الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِيَالِي أَوْ عَلَى أَوْلَادِي فَفَعَلَ، قِيلَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِهِ، وَقِيلَ لَا. وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ بِلَا شَرْطِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَجِنَايَةٍ وَمُؤَنٍ مَالِيَّةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَسِيرَ وَمَنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ لِيُصَادِرَهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ خَلِّصْنِي فَدَفَعَ الْمَأْمُورُ مَالًا فَخَلَّصَهُ، قِيلَ يَرْجِعُ، وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ بِهِ يُفْتَى.
(وَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ إرْضَاعُهُ) قَضَاءً بَلْ دِيَانَةً (إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) فَتُجْبَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا الظِّئْرُ تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ بَزَّازِيَّةٌ (وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَالنَّفَقَةَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ الْمُكْثُ
ــ
[رد المحتار]
مِنْ مَالِكَ عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَضَى نَائِبَةَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قُلْت: وَالْمُرَادُ بِالصَّيْرَفِيِّ مَنْ يَسْتَدِينُ مِنْهُ التُّجَّارُ وَيَقْبِضُ لَهُمْ فَيَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ لِلْعُرْفِ بِأَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِإِعْطَائِهِ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّيْرَفِيِّ فَلَا يَرْجِعُ بِقَوْلِهِ أَعْطِ فُلَانًا كَذَا إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ كَجِنَايَةٍ) الَّذِي فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِبَايَةٍ بِالْبَاءِ بَعْدَ الْجِيمِ لَا بِالنُّونِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَجْبِيهِ السُّلْطَانُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قُبَيْلَ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّهُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّوَائِبِ وَلَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَجِبَايَاتِ زَمَانِنَا فَإِنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ كَالدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا (قَوْلُهُ وَمُؤَنٍ مَالِيَّةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِشُمُولِهِ مِثْلَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، لَكِنَّ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا الْأَمْرَ بِإِنْفَاقٍ وَأَدَاءِ خَرَاجٍ وَصَدَقَاتٍ وَاجِبَةٍ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِلَا شَرْطٍ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ عَطْفُ مُرَادِفٍ لِئَلَّا يَشْمَلَ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ (قَوْلُهُ لِيُصَادِرَهُ) أَيْ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَالَهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا فِي الصَّحِيحِ) سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ الرُّجُوعِ بِلَا شَرْطٍ فِي النَّائِبَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّائِبَةَ تَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْأَسِيرِ وَالْمُصَادَرَةِ وَقَاضِي خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ.
[مَطْلَبٌ فِي إرْضَاعِ الصَّغِيرِ]
ِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى أُمِّهِ) أَيْ الَّتِي فِي نِكَاحِ الْأَبِ أَوْ الْمُطَلَّقَةِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خَانِيَّةٌ وَمُجْتَبًى، وَهُوَ الْأَصْوَبُ فَتْحٌ. وَظَاهِرُ الْكَنْزِ أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ لِتَغَذِّيهِ بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ قَالَ: فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ قُدْرَةِ الْأَبِ بِالْمَالِ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْخَصَّافِ وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَتُجْعَلُ الْأُجْرَةُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ. اهـ. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إجْبَارِهَا وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ لَهَا خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَكَذَا الظِّئْرُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْعُيُونِ عَنْ مُحَمَّدٍ: فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ ظِئْرَ الصَّبِيِّ شَهْرًا فَلَمَّا انْقَضَى الشَّهْرُ أَبَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ، وَالصَّبِيُّ لَا يَقْبَلَ ثَدْيَ غَيْرِهَا، قَالَ: أُجْبِرُهَا أَنْ تُرْضِعَ.
اهـ فَالْمُرَادُ بِإِبْقَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتِدَامَةُ حُكْمِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا؛ كَمَا لَوْ مَضَتْ إجَارَةُ السَّفِينَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ إجَارَةٌ مُبْتَدَأَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهَا مَا إذَا تَعَيَّنَتْ لِإِرْضَاعِهِ قَبْلَ اسْتِئْجَارِهَا فَتُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ تَغَذِّيهِ بِالدُّهْنِ مَثَلًا، فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِضَعْفِهِ وَمَوْتِهِ، وَبِهَذَا رَجَّحُوا إجْبَارَ الْأُمِّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الْأُمِّ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ فِي حُكْمِ الْأُمِّ ط (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ الْمُكْثُ إلَخْ) أَيْ بَلْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ
عِنْدَ الْأُمِّ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْعَقْدِ (لَا) يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ (أُمَّهُ لَوْ مَنْكُوحَةً) وَلَوْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى (أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ) وَجَازَ فِي الْبَائِنِ فِي الْأَصَحِّ جَوْهَرَةٌ، كَاسْتِئْجَارِ مَنْكُوحَتِهِ لِوَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا (وَهِيَ أَحَقُّ) بِإِرْضَاعِ -
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ تَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهَا فِيمَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا مِنْ الزَّمَانِ أَوْ تَقُولَ أَخْرِجُوهُ فَتُرْضِعَهُ عِنْدَ فِنَاءِ الدَّارِ ثُمَّ تُدْخِلَ الصَّبِيَّ إلَى أُمِّهِ، أَوْ تَحْمِلَ الصَّبِيَّ مَعَهَا إلَى الْبَيْتِ نَهْرٌ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الظِّئْرَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهَا الْمُكْثُ عِنْدَ الْأُمِّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ طَلَبَتْ الْمُكْثَ عِنْدَهَا لَا يَلْزَمُ الظِّئْرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقَّ الْأُمِّ، فَعَلَى الْأَبِ إحْضَارُ مُرْضِعَةٍ تُرْضِعُهُ وَهُوَ عِنْدَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ قَدْ تَغَيَّبَ عِنْدَ حَاجَةِ الْوَلَدِ إلَى الرَّضَاعِ وَلَا يُمْكِنُ الْأُمَّ إحْضَارُهَا، وَقَدْ لَا تَرْضَى بِإِخْرَاجِ وَلَدِهَا إلَى فِنَاءِ الدَّارِ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَأْجِرُ الْأَبُ أُمَّهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233]- فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهُ عَلَيْهَا مُقَيَّدًا بِإِيجَابِ رِزْقِهَا عَلَى الْأَبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233]- فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِرِزْقِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُمَا فَيَقُومُ الْأَجْرُ مَقَامَهُ. اهـ قُلْت: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ فِعْلَ الْإِرْضَاعِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَمُؤْنَتَهُ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ، فَفِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْعِدَّةِ هُوَ قَائِمٌ بِتِلْكَ الْمُؤْنَةِ لَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُهُ - {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233]- فَإِنَّ إلْزَامَهَا بِإِرْضَاعِهِ مَجَّانًا مَعَ عَجْزِهَا وَانْقِطَاعِ نَفَقَتِهَا عَنْ الْأَبِ مُضَارَّةٌ لَهَا، فَسَاغَ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ قَضَاءً، وَامْتِنَاعُهَا عَنْ إرْضَاعِهِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ دَلِيلُ حَاجَتِهَا وَلَا يَسْتَغْنِي الْأَبُ عَنْ إرْضَاعِهِ عِنْدَ غَيْرِهَا، فَكَوْنُهُ عِنْدَ أُمِّهِ بِالْأُجْرَةِ أَنْفَعَ لَهُ وَلَهَا إلَّا أَنْ تُوجَدَ مُتَبَرِّعَةٌ فَتَكُونَ أَوْلَى دَفْعًا لِلْمُضَارَّةِ عَنْ الْأَبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى) أَيْ لِصَاحِبَيْهِمَا حَيْثُ قَالَا: يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ وَهُمَا نَفَقَةُ النِّكَاحِ وَالْإِرْضَاعِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي عَدَمُ الْجَوَازِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْكُوحَتَهُ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ فِيهِ اجْتِمَاعَ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ صَلَحَ مَانِعًا لَمَا جَازَ هُنَا فَتَدَبَّرْهُ. اهـ ح.
قُلْت: غَايَةُ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ يُفِيدُ عَدَمَ تَسْلِيمِ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ، وَأَنَّ اجْتِمَاعَ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يَنْفِي جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُثْبِتُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ إرْضَاعَ الْوَلَدِ وَاجِبٌ عَلَى أُمِّهِ مَا دَامَ الْأَبُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ مَعَ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، وَفِي أَخْذِهَا الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ أَخْذٌ لِلْأُجْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَيْهَا مَعَ اسْتِغْنَائِهَا، بِخِلَافِ أَخْذِهَا عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ إرْضَاعَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا، فَهُوَ كَأَخْذِهَا الْأُجْرَةَ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدٍ لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَعَلَى إرْضَاعِ غَيْرِهِ، وَلِذَا عَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ مَعْزِيَّا لِلْمَنْصُورِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ أَيْ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ وَأَنَّ فِي كَلَامِ الْهَدِيَّةِ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ، إذْ مِنْ عَادَتِهِ تَأْخِيرُ وَجْهِ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقُدُورِيِّ الْمُعْتَدَّةَ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهِيَ الْأَوْلَى. اهـ
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ كَاسْتِئْجَارِ مَنْكُوحَتِهِ إلَخْ) أَيْ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهِيَ أَحَقُّ) أَيْ إذَا طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ، وَلِذَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ
وَلَدِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ (إذَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً عَلَى مَا تَأْخُذُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ) وَلَوْ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ، بَلْ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ أَحَقُّ مِنْهَا زَيْلَعِيٌّ أَيْ فِي الْإِرْضَاعِ؛ أَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ فَلِلْأُمِّ كَمَا مَرَّ وَلِلرَّضِيعِ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ، وَلِلْأُمِّ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بِلَا عَقْدِ إجَارَةٍ، وَحُكْمُ الصُّلْحِ كَالِاسْتِئْجَارِ. وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ
ــ
[رد المحتار]
وَإِلَّا فَهِيَ أَحَقُّ قَبْلَ الْعِدَّةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَأْخُذُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ دُونَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَطَلَبَتْ الْأُمُّ أَجْرَ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ أَحَقُّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأُمِّ حَيْثُ طَلَبَتْ شَيْئًا، وَلَمْ يُقَيِّدُوا هُنَا بِكَوْنِ الْأَبِ مُعْسِرًا كَمَا فِي الْحَضَانَةِ ط (قَوْلُهُ أَمَّا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَبْقَى لِلْأُمِّ فَتُرْضِعُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ بِالْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَنَحْوِهِ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، وَأَنَّ لِلْأُمِّ أَخْذَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تَكُونُ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُتَبَرِّعَةُ بِهَا أَوْلَى، نَعَمْ لَوْ تَبَرَّعَتْ الْعَمَّةُ بِحَضَانَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْنَعَ الْأُمَّ عَنْهُ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمِّ إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ بِلَا أَجْرٍ وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الْحَضَانَةِ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ انْتِقَالَ الْإِرْضَاعِ إلَى غَيْرِ الْأُمِّ لَا يَتَقَيَّدُ بِطَلَبِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِإِعْسَارِ الْأَبِ وَلَا بِكَوْنِ الْمُتَبَرِّعَةِ عَمَّةً أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَضَانَةِ.
(قَوْلُهُ وَلِلرَّضِيعِ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ) فَبِذَلِكَ صَارَ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثُ نَفَقَاتٍ: أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ مِنْ صَابُونٍ وَدُهْنٍ وَفُرُشٍ وَغِطَاءٍ. وَفِي الْمُجْتَبَى: وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمُؤْنَةُ الرَّضَاعِ وَنَفَقَتُهُ بَعْدَ الْفِطَامِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بَحْرٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمَسْكَنِ الَّذِي تَحْضُنُهُ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي مُعِينِ الْمُفْتِي الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ حَمَوِيٌّ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ ط، وَفِيهِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَضَانَةِ (قَوْلُهُ وَلِلْأُمِّ أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ بِلَا عَقْدِ إجَارَةٍ) بَلْ تَسْتَحِقُّهُ بِالْإِرْضَاعِ فِي الْمُدَّةِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. وَرَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي [الرَّمْزِ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ] بِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاطُ الْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ. اهـ فَافْهَمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ حُسَامِ الدِّينِ عَلَى أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ: فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَطَلَبَتْ أَجْرَ الرَّضَاعِ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَنْظُرُ الْقَاضِي بِكَمْ يَجِدُ امْرَأَةً غَيْرَهَا فَيَأْمُرُ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] إلَخْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْأُجْرَةِ حَوْلَانِ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَا تُسْتَحَقَّ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَتُسْتَحَقُّ فِيهِمَا إجْمَاعًا. وَفِيهِ: لَوْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْحَوْلَيْنِ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ بَعْدَهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا عِنْدَ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ الصُّلْحِ كَالِاسْتِئْجَارِ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَتْ زَوْجَهَا عَنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ عَلَى شَيْءٍ إنْ كَانَ الصُّلْحُ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ جَازَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ، وَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفَقَةُ الْمُرْضِعِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنْ الزَّوْجِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، يَعْنِي أَنَّ مَا تَأْخُذُهُ الْأُمُّ مِنْ الْأَبِ لِتُنْفِقَهُ عَلَى نَفْسِهَا بِمُقَابَلَةِ إرْضَاعِ الْوَلَدِ هُوَ أُجْرَةٌ لَا نَفَقَةٌ، فَإِذَا مَاتَ الْأَبُ لَا تَسْقُطُ هَذِهِ الْأُجْرَةُ بِمَوْتِهِ بَلْ تَجِبُ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ وَتُشَارِكُ غُرَمَاءَهُ، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ أَصْحَابِ دُيُونِهِ؛ وَلَوْ كَانَ نَفَقَةً لَسَقَطَتْ كَمَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي حَلِّ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَأَصْلُهَا لِصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِلَفْظِهَا.