الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان، مثال ذلك بالعطف: قام القوم إلا زيدًا وعمرًا، وضربت القوم إلا زيدًا وعمرًا، ومررت بالقوم إلا زيدًا وعمرًا، ومثاله دون عطف أعطيت الناس المال إلا عمرًا الدنانير.
قال ابن السراج: وهذا لا يجوز، فلو قلت: ما أعطيت أحدًا درهمًا إلا عمرًا دانقًا، وأردت الاستثناء لم يجز، وإن أردت البدل جاز أبدلت عمرًا من أحد ودانقًا من درهم.
وقال الزجاج: البدل ضعيف، لأنه لا يجوز بدل اسمين من اسمين لو قلت: ضرب زيد المرأة أخوك هندًا لم يجز، وقد أجاز قوم: أن يستثنى بأداة دون عطف شيئان نحو: ما أخذ أحد إلا زيدًا درهمًا، وما ضرب القوم إلا بعضهم بعضًا، ومنع ذلك الأخفش، والفارسي. فتصحيحهما عند الأخفش، ما أخذ أحد زيد إلا درهمًا، وما ضرب القوم بعضهم إلا بعضًا، وتصحيحهما عند الفارسي: ما أخذ شيئًا إلا زيد درهمًا، وما ضرب القوم أحد إلا بعضهم بعضًا، ولم يبين تخريجه، فجاز أن يكون على البدل، وجاز أن يكون على إضمار في الثاني أي أحدهما ضرب بعضًا.
والسابق بالاستثناء منه أولى من المتأخر عند توسط المستثنى نحو قوله تعالى: {قم الليل إلا قليلا نصفه} ، فـ (إلا قليلا) مستثنى من الليل، فإن تأخر عنهما، فاستثناؤه من الثاني أولى نحو: غلب مائة مؤمن مائتي كافر إلا اثنين، وسواء أكان الثاني فاعلاً، أو مفعولاً، فإن تقدم على ما يصلح الاستثناء منهما، فإما
أن يكون أحدهما مرفوعًا لفظًا أو معنى أو لا، إن لم يكن فمن الأول أولى مطلقًا نحو: استبدلت إلا زيدًا من أصحابنا بأصحابكم.
وإن كان أحدهما مرفوعًا لفظًا، أو معنى فهو أولى مطلقًا نحو: ضرب إلا زيدًا أصحابنا أصحابكم، وملكت إلا الأصاغر عبيدنا أبناءنا، ما لم يمنع مانع نحو: استبدلت إلا زيدًا من إمائنا بعبيدنا، ولا يعتبر إذ ذاك لا تقديم، ولا تأخير، ولا توسط فتقول: طلق نساؤهم الزيدون إلا الحسنيات، وأصبى الزيدين نساؤهم إلا ذوي النهي.
وإذا [كان] عقب الاستثناء معمولات والعامل فيها واحد نحو: اهجر بني فلان وبني فلان إلا من صلح، كان الاستثناء راجعًا إلى تلك المعمولات، وكذا لو تكرر العامل توكيدًا نحو: اهجر بني فلان، واهجر بني فلان إلا من كان صالحًا، فإن اختلف العامل والمعمول واحد، كقوله تعالى:{إلا الذين تابوا} في آية قذف المحصنات. فقال ابن مالك: الحكم كالحكم فيما اتحد فيه العامل، وقال المهاباذي في شرح اللمع: لا يكون الاستثناء إلا من الجملة التي تليه.
فقوله: {إلا الذين تابوا} مستثنى من قوله: {وأولئك هم الفاسقون} لا غير، وحمله على أنه مستثنى من الجميع خطأ، وفي هذه المسألة خلاف، وتفصيل مذكور في علم أصول الفقه.
وإذا كررت (إلا) بعد المستثنى بها توكيدًا أبدل ما يليها مما يليه، إن كان مغنيًا عنه مثاله: قام القوم إلا محمدًا إلا أبا بكر، وأبو بكر كنية محمد، وما قام القوم إلا زيد إلا أخوك، وإن لم يغن عطف بالواو، نحو: قام القوم إلا زيدًا وإلا جعفرًا.
وأجاز الصيمري طرح حرف العطف، وهما مستثنيان من القوم، وقال (إلا) قامت مقام العاطف، وتقول: ما أتاني أحد إلا زيد وإلا عمرو ولا يجوز رفعهما جميعًا إلا بحرف العطف فتقول: وإلا عمرو، ويجوز (عمرو) دون إلا، وأجازت جماعة رفعهما بغير حرف العطف، ولو أظهرت أحدًا لم ترفع اثنين، قال ابن هشام: الأجود أن يحمل على حذف حرف العطف، وقد أجازه ابن الطراوة على غير هذا: حمل الثاني على المعنى، لأن معناه كمعنى الأول وهو مستثنى منه ألا ترى أنه يجوز عطفه عليه بإلا، وبغير إلا، والحمل على المعنى في هذا الباب قوي.
وإن كررت (إلا) لغير توكيد، ولم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض شغل العامل ببعضها، إن كان مفرغًا، ونصب ما سواه مثال ذلك: ما قام إلا زيد إلا عمرًا إلا بكرًا.
والذي يلي العامل من هذه الأسماء أولى أن يفرغ له العامل، ويجوز أن يفرغ الأخير، وينصب المتقدمين، والمتوسط فتقول: قام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بكر، وما قام إلا زيدًا إلا عمرو إلا بكرًا، فإذا رفعت الأول جاز فيما بعده الرفع على البدل بدل البداء، والنصب على الاستثناء، وإن رفعت الآخر نصبت ما تقدم على الاستثناء.
وإن رفعت المتوسط لم يجز فيما قبله إلا النصب على الاستثناء، ويجوز فيما بعده النصب على الاستثناء والرفع على بدل البداء.
وحكم ما فرغ له العامل من المنصوبات، حكم ما فرغ له العامل من المرفوع، نحو: ما ضربت إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا، إن جعلت الأول معمولاً لضربت انتصبت الباقي على الاستثناء. أو على البدل، أو الأخير انتصب ما قبله على الاستثناء، أو المتوسط كان ما قبله منصوبًا على الاستثناء، وما بعده كذلك أو بدل.
والمجرور المفرغ له العامل كذلك تقول: ما مررت إلا بزيد إلا عمرًا إلا خالدًا، وإلا عمرو وإلا خالد، وما مررت إلا زيدًا إلا بعمرو إلا خالدًا وإلا خالد، وما مررت إلا زيدًا إلا عمرًا إلا بخالد، وإن لم يكن العامل مفرغًا، فالنصب على الاستثناء لجميعها إن تقدمت نحو: ما قام إلا زيدًا غلا عمرًا إلا خالدًا أحد، وقام إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا القوم، وما لي إلا زيدًا إلا عمرًا ناصر.
وزعم ابن السيد أنه يجوز في هذا أربعة أوجه:
الأول: النصب على الاستثناء كما ذكر النحاة.
والثاني: النصب على الحال.
والثالث: أن يجعل الأول حالاً والباقي على الاستثناء.
والرابع: أن يكون السابق على الاستثناء، والباقي حالاً، وإن تأخرت، فلأحدهما ماله مفردًا، وللبواقي النصب مثال ذلك: قام القوم إلا زيدًا إلا بكرًا إلا خالدًا، وما جاء أ؛ د إلا زيدًا إلا عمرًا إلا خالدًا، وقال شيخنا أبو الحسن الأبذي: يجوز في الإيجاب الرفع في الجميع على النعت، ونصب الجميع على الاستثناء، ورفع أحدهما على الصفة، ونصب الباقي على الاستثناء، واتبع في جعل المكرر صفة ابن السيد، ومنع ذلك شيخنا أبو الحسن بن الضائع، قال الأبذي: ويجوز في النفي الرفع على البدل فيها، والنصب على الاستثناء فيها، والرفع فيها على النعت، ورفع أحدهما على البدل أو النعت والباقي على الاستثناء، وقد ذكرنا عن ابن الضائع: أنه لا يجيز في المكرر الصفة.
وحكم ما استثنى من المكرر مساو في الدخول للأول، إن كان الاستثناء من غير موجب وفي الخروج إن كان من موجب.
وإن أمكن استثناء بعضها من بعض استثنى كل من متلوه، وجعل كل وتر خارجًا، وكل شفع داخلاً، وما اجتمع فهو الحاصل، وفي هذه المسألة أربعة مذاهب.
أحدها: أنها كلها راجعة إلى الاسم المستثنى منه فإذا قال: له على مائة درهم إلا عشرة إلا اثنين لزمه ثمانية وثمانون.
والمذهب الثاني: أن الأخير مستثنى من الذي قبله، والذي قبله مستثنى من الذي قبله إلى أن ينتهي إلى الأول، ويكون المقر به على هذا اثنين وتسعين درهمًا وهذا مذهب أهل البصرة والكسائي.
المذهب الثالث: أن الاستثناء الثاني منقطع، والمقر به على اثنين وتسعين، فيتحد هذان المذهبان، وإن اختلفا في التخريج، وهو مذهب الفراء.
المذهب الرابع: أنه يجوز أن تعود كلها إلى الاسم الأول، وأن يعود بعضها إلى بعض حتى ينتهي إلى الاسم الأول.
وفرعوا من العدد مسائل كالاستثناء من عدد عددًا، يليه ثم منه عددًا يليه إلى أن ينتهي إلى الأول مبدأ العدد، وذكروا لاستخراج ذلك طرقًا في الحساب، وليس ذلك من غرض النحو، ولا نطقت العرب بتلك التراكيب وهو مخرج على مذهب من أجاز استثناء الأكثر، ومذهب من أجاز الاستثناء من العدد، ومذهب الفراء إذا لم يمكن الاستثناء من عدد يليه نحو: له عندي عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة، أنه يستثنى الثلاثة من الشعرة فيبقى سبعة، فتزيد عليها أربعة، فيكون المقر به أحد عشر، ومذهب غيره أنه يستثنى من العشرة الأربعة بعد استثناء الثلاثة فيكون المقر به ثلاثة، وإذا كانت إلا صفة نحو قولك: له عندي مائة إلا درهمان فهو إقرار بالمائة، فإن قال: إلا درهمين، فهو إقرار بثمانية وتسعين درهمًا.