المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل يجب وصل الفعل بمرفوعه إن خيف التباسه بالمنصوب، وسواء أكان - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٣

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل يجب وصل الفعل بمرفوعه إن خيف التباسه بالمنصوب، وسواء أكان

‌فصل

يجب وصل الفعل بمرفوعه إن خيف التباسه بالمنصوب، وسواء أكان المرفوع فاعلاً، أو مفعولاً لم يسم فاعله، أو اسم كان وأخواتها، والفصل بينهما بالمنصوب جائز، ما لم يعرض موجب البقاء على الأصل، أو الخروج عنه، وخوف الالتباس بكونهما مقصورين، أو مضافين إلى ياء المتكلم أو مشارين، أو نحوهما مما لا يظهر فيه إعراب من غير دليل على تغيير الفاعل موجب، لتقديم الفاعل على المفعول، هكذا قال ابن السراج في أصوله، والجزولي، ومتأخروا أصحابنا، وقد نازعهم أبو العباس بن الحاج الإشبيلي من أصحاب الأستاذ أبي علي، وقال هذا الذي ذكروه لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض، والإلباس لا يعتبر على الإطلاق.

ومن معاني الكلام، ومقصد المتكلم أن يراد الإجمال. وقال الزجاج في معانيه في قوله سبحانه:«فما زالت تلك دعواهم» يجوز أن يكون تلك في موضع رفع على اسم زالت، وفي موضع نصب على خبر زالت، ولا اختلاف بين النحويين في الوجهين، انتهى. ونفرع على المشهور فنقول: إذا ألبس وجب تقديم الفاعل ويزول الإلباس بقرينة معنوية كولدت هذه هذه، تشير بالأولى إلى صغيرة، وقولك: أكل كمثرى موسى، أو لفظية كضربت موسى سعدى، وضرب موسى العاقل عيسى، فلو كان مرفوعًا بالاسم لم يجب اتصاله بالاسم نحو: عجبت من ضرب زيد عمرًا، ومررت برجل راكب أبوه الفرس، فيجوز في هذين تأخير الفاعل عن المفعول، ويجب اتصاله بمرفوعه إن كان ضميرًا غير محصور نحو: ضربت زيدًا، وأكرمتك، وتحت قولنا محصور مسألتان:

ص: 1348

إحداهما: ممنوعة بالإجماع نحو: الزيدين ضربا.

والأخرى: فيها خلاف وهو أن يكون الضمير المتصل بالفعل عائدًا على المفعول نحو: ثوبى أخويك يلبسان، فنقل المنع عن الأخفش، والفراء، ونقل الجواز عن هشام، واختلف النقل عن الكسائي والمبرد، وأكثر البصريين؛ فإن كان الفاعل محصورًا بإنما انفصل الضمير نحو: إما ضرب زيدًا أنا، وتقدم ذكر الخلاف فيه في باب المضمر.

فلو كان المفعول محصورًا، والفاعل ظاهرًا، والحصر بحرف النفي وإلا، فذهب قوم منهم الجزولي، والأستاذ أبو علي، إلى أنه يجب تقديم الفاعل نحو: ما ضرب زيد إلا عمرًا.

وذهب البصريون، والفراء، والكسائي، وابن الأنباري إلى أنه يجوز تقديم الفاعل على المفعول وتأخيره عنه؛ فإن كان المرفوع ظاهرًا، والمنصوب ضميرًا، لم يسبق الفعل وجب تأخير الفاعل نحو: أكرمك زيد، والدرهم أعطانيه عمرو؛ فإن سبق الفعل وجب تقديمه على الفاعل نحو: إياك يكرم زيد، وإن حصر المفعول بإنما وجب تقديم الفاعل نحو: إنما يكرم زيد إياك، وفيه الخلاف الذي في إنما ضرب زيدًا أنا، فإن كان الفاعل محصورًا، والمفعول ظاهرًا، وانحصر بحرف النفي، وإلا نحو: ما ضرب زيدًا إلا عمرو، وما ضرب زيدًا إلا أنا، فذهب البصريون، والفراء، وابن الأنباري إلى أنه يجب تقديم المفعول بخلاف حصر المفعول، وذهب الكسائي إلى أنه يجب التقديم والتأخير كحاله إذا حصر المفعول.

ص: 1349

وذهب قوم منهم الجزولي إلى أنه يجب تقديمه كحال المحصور إذا كان مفعولاً، وإذا كان الحصر بإنما، فذهب الشيخ بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن النحاس، وهو كان نحوي مصر والشام في عصره: أن النحاة أجمعوا على أنه إذا حصر أحدهما وجب تأخيره، وتقديم الآخر؛ فإذا أردت الحصر في المفعول قلت: إنما ضرب عمرو هندًا، وإذا أردت الحصر في الفاعل قلت: إنما ضرب هندًا عمرو.

والذي نختاره مذهب الكسائي وقوفًا مع السماع، وتأويله بعيد، وتقول: ضرب غلامه زيدًا، وتقدم الكلام عليه في باب المضمر فلو قدمت زيدًا على ضرب غلامه منعها الكسائي والفراء وأجازها هشام، والمبرد والله أعلم بالصواب.

ص: 1350