الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إذا فتحت همزة (إن) أولت عند أكثر النحاة بمصدر، فإذا كان خبرها فعلاً، أو اسمًا ملاقيًا للفعل في الاشتقاق، قدرت بمصدر من لفظ ذلك الفعل، وذلك الاسم نحو: بلغني أنك تنطق، أو منطق أي بلغني الانطلاق، وإن كان ظرفًا أو مجرورًا، قدر مصدر من لفظ الاستقرار العامل فيها نحو: بلغني أنك عند زيد، أو في الدار أي بلغني استقرارك عند زيد، أو في الدار؛ فإن كان جامدًا، قدر الكون أي بلغني أن هذا زيدًا؛ أي كون هذا زيدًا، وذهب السهيلي إلى أنها لا تتقدر بالمصدر، وإنما هي في تأويل الحديث. كذا قال سيبويه، وإنما التي في تأويل المصدر (أن) الناصبة للفعل، وأما المشددة فلا، ألا ترى أن خبرها يكون اسمًا محضًا نحو: علمت أن الليث الأسد، فهذا لا يشعر بالمصدر لأنه لا فعل له. انتهى.
والمشهور أنها تتقدر بالمصدر كما قررنا؛ فإن لزم تقديرها بالمصدر فتحت وجوبًا، وقد يأتي موضع يجوز فيها الفتح والكسر على تقديرين، ويأتي إن شاء الله تعالى.
وعد النحاة حيث تكسر فقالوا: تكسر إذا كانت مبدوءًا بها لفظًا ومعنى نحو: إن زيدًا قائم، وقد أجاز بعضهم أن يبدأ بها مفتوحة نحو: أن زيدًا فاضل عندي، وتقدم ذلك في باب الابتداء، وبعد ألا نحو: ألا إن زيدًا قائم، قال الفارسي، وأصحابنا: وصلة للاسم الموصول نحو قوله تعالى: «وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة» .
وعلى رأي سيبويه: إن جواب قسم، والقسم وجوابه هو الصلة، وتكسر جواب قسم وجوبًا، وسواء أكان في خبرها، أو اسمها اللام، أم لم تكن هذا مذهب البصريين، وأجاز الكسائي، والطوال، والبغداديون الفتح والكسر، واختاروا الفتح، وأجازهما آخرون، واختاروا الكسر، وأوجب الفراء الفتح، والذي يظهر لي أن هذا الخلاف في الفتح إنما هو إذا لم يكن في الخبر، أو الاسم اللام.
ومحكية بالقول في لغة من لا يفتحها بعده قال الله تعالى: «إني منزلها عليكم» ، وواقعة بعد واو الحال نحو: جاء زيد، وإن يده على رأسه، وموقع خبر اسم عين نحو: زيد إنه ذاهب» خلافًا للفراء قال: لا يقال في الكلام: «إن أخاك إنه ذاهب» ، ومنعه هذا يستلزم منع: زيد إنه ذاهب، وقيل لام معلقة نحو:«والله يعلم إنك لرسوله» ، وبعد حيث نحو: اجلس حيث إن زيدًا جالس، وإذا لزم التأويل بالمصدر فتحت، وذلك بعد (لو)
نحو: لو أنك قائم لقمت، التقدير: لو قيامك، ومذهب البصريين قيل: أو جمهورهم على أنه في موضع رفع على الابتداء، والخبر واجب الحذف، وعن البصريين أيضًا لا خبر له، لجريان المسند، والمسند إليه في الذكر، وقال الكوفيون، والمبرد، والزجاج، وتبعهم الزمخشري وجماعة: هو في موضع رفع على الفاعلية أي لو ثبت قيامك، وما ذكره ابن هشام عن البصريين، أن خبر «أن» بعد (لو) لا يكون إلا فعلاً، أو اسم فاعل فلا يجيزون: لو أن زيدًا أخوك لأكرمتك، لعله لا يصح لثبوت ذلك اسمًا جامدًا في القرآن، وفي كلام العرب، وبعد لولا قال تعالى:«فلولا أنه كان من المسبحين» ، وتقدم الخلاف في المرفوع بعد لولا في باب الابتداء، أو بعد (ما) التوقيتة، قال العرب: لا أكلمك ما أن في السماء نجمًا، ولا أفعل ما أن حراء مكانه (أي ما ثبت) كذا قدره ابن مالك، وفي موضع مرفوع نحو: بلغني أنك منطلق، أو مجرور بحرف نحو: عجبت من أنك منطلق، أو بإضافة نحو قوله:
…
...
…
...
…
... كآبة أنها فقدت عقيلا
أو منصوب لا يكون خبرًا نحو: عرفت أنك منطلق؛ فإن كان في موضع خبر في الأصل كسرت نحو: حسبت زيدًا إنه قائم، وفي النهاية: زيد قائم كما أن عمرًا جالس، وأنت صديقي مثل ما أنك مكرمي، يجب فتح إن، وإن كان يجوز أن يجيء هنا المبتدأ والخبر فتقول: زيد قائم كما عمرو جالس. انتهى.
وإذا لم يلزم التأويل بالمصدر جاز الفتح والكسر من ذلك ما ذكره سيبويه: أول ما أقول أني أحمد الله، فمن فتح أن قدرها بالمصدر كأنه قال: أول ما أقول حمد الله، فأول مبتدأ، وأني أحمد الله في موضع الخبر، وما مصدرية، فإن جعلت (ما) موصولة بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، فأجاز ذلك ابن خروف، والصحيح منعه، ومن كسر، فمذهب الجمهور أنه خبر عن أول قولي، وتكون الجملة مقولة، وهو المتفهم من كلام سيبويه، أو خبر عن قول مضمرة، والجملة معمولة له التقدير: أو ما أقول قولي: إني أحمد الله، وروى هذا عن عضد الدولة ابن بويه ممن أخذ عن الفارسي، أو إني أ؛ مد الله معمول لقولي هذا المذكورة أولاً، والخبر محذوف، [وهو قول الفارسي أو معمول لأول ما أقول والخبر محذوف]، وهو قول الأستاذ أبي علي، أو أول مبتدأ لا يحتاج إلى خبر، وهو قول بعض أصحابنا.
وبعد إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا إن الأسد رابض، فالكسر على عدم التأويل بالمصدر، والفتح على تأويله أي فإذا ربوض الأسد، وتقدم الكلام في خبر المبتدأ بعد إذا الفجائية، وبعد فاء الجزاء نحو: من يقصدني فإني أكرمه، فالكسر على الأصل، والفتح على إضمار مبتدأ، وهي ينسبك منها مصدر، يكون الخبر أي فجزاءه إكرامه، وأما إذا وليها ظرف أو مجرور، فإن بعده تفتح، وتكسر نحو: أما عندك أو في الدار، فإن زيدًا قائم؛ فالفتح على تقدير: فقيام زيد، فذلك في موضع مبتدأ، والظرف أو المجرور في موضع خبره، والكسر على استقلال الجملة، وبعد أما نحو: أما أنك ذاهب، فالكسر على أن أما للاستفتاح كألا، والفتح على أن الهمزة للاستفهام، و «ما» بمنزلة حق، وذلك أن (ما) عامة جعلوها بمنزلة شيء ذلك الشيء حق كأنك قلت: أحقًا أنك ذاهب، وانتصابه على الظرف، وأجاز ابن مالك الفتح في أن، على أن تكون (أما) للاستفتاح، وأنك ذاهب في موضع مبتدأ خبره محذوف تقديره؛ أما معلوم ذهابك، وهذا شيء خالف فيه النحاة، وقدره سيبويه: أعلم والله أنك ذاهب، وهو عندي تفسير معنى، وقدره الفراء، وأبو العباس، وجماعة أحلف بالله أنك ذاهب.
وبعد حتى فالكسر على أن (حتى) حرف ابتداء نحو: مرض حتى إن الطير يرحمه، والفتح على أن تكون عاطفة، أو جارة نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، فيتقدر بالمصدر كأنه قال: حتى فضلك أو حتى فضلك، وفي النهاية: أن تفتح وتكسر بعد أي المفسرة: يقول إنسان: أنا أسير بالليل في المفاوز وحدي فتقول له: أي: «إني نجد» ، والنجد: الشجاع، فالكسر على أن تكون الجملة مفسرة لكلام؛ لأن معنى قوله:«أي إني نجد» كأنه قال إني نجد، والفتح على أن يكون من تمام كلامه أي «لأني نجد» واللام معلقة بالفعل الذي في كلامه؛ لأن المعنى: أني لأسير لأني نجد، وكذلك إني أنحر العشار، وأقرى الضيوف، فتقول: أي إني كريم على الوجهين. انتهى.
ومما تفتح فيه إن قولهم: شد ما أنك ذاهب، وعز ما أنك منطلق، فقيل (ما) زائدة لازمة، وشد وعز فعلان، وأنك في موضع الفاعل أي شد ذهابك، وعز انطلاقك، وقيل: تركب الفعل مع ما، وغلب الحرف، ووضع موضع المصدر المنصوب على الظرف، كأنك قلت: شديدًا ذهابك، وعزيزًا انطلاقك، أي فيما يشق ويعز كما قالوا: حقًا أنك ذاهب، فانتصب على الظرف، وقيل شد، وعز بمنزلة نعم، (فما) على هذا تامة، كما ذهب بعضهم إلى ذلك في نعم كأنه قال: شد العمل ذهابك، وعز العمل انطلاقك، وقيل ما تمييز لمضمر في شد وعز، وإنك
ذاهب خبر مبتدأ محذوف، وقيل: ولا يكون مبتدأ؛ لأن أن لا يبتدأ بها.
وبعد لا جرم، وجرم عند سيبويه فعل بمعنى حق، وزعم الخليل أن «جرم» إنما تكون جوابًا لما قبلها من الكلام، يقول الرجل: كان كذا وكذا، وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون، أو سيكون كذا وكذا، و (ما) بعد لا جرم مرفوع على الفاعلية، والوقف على «لا» عند سيبويه، ولا يجوز أن توصل بجرم؛ لأنها ليست نفيها، وذهب الفراء إلى أن «جرم» بمعنى كسب ركبت مع (لا)، وصارت بمنزل لا بد، ولا محالة، ولا تقف على (لا)، وأن بعدها على تقدير (من) كما تقولك لا بد أنك ذاهب أي من أنك ذاهب، وبعد (مذ) و (منذ) تقول ما رأيته مذ أن الله خلقني، هذا باتفاق، واختلفوا في كسرها بعدهما، فمنهم من صرح بجوازه، وهو مذهب الأخفش، ومنهم من صرح بامتناعه، وصحح ابن عصفور الجواز.