الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
من مجيء المصدر موضع الحال على مذهب سيبويه، وجمهور البصريين قوله تعالى:{ثم ادعهن يأتينك سعيا} و {ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية} و {وادعوه خوفًا وطمعًا} و {دعوتهم جهارا} وقالت العرب: قتلته صبرًا، ولقيته فجاءة، ومفاجأة، وكفاحًا ومكافحة وعيانًا، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضًا ومشيًا وعدوًا، وطلع بغتة، وأعطيته المال نقدًا، وأخذت ذلك عنه سماعًا وسمعًا، ووردت الماء التقاطًا، ومع كثرة ما ورد من ذلك فقيل: أجمع الكوفيون والبصريون على أنه لا يستعمل من هذه المصادر إلا ما استعملته العرب، ولا يقاس عليه غيره، فلا يجوز جاء زيد بكاء، ولا ضحك زيد بكاء، وإن اختلفوا في التخريج، وشذ المبرد فقال: يجوز القياس فقيل عنه مطلقًا، وقيل فيما هو نوع للفعل نحو: أتيته سرعة، وقال سيبويه: لا تقول: أتيته سرعة، ولا رجلة بل حيث سمع، وذهب الزجاج إلى مذهب سيبويه: لا تقول: أتيته سرعة، ولا رجلة بل حيث سمع، وذهب الزجاج إلى مذهب سيبويه، فيما دل عليه الفعل من بغتة، لكنه يقيس وذلك نحو: أتانا إسراعًا أي مسرعًا، وجريًا أي جاريًا، ولا يكون اسم فعل غير مصدر نحو: أتانا رجلة وسرعة، وجعل السيرافي هذا من باب جلست قعودًا فإذا قلت: زيد يأتي عدوًا فالمعنى: يأتي يعدو عدوًا، وكذلك:{يأتينك سعيا} أي يسعين إليك سعيًا.
ويقدر سيبويه هذه المصادر منصوبة بالفعل قبلها أحوالاً، أي دعوتهم مجاهرًا، وقتلته مصبورًا، وكذا باقيها.
وقال الكوفيون، والأخفش، والمبرد هي مفاعيل مطلقة فقال الكوفيون: منصوبة بالفعل الذي قبلها، وليست في موضع الحال؛ لأن معنى قتله صبره ومعنى أعطاه نقده.
وقال الأخفش، والمبرد: قبل كل مصدر فعل مقدر ذلك الفعل هو الحال، أي زيد طلع، يبغت بغتة، وقتلته أصبره صبرًا، وقيل: هي أحوال على حذف مضاف، أي ذا فجأة، وذا صبر، وقيل هي مصادر على حذف مضاف أي لقاء فجأة، وإتيان ركض، وسير عدو، ويقدر مضافًا محذوفًا من لفظ الفعل، ويقدر فيما جاء معرفة مما تقدم ذكره إرسال العراك، وطلب جهدك، ورجوع عوده، ومرور إيحادي له، ومجيء الجماء، ودخول الأول فالأول، وكلام فيه إلى في، فتنتصب هذه المعارف انتصاب المصادر على تقدير ذلك الحذف على ما يسوغ في المصادر من مجيئها معرفة ونكرة وقال ابن هشام، وهذا تقدير حسن سهل. انتهى.
ومذهب سيبويه أن (أن والفعل) وإن قدر مصدرًا لا يجوز أن يقع حالاً، وذهب ابن جني إلى أنه يجوز أن يقع (أن والفعل) حالاً، كما يقع صريح المصدر قال ذلك في قول الشاعر:
وقالوا لها لا تنكحيه فإنه
…
لأول نصل أن يلاقى مجمعا
ولا يقتصر على السماع في ثلاثة أنواع.
الأول: قولهم: أنت الرجل علمًا فيجوز أن تقول: أنت الرجل أدبًا ونبلاً، والمعنى الكامل في حال علم، وحال أدب وحال نبل، وذهب ثعلب إلى أن المصدر ينتصب في مثل هذا هو مصدر مؤكد لا حال، ويتأول الرجل باسم فاعل مما جاء بعده فكأنه قال: أنت العالم علمًا، والمتأدب أدبًا، والنبيل نبلاً.
ويحتمل عندي أن يكون تمييزًا كأنه قال: أنت الكامل أدبًا أي أدبك، فحول إلى الرجل بمعنى الكامل، كما أجازوا في أرجل عبد الله [أن يرتفع عبد الله على الفاعلية بمعنى أكامل عبد الله]؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن عبد الله أرجل هو امرأة.
النوع الثاني قولهم: هو زهير شعرًا، وحاتم جودًا ويوسف حسنًا، والأحنف حلمًا، أي مثل زهير في حال شعر، وكذلك باقيها، والأظهر أن تكون تمييزًا؛ إذ هو على تقدير (مثل) محذوفة، و (مثل) يكون عنها التمييز نحو: على التمرة مثلها زبدًا. ونصوا على التمييز في قولك: زيد القمر حسنًا، وثوبك السلق خضرة أي مثل القمر حسنًا.
النوع الثالث: قولك: أما علما فعالم تقول ذلك لمن يصف عندك شخصًا بعلم وغيره فتقول: كالمنكر عليه وصفه بغير العلم، والناصب لهذه الحال هو فعل الشرط المحذوف، وصاحب الحال هو المرفوع بفعل الشرط، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء، فالمذكور عالم في حال علم، فلو كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله نحو: أما علمًا فلا علم له، وأما علما فإن له علمًا، وأما علمًا فهو ذو علم، فنصبه بفعل الشرط المقدر، ويتعين إذ ذاك نصب علمًا.
وقال سيبويه: «وقد يرفع في لغة تميم، والنصب في لغتها أحسن» . وتخصيصه الرفع في لغة تميم، دليل على أن غيرهم من العرب ينصب المنكر، ولا نص فيه على تعيين أن أهل الحجاز ينصبون.
وقال ابن مالك: وتلتزم أهل الحجاز النصب، فإن دخلت (أل) رفع بنو تميم فتقول: أما العلم فعالم، وهو عند أهل الحجاز يجوز فيه الرفع وهو الأكثر، وقد ينصبونه، والنصب في ذي (أل) على أنه مفعول من أجله مذهب سيبويه، وذهب الأخفش إلى أنه، والمنكر مفعول مطلق منصوب مؤكد في التعريف (بأل) والتنكير، والعامل فيه ما بعد الفاء إن لم يقترن به مانع، وإن اقترن بالعامل فعل الشرط، وذهب الكوفيون إلى أنه في النصب منكرًا، ومعرفًا (بأل) مفعول به، فيجيزون «أما العبيد فلا عبيد لك» ، وإن كانوا عبيدًا بأعيانهم يجعلون هذا الباب
على إضمار فعل كأنه قال مهما تذكر العبيد، وهو عندهم فعل لا يظهر، وحكوا: أما البصرة فلا بصرة لك، وأما أباك فلا أب لك.
واختار هذا المذهب ابن مالك، وقال به السيرافي في قوله:
…
...
…
... سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا
قدره: مهما تذم الصبر، وروى الكسائي عن العرب، أما قريشًا فأنا أفضلها، ونص سيبويه على أن قولك: أما البصرة فلا بصرة لك لا يجوز فيه إلا الرفع، وأنه لا سبيل إلى النصب، وقال سيبويه بعد كلام: وزعم يونس أن قومًا من العرب يقولون: (أما العبيد فذو عبيد، وأما العبد فذو عبد)، يجرونه مجرى المصدر وهو قليل خبيث، وإنما وجهه وصوابه الرفع، وهو قول العرب، وأبي عمرو، ويونس، ولا أعلم الخليل خالفهما، وقد حملوه على المصدر فقال النحويون: أما العلم والعبيد فذو علم وذو عبيد، وهذا قبيح، ولو كانوا عبيدًا بأعيانهم لم يكن إلا رفعًا
وذهب الزجاج إلى أن قولهم: «أما العبيد» هو على حذف مضاف تقديره: أما ملك العبيد، وهو مفعول له، وذهب السيرافي إلى أنه من وضع الاسم موضع المصدر كأنه قال: أما العبيد فهو ذو عبيد، وقد منع سيبويه: أما قريضًا فأنا أفضلها بالنصب، وإن صحت حكاية الكسائي فذلك قليل، وتقديره: أما ذكرك قريشًا على إضمار المصدر وهو لا ينقاس، وأما قولهم: أما صديقًا فأنت صديق، فحال عند سيبويه مؤكدة، وانتصابها بفعل الشرط المحذوف أو بالصفة التي بعد الفاء، فإن قلت فليس بصديق فانتصابها على ذينك التقديرين، ومنع المبرد انتصابها بالصفة، وذهب الأخفش إلى أن انتصاب صديقًا بأن تكون مضمرة، فليس حالاً، بل خبر يكون، وقال سيبويه: وأما قول الناس: أما أن يكون عالمًا، فهو عالم، وأما أن يعلم شيئًا فهو عالم، فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر، كأنك قلت: أما علمًا وأما كينونة علم فأنت عالم. انتهى. و «أن يكون» في موضع رفع على الابتداء، أو في موضع نصب على المفعول له.
وفي الترشيح: زعم الأخفش أن ناسًا من العرب يقولون: أما العلم فما أعلمني على إضمار (به)، وقال فيه: إن اجتمع مصدر واسم فالمختار أن ينصب المصدر، ويرفع الاسم تقول: أما العلم والعبيد فأنت ذو علم وعبيد، وأما الحمق والمال فأنت ذو حمق ومال، تنصب المصدر على أصله، وترفع الاسم، وبعض النحويين يرى أن ينصب الاسم إذا تقدمه المصدر فيقول: أما العلم والعبيد فهو ذو علم وعبيد، فإن تقدم الاسم رفعوا المصدر فقالوا: أما العبيد والعلم فهو ذو عبيد وذو علم بالرفع، وهذا تفسير غير صواب، والقياس رفع الاسم ونصب المصدر.
وقد يجوز أن تقول: أما العبيد والعلم، وأما العلم والعبيد. فأنت ذو علم وعبيد [فتنصب العبيد قدمت أو أخرت على لغة من نصبهم؛ فقال: أما العبيد فأنت ذو
عبيد]، وهو غير جيد في اللغة، ورأيت سيبويه يقول: ما كان من هذه المصادر نكرة فهو في موضع الحال، وكذلك أما عالمًا فلا علم عنده، وهذه لغة بني تميم؛ فإن أدخلوا الألف واللام رفعوا، وأهل الحجاز ينصبون هذا نكرة ومعرفة على أنه مفعول من أجله كأنه جواب من سأل لأي شيء هو زيد فقلت: أما الطعن فهو طعان، وكذلك النكرة والصفة تنصب على الحال تقول: أما صديقًا مصافيًا فهو صديق مصاف. انتهى.