الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَتَجِبُ) النَّفَقَةُ بِأَنْوَاعِهَا عَلَى الْحُرِّ (لِطِفْلِهِ) يَعُمُّ الْأُنْثَى وَالْجَمْعَ (الْفَقِيرِ) الْحُرِّ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ وَالْغَنِيِّ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ؛ فَلَوْ غَائِبًا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ يَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ لَا إنْ نَوَى إلَّا دِيَانَةً؛ فَلَوْ كَانَا فَقِيرَيْنِ فَالْأَبُ يَكْتَسِبُ أَوْ يَتَكَفَّفُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ
ــ
[رد المحتار]
[مَطْلَبٌ الصَّغِيرُ وَالْمُكْتَسِبُ نَفَقَةً فِي كَسْبِهِ لَا عَلَى أَبِيهِ]
ِ (قَوْلُهُ بِأَنْوَاعِهَا) مِنْ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هُنَا أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا عَدَمَ الْوُجُوبِ لِلزَّوْجَةِ، نَعَمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الْخِدْمَةِ فَعَلَى ابْنِهِ خَادِمُهُ وَكَذَلِكَ الِابْنُ (قَوْلُهُ لِطِفْلِهِ) هُوَ الْوَلَدُ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ، وَيُقَالُ جَارِيَةٌ، طِفْلٌ، وَطِفْلَةٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقِيلَ أَوَّلُ مَا يُولَدُ صَبِيٌّ ثُمَّ طِفْلٌ ح عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ يَعُمُّ الْأُنْثَى وَالْجَمْعَ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَى الْأُنْثَى كَمَا عَلِمْته، وَعَلَى الْجَمْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} [النور: 31] فَهُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ كَالْجُنُبِ وَالْفُلْكِ وَالْإِمَامِ - {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]- وَلَا يُنَافِيهِ جَمْعُهُ عَلَى أَطْفَالٍ أَيْضًا كَمَا جُمِعَ إمَامٌ عَلَى أَئِمَّةٍ أَيْضًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ الْفَقِيرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْكَسْبِ، فَإِنْ بَلَغَهُ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهُ أَوْ يَدْفَعَهُ فِي حِرْفَةٍ لِيَكْتَسِبَ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ لَوْ كَانَ ذَكَرًا، بِخِلَافِ الْأُنْثَى كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْحَضَانَةِ عَنْ الْمُؤَيِّدِيَّةِ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: لَوْ اسْتَغْنَتْ الْأُنْثَى بِنَحْوِ خِيَاطَةٍ وَغَزْلٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا نَقُولُ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ مَعَ ذَلِكَ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ كِفَايَتُهَا بِدَفْعِ الْقَدْرِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ بِخِلَافِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ إلْزَامِهَا بِحِرْفَةٍ تَعْلَمُهَا. اهـ أَيْ الْمَمْنُوعَ إيجَارُهَا لِلْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَخْلُو بِهَا وَذَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ فَلَهُ دَفْعُهَا لِامْرَأَةٍ تُعَلِّمُهَا حِرْفَةً كَتَطْرِيزٍ وَخِيَاطَةٍ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ عَلَى مَالِكِهِ) أَيْ لَا عَلَى أَبِيهِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالْغَنِيِّ فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ) يَشْمَلُ الْعَقَارَ وَالْأَرْدِيَةَ وَالثِّيَابَ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِلْأَبِ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَحْرٌ وَفَتْحٌ، لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ عَلَى الصَّوَابِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَلَوْ غَائِبًا) أَيْ فَلَوْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ لَكِنَّهُ غَائِبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ إلَى أَنْ يُحْضِرَ مَالَهُ. وَسُئِلَ الرَّمْلِيُّ عَمَّا إذَا كَانَ لَهُ غَلَّةٌ فِي وَقْفٍ: فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْغَائِبِ.
(قَوْلُهُ إنْ أَشْهَدَ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ، وَكَالْإِشْهَادِ الْإِنْفَاقُ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا إنْ نَوَى) أَيْ لَا يَرْجِعُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ بِلَا إشْهَادٍ وَلَا إذْنِ قَاضٍ: أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ يَكْتَسِبُ أَوْ يَتَكَفَّفُ) قَدَّمَ الْكَسْبَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَوَّلًا، إذْ لَا يَجُوزُ التَّكَفُّفُ: أَيْ طَلَبُ الْكَفَافِ بِمَسْأَلَةِ النَّاسِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاكْتِسَابِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ تُفْرَضُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ فَيَكْتَسِبُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ عَجَزَ لِكَوْنِهِ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَفْرِضُهَا الْقَاضِي عَلَى الْأَبِ وَيَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا قَدَرَ طَالَبَتْهُ بِمَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ امْتَنَعَ مَعَ قُدْرَتِهِ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْكَسْبِ حُبِسَ؛ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ. ولَا يُحْبَسُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَ الصَّغِير (قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ؛ وَقِيلَ نَفَقَتُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: وَتُفْرَضُ عَلَى الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ. وَعَلَى الْمُوسِرِ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أَيْ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ أَوْ الِاكْتِسَابُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِحَاجَتِهِمْ أَوْ لَمْ
وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ ذَخِيرَةٌ. وَلَوْ خَاصَمَتْهُ الْأُمُّ فِي نَفَقَتِهِمْ فَرَضَهَا الْقَاضِي وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهَا لِلْأُمِّ مَا لَمْ تَثْبُتْ خِيَانَتُهَا فَيَدْفَعُ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَصَحَّ صُلْحُهَا عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ تَدْخُلُ تَحْتَ التَّقْدِيرِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ طُرِحَتْ، وَلَوْ عَلَى مَا لَا يَكْفِيهِمْ زِيدَتْ بَحْرٌ؛ وَلَوْ ضَاعَتْ رَجَعَتْ بِنَفَقَتِهِمْ دُونَ حِصَّتِهَا. وَفِي الْمُنْيَةِ: أَبٌ مُعْسِرٌ وَأُمٌّ مُوسِرَةٌ تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ الْمُوسِرِ،
ــ
[رد المحتار]
يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ الْقَرِيبُ إلَخْ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ إنْفَاقَ الْقَرِيبِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْأَبِ عَنْ الْكَسْبِ؛ وَيُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ يَتَكَفَّفُ؛ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَتَكَفَّفُ إنْ لَمْ يُوجَدْ قَرِيبٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمَنْقُولَتَيْنِ آنِفًا عَنْ الْخَصَّافِ؛ لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ أَمَرَ الزَّوْجَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً؛ فَلَوْ مُوسِرَةً تُنْفِقُ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهَا أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ.
مَطْلَبٌ. الْكَلَامُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ وَالْجَدُّ أَوْ الْأُمُّ أَوْ الْخَالُ أَوْ الْعَمُّ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ، وَكَذَا يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ مُوسِرَةٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهَا؛ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ فِي الْأَوَّلِ. اهـ فَتْحٌ. قُلْت: وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ أَحَدٌ فَلَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ بِمُجَرَّدِ إعْسَارِهِ لِتَجِبَ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بَلْ تُجْعَلُ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ تَصْحِيحَ خِلَافِهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ؛ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ زَمِنًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَإِلَّا قُضِيَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَنَا الْآنَ فِي الْأَبِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ خَاصَمَتْهُ الْأُمُّ) أَيْ بِأَنْ شَكَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ أَوْ أَنَّهُ يُقَتِّرُ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ خِيَانَتُهَا) أَيْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهَا لَا تُنْفِقُ أَوْ تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ وَدَعْوَى الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَمِينِ لَا تُسْمَعُ بِلَا حُجَّةٍ فَيَسْأَلُ الْقَاضِي جِيرَانَهَا مِمَّنْ يُدَاخِلُهَا؛ فَإِنْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ الْأَبُ زَجَرَهَا، وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُمْ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ لَهَا إلَخْ) هَذَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَقِبَ مَا مَرَّ فَقَالَ: إنْ شَاءَ الْقَاضِي دَفَعَهَا إلَى ثِقَةٍ يَدْفَعُ لَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهَا جُمْلَةً، وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ غَيْرَهَا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ صُلْحُهَا) قِيلَ فِي وَجْهِهِ إنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ مِنْ جَانِبِ نَفْسِهِ وَالْأُمُّ مِنْ جَانِبِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْحَضَانَةِ وَهِيَ لِلْأُمِّ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ تَدْخُلُ تَحْتَ التَّقْدِيرِ) تَفْسِيرٌ لِلْيَسِيرَةِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَشَرَةً، وَإِذَا نَظَرَ النَّاسَ فَبَعْضُهُمْ يُقَدِّرُ الْكِفَايَةَ بِعَشَرَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِتِسْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خَمْسَةَ عَشْرَ أَوْ عَلَى عِشْرِينَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ تُطْرَحُ عَنْ الْأَبِ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ثُمَّ قَالَ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ إلَخْ. وَالْفَرْقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَفِي حَقِّ الزَّوْجَةِ مُعَارَضَتُهُ عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَلِذَا لَوْ مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَقْضِي بِأُخْرَى لَهَا لَا لَهُ وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ (قَوْلُهُ زِيدَتْ) أَيْ إلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَاعَتْ إلَخْ) الْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْله وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ الْمُوسِرِ) أَيْ لَوْ كَانَ مَعَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ جَدٌّ مُوسِرٌ أَيْضًا تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَلَا يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
وَفِيهَا: لَا نَفَقَةَ عَلَى الْحُرِّ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَوْلَادِهِ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ، وَعَلَى الْكَافِرِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ وَسَيَجِيءُ بَحْرٌ.
(وَكَذَا) تَجِبُ (لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ) كَأُنْثَى مُطْلَقًا وَزَمِنٍ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ وَطَالِبِ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهَا لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذِي رُشْدٍ (لَا يُشَارِكُهُ) أَيْ الْأَبُ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْأَبُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا أَثْلَاثًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُهَا الْأُمُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمُتُونِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تُجْعَلُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ) بَلْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّتَهُمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ غَيْرُ الْمُكَاتَبَةِ، أَمَّا هِيَ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ ط وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ) بَلْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِمَوْلَاهُ فَنَفَقَةُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ كَمَا عَلِمْت. وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْكَافِرِ إلَخْ) فِي الْجَوْهَرَةِ: ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ. اهـ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) يَأْتِي ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الذِّمِّيِّينَ.
(قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ إلَخْ) فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِ أَجَابَهُ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ وَلَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ ذَخِيرَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ الْأَبُ: أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك لَا يُجَابُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَأُنْثَى مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا زَمَانَةٌ تَمْنَعُهَا عَنْ الْكَسْبِ فَمُجَرَّدُ الْأُنُوثَةِ عَجْزٌ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ مَا دَامَتْ زَوْجَةً وَهَلْ إذَا نَشَزَتْ عَنْ طَاعَتِهِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَبِيهَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَتَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهَا فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَزَمِنٍ) أَيْ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ كَعَمًى وَشَلَلٍ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مَا لَا يَكْفِيهِ فَعَلَى أَبِيهِ تَكْمِيلُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ فَرْضٌ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارًا، الْأَوْلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَفَ قَالُوا بِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْأَبِ، لَكِنْ أَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهِ لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِهِمْ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: لَكِنْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ يَعْنِي فِتْنَةَ التَّتَارِ الَّتِي ذَهَبَ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ نَرَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ يَمْنَعُهُمْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ، فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلُ السَّلَفِ، وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ ح: وَأَقُولُ الْحَقُّ الَّذِي تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ الْأَذْوَاقُ السَّلِيمَةُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِذِي الرُّشْدِ لَا غَيْرِهِ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ لِظُهُورِ مَسَالِكِ الِاسْتِقَامَةِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا لَا تَجِبُ لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا الْغَالِبِ عَلَيْهِمْ الْفَسَادُ (قَوْلُهُ لَا يُشَارِكُهُ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ
وَلَوْ فَقِيرًا (أَحَدٌ فِي ذَلِكَ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) بِهِ يُفْتَى مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا فَيَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ، فَتَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ بِلَا رُجُوعٍ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَّا لِأُمٍّ مُوسِرَةٍ بَحْرٌ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ جَوْهَرَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
مِنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي تَجِبُ لِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَقِيرًا) هَذَا مُجَارَاةٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَبَ تَبَعًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي نَفَقَةِ طِفْلِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ (قَوْلُهُ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) أَيْ كَمَا لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَلَا فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْفُرُوعِ، وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا يَعْنِي الْكَبِيرَ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَعَلَى أَبِيهِ خَاصَّةً بِلَا خِلَافٍ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتَصَّ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ. اهـ. ط وَصَرَّحَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَبِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلِذَا تَبِعَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَبِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ يُؤْمَرُ الْجَدُّ بِالْإِنْفَاقِ صِيَانَةً لِوَلَدِ الْوَلَدِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى وَالِدِهِمْ هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ، فَلَمْ يَجْعَلْ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ حَالَ عُسْرَةِ الْأَبِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ الْفَقِيرَ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ عَلَى الْجَدِّ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةَ الصِّغَارِ. اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا: وَلَوْ لَهُمْ أُمٌّ مُوسِرَةٌ أُمِرَتْ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ دَيْنًا تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ إلَخْ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ، وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ. وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ: إنَّ الْأَبَ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَمَرَ الْقَاضِي غَيْرَهُ بِالْإِنْفَاقِ يَرْجِعُ سَوَاءٌ كَانَ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ غَيْرَهُمَا، إذْ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لَحَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى حَالَةِ الْيَسَارِ، لَكِنْ قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا. اهـ. قُلْت: وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنْفِقِ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ غَيْرَهُمَا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ، مَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ زَمِنًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا وَقَدَّمْنَا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ مَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَفَقَةَ الصِّغَارِ وَالْإِنَاثِ الْمُعْسِرَاتِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَا تَسْقُطُ بِفَقْرِهِ. اهـ وَكَذَا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لَهُمْ جَدٌّ مُوسِرٌ لَمْ تُفْرَضْ عَلَيْهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ عِنْدَ وُجُودِ الْأَبِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَدِّ نَفَقَةُ ابْنِهِ الْمَذْكُورِ فَنَفَقَةُ أَوْلَادِهِ أَوْلَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَتِهِمْ وَنَفَقَةِ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ. اهـ عَلَى أَنَّ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ يَرِدُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ رُجُوعَ الْأُمِّ مَعَ أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَوْلَادِهَا مِنْ الْجَدِّ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ، فَكَيْفَ يَرْجِعُ الْأَقْرَبُ دُونَ الْأَبْعَدِ؟ . وَمَسْأَلَةُ رُجُوعِ الْأُمِّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ تُثْبِتُ رُجُوعَ غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ: الْفَقِيرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ. اهـ وَشَمِلَ الْفُرُوعُ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ الْعَاجِزَ وَالْأُنْثَى، وَتَقَدَّمَ آنِفًا فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ جَوْهَرَةٌ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ