المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل إذا اجتمع معرفتان فذهب المتقدمون، ومن المتأخرين أبو جعفر بن - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل إذا اجتمع معرفتان فذهب المتقدمون، ومن المتأخرين أبو جعفر بن

‌فصل

إذا اجتمع معرفتان فذهب المتقدمون، ومن المتأخرين أبو جعفر بن مضاء، وأبو بكر بن طاهر، والأستاذ أبو علي في إقرائه القديم، وابن خروف، وابن عصفور في شرح الجمل الصغير: إلى أن المتكلم بالخيار في جعل أيهما شاء الاسم، والآخر الخبر، وهو ظاهر كلام سيبويه، والفارسي، وتأول الشراح كلامهما. وقالوا: إذا اجتمع معرفتان؛ فإن كانت إحداهما قائمة مقام الأخرى ومشبهة به، فالخبر ما تريد إثباته نحو: كانت عقوبتك عزلتك، وكان زيد زهيرًا، فالعزلة ثابتة، لا العقوبة، والتشبيه بزهير ثابت، ولو قلت كان عزلتك عقوبتك؛ فهو معاقب لا معزول، ولو قلت: كان زهير زيدًا، ثبت التشبيه لزهير بزيد، وإن كانت المعرفة هي الأخرى بنفسها، والمخاطب يعرفهما، والنسبة مجهولة جعلت أيهما شئت الاسم، والآخر الخبر نحو: كان زيد أخا عمرو، وكان أخو عمرو زيدًا، ومعرفته إياهما الواحد بالعيان، والآخر بالسماع، هذا إذا استويا في رتبة التعريف، إلا إن كان أحدهما أن، أو أن المصدريتان فالاختيار: جعلهما الاسم، والآخر الخبر، ولذلك قرأ كثر القراء:{فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} بنصب جواب قومه، وزعم ابن الطراوة: أنه لا يجوز في نحو:

ص: 1175

فما كان جواب قومه، إلا أن يكون الخبر (جواب قومه)؛ لأنه يلي الناقصة فهو في خبر النفي، وإنما ينفي ويوجب الخبر، وأما الاسم فلا يوجب ولا ينفي، ولكن يوجب له، وينفي عنه، وما ذهب إليه مردود بالسماع، وإن لم يستويا في رتبة التعريف كان الاختيار جعل الأعرف منهما الاسم، والآخر الخبر نحو: كان زيد صاحب الدار إلا المشار؛ فإنه يجعل الاسم وغيره من المعارف الخبر. فنقول: كان هذا أخاك، ولا يجوز عكس هذا إلا مع المضمرات، فإن الأفصح تقديمه قالوا: هأنذا، ويجوز هذا أنا، وهذا أنت، وفي تقرير الإخبار عن المضمر بالمشار، وعكسه إشكال، وأي نسبة بينهما يجهلها المخاطب، حتى يصح هذا الإخبار، وإن كانت النسبة معلومة، أو مجهولة، لم يجز التركيب؛ وإن كان يعرف أحدهما، ويجهل الآخر، فالمعروف الاسم، والمجهول الخبر نحو: كان عمرو أخا بكر، إذا كان يعرف أخا بكر، ويجهل كونه عمرًا.

وقال بعض النحاة: «إذا كان أحد الاسمين أعم من الآخر، فالأعم هو الخبر نحو: كان زيد صديقي إذا كان له أصدقاء غيره، ولا يجوز على هذا: كان صديقي زيدًا، وقال أبو بكر بن الصائغ في قوله:

أردت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطا شر النساء البحاتر

ص: 1176

إن البحاتر هو المبتدأ، وشر النساء الخبر؛ لأنه أعم منه وسلم له ابن السيد هذا، وأنه الوجه، والأصل، وأجاز العكس، وقال ابن أبي العافية: إذا كان المبتدأ والخبر معرفتين، فالذي يصح أن يقدر جوابًا لمن يسأل عنه هو الخبر، فإذا قلت: زيد القائم؛ فإن جعلته جوابًا لمن قال: من زيد، فالخبر القائم؛ وإن جعلته جوابًا لمن قال: من القائم؛ فالخبر زيد على ذلك القصد

انتهى.

وزعم ابن الطراوة: أن الذي لا تريد إثباته، تجعله الاسم، والذي تريد إثباته تجعله الخبر نحو قوله:

فكان مضلي من هديت برشده

...

... ....

أثبت الهداية لنفسه، ولو عكس أثبت الإضلال، وهذا الذي زعم ليس على إطلاقه، إنما يتصور إذا قام الخبر مقام الأول، أو كان مشبهًا به، أما إذا كان نفس المبتدأ في المعنى؛ فإن المعنى واحد نحو: كان أخو عمرو زيدًا، وكان زيد أخا عمرو، وضمير النكرة؛ وإن كان معرفة يعامل في باب الإخبار معاملة النكرة إذا اجتمعت المعرفة وجاء في الشعر:

أسكران كان ابن المراغة

...

...

ففي (كان) ضمير سكران، وقد أخب رعنه بابن المراغة، وهو معرفة، والفصيح في الكلام: أسكران كان ابن المراغة بنصب سكران، ورفع ابن المراغة، هذا قول

ص: 1177

سيبويه، واستدلاله به على أن اسم كان نكرة، والخبر معرفة، وزعم المبرد: أن اسم كان ضمير فيها، والضمير معرفة فهو عنده فصيح، ومن النحويين من زعم: أن ضمائر النكرات نكرة، وإن اجتمع نكرتان، ولكل منهما مسوغ، جاز جعل أيهما شئت الاسم، والآخر الخبر نحو: كان رجل تميمي صاحبًا لعمرو، أو لأحدهما مسوغ، ولا للآخر، فذو التسويغ الاسم، والآخر الخبر نحو: كان رجل صالح واقفًا، ولا يجوز: كان واقف رجلاً صالحًا، وإن اجتمع معرفة ونكرة، فالمعرفة الاسم والنكرة الخبر نحو: كان زيد قائمًا، ولا يعكس إلا في الشعر، وإذا كانت النكرة لها مسوغ، وبينت المعنى على الإخبار عن المعرفة بالنكرة كان مقلوبًا نحو: أكان قائم زيدًا، إذا أردت أن المعنى أكان زيد قائمًا، وإن بينت المعنى على الإخبار عن النكرة بالمعرفة لم يكن مقلوبًا نحو: أكان قائم زيدًا، تريد: أكان قائم من القائمين زيدًا، أو القلب للضرورة جائز باتفاق، وإنما الخلاف في جوازه في الكلام.

وقال ابن مالك: وقد يخبر هنا، وفي باب «إن» بمعرفة عن نكرة اختيارًا قال: بشرط الفائدة، وكون النكرة غير صفة محضة فمن ذلك:

... ....

يكون مزاجها عسل وماء

ص: 1178

و:

....

ولا يك موقف منك الوداعا

و:

وإن حراما أن أسب مجاشعًا

... ....

وأجاز سيبويه: إن قريبًا [منك] زيد، وروى هارون القارئ عن

ص: 1179

الأعمش أنه قرأ: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} بنصب صلاتهم، ورفع مكاء وتصدية.

ص: 1180