُبَّ، فَفِي الْمُقَيَّدَةِ لَا يَحْنَثُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلِبُطْلَانِهَا عِنْدَ الصَّبِّ فِي الثَّانِي وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ وَيَحْنَثُ فِي الثَّانِي (قَوْلُهُ الْيَوْمَ) أَيْ مَثَلًا إذْ الْمُرَادُ كُلُّ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ يَوْمٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ (قَوْلُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ) أَيْ أَوْ انْصَبَّ بِنَفْسِهِ بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ اللَّيْلِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ (قَوْلُهُ أَوْ لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ فِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا وَقَصَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ تَقَعُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَحْنَثُ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ الْإِطْلَاقَ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ قَيْدٌ لِلتَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَا لَكِنْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا بَيْنَ عِلْمِهِ بِمَوْتِهِ فَيَحْنَثُ، وَبَيْنَ عَدَمِهِ فَلَا وَمِثْلُهُ فِي الْكُنَى فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَيُقَيَّدُ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ لَكِنْ فَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَاكَ بِأَنَّ حِنْثَهُ إذَا عُلِمَ تَكُونُ يَمِينُهُ عُقِدَتْ عَلَى حَيَاةٍ سَتَحْدُثُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ أَمَّا هُنَا فَلِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي الْكُوزِ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَاءٌ مَظْرُوفٌ فِي الْكُوزِ وَقْتَ الْحَلِفِ دُونَ الْحَادِثِ بَعْدُ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ بِأَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ يُرَادُ مَاءٌ مَظْرُوفٌ فِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ أَيْ مَاءٌ سَيَحْدُثُ مِثْلَ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا فَإِنَّ الْفِعْلَ إزْهَاقُ الرُّوحِ فَإِذَا عُلِمَ بِمَوْتِهِ يُرَادُ رَوْحٌ سَتَحْدُثُ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ ذَاتَ الشَّخْصِ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ (وَإِنْ) أَطْلَقَ وَ (كَانَ) فِيهِ مَاءٌ (فَصَبَّ حَنِثَ) لِوُجُوبِ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ كَمَا فَرَغَ وَقَدْ فَاتَ بِصَبِّهِ، أَمَّا الْمُوَقَّتَةُ فَفِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَهَذَا الْأَصْلُ فُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ. .
مِنْهَا إنْ لَمْ تُصَلِّ الصُّبْحَ غَدًا فَأَنْتِ كَذَا لَا يَحْنَثُ بِحَيْضِهَا بُكْرَةً فِي الْأَصَحِّ.
وَمِنْهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي الدِّينَارَ الَّذِي أَخْذَتَيْهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ.
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ]
قَالَ ط: هَلْ يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ؟ قِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ فِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْإِثْمُ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْغَمُوسَ تَكُونُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا مِنْهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ فِي صُورَةِ الْإِرَاقَةِ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُمْكِنَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ غَيْرَهُ فَلَا يُمْكِنُ إعَادَةُ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ وَشُرْبُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. اهـ. ح عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ كَمَا فَرَّعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وُجُوبُهُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ بِمَعْنَى تَعَيُّنِهِ حَتَّى يَحْنَثَ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ الْمُوسِعِ إلَى الْمَوْتِ، فَيَحْنَثُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَالْمُوَقَّتَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَذَلِكَ الْجُزْءُ بِمَنْزِلَةِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فَلِأَيِّ مَعْنًى تَبْطُلُ الْيَمِينُ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ فِي الْمُوَقَّتَةِ، وَلَمْ تَبْطُلْ عِنْدَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ فِي الْمُطْلَقَةِ. اهـ.
وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْمُوَقَّتَةِ لَمْ يُلْزِمْ نَفْسَهُ بِالْفِعْلِ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ.
قُلْت: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ دَافِعٍ مَعَ اسْتِلْزَامِهِ وُجُوبَ الْبِرِّ فِي الْمُطْلَقَةِ عَلَى فَوْرِ الْحَلِفِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فَافْهَمْ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ لَمَّا كَانَ لَهَا غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ فَقَدْ فَاتَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَتَبْطُلُ وَلَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ وَقْتَ تَعَيُّنِهِ أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَغَايَتُهَا آخِرُ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ لَا يُمْكِنُ الْبِرُّ فِيهِ، وَلَا خَلْفَهُ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَفِي تَأْخِيرِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ إضْرَارٌ بِالْحَالِفِ لِأَنَّهُ إذَا حَنِثَ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّكْفِيرُ وَلَا الْوَصِيَّةُ بِالْكَفَّارَةِ، فَيَبْقَى فِي الْإِثْمِ فَتَعَيَّنَ الْوُجُوبُ قَبْلَهُ وَلَا تَرْجِيحَ لِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ، فَلَزِمَ الْوُجُوبُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ عَدَمِ الْفَوَاتِ، فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ ظَهَرَ أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مُضَيَّقًا مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَنَظِيرُهُ مَا قَرَّرُوهُ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ مُوَسَّعًا، فَقَدْ ظَهَرَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ اُعْتُبِرَ آخِرُ الْوَقْتِ فِي الْمُوَقَّتَةِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ آخِرُ الْحَيَاةِ فِي الْمُطْلَقَةِ هَذَا مَا وَصَلَ إلَيْهِ فَهْمِي الْقَاصِرُ فَتَدَبَّرْهُ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا الْأَصْلُ) وَهُوَ إمْكَانُ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
(قَوْلُهُ مِنْهَا إلَخْ) وَمِنْهَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ بِقَوْلِهِ: لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ إلَخْ، وَمِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَمَا أَصْبَحَ: إنْ لَمْ أُجَامِعْك هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ كَذَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصْبَحَ انْصَرَفَ إلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، وَإِنْ نَوَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَطَلَتْ يَمِينُهُ، وَكَذَا إنْ تَمَّتْ اللَّيْلَةُ أَوْ إنْ لَمْ أَبِتْ اللَّيْلَةَ هُنَا وَقَدْ انْفَجَرَ الصُّبْحُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ النَّوْمَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ كَقَوْلِهِ: إنْ صُمْت أَمْسِ، وَمِنْهَا: إنْ لَمْ آتِ بِامْرَأَتِي إلَى دَارِي اللَّيْلَةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ كُنْت فِي الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَالَتْ كُنْت غَائِبَةً حَنِثَ إنْ صَدَّقَهَا وَمِنْهَا لَا يُعْطِيهِ أَوْ لَا يَضْرِبُهُ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ اهـ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَلَمْ يُقَيِّدْ هَذِهِ بِالْوَقْتِ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ إذَا أُطْلِقَ وَكَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ (قَوْلُهُ فَحَاضَتْ بُكْرَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الطُّلُوعِ أَوْ بُعَيْدَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِيهِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْحِنْثِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُبْتَغَى، لَكِنْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْيَمِينِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَصْحِيحَ الْحِنْثِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ) أَيْ فَلَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ فَلَا يَتَرَتَّبُ الْحِنْثُ ط وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ
وَمِنْهَا: إنْ لَمْ تَهَبِينِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَبُوهَا إنْ وَهَبْتِيهِ فَأُمُّك طَالِقٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ بِمَهْرِهَا ثَوْبًا مَلْفُوفًا وَتَقْبِضَهُ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ لَمْ يَحْنَثْ أَبُوهَا لِعَدَمِ الْهِبَةِ وَلَا الزَّوْجُ لِعَجْزِهَا عَنْ الْهِبَةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ لِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالْبَيْعِ ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ الرُّجُوعَ رَدَّتْهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ وَاَللَّهِ (لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ)
ــ
[رد المحتار]
قَرِيبًا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
(قَوْلُهُ ثَوْبًا مَلْفُوفًا) قَيَّدَ بِهِ لِيُمْكِنَهَا الرَّدُّ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِيَعُودَ مَهْرُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَتَقْبِضُهُ) هَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ ثَبَتَ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ الثَّمَنُ فَانْتَفَيَا قِصَاصًا وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ لِعَجْزِهَا عَنْ الْهِبَةِ إلَخْ) يَشْكُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الدَّيْنَ إذَا قُبِضَ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَهُ الدَّائِنُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْهُ وَقُصَارَى أَمْرِ الشِّرَاءِ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَقَبْضِهِ. اهـ. ح عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ. قُلْت: وَأَصْلُ الْإِشْكَالِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ وَأَجَابَ ط بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِأَنَّهَا إذَا اشْتَرَتْ بِمَهْرِهَا شَيْئًا تَصِيرُ لَا شَيْءَ لَهَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَجْزُ وَعَدَمُ التَّصَوُّرِ شَرْعًا لَا عُرْفًا وَإِلَّا انْتَقَضَ الْأَصْلُ الْمَارُّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ فَافْهَمْ: وَأَجَابَ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّهَا لَمَّا جَعَلَتْ الْمَهْرَ ثَمَنًا وَالْكُلُّ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ تَغَيَّرَ مِنْ الْمَهْرِيَّةِ إلَى الثَّمَنِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَهْرٌ حَتَّى يُوهَبَ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَبَدَلُهُ لَمْ يُدْفَعْ عَلَى صَرِيحِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَمْ يَقَعْ التَّقَاضِي بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُدْفَعْ حَالَةَ كَوْنِهِ وَصْفًا فِي الذِّمَّةِ، حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا
قُلْت: وَالْجَوَابُ الْوَاضِحُ أَنْ يُقَالَ قَدْ قَالُوا إنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا أَيْ إذَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى دَائِنِهِ ثَبَتَ لِلْمَدْيُونِ بِذِمَّةِ دَائِنِهِ مِثْلُ مَا لِلدَّائِنِ بِذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَلِذَا لَوْ أَبْرَأَهُ الدَّائِنُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الدَّائِنُ شَيْئًا مِنْ الْمَدْيُونِ بِمِثْلِ دَيْنِهِ الْتَقَيَا قِصَاصًا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ مَعَ الدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمَدْيُونِ بِذِمَّةِ الدَّائِنِ شَيْءٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا مُعَيَّنٌ وَهُوَ الدَّيْنُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا غَيْرَهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَدْيُونِ ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَبْضِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ بِهِ فَتَدَبَّرْ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ الْحَجَرَ ذَهَبًا
(قَوْلُهُ وَفِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ إلَخْ) مِثْلُهُ إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ بِخِلَافِ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّرْكُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَادَةً، وَفِي الْأَوَّلِ شَرْطُ عَدَمِ الْمَسِّ وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْحَصِيرِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى، وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
قُلْت: وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ فِي قَوْلِك لَا أَمَسُّ السَّمَاءَ وَقَوْلِك أَتْرُكُ مَسَّ السَّمَاءِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُعْتَادٌ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَهَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي إنْ لَمْ تُصَلِّي الصُّبْحَ غَدًا، وَفِي إنْ لَمْ تَرُدِّي الدِّينَارَ وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى فَتَأَمَّلْ.
لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ عَادَةً، وَلَوْ وَقَّتَ الْيَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَفِي حِيرَةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَعْرُجْ إلَى السَّمَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ كَذَا يَنْصِبُ سُلَّمًا ثُمَّ يَعْرُجُ إلَى سَمَاءِ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15]- أَيْ سَمَاءِ الْبَيْتِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا عَنْ قَاعِدَةِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ (لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا عَالِمًا بِمَوْتِهِ) إذْ يُمْكِنُ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْنَثُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) بِمَوْتِهِ (فَلَا) يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَكَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ يَجُوزُ تَحْوِيلُ الصِّفَاتِ وَتَحْوِيلُ الْأَجْزَاءِ
(قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً) لِأَنَّهُ صَعِدَتْهَا الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ وَكَذَا تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحَيُّلِ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ إلَى صِفَةِ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ، وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ) عَطْفٌ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ الْمُقَامِ: أَيْ فَتَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ ط قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَبِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَبِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَادَةً حَنِثَ لِلْحَالِ، وَهَذَا الْعَجْزُ لَيْسَ الْعَجْزَ الْمُقَارِنَ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْبِرِّ الْوَاجِبِ بِالْيَمِينِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْعَجْزِ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ مُقَارِنٌ لِلْيَمِينِ فَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ، فَعِنْدَهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَلَا يَحْنَثُ لِإِلْحَاقِهِ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ.
[تَنْبِيهٌ]
الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ هُنَا عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَالتَّصَوُّرِ عَادَةً فَلَوْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ) أَيْ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ. اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَهُوَ آثِمٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِيمَنْ قَالَ: لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ أَنَّهُ آثِمٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُ إلَّا عَلَى مَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا إلَخْ) هَذَا الِاعْتِذَارُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَصِّ الْمَذْهَبِ لَا إنْ كَانَتْ مِنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةً لَذَكَرُوا اسْتِثْنَاءَهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ وَهِيَ الْعُرْفُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا نَوَى سَقْفَ الْبَيْتِ كَمَا أَجَابُوا عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني فِي لَا يَهْدِمُ بَيْتًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ السَّابِقِ فَرَاجِعْهُ لِيَظْهَرَ لَك مَا قُلْنَا
(قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ فِي الِانْعِقَادِ وَالْحِنْثِ لِلْحَالِ وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ احْتِرَازًا عَنْ الضَّرْبِ فَفِي الْخَانِيَّةِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا وَلَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَأَنَّهُ تَصَوُّرٌ وَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَيَحْنَثُ كَمَا فِي صُعُودِ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ، لَا فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فِيهَا، فَإِنَّ حِنْثَ الْعَالِمِ هُنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ كَمَا عَلِمْت أَمَّا فِي الْكُوزِ لَوْ خُلِقَ الْمَاءُ لَا يَكُونُ عَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ أَصْلًا فَكَانَ الْمَاءُ نَظِيرَ الشَّخْصِ لَا نَظِيرَ الْحَيَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ
لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ. .
(حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَأَيْقَظَهُ) فَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ مُسْتَيْقِظًا حَنِثَ لَوْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ بِشَرْطِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْيَمِينِ، فَلَوْ قَالَ مَوْصُولًا: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْنَافَ وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَلَوْ قَالَ: يَا حَائِطُ اسْمَعْ أَوْ اصْنَعْ كَذَا وَكَذَا وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، لَمْ يَحْنَثْ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ: سَأَلَ مُحَمَّدٌ حَالَ صِغَرِهِ أَبَا حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ مَاذَا؟ فَتَبَسَّمَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ اُنْظُرْ حَسَنًا يَا شَيْخُ فَنَكَّسَ أَبُو حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحْسَنْت فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ أَوْجَعُ لِي؟
ــ
[رد المحتار]
وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ الْمَاءُ نَظِيرَ الْحَيَاةِ لَزِمَ التَّفْصِيلُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْحَادِثَةَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ) لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ إمْكَانِ فِعْلِهِ عَادَةً أَيْ بِخِلَافِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مُطْلَقًا فَلِذَا حَنِثَ فِي إنْ لَمْ أَمَسَّ السَّمَاءَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ
(قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ نَوَى يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ بَلَدًا أَوْ مَنْزِلًا فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً وَفِي أَيِّ يَوْمٍ كَلَّمَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ مَا لَيْسَ بِمَلْفُوظٍ اهـ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْ وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ مُتَمَسِّكًا بِمَا فِي السِّيَرِ لَوْ أَمَّنَ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْ مَوْضِعٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ لَكِنَّهُمْ بِاشْتِغَالِهِمْ بِالْحَرْبِ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهَذَا أَمَانٌ. وَدُفِعَ بِالْفَرْقِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمَانَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَوْ بِحَيْثُ يَسْمَعُ) أَيْ إنْ أَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِعَارِضِ شُغْلٍ أَوْ صَمَمٍ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مَعَ الْإِصْغَاءِ لِشِدَّةِ بُعْدٍ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ لَوْ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ لَمْ يَفْهَمْهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ) أَقُولُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ وَصَلَ وَقَالَ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاذْهَبِي لَا يَحْنَثُ وَلَوْ اذْهَبِي أَوْ وَاذْهَبِي يَحْنَثُ اهـ لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُرِدْ الِاسْتِئْنَافَ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُنْتَقَى إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَاذْهَبِي طَلَاقًا طَلُقَتْ بِهِ وَاحِدَةً، وَبِالْيَمِينِ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَقَصَدَ إسْمَاعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهُ مَعَ الْحَائِطِ بَلْ قَصَدَ خِطَابَ الْحَائِطِ فَقَطْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَهُ فَيَدِينَ، أَمَّا لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فَيَصْدُقُ قَضَاءً عِنْدَنَا وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السَّلَامَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ سَبَّحَ لَهُ لِسَهْوٍ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ مُقْتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ يَحْنَثُ.
[تَنْبِيهٌ]
لَوْ قَالَ إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَالْتَقَيَا فَسَلَّمَ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ لَا يَحْنَثُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ وَقَالَتْ هِيَ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهَا وَلَا تَحْنَثُ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ ابْتِدَائِهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ ابْتَدَأْتُك بِكَلَامٍ أَوْ تَزَوُّجٍ أَوْ كَلَّمْتُك قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمَنِي فَتَكَالَمَا أَوْ تَزَوَّجَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ أَبَدًا لِاسْتِحَالَةِ السَّبْقِ مَعَ الْقِرَانِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ حَنِثَ الْحَالِفُ صَوَابُهُ لَا يَحْنَثُ.
(قَوْلُهُ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِالْأُولَى فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ وَتَنْعَقِدُ بِهَا يَمِينٌ أُخْرَى، فَيَحْنَثُ بِهَا فِي الثَّالِثَةِ مَرَّةً لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى قَدْ انْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ، وَفِي
قَوْلُهُ حَسَنًا أَوْ أَحْسَنْت.
(أَوْ) حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ فَأَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِالْإِذْنِ فَكَلَّمَهُ (حَنِثَ) لِاشْتِقَاقِ الْإِذْنِ مِنْ الْأَذَانِ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ وَلَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّ الرِّضَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَيَتِمُّ بِهِ (الْكَلَامُ) وَالتَّحْدِيثُ (لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ) فَلَا يَحْنَثُ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ كَمَا فِي النُّتَفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَا أَقُولُ لَهُ كَذَا فَكَتَبَ إلَيْهِ حَنِثَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ، لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ مَسْأَلَةِ شَمِّ الرَّيْحَانِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ خِلَافًا لِابْنِ سِمَاعَةَ (وَالْإِخْبَارُ وَالْإِقْرَارُ وَالْبِشَارَةُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ، وَالْإِظْهَارُ وَالْإِنْشَاءُ وَالْإِعْلَامُ يَكُونُ) بِالْكِتَابَةِ وَ (بِالْإِشَارَةِ أَيْضًا) وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْإِشَارَةَ دُيِّنَ، وَفِي لَا يَدْعُوهُ أَوْ لَا يُبَشِّرُهُ يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ (إنْ أَخْبَرْتنِي) أَوْ أَعْلَمْتنِي (أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ وَنَحْوُهُ يَحْنَثُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَوْ قَالَ بِقُدُومِهِ وَنَحْوِهِ فَفِي الصِّدْقِ مُحَاصَّةٌ)
ــ
[رد المحتار]
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ ثَلَاثًا لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لِاسْتِئْنَافِ الْكَلَامِ بِخِلَافِ فَاذْهَبِي يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ اهـ وَحَيْثُ انْحَلَّتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ بِالثَّالِثَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا (قَوْلُهُ حَسَنًا أَوْ أَحْسَنْت) لِأَنَّ قَوْلَهُ اُنْظُرْ حَسَنًا يُفِيدُ التَّفْرِيعَ بِأَنَّك لَمْ تَتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ وَقَوْلُهُ أَحْسَنْت وَإِنْ كَانَ تَصْوِيبًا إلَّا أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ قَوْلُهُ فَكُلٌّ مِنْ الْكَلِمَتَيْنِ مُوجِعٌ
(قَوْلُهُ أَوْ حَلَفَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ وَقَوْلُهُ حَنِثَ جَوَابُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ لِاشْتِقَاقِ الْإِذْنِ) أَيْ اشْتِقَاقًا كَبِيرًا كَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ ح.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِمَعْنَاهُ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ خَاطَبَهُ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَظِيرَهُ فِي حَلِفِهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي (قَوْلُهُ فَرَضِيَ) أَيْ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ كَانَ رَضِيَ (قَوْلُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِإِشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ) وَكَذَا بِإِرْسَالِ رَسُولٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عُرْفًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا} [الشورى: 51]- إلَى قَوْلِهِ - {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51]- أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْجَامِعِ) حَيْثُ قَالَ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقُولُ لِفُلَانٍ شَيْئًا فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اهـ فَقَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ سِمَاعَةَ أَيْ فِيهِمَا فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ: الْحِنْثُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُهُ مُطْلَقًا، وَتَفْصِيلُ قَاضِي خَانْ ط (قَوْلُهُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ) أَيْ كَمَا تَكُونُ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْإِيمَاءُ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى الْإِشَارَةِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ وَالْإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ، لِأَنَّ الْأَصْل فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ (قَوْلُهُ وَالْإِظْهَارُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ.
(قَوْلُهُ وَالْإِنْشَاءُ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْمِنَحِ: الْإِفْشَاءُ بِالْفَاءِ أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُفْشِي سِرَّ فُلَانٍ أَوْ لَا يُظْهِرُهُ أَوْ لَا يُعْلِمُ بِهِ يَحْنَثُ بِالْكِتَابَةِ وَبِالْإِشَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ نَوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيْ فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِفْشَاءِ وَالْإِعْلَامِ وَالْإِخْبَارِ كَوْنَهُ بِالْكِتَابَةِ دُونَ الْإِشَارَةِ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَهَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَنَحْوُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّهْرِ الْإِخْبَارَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِخْبَارَ لَا يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ فَمَا مَعْنَى أَنَّهُ يَدِينُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْإِشَارَةَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: دُيِّنَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً كَمَا عَزَاهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَفِيهَا وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْإِشَارَةِ إذَا قَالَ أَشَرْت وَأَنَا لَا أُرِيدُ الَّذِي حَلَفْت عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ جَوَابًا لِشَيْءٍ سُئِلَ عَنْهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ (قَوْلُهُ أَوْ لَا يُبَشِّرُهُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَالْبِشَارَةُ تَكُونُ بِالْكِتَابَةِ. اهـ. ح وَلَعَلَّهُ أَوْ لَا يُسِرُّهُ مِنْ الْإِسْرَارِ (قَوْلُهُ إنْ أَخْبَرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي إلَخْ) وَكَذَا الْبِشَارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْإِعْلَامَ كَالْبِشَارَةِ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ الصِّدْقِ وَلَوْ بِلَا بَاءٍ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي
لِإِفَادَتِهَا إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَحْثِ الْبَاءِ مِنْ الْأُصُولِ، وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْبَابِ الْآتِي.
وَسَأَلَ الرَّشِيدُ مُحَمَّدًا عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَكْتُبُ إلَى فُلَانٍ فَأَوْمَأَ بِالْكِتَابَةِ هَلْ يَحْنَثُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ كَانَ مِثْلَك.
(لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) وَلَوْ عَرَفَهُ فَعَلَى بَاقِيهِ (بِخِلَافِ لَأَعْتَكِفَنَّ) أَوْ لَأَصُومَنَّ (شَهْرًا فَإِنَّ التَّعْيِينَ إلَيْهِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُ لِلْمَدِّ إلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ.
ــ
[رد المحتار]
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ: إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ فَكَذَا حَنِثَ بِالْكَذِبِ كَذَا إنْ كَتَبْت إلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ وَفِي بَشَّرْتنِي أَوْ أَعْلَمْتنِي يُشْتَرَطُ الصِّدْقُ وَجَهْلُ الْحَالِفِ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْأُولَيَيْنِ الدَّالُّ عَلَى الْمُخْبِرِ وَجَمْعُ الْحُرُوفِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ إفَادَةُ الْبِشْرِ وَالْعِلْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِقُدُومِهِ لِأَنَّ بَاءَ الْإِلْصَاقِ تَقْتَضِي الْوُجُودَ وَهُوَ بِالصِّدْقِ وَيَحْنَثُ بِالْإِيمَاءِ فِي أَعْلَمْتنِي وَبِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ فِي الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِإِفَادَتِهَا) أَيْ الْبَاءِ إلْصَاقَ الْخَبَرِ بِنَفْسِ الْقُدُومِ أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ أَخْبَرْتنِي خَبَرًا مُلْصَقًا بِقُدُومِ زَيْدٍ فَاقْتَضَى وُجُودَ الْقُدُومِ لَا مَحَالَةَ قَالَ ط وَفِيهِ أَنَّ الْبَاءَ فِي إنْ أَخْبَرْتنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ مُقَدَّرَةٌ وَمُقْتَضَاهُ قَصْرُهُ عَلَى الصِّدْقِ اهـ.
قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَفَرْقًا بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْمُؤَوَّلِ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهَا لِضَرُورَةِ التَّعْدِيَةِ فَلَا تُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ مَلْفُوظَةً فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ كَتَبْت بِقُدُومِ فُلَانٍ) أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الصِّدْقِ، بِخِلَافِ إنْ كَتَبْت إلَيَّ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَعَبْدِي حُرٌّ يَحْنَثُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ، حَتَّى لَوْ كَتَبَ إلَيْهِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَنَّ زَيْدًا قَدِمَ حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْكِتَابُ إلَى الْحَالِفِ كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ، وَمُفَادُهُ الْحِنْثُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ، وَمُفَادُ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ اشْتِرَاطُ الْوُصُولِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ تَعْلِيلُ التَّلْخِيصِ الْمَارِّ بِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْكِتَابَةِ جَمْعُ الْحُرُوفِ أَيْ تَأْلِيفُهَا بِالْقَلَمِ وَقَدْ وُجِدَ (قَوْلُهُ فَقَالَ نَعَمْ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَكْتُبُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْأَمْرُ بِالْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ فَتْحٌ.
مَطْلَبٌ فِي حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا فَهُوَ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ
(قَوْلُهُ فَمِنْ حِينِ حَلِفِهِ) أَيْ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ دَلَالَةَ حَالِهِ وَهِيَ غَيْظُهُ تُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا إذَا آجَرَهُ شَهْرًا لِأَنَّ الْعُقُودَ تُرَادُ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ الْقَائِمَةِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ تُوجِبُ شَهْرًا شَائِعًا وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ إلَى الْحَالِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَهُ) كَقَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُهُ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَاقِيهِ وَكَذَا السَّنَةُ وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا حَنِثَ بِكَلَامِهِ فِي بَقِيَّةِ اللَّيْلِ وَفِي الْغَدِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلْإِخْرَاجِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً حَنِثَ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ: لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَهُوَ مِنْ سَاعَةِ حَلِفِهِ مَعَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْيَوْمَ مُنَكَّرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْغَدِ فَلَا يَتْبَعُهُ اللَّيْلُ، وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَهُوَ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى مِثْلِهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مَعَ النَّهَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ لَيْلًا لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ النَّفْيَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ إلَخْ) مِثْلُ لَا أُكَلِّمُهُ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَذَكَرَ الشَّهْرَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَبَقِيَ مَا يَلِي يَمِينَهُ دَاخِلًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ وَفِيمَا لَا يَتَنَاوَلُهُ) مِثْلُ لَأَصُومَنَّ أَوْ لَأَعْتَكِفَنَّ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الشَّهْرَ لَا تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ لِتَقْدِيرِ الصَّوْمِ بِهِ وَأَنَّهُ مُنْكَرٌ فَالتَّعَيُّنُ إلَيْهِ بِخِلَافِ إنْ تَرَكْت الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّ الشَّهْرَ مِنْ حِينِ حَلَفَ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذِكْرُ الْوَقْتِ
(حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَحْنَثُ) اتِّفَاقًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَارِجَهَا حَنِثَ عَلَى الظَّاهِرِ) كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَهُ مُطْلَقًا لِلْعُرْفِ وَعَلَيْهِ الدُّرَرُ وَالْمُلْتَقَى بَلْ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِنَا انْتَهَى وَقَوَّاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَائِلًا وَلَا عَلَيْك مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْعُرْفَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ إلْقَاءُ دَرْسٍ مَا لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا الشِّعْرُ فَيَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَنْظُومٌ انْتَهَى، فَغَيْرُ الْمَنْظُومِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.
(حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْيَوْمَ يَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَلَوْ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ فَإِنْ نَوَى مَا فِي النَّمْلِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا) لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الْقُرْآنَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةَ كَذَا أَوْ كِتَابَ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ بِالنَّظَرِ فِيهِ وَفَهْمِهِ بِهِ يُفْتَى وَاقِعَاتٌ. .
(حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ)
ــ
[رد المحتار]
لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ (قَوْلُهُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى، وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَهُ) حَيْثُ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ، وَالْقُرْآنُ كَلَامًا حَتَّى يُقَالَ لِمَنْ سَبَّحَ طُولَ يَوْمِهِ، أَوْ قَرَأَ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاخْتِيرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ اهـ. وَأَفَادَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَخْ يُبَيِّنُ قَوْلَ الشَّارِحِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَقَوَّاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي الْفَتْحِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَائِلًا وَلَا عَلَيْك إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى.
قُلْت: الْأَوْلَوِيَّةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ وَلِمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْبَحْثُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَكَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْ) إشَارَةٌ إلَى مُخَالَفَةِ مَا فِي الْفَتْحِ لِكَلَامِ التَّهْذِيبِ أَوْ إلَى مَا فِي دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْبَحْثِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كَلَامًا مَنْظُومًا وَكَوْنِ قَائِلِهِ مُتَكَلِّمًا أَنْ يُسَمَّى إلْقَاءُ الدَّرْسِ كَلَامًا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ الْكُتُبِ كَذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعُرْفِ وَإِلَّا فَإِنْ وُجِدَ عُرْفٌ فَالْعِبْرَةُ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَافْهَمْ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا أَوْ لَا بَعْدَ غَدٍ فَهِيَ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ
(قَوْلُهُ الْيَوْمَ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَا فِي النَّمْلِ بِأَنْ نَوَى غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الْقُرْآنَ) أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُرِيدُونَ بِغَيْرِ مَا فِي النَّمْلِ الْقُرْآنَ بَلْ التَّبَرُّكَ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: الْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمُ مَا فِيهِ وَقَدْ حَصَلَ، وَيَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ سَطْرٍ مِنْهُ لَا نِصْفِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَفْهُومُ الْمَعْنَى غَالِبًا وَالْمَقْصُودُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَيْنُ الْقُرْآنِ إذْ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ قَالَ ح: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِعُرْفِنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
مَطْلَبُ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَهُوَ عَلَى الْجَدِيدَيْنِ
(قَوْلُهُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا الْيَوْمَ) هَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ هُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى بَاقِي الْيَوْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَلَّذِي مَثَّلَ بِهِ فِي الْكَنْزِ كَعَامَّةِ الْمُتُونِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَعَلَى الْجَدِيدَيْنِ. اهـ. ح أَيْ لَوْ قَالَ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ
لِقِرَانِهِ الْيَوْمَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ فَعَمَّ (فَإِنْ نَوَى النَّهَارَ صَدَقَ) لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ (وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ) أُكَلِّمُ فُلَانًا فَكَذَا (فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ قَالَ (إنْ كَلَّمْته) أَيْ عَمْرًا (إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ حِينَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ فَكَذَا فَكَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ) قَبْلَ (إذْنِهِ حَنِثَ وَ) لَوْ (بَعْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ) لِجَعْلِهِ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ غَايَةً لِعَدَمِ الْكَلَامِ (وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ قَبْلَهُمَا سَقَطَ الْحَلِفُ) قَيَّدَ بِتَأْخِيرِ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدُمَ زَيْدٌ لَمْ يَكُنْ لِلْغَايَةِ بَلْ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَلَا تَطْلُقُ بِقُدُومِهِ بَلْ بِمَوْتِهِ (كَمَا لَوْ قَالَ) لِغَيْرِهِ (وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَتَّى يَأْذَنَ لِي فُلَانٌ أَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ وَاَللَّهِ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَ حَقِّي) أَوْ حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّهُ الْيَوْمَ
ــ
[رد المحتار]
فَهُوَ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. سُمِّيَا جَدِيدَيْنِ: لِتَجَدُّدِهِمَا أَيْ عَوْدِهِمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِنْ كَلَّمَهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا حَنِثَ (قَوْلُهُ لِقِرَانِهِ الْيَوْمَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ إلَّا بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَالسَّفَرِ وَالرُّكُوبِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْكَلَامُ الثَّانِي يُفِيدُ مَعْنًى غَيْرَ مُفَادِ الْأَوَّلِ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِأَلْفَاظٍ مُفِيدَةٍ مَعْنًى كَيْفَمَا كَانَ فَتَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلِذَا يُقَالُ كَلَّمْته يَوْمًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا يَمْتَدُّ الطَّلَاقُ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الظَّرْفُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ إلَّا لِتَعْيِينِ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي بَحْثِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ (قَوْلُهُ صَدَقَ) أَيْ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَعَنْ الثَّانِي لَا يَصْدُقُ قَضَاءً بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ مُفْرَدًا إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَكُنَّا حَسِبْنَا كُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً
…
لَيَالِيَ لَاقَيْنَا جُذَامًا وَحِمْيَرًا
(قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ) أَقُولُ: وَكَذَا مَعَهُمَا لِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ حَتَّى يَدْخُلَهَا فُلَانٌ فَدَخَلَاهَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَا أُكَلِّمُك حَتَّى تُكَلِّمَنِي وَكَذَا إنْ كَلَّمْتُك إلَّا أَنْ تُكَلِّمَنِي. اهـ. سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِجَعْلِهِ الْقُدُومَ وَالْإِذْنَ غَايَةً لِعَدَمِ الْكَلَامِ) أَمَّا الْغَايَةُ فِي " حَتَّى " فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا فِي " إلَّا أَنْ " فَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلَ فِيهَا إلَّا أَنَّهَا تُسْتَعَارُ لِلشَّرْطِ، وَالْغَايَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ لِمُنَاسَبَةٍ هِيَ أَنَّ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ هِيَ لِلِاسْتِثْنَاءِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ عَلَى مَعْنَى امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ أَوْ الْأَحْوَالِ إلَّا وَقْتَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ إذْنِهِ أَوْ إلَّا حَالَ قُدُومِهِ، أَوْ إذْنِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَقْيِيدَ الْكَلَامِ بِوَقْتِ الْإِذْنِ أَوْ الْقُدُومِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ حَنِثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَوْقَاتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتُ. اهـ.
قُلْت: وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْحَالِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا نَاسِيًا فَكَلَّمَهُ مَرَّةً نَاسِيًا ثُمَّ مَرَّةً ذَاكِرًا حَنِثَ وَفِي إلَّا أَنْ يَنْسَى لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ سَقَطَ الْحَلِفُ) أَيْ بَطَلَ وَيَأْتِي وَجْهُهُ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِتَأْخِيرِ الْجَزَاءِ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَخْ أَفَادَهُ ح.
مَطْلَبُ إنْ كَلَّمَهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى
(قَوْلُهُ بَلْ لِلشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهِيَ هُنَا لِلشَّرْطِ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يَقْدَمْ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهَا فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ مَعْنًى فَتَكُونُ لِلشَّرْطِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ) يَعْنِي أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لِلْغَايَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ، وَالطَّلَاقُ مِمَّا لَا تَحْتَمِلُهُ فَتَكُونُ فِيهِ لِلشَّرْطِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ مُثْبَتٌ، فَالْمَفْهُومُ أَنَّ الْقُدُومَ شَرْطُ الطَّلَاقِ لَا عَدَمُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُمِلَ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدُومَ
(فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ) فَالْيَمِينُ سَاقِطَةٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَالِفَ إذَا جَعَلَ لِيَمِينِهِ غَايَةً وَفَاتَتْ الْغَايَةُ بَطَلَ الْيَمِينُ خِلَافًا لِلثَّانِي.
(كَلِمَةُ مَا زَالَ وَمَادَامَ وَمَا كَانَ غَايَةٌ تَنْتَهِي الْيَمِينُ بِهَا) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا مَا دَامَ بِبُخَارَى، فَخَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ فَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ، وَكَذَا لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ مَا دَامَ فِي مِلْكِ فُلَانٍ فَبَاعَ فُلَانٌ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَاقِيهِ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَكَذَا لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ أَوْ حَتَّى أُقَدِّمَك إلَى السُّلْطَانِ الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ بَلْ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَهُ
ــ
[رد المحتار]
رَافِعًا لِلطَّلَاقِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّرْكِيبِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ الْحَالِ مُسْتَمِرًّا إلَى الْقُدُومِ فَيَرْتَفِعُ فَالْقُدُومُ عَلَمٌ عَلَى الْوُقُوعِ قَبْلَهُ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ ارْتِفَاعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَأَمْكَنَ وُقُوعُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدُومِ اُعْتُبِرَ الْمُمْكِنُ فَجُعِلَ عَدَمُ الْقُدُومِ شَرْطًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَمُوتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ الْإِذْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْيَمِينُ) بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ تَصَوُّرِ الْبِرِّ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُوَقَّتَةٌ بِبَقَاءِ الْإِذْنِ وَالْقُدُومِ إذْ بِهِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبِرِّ بِلَا حِنْثٍ وَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ إلَيْهِ الْإِذْنُ وَالْقُدُومُ وَعِنْدَ الثَّانِي لَمَّا كَانَ التَّصَوُّرُ غَيْرَ شَرْطٍ فَعِنْدَ سُقُوطِ الْغَايَةِ تَتَأَبَّدُ الْيَمِينُ فَأَيُّ وَقْتٍ كَلَّمَهُ فِيهِ يَحْنَثُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ كَلِمَةُ مَا زَالَ وَمَا دَامَ إلَخْ) هَذَا مِمَّا دَخَلَ تَحْتَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.
قُلْت: وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَوَّامِ فِي زَمَانِنَا لَا أَفْعَلُ كَذَا طُولَ مَا أَنْتَ سَاكِنٌ. وَفِي الْبَحْرِ: لَا أُكَلِّمُهُ مَا دَامَ عَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ فَنَزَعَهُ ثُمَّ لَبِسَهُ وَكَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُهُ وَعَلَيْهِ هَذَا الثَّوْبُ إلَخْ لِأَنَّهُ مَا جَعَلَ الْيَمِينَ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ بَلْ قَيَّدَهَا بِصِفَةٍ فَتَبْقَى مَا بَقِيَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ. قَالَ لِأَبَوَيْهِ إنْ تَزَوَّجْت مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَكَذَا فَتَزَوَّجَ فِي حَيَاتِهِمَا حَنِثَ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَادُمْتُمَا حَيَّيْنِ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ الْيَمِينُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّزَوُّجُ مَا دَامَا حَيَّيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا.
مَطْلَبُ لَا أَفْعَلُ مَا دَامَ كَذَا
(قَوْلُهُ فَخَرَجَ مِنْهَا) أَيْ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا دَامَ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ مَا دَامَتْ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَهُوَ كَالدَّارِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ مَا دَامَ بِبُخَارَى فَفَارَقَهَا ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ إنْ فَارَقَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَتْ بُخَارَى وَطَنًا لَهُ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ وَشَرِبَ حَنِثَ لِبَقَاءِ وَطَنِهِ بِهَا اهـ وَفِيهَا وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِانْتِقَالٍ تَبْطُلُ بِهِ السُّكْنَى لِأَنَّ مَعْنَى مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ مَا سَكَنْت فِيهَا وَمَا بَقِيَ فِي الدَّارِ وَتَدٌ يَكُونُ سَاكِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ سَاكِنًا بِذَلِكَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ) الَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَكْلُ كُلِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو السُّعُودُ أَيْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ كُلُّ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَشْرَبُهُ فِي شَرْبَةٍ فَالْحَلِفُ عَلَى كُلِّهِ وَإِلَّا فَعَلَى بَعْضِهِ.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْحِنْثِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ. نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا فِي مَا دُمْتُمَا حَيَّيْنِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ عَلَّلَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ الْأَكْلُ حَالَ بَقَاءِ الْكُلِّ فِي مِلْكِ فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ فَافْهَمْ.
مَطْلَبُ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي الْيَوْمَ) أَيْ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يَتْرُكَ لُزُومَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ حَقَّهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ بَلْ يَحْنَثُ بِمُفَارَقَتِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ بِدُونِ إعْطَاءٍ، وَأَمَّا لَوْ فَارَقَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَهُوَ كَذَلِكَ
وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمَ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَهُ بَحْرٌ. وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَجُرَّهُ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَيُحَلِّفَهُ فَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَوْ ظَهَرَ شُهُودٌ سَقَطَ الْيَمِينُ لِتَقَيُّدِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِحَالِ إنْكَارِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ.
(وَفِي) حَلِفِهِ (لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) أَيْ عَبْدَ فُلَانٍ (أَوْ عُرْسَهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ) أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ (إنْ زَالَتْ إضَافَتُهُ) بِبَيْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَدَاوَةٍ (وَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْعَبْدِ)
ــ
[رد المحتار]
بِالْأَوْلَى وَلِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ الْيَوْمَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أُفَارِقُك الْيَوْمَ حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ وَقَّتَ لِلْفِرَاقِ ذَلِكَ الْيَوْمَ بَحْرٌ. وَوَقَعَ فِي الْخَانِيَّةِ ذِكْرُ الْيَوْمِ مُقَدَّمًا وَمُؤَخَّرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَهُ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ فَارَقَهُ فِي الْيَوْمِ لَا يَحْنَثُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَضَاهُ حَقَّهُ وَإِلَّا حَنِثَ فَالْإِطْلَاقُ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى أَفَادَهُ ح.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُفَارِقُنِي فَفَرَّ مِنْهُ يَحْنَثُ
[تَنْبِيهٌ]
قَيَّدَ بِالْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ لَا يُفَارِقُنِي يَحْنَثُ خَانِيَّةٌ. وَفِيهَا لَا أَدَعُ مَالِي عَلَيْك الْيَوْمَ فَحَلَّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي بَرَّ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ فَحَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُلَازِمُهُ إلَى اللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَحِلَّ يَقُولُ لَهُ أَعْطِنِي مَالِي فَإِذَا قَالَهُ صَارَ بَارًّا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الدَّيْنِ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَيَحْفَظُهُ فَلَيْسَ بِمُفَارِقٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَسَائِلِ قَضَاءِ الدَّيْنِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) نَقَلَ فِي الْمِنَحِ هَذَا الْفَرْعَ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى بِعِبَارَةٍ مُطَوَّلَةٍ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِحَالِ إنْكَارِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمَدْيُونُ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ ظَهَرَ شُهُودٌ فَإِنَّهُ بِظُهُورِ الشُّهُودِ لَمْ يَزُلْ الْإِنْكَارُ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّهُ بَعْدَ ظُهُورِ الشُّهُودِ لَا يُمْكِنُ التَّحْلِيفُ تَأَمَّلْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: حَلَّفَهُ لَيُوَفِّيَنَّ حَقَّهُ يَوْمَ كَذَا وَلَيَأْخُذَنَّ بِيَدِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ بِلَا إذْنِهِ فَأَوْفَاهُ الْيَوْمَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِيَدِهِ وَانْصَرَفَ بِلَا إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِيفَاءُ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى الْأَغْرَاضِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعُرْفَ يَصْلُحُ مُخَصَّصًا وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْعُرْفَ يُخَصِّصُ ذَلِكَ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ وَيُوَضِّحُهُ أَيْضًا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ التَّبْيِينِ.
[تَنْبِيهٌ]
رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ لَوْ حَلَفَ أَنْ يَجُرَّهُ إلَخْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ يَشْتَكِيَ فُلَانًا ثُمَّ تَصَالَحَا وَزَالَ قَصْدُ الْإِضْرَارِ وَاخْتَشَى عَلَيْهِ مِنْ الشِّكَايَةِ يَسْقُطُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ فِي الْمَعْنَى بِدَوَامِ حَالَةِ اسْتِحْقَاقِ الِانْتِقَامِ كَمَا ظَهَرَ لِي اهـ فَتَأَمَّلْهُ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ عُرْسَهُ ثُمَّ زَالَتْ الْإِضَافَةُ بِبَيْعٍ أَوْ طَلَاقٍ
(قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) هَذِهِ الْإِضَافَةُ إضَافَةُ مِلْكٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ عُرْسَهُ أَوْ صَدِيقَهُ إضَافَةُ نِسْبَةٍ وَهَذَا فِي إضَافَةِ الْمُفْرَدِ وَأَمَّا إضَافَةُ الْجَمْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ زَوَالُ الْإِضَافَةِ وَالتَّجَدُّدِ، نَعَمْ يُفَرَّقُ فِي إضَافَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ إضَافَةِ الْمِلْكِ وَالنِّسْبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكُلِّ فِي النِّسْبَةِ وَبِأَدْنَى الْجَمْعِ فِي الْمِلْكِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ إنْ زَالَتْ إضَافَتُهُ) أَيْ وَلَوْ إلَى الْحَالِفِ كَمَا فِي لَا آكُلُ هَذَا فَأَهْدَاهُ لَهُ فَأَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ بَحْرٌ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ بِبَيْعٍ) أَيْ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ رَمْلِيٌّ وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ وَالدَّارِ وَمَا بَعْدَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ طَلَاقٍ) رَاجِعٌ لِلْعُرْسِ، وَقَوْلُهُ أَوْ عَدَاوَةٍ رَاجِعٌ لِلصَّدِيقِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْلَكُ كَالدَّارِ)
وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْلَكُ كَالدَّارِ (أَشَارَ إلَيْهِ) بِهَذَا (أَوَّلًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْأَحْرَارِ فَكَانَ كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي تَكْلِيمِ غَيْرِ الْعَبْدِ مِنْ الْعُرْسِ وَالصَّدِيقِ لَا الدَّارِ لِأَنَّهَا لَا تُكَلَّمُ فَتَكُونُ الدَّارُ مَسْكُوتًا عَنْهَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَتَنَبَّهْ.
(إنْ أَشَارَ) بِهَذَا أَوْ عَيَّنَ (حَنِثَ) لِأَنَّ الْحُرَّ يَهْجُرُ لَذَّاتِهِ (وَإِلَّا) يُشِرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ (لَا) يَحْنَثُ (وَحَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ) بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ.
ــ
[رد المحتار]
هَذَا التَّعْمِيمُ لَا يُنَاسِبُ حِلَّهُ الْآتِيَ حَيْثُ جَعَلَ الدَّارَ مَسْكُوتًا عَنْهَا لِكَوْنِهَا لَا تُكَلَّمُ وَجَعَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ قَوْلَهُ وَكَلَّمَهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ أَيْ وَفَعَلَ الْحَالِفُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِأَنْ كَلَّمَ الْعَبْدَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ الْمُعَيَّنَ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَلَوْ فَعَلَ الشَّارِحُ كَذَلِكَ لَصَحَّ تَعْمِيمُهُ هُنَا وَاسْتَغْنَى عَمَّا يَأْتِي.
[تَنْبِيهٌ]
اسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَسْأَلَةً يَحْنَثُ فِيهَا وَإِنْ زَالَتْ الْإِضَافَةُ وَهِيَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ بَائِعُ الطَّعَامِ فَاشْتَرَى مِنْهُ وَأَكَلَ حَنِثَ. قَالَ: وَعَلَّلَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ طَعَامَهُ بِاسْمِ مَا كَانَ مَجَازًا بِحُكْمِ دَلَالَةِ الْحَالِ وَكَذَا لَا أَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ. اهـ.
قُلْت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَائِعًا يُرَادُ بِهِ مَا يُشْتَرَى مِنْهُ أَوْ مَا يَصْنَعُهُ فَلَا تَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِحَالِ قِيَامِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْمِلْكِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ (قَوْلُهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِهَذَا أَوَّلًا) أَمَّا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ فَلِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ فَيَحْنَثُ مَا دَامَتْ الْإِضَافَةُ بَاقِيَةً وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَدِّدَةً بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحِنْثِ. وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافَةٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي مُلَّاكِهَا وَالْيَمِينُ تَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ وَلِهَذَا تَتَقَيَّدُ بِالصِّفَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَاضِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ صِفَةٌ حَامِلَةٌ عَلَى الْيَمِينِ فَتَتَقَيَّدُ بِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ مِلْكًا لِفُلَانٍ نَظَرًا إلَى مَقْصُودِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حِنْثَهُ بِالْمُتَجَدِّدِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُشِرْ حَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ وَإِنْ أَشَارَ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْكَنْزِ ح (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) مُقَابِلُهُ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَبْدَ كَالصَّدِيقِ لَا كَالدَّارِ بَحْرٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ فِي الدَّارِ وَالْعَبْدِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ) هَذَا وَجْهُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلِذَا يُبَاعُ كَالْحِمَارِ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُ أَذًى إنَّمَا يَقْصِدُ هِجْرَانَ سَيِّدِهِ بِهِجْرَانِهِ (قَوْلُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى) لِأَنَّ الْعَبْدَ عَاقِلٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعَادِيَ لِذَاتِهِ وَمَعَ هَذَا قِيلَ إنَّهُ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فَالدَّارُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَيْ لِكَوْنِ هَذَا مُرَادَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ إنْ أَشَارَ بِهَذَا) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَهُ هَذِهِ (قَوْلُهُ أَوْ عَيَّنَ) مِثْلُ لَا أُكَلِّمُ عَبْدَك زَيْدًا (قَوْلُهُ حَنِثَ) أَيْ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ كَمَا فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحُرَّ يَهْجُرُ لَذَّاتِهِ) أَيْ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ، وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي زَيْلَعِيٌّ. أَفَادَ أَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ، فَلَوْ وُجِدَتْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ وَمِثْلُهَا النِّيَّةُ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا إذَا نَوَى فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُشِرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَا يَحْنَثُ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ شَرْحُ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ تَزَوَّجَ بَعْدَ الْيَمِينِ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالْمُتَجَدِّدِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا الْوَاقِعِ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْعَبْدِ مَثَّلَ بِمِثَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَحَنِثَ بِالتَّجَدُّدِ مُرْتَبِطٌ بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ أَيْضًا بِقَرِينَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا حُكْمَ التَّجَدُّدِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ
(لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) مَثَلًا (فَكَلَّمَهُ بَعْدَمَا بَاعَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ وَلِذَا لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَحْنَثْ.
(الْحِينُ وَالزَّمَانُ وَمُنْكِرُهُمَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ (وَبِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (مَا نَوَى) فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ بَدَائِعُ.
ــ
[رد المحتار]
إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُشِرْ فِيهِمَا، أَمَّا إذَا أَشَارَ فِيهِمَا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمُتَجَدِّدَ غَيْرُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ فَافْهَمْ.
وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَنَّهُ إذَا أَضَافَ وَلَمْ يُشِرْ لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْكُلِّ لِانْقِطَاعِ الْإِضَافَةِ وَيَحْنَثُ فِي الْمُتَجَدِّدِ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِهَا. وَإِذَا أَضَافَ وَأَشَارَ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالتَّجَدُّدِ إنْ كَانَ الْمُضَافُ لَا يَقْصِدُ بِالْمُعَادَاةِ وَإِلَّا حَنِثَ اهـ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَإِلَّا حَنِثَ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُضَافُ يَقْصِدُ الْمُعَادَاةَ كَالزَّوْجَةِ وَالصَّدِيقِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ إذَا أَشَارَ مَعَ أَنَّ الْحِنْثَ بِالْمُتَجَدِّدِ هُنَا قَدْ خَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُشِرْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ صَاحِبَ هَذَا الطَّيْلَسَانِ) مُثَلَّثُ اللَّامِ قَامُوسٌ: وَهُوَ ثَوْبٌ طَوِيلٌ عَرِيضٌ قَرِيبٌ مِنْ طُولِ وَعَرْضِ الرِّدَاءِ مُرَبَّعٌ يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ فَوْقَ نَحْوِ الْعِمَامَةِ، وَيُغَطَّى بِهِ أَكْثَرُ الْوَجْهِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، وَهُوَ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فِيهِ ثُمَّ يُدَارُ طَرَفُهُ الْأَيْمَنُ مِنْ تَحْتِ الْحَنَكِ إلَى أَنْ يُحِيطَ بِالرَّقَبَةِ جَمِيعِهَا ثُمَّ يُلْقَى طَرَفُهُ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ مَثَلًا) لِأَنَّ قَوْلَهُ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي لِمَعْنَى الطَّيْلَسَانِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَقَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِعَيْنِهِ فَتْحٌ، قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرِيرًا فَيُعَادِي لِأَجْلِهِ.
قُلْت: هُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عَدَاوَةَ الشَّخْصِ مَنْشَؤُهَا صِفَةٌ فِي الشَّخْصِ وَهِيَ ارْتِكَابُهُ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا وَنَحْوَهُ لَا ذَاتَ الْحَرِيرِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ وَلَوْ امْرَأَةً أَنْ يَحْنَثَ فَافْهَمْ.
مَطْلَبُ لَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا
(قَوْلُهُ الْحِينَ وَالزَّمَانَ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْيِ كَوَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ الْحِينَ أَوْ حِينًا أَوْ الْإِثْبَاتِ نَحْوَ لَأَصُومَنَّ الْحِينَ أَوْ حِينًا أَوْ الزَّمَانَ أَوْ زَمَانًا (قَوْلُهُ مِنْ حِينِ حَلِفِهِ) أَيْ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ شَاءَ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ فَتْحٌ: أَيْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ كَمَا فِي - {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17]- وَأَرْبَعُونَ سَنَةً كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي - {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]- وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي - {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25]- لِأَنَّهَا مُدَّةُ مَا بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ الطَّلْعُ إلَى أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا، فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُقْصَدُ بِالْمَنْعِ لِوُجُودِ الِامْتِنَاعِ فِيهِ عَادَةً وَالْأَرْبَعُونَ سَنَةً لَا تُقْصَدُ بِالْحَلِفِ عَادَةً لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَبَدِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْحِينِ تَأَبَّدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَقَلَّ وَلَا الْأَبَدَ وَلَا أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيُحْكَمُ بِالْوَسَطِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالزَّمَانُ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ بِالنِّيَّةِ) أَيْ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مَا نَوَاهُ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ بِتَفْسِيرِ الضَّمِيرِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى النِّيَّةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا نَوَى فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مَرْجِعٍ مَعْنَوِيٍّ مُتَضَمَّنٍ فِي لَفْظٍ مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا مُتَقَدِّمٍ رُتْبَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا نَوَاهُ كَائِنٌ بِهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْحِينِ وَالزَّمَانِ أَيْ إذَا نَوَى مِقْدَارًا صُدِّقَ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ كَمَا مَرَّ فَتْحٌ.
(وَغُرَّةَ الشَّهْرِ وَرَأْسَ الشَّهْرِ أَوْ لَيْلَةً مِنْهُ) وَمَا يَوْمُهَا (وَأَوَّلُهُ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ وَآخِرَهُ إذَا مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) فَلَوْ حَلَفَ أَنْ يَصُومَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ صَامَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ، وَالصَّيْفُ مِنْ حِينِ إلْقَاءِ الْحَشْوِ إلَى لُبْسِهِ ضِدُّ الشِّتَاءِ بَدَائِعُ.
(وَ) فِي حَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُهُ (الدَّهْرَ أَوْ الْأَبَدَ) هُوَ (الْعُمْرُ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْحَالِفِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ (وَدَهْرٌ) مُنَكَّرٌ (لَمْ يَدْرِ وَقَالَا هُوَ كَالْحِينِ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ الْإِمَامِ شَيْءٌ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِمَا وَفِي السِّرَاجِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ لَا أُكَلِّمُهُ غُرَّةَ الشَّهْرِ أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ
(قَوْلُهُ وَغُرَّةَ الشَّهْرِ وَرَأْسَ الشَّهْرِ) وَكَذَا عِنْدَ الْهِلَالِ أَوْ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ وَإِنْ نَوَى السَّاعَةَ الَّتِي أَهَلَّ فِيهَا صَحَّ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْغُرَّةَ فِي الْعُرْفِ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ لِلْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَسَلْخُ الشَّهْرِ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ (قَوْلُهُ وَأَوَّلَهُ إلَى مَا دُونَ النِّصْفِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْخَامِسَ عَشْرَ لَيْسَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَيُخَالِفُهُ الْفَرْعُ الْآتِي، وَكَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ: حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأَتَاهُ لِتَمَامِ خَمْسَةَ عَشْرَ لَا يَحْنَثُ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَتَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ يَنْبَغِي أَلَا لَا يَحْنَثَ وَإِنْ أَتَاهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَنِثَ اهـ وَنَحْوُهُ فِي ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ يُشِيرُ إلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلُهُ قَبْلَ مُضِيِّ النِّصْفِ وَعَنْ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُك آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ آخِرِهِ فَعَلَى الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ (قَوْلُهُ وَالصَّيْفُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَالْمُخْتَارِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَالِفُ فِي بَلَدٍ لَهُمْ حِسَابٌ يَعْرِفُونَ الصَّيْفَ وَالشِّتَاءَ مُسْتَمِرًّا يُنْصَرَفُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَأَوَّلُ الشِّتَاءِ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ فِيهِ الْحَشْوَ وَالْفَرْوَ، وَآخِرُهُ مَا يَسْتَغْنِي النَّاسُ فِيهِ عَنْهُمَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ إذَا اسْتَثْقَلَ ثِيَابَ الشِّتَاءِ وَاسْتَخَفَّ ثِيَابَ الصَّيْفِ وَالرَّبِيعُ مِنْ آخِرِ الشِّتَاءِ إلَى أَوَّلِ الصَّيْفِ وَالْخَرِيفُ مِنْ آخِرِ الصَّيْفِ إلَى أَوَّلِ الشِّتَاءِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا أَيْسَرُ لِلنَّاسِ
(قَوْلُهُ أَوْ الْأَبَدَ) أَيْ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا بِقَرِينَةِ قَصْرِ التَّفْصِيلِ عَلَى الدَّهْرِ (قَوْلُهُ هُوَ الْعُمْرُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ - لَا أُكَلِّمُهُ الْعُمْرَ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَلَوْ نَكَّرَهُ فَعَنْ الثَّانِي عَلَى يَوْمٍ، وَعَنْهُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَالْحِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَهْرٌ عَنْ السِّرَاجِ (قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ) أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَدْرِ) أَيْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ فَيُتَّبَعُ وَاللُّغَاتُ لَا تَعْرِفُ قِيَاسًا وَالدَّلَائِلُ فِيهِ مُتَعَارِضَةٌ فَتَوَقَّفَ فِيهِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّ دَهْرًا وَالدَّهْرَ سَوَاءٌ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى مَا نَوَى اهـ: أَيْ لَوْ نَوَى مِقْدَارًا مِنْ الزَّمَانِ عَمِلَ بِهِ اتِّفَاقًا فَتْحٌ. فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْته دُهُورًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سَنِينًا أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ. قُلْنَا: هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْرِفُ الدَّهْرَ كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.
قُلْت: وَالْأَحْسَنُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَا هُوَ.
مَطْلَبُ الْمَسَائِلُ الَّتِي تَوَقَّفَ فِيهَا الْإِمَامُ
(قَوْلُهُ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) مِنْهَا لَفْظُ دَهْرٍ، وَمِنْهَا الدَّابَّةُ الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجَلَّةَ، وَقِيلَ الَّتِي أَكْثَرُ غِذَائِهَا. مَتَى يَطِيبُ لَحْمُهَا؟ فَرُوِيَ تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ سَبْعَةً وَمِنْهَا الْكَلْبُ مَتَى يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَفَوَّضَهُ لِلْمُبْتَلَى، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا، وَمِنْهَا وَقْتُ الْخِتَانِ رُوِيَ عَشْرُ سِنِينَ أَوْ سَبْعٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْمَتْنِ،
وَنَقَلَ لَا أَدْرِي عَنْ الْأَئِمَّةِ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا (الْأَيَّامُ وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالشُّهُورُ وَالسُّنُونَ) وَالْجُمَعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَالْأَحَايِينُ وَالدُّهُورُ (عَشَرَةٌ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَفِي لَا يُكَلِّمُهُ الْأَزْمِنَةَ خَمْسُ سِنِينَ
ــ
[رد المحتار]
وَقِيلَ: أَقْصَاهُ اثْنَا عَشَرَ وَمِنْهَا: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا بَالَ مِنْ فَرْجَيْهِ. وَقَالَا يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ وَمِنْهَا سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالتَّوَقُّفُ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ وَمِنْهَا: هَلْ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؟ وَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ، وَمِنْهَا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُعَذِّبُ اللَّهُ أَحَدًا بِلَا ذَنْبٍ وَمَرَّ فِي الْجَنَائِزِ وَمِنْهَا نَقْشُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِهِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَوْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ كَانَ مَنْقُوشًا زَمَنَ الْوَاقِفِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الْجِدَارِ.
وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَنَّهُ نَظَمَهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ بِقَوْلِهِ:
حَمَلَ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ دِينُهُ
…
أَنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِتِسْعَةِ أَسْئِلَهْ
أَطْفَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ أَيْنَ مَحَلُّهُمْ
…
وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ مُفَضَّلَهْ
أَمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ثُمَّ اللَّحْمُ مِنْ
…
جَلَّالَةٍ أَنَّى يَطِيبُ الْأَكْلُ لَهْ
وَالدَّهْرُ مَعَ وَقْتِ الْخِتَانِ وَكَلْبُهُمْ
…
وَصْفُ الْمُعَلَّمِ أَيَّ وَقْتٍ حَصَّلَهْ
وَالْحُكْمُ فِي الْخُنْثَى إذَا مَا بَالَ مِنْ
…
فَرْجَيْهِ مَعَ سُؤْرِ الْحِمَارِ اسْتَشْكَلَهْ
وَأَجَائِزٌ نَقْشُ الْجِدَارِ لِمَسْجِدٍ
…
مِنْ وَقْفِهِ أَمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهْ اهـ
قُلْت: وَأَلْحَقْت بِهَا بَيْتًا آخَرَ فَقُلْت:
وَيُزَادُ عَاشِرَةٌ هَلْ الْجِنِّيّ يُثَا
…
بُ بِطَاعَةٍ كَالْإِنْسِ يَوْمَ الْمَسْأَلَهْ
(قَوْلُهُ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ جِبْرِيلَ أَيْضًا) فِي الْكَرْمَانِيِّ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الْبِقَاعِ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي فَقَالَ عز وجل: خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَخَيْرُ أَهْلِهَا أَوَّلُهُمْ دُخُولًا وَآخِرُهُمْ خُرُوجًا» ) وَفِي الْحَقَائِقِ: أَنَّهُ تَنَبَّهَ لِكُلِّ مُفْتٍ أَنْ لَا يَسْتَنْكِفَ مِنْ التَّوَقُّفِ فِيمَا لَا وُقُوفَ لَهُ عَلَيْهِ إذْ الْمُجَازَفَةُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَضِدِّهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «مَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ أَمْ لَا وَمَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ مَلْعُونٌ أَمْ لَا وَمَا أَدْرِي أَذُو الْقَرْنَيْنِ نَبِيٌّ أَمْ لَا» . اهـ. ح وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَمْرِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ تُبَّعًا مُؤْمِنٌ ط.
(قَوْلُهُ وَالْجُمَعَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْجُمَعَ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، كُلُّ يَوْمٍ هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَا أَنَّهُ يَتْرُكُ كَلَامَهُ عَشْرَةَ أَسَابِيعَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَهَذَا حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ نَوَى الْأَسَابِيعَ هُوَ بِخِلَافِ جُمُعَةٍ مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ جُمُعَةٍ إذَا نَوَى الْأُسْبُوعَ أَوْ لَمْ يَنْوِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ الْأُسْبُوعِ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يُقَالُ لَمْ أَرَك مُنْذُ جُمُعَةٍ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَشَرَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) هَذَا عِنْدَهُ وَقَالَ فِي الْأَيَّامِ، وَأَيَّامُ كَثِيرَةٌ سَبْعَةٌ وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ وَمَا عَدَاهَا لِلْأَبَدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَوْ ثَمَّ مَعْهُودٌ، وَإِلَّا فَلِلْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ لِلْجِنْسِ فَإِمَّا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَدْنَاهُ " أَوْ إلَى الْكُلِّ لَا مَا بَيْنَهُمَا فَهُمَا يَقُولَانِ وُجِدَ الْعَهْدُ فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ لِأَنَّ الْأَيَّامَ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةٍ وَالشُّهُورَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُوجَدْ فَيَسْتَغْرِقُ الْعُمْرَ وَيَقُولُ إنَّ أَكْثَرَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ عَشَرَةٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَلْ اسْتَغْرَقَ الْجَمْعَ وَهُوَ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ الْأَقَلِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ مِنْ الْخَاصِّ وَالْأَصْلُ فِي الْعَامِّ الْعُمُومُ فَحَمَلْنَا عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) يَعْنِي أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْصَى مَا عُهِدَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ لَفْظُ الْجَمْعِ عَلَى الْيَقِينِ لِأَنَّهُ يُقَالُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَأَرْبَعَةُ رِجَالٍ إلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ فَإِذَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ ذَهَبَ الْجَمْعُ فَيُقَالُ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا إلَخْ عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ خَمْسُ سِنِينَ) لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَتْحٌ
(وَمُنْكِرُهَا ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ مَا لَمْ يُوصَفْ بِالْكَثْرَةِ كَمَا مَرَّ.
(حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ) عَبِيدًا أَوْ (عَبِيدَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّهُ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا حَنِثَ إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِفُلَانٍ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ (لَا) يَحْنَثُ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكُلِّ.
(وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى زَوْجَاتِهِ أَوْ أَصْدِقَائِهِ أَوْ إخْوَتِهِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ مِمَّا سُمِّيَ) لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَخٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِ حَنِثَ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ، وَأَلْحَقَ فِي النَّهْرِ الْأَصْدِقَاءَ وَالزَّوْجَاتِ.
قُلْت: وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْجَمْعُ لِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ. وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالثِّيَابُ وَالنِّسَاءُ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ إجْمَاعًا لِانْصِرَافِ الْمُعَرَّفِ لِلْعَهْدِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلِلْجِنْسِ، وَلَوْ نَوَى الْكُلَّ صَحَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَمُنْكِرُهَا) أَيْ مُنْكِرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ وَيُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا ط.
(قَوْلُهُ لَا يُكَلِّمُ عَبِيدًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُضَافِ ط وَإِلَى أَنَّهُ لَا غَيْرُ فَرْقٌ بَيْنَ مُنْكِرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَارَّةِ، وَمُنْكِرِ غَيْرِهَا إذَا لَمْ يُوصَفْ بِالْكَثْرَةِ وَيَأْتِيك قَرِيبًا تَحَقُّقُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْكُلِّ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَذَا فِي الزِّيَادَاتِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَعْنًى فِي هَؤُلَاءِ) فَإِنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِمْ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ فَتَعَلَّقَتْ الْيَمِينُ بِأَعْيَانِهِمْ، فَمَا لَمْ يُكَلِّمْ الْكُلَّ لَا يَحْنَثُ، وَفِي الْأَوَّلِ إضَافَةُ مِلْكٍ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالْهِجْرَانِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمَالِكُ، فَتَنَاوَلَتْ الْيَمِينُ أَعْيَانًا مَنْسُوبَةً إلَيْهِ وَقْتَ الْحِنْثِ، وَقَدْ ذَكَرَ النِّسْبَةَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ.
قُلْت: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ عَدَمَ الْكَلَامِ مَعَ أَيِّ زَوْجَةٍ مِنْهُنَّ وَمَعَ مَنْ كَانَ لَهُ صَدَاقَةٌ مَعَ فُلَانٍ ط.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا أَوَّلَ الْأَيْمَانِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ عَنْ الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْتِ إلَى أَقْرِبَائِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهِ) أَيْ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ حَنِثَ لِأَنَّ الْجَمْعَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ كَلَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ، لَكِنَّ الْفَرْقَ هُنَا أَنَّ إخْوَةَ فُلَانٍ خَاصٌّ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ (قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ فِي النَّهْرِ) أَيْ بِالْإِخْوَةِ بَحْثًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَصْدِقَاءِ وَالزَّوْجَاتِ بَلْ الْأَعْمَامِ وَنَحْوِهِمْ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمْ كَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا.
مَطْلَبُ الْجَمْعُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِوَاحِدٍ إلَّا فِي مَسَائِلَ
(قَوْلُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ إلَخْ) ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى آخِرَ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَزَادَ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: فَائِدَةٌ: الْجَمْعُ لَا يَكُونُ أَيْ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ، فَلَهُ كُلُّ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ بَنِيهِ. وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ الْمُقِيمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ أَوْ الْخُبْزِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ. حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ أَوْ النَّاسَ أَوْ بَنِي آدَمَ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَوْ أَهْلَ بَغْدَادَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ وَالنِّسَاءِ، ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي الْوَقْفِ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَطْعِمَةُ وَالثِّيَابُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَتْ مُعَرَّفَةً بِأَلْ مِثْلَ لَا آكُلُ الْأَطْعِمَةَ وَلَا أَلْبَسُ الثِّيَابَ بِخِلَافِ أَطْعِمَةِ زَيْدٍ وَثِيَابِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِيَّةِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ لِانْصِرَافِ الْمُعَرَّفِ لِلْعَهْدِ إلَخْ بَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ.